شهدت السوق المحلية ارتفاعًا قياسيًا في أسعار الأعلاف خلال الأيام الماضية وتجاوز سعر الطن حاجز 15 ألف جنيه لدى بعض المصانع. ما يضغط بشكل مباشر على أسواق الثروة الحيوانية والدواجن. نتيجة ثبات أسعار البيع وعدم توافقها مع مدخلات الإنتاج. في الوقت الذي تعتمد فيه صناعة الدواجن على الاستيراد بنسبة تزيد على 80% لتوفير الأعلاف.
مصانع الأعلاف رفعت بدورها أسعار البيع بمعدل قارب 700 جنيه للطن الواحد خلال الأسبوع الماضي. ليبدأ معها تراجع نسبي على مستوى حجم البيع بالسوق. ليبقى التساؤل: “كيف تتأثر صناعة الدواجن في مصر خلال الربع الأخير من 2022 وانعكاس ذلك على أسعار بيع الدواجن؟ وهل تتسبب تلك الأزمة في ارتفاع سعر طبق البيض من جديد؟ وهل يستطيع صغار منتجي الدواجن في مصر الاستمرار في ظل ارتفاع تكلفة مدخلات الإنتاج؟”.
بحسب بيانات وزارة الزراعة يبلغ حجم الاستثمار الداجني في مصر ما يزيد على 100 مليار جنيه (5.1 مليار دولار) لإنتاج 1.4 مليار طائر. فضلا عن 14 مليار بيضة سنويا تكفي الاحتياج المحلي.
لماذا ارتفعت أسعار الأعلاف؟
التكلفة الخاصة بخامات تصنيع الأعلاف محليًا باتت في زيادة مستمرة بسبب عدم القدرة على الإفراج عن الشحنات المحجوزة في المواني وبقائها هناك عدة أسابيع. وتزيد تلك الكميات المحجوزة بمرور الوقت. ما يتسبب في زيادة تكالفة الإنتاج على أصحاب المزارع -بحسب محمد الشافعي نائب رئيس الاتحاد العام لمنتجي الدواجن لـ”مصر 360″.
ومع بداية الحرب الروسية-الأوكرانية ارتفعت أسعار الأعلاف بشكل مباشر. ما تسبب في موجة ارتفاعات لأسعار الدواجن والبيض إلى مستويات قياسية. ومع بدء هدوء الأسعار عالميًا لم ينعكس الأمر بعد على السوق المصرية واستمرت الأسعار في الزيادة.
استمرار ارتفاع تكاليف الإنتاج بات يُهدد المزارع العاملة في السوق. والتي تخارج بعضها مؤخرا بسبب تراكم الخسائر والمديونيات. وبالتالي هناك ضرورة لخلق حلول سريعة لإدخال البضائع المحجوزة في المواني.
ويرى محمود العناني -رئيس مجلس إدارة الاتحاد العام لمنتجي الدواجن أن أسعار الأعلاف ارتفعت لسببين. أحدهما يتعلق بارتفاع سعر صرف الدولار أمام الجنيه. فضلا عن صعوبة تدبير النقد الأجنبي. ما أدى إلى انخفاض حجم المعروض مقابل الطلب. والآخر يرجع إلى الحرب الروسية-الأوكرانية. والتي أثرت في حجم صادرات الأعلاف في السوق العالمية لاستحواذ الدولتين على النسبة الأكبر من صادرات الأعلاف.
ولفت لـ”مصر 360″ إلى أن حجم الزيادة في أسعار الأعلاف بلغت 40% منذ أوائل 2022. ما أثر بشكل مباشر في إنتاج الدواجن داخل مصر. وانعكاس ذلك على أسعار بيع البيض. موضحًا أن أبرز الأعلاف التي ارتفعت أسعارها هي الذرة الصفراء وفول الصويا.
إفراجات جمركية ضعيفة وشح الدولار
كما أن الإفراجات الجمركية عن مستلزمات صناعة الدواجن كانت هامشية وضعيفة. وأدى ذلك لنشاط السوق السوداء. وأصبح سعر طن الذرة 11 ألف جنيه بعدما كان 8 آلاف. وكذلك الصويا الذي طرح للبيع بسعر 18 ألفا بعدما كان 12 ألفا مع صعوبة في توفيره. وفق محمود العناني -رئيس مجلس إدارة الاتحاد العام لمنتجي الدواجن.
وقال العناني خلال مداخلة مع برنامج “حديث القاهرة” على فضائية “القاهرة والناس” إن الدولة المصرية لديها أولويات في استخدام المتوفر من الحصيلة الدولارية. والاتحاد يؤيد اتجاه الدولة لترشيد الاقتراض من الخارج. لافتا إلى أن الاتحاد نبه البنك المركزي بأن صناعة الدواجن مختلفة عن أي صناعة أخرى فقطاع الدواجن لا يمكنه الصبر أو الصمود وإلا فقد قوته.
وأوضح العناني أن الاتحاد شرح أهمية توافر الأعلاف. خاصة أن صناعة الدواجن عبارة عن سلسلة طولها 15 شهرا لا يمكن تقسيمها. لافتا إلى أن رئيس الوزراء ووزير الزراعة ومحافظ البنك المركزي وعدوا بأنه سيتم الإفراج عن خامات الذرة والصويا الموجودة بالمواني المصرية.
المستوردون يفرغون سفن البضائع في المواني ومن خلال الفواتير يتم إخطار البنوك لتحويل القيمة السعرية من المصري إلى الدولار على حساب الشركة المصدرة. وبعدها يحصل المستورد على الإفراج الجمركي ويتسلم البضائع -بحسب العناني.
