كيف يبدو الشرق الأوسط في الأوساط الأمريكية التي تعد لصانع القرار الملفات والدراسات، سؤال لاشك أنه مهم لنا الآن في مرحلة يعاد فيها ترتيب الأولويات الأمريكية، ويعاد ترتيب الوضع الدولي، فالجميع متفق الآن أن مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية وما ترتب عليها من استحقاقات انتهت، الآن وليس في غد بعيد.. القوى الاقتصادية تطالب بنصيبها من النفوذ الدولي الموازي لهذه القوة، هذا ما عبرت عنه حرب روسيا في أوكرانيا ومواقف هذا الوقت بدءا من الصين فالهند فالبرازيل حتى إندونيسيا، لذا الآن يجب أن نفكر نحن العرب أين نحن من هذه التريبات أم أننا سنتجرع كأسا مريرا جديدا على غرار كأس سايكس بيكو الذي قسم المصالح والنفوذ في المنطقة بعد الحرب العالمية الأولى، سآخذ القارئ لملف أعدته مجلة فورين أفريز الأمريكية مؤخرا عن كتب القرن التي تعكس اهتمام ورؤية مراكز الأبحاث والمفكرين الأمريكيين للعالم، ثم سأعقب عليها.
تحرير ليزا أندرسون.
الوعد الكاذب بتغيير النظام في الشرق الأوسط، تأليف فيليب. ه. جورودون، نشر سانت مارتن 2020.
ديموقراطية الكربون: القوة السياسية في عصر النفط، تأليف ثيموثي ميتشل، نشر فيرسو 2011.
حرب المائة عام على فلسطين: تاريخ الاستعمار الاستيطاني والمقاومة: 1917 – 2017، تأليف رشيد الخالدي، نشر متروبوليتان 2020.
مدن الملح، تأليف عبد الرحمن منيف.
ذات، تأليف صنع الله إبراهيم.
لم يكن القرن العشرين لطيفا مع الشرق الأوسط، انهارت الدولة العثمانية التي كانت لها السيادة على مناطق عربية واسعة بعد الحرب العالمية الأولى، سيطرت القوى الأوروبية المنتصرة في الحرب على العديد من الدول العربية، وجرى تقاسمها كغنيمة حرب (اتفاقية سايكس بيكو) هذا ما عرقل الحياة السياسية العربية وأخضع المنطقة للمصالح الاقتصادية الأوروبية، ثم جاءت المستوطنات الصهيونية في فلسطين لتكمل المشهد الدرامي في المنطقة وهو ما أدى لقيام إسرائيل.
الطلب المتصاعد على النفط أدى إلى تحالف مع الأسر الحاكمة في الدول المنتجة له، وتغير المشهد بعد الحرب العالمية الثانية في ظل صعود الولايات المتحدة لتحل محل القوى الأوروبية في التحالفات بالمنطقة، ركزت سياسة الولايات المتحدة على الوصول الآمن للنفط، أمن إسرائيل، واحتواء الاتحاد السوفيتي وطموحاته في المنطقة، وحدث تحول في هذه السياسة بعد الحرب الباردة حيث أنتجت المرحلة ما يسمي (تعزيز الديموقراطية) مدفوعة بالاعتقاد بأن القيم الليبرالية ساهمت في الانتصار على الاتحاد السوفيتي، لتؤدي هجمات 11 سبتمبر عام 2001 إلى رد انتباه الولايات المتحدة إلى ما أصبح يعرف باسم (الحرب العالمية على الإرهاب) وهي معركة لا نهاية لها على ما يبدو ضد العنف الجهادي والطموحات السياسية الإسلامية.. فاجأت الانتفاضات العربية في العقد الثاني من القرن 21 الجميع، لكنها في النهاية لم تغير كثيرا في سياسات الولايات المتحدة التي استمرت في الحرص على تأمين نفط الخليج وأمن إسرائيل واستقرارها الإقليمي.. يقدم ثيموثي ميتشيل تحليلا للإدارة الدقيقة للولايات المتحدة للمنطقة، لكن على جانب آخر ناقش جورودون في سرد واضح وصريح عقود الفشل المستمر للولايات المتحدة في إعادة صياغة الشرق الأوسط.
يتتبع رشيد الخالدي في كتابه عواقب تناقضات السياسات الأمريكة في الشرق الأوسط عبر عدة أجيال متخذا من سيرة عائلة الخالدي الفلسطينية خطا يحلل من خلاله التطورات السياسية، بينما كان عبد الرحمن المنيف في رواية (مدن الملح) التي نشرت عام 1984 يصور اللقاء الأول بين البدو في الصحراء والأمريكيين الذين جاءوا لاكتشاف النفط، كما كان صنع الله إبراهيم رائعا في تصوير معاناة امرأة مصرية في ظل حكم ثلاثة رؤساء لمصر هم: جمال عبد الناصر، أنور السادات، حسني مبارك، لتقدم الرواية صورة مصغرة للحياة في مصر خلال نصف قرن.