في حين صرحت مصادر باتحاد منتجي الدواجن لـ”مصر 360″ بأن الفترة الماضية شهدت شحا على مستوى تدبير الدولار. ما انعكس بشكل مباشر على قدرة كبار المنتجين على استيراد الأعلاف واحتياجاتهم الأساسية في هذه الصناعة.
كان البنك المركزي أوقف التعامل بمستندات التحصيل في عمليات الاستيراد والعمل بنظام الاعتماد المستندي بدلاً منها. باستثناء 15 سلعة من السلع الأساسية. ما خلق أزمة لدى المستوردين لعدم قدرتهم على توفير العملة الأجنبية. وتسبب القرار في تكدس البضائع في المواني.
تخارج مربي الدواجن من السوق
ومنذ ارتفاع تكاليف الدواجن والقفزات متتالية على مستوى أسعار الأعلاف. وقد بدأت السوق تمر بضغوطات غير مسبوقة. ما تسبب في تخارج مربي الثروة الحيوانية والدواجن من السوق لعدم القدرة على تحمل ارتفاع التكاليف في مقابل انخفاض القوة الشرائية بحسب عبودة حامد صاحب مزارع تربية دواجن لـ”مصر 360″.
وأضاف أن الاستمرار في تربية الدواجن في ظل ارتفاع تكاليف الإنتاج بات صعبًا للغاية. ولا بد أن يكون هناك توازن بين تكلفة الإنتاج وسعر البيع لتحقيق التوازن في السوق بالنسبة لصغار المربين الذين يتأثرون بشكل مضاعف عن كبار المنتجين الذين يحتكرون المواد الخام وعناصر هذه التجارة.
ويقول محمد الشافعي -نائب رئيس الاتحاد العام لمنتجي الدواجن- إن الأعلاف تستحوذ على نحو 70% من تكاليف الإنتاج الخاصة بتربية الدواجن والثروة الحيوانية. وهو ما ينعكس بالسلب على الصناعة.
ولفت إلى أن ارتفاع أسعار البيض مرتبط بارتفاع تكلفة الإنتاج ونقص المعروض. وبالتالي السوق معرضة لأي زيادة في أي وقت من العام على مستوى البيض والدواجن: “هيكون فيه زيادات في الدواجن والبيض الشهور الجاية”. بجانب أن تجار هذه الصناعة سيكونون على المحك بالنسبة للاستمرار في هذه المنظومة الفترة القادمة مع استمرار معدل الزيادة في مدخلات الإنتاج.
محدودو الدخل وارتفاع الأسعار
وبعيدًا عن التأثر الذي يطول صغار المربيين وكذلك الكبار منهم أحيانا. فإن العبء الأكبر يقع على عاتق محدودي ومتوسطي الدخل باعتبارهم الفئة التي ينصب عليها كامل تلك الارتفاعات في تكاليف الإنتاج. “التجار ممكن يزودوا جزء من فرق مدخلات الإنتاج على سعر البيع وهنا يتم تعويض جزء من الخسارة. لكن المواطن يضطر إلى الشراء بالسعر مضافًا إليه تلك الارتفاعات في الأسعار” -يقول محمود العناني رئيس مجلس إدارة الاتحاد العام لمنتجي الدواجن.
عدم إيجاد حلول لأزمة ارتفاع الأسعار والإفراج عن الشحنات الموجودة بالمواني سيترتب عليه مزيد من الارتفاعات لأسعار اللحوم البيضاء والبيض. وبالتالي ستكون الفئات الأقل دخلًا هي المتأثر الأكبر بتلك التقلبات السعرية في السوق المحلية -يواصل “العناني”.
أما عبودة حامد -صاحب مزرعة دواجن- فيوضح أن تكلفة إنتاج كيلو الدواجن يتراوح بين 26 و28 جنيهًا. ومع الزيادة الأخيرة في الأعلاف سترتفع التكلفة بين 33 و35 جنيها على أرض المزرعة. ما يعني أن سعر الكيلو قد يصل إلى المستهلك النهائي في السوق عند سعر يتراوح بين 38 و40 جنيهًا بعد حساب تكلفة النقل وأرباح الوسطاء بين المزارع والمستهلكين.
ارتفاع التكلفة سينعكس مباشرة على السوق وسيتحمل كل من التجار والمستهكين جزءا من ارتفاع التكلفة. وبالتالي قد يُحجم البعض عن الشراء لارتفاع الأسعار. في حين قد يضطر بعض التجار للتخارج من هذه الصناعة قريبًا إذا استمرت الأوضاع كما هي الآن دون تحسن.
زيادة رغم الاكتفاء الذاتي
في المقابل قال رئيس قطاع الثروة الحيوانية والداجنة بوزارة الزراعة الدكتور طارق سليمان إن مصر استطاعت تحقيق الاكتفاء الذاتي من بيض المائدة. وتقوم بالتصدير للخارج ما يزيد على احتياجاتنا. ما يقلل من تأثر الدولة بأي ارتفاع عالمي على مستوى أسعار البيض. لكن الزيادات ترجع إلى ارتفاع مدخلات الإنتاج الخاصة بتربية الدواجن.
وأضاف خلال مداخلة ببرنامج “صالة التحرير” المذاع على فضائية “صدى البلد” أن إجمالي إنتاج الدولة من البيض يبلغ نحو 13 مليار بيضة سنويًا لسد استهلاك مختلف قطاعات الدولة. حيث تعد مصر من أعلى الدول المنتجة للبيض في المنطقة.
وتنتج مصر نحو 1.6 مليار طائر سنويا ويحقق هذا الإنتاج اكتفاءً ذاتيًا بنحو 95%. ولا تتعدى الفجوة الموجودة بين الإنتاج والاستهلاك نسبة 5% بحسب بيانات شعبة الدواجن.