مجلس التعاون الخليجي والاقتصاد السياسي للشرق الأوسط المعاصر، تأليف أدم هانية، جامعة كمبردج 2018.
أزمة المواطن في العالم العربي، تحرير رويل ونيلز بوتينشون، 2017.
المدينة الفاضلة، أحمد خالد توفيق، ترجمة تشيب روسيتي، مؤسسة قطر 2011.
جاءت الانتفاضات العربية في 2011 بمثابة مفاجأة لكل من الحكومات التي تمرد المواطنون ضدها وضد رعاتها الأمريكيين والأوربيين، كانت نتيجة الانتقاضات أكثر قابلية للتنبؤ، فبعض الدول انهارت فيما يبدو أنه صراع داخلي لا نهاية له مثل: ليبيا وسوريا واليمن، والبعض الآخر يتأرجح فيما يبدو أنه على حافة العنف مثل: العراق ولبنان وإسرائيل وفلسطين، وفي دول أخرى قوة الدولة ضمنت السلم المجتمعي كما هو الحال في: مصر والأردن والمغرب ودول الخليج ومؤخرا تونس، إن الملاحظة الأساسية في المنطقة هي اللامساواة والتفاوتات الفردية في الدخول، ولا يعرف المدى الذي سيستمر عليه هذا الوضع المحبط، وآدم هنية في دراسته المستفزة يركز على هذه النقطة، فهو يعتبرها محورية، ففي رأيه أنه مع ازدياد الأغنياء ثراءً، لا يزداد الفقراء فقرا فحسب، بل يبدو أيضا أنهم يفقدون الحقوق التي كانوا يتمتعون بها في ظل عنفوان مرحلة ما بعد الاستقلال والسياسات ذات الطابع الجماهيري، تم استكشاف تآكل حقوق الإنسان في جميع أنحاء المنطقة، تم استبدال الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية بامتيازات وزعتها الطبقة والطائفة والقرابة، والتي صممت لدعم الأنظمة الحاكمة، حتى في أعقاب الانتفاضات العربية ودعواتها إلى (الخبز والكرامة والحرية والقانون) يبدو أن الحكومات لا تملك الرغبة في إنفاذ حقوق المواطنة، نظرا لضعف الاقتصاد وتدهور البيئة في الشرق الأوسط أمام التغيرات المناخية، فإنه من المدهش أن عددا قليلا من الكتب ركزت على التحديات البيئية والاقتصادية المتعددة في المنطقة.
مرة أخرى، فإن الخيال يقدم لمحة لنا عما ينتظرنا في المستقبل، نشر كتاب يوتوبيا للكاتب المصري أحمد خالد توفيق باللغة العربية عام 2008 وترجم إلى اللغة الإنجليزية لأول مرة عام 2011، تدور أحداث الكتاب في المستقبل البعيد عام 2023 بعد أن طورت الولايات المتحدة مصدرا للوقود بديلا للنفط، مما يجعل النفط شيئا عفا عليه الزمن، يعيش أبطال الرواية في يوتوبيا، وهي مستعمرة مسورة يحميها مشاة البحرية الأمريكية على الساحل الشمالي لمصر، والتي انسحب إليها الأثرياء بعد انهيار الحكومة، والذين يعيشون خارج المدينة الفاضلة (يوتوبيا) يطلق عليهم الآخرون، غارقون في المرض والجوع والعنف، بحثا عن الإثارة يهرب عدد من شباب يوتوبيا من المجمع المسور لمطاردة الآخرين، مدركين أنه يمكنهم دائما الاتصال بأحد الوالدين لإرسال مروحية لإنقاذهم من المتوحشين الذين يعيشون في القاهرة بدون ماء ولا كهرباء، حيث يتغذى مدمنو المخدرات على الكلاب الضالة في أنفاق المترو الفارغة، لقد كانت الرواية قاتمة بشكل لا يمكن تصوره، لكنها كانت ولازالت الأكثر مبيعا، والمحرر يرى أنها تعطي البصيرة التي يجب أن نتأمل من خلالها بعناية.
كيف يفكر الباحثون الأمريكيون الآن في الشرق الأوسط؟
سؤال تجيب عليه اختياراتهم للكتب السابقة، في حقيقة الأمر ينحصر تفكير الأمريكيين الآن في الشرق الأوسط في النفط، هذا التفكير بدأ مع تداعيات سلاح النفط في حرب 1973، فهم عملوا بجد على نقطتين أساسيتين: إنهاء هيمنة الشرق الأوسط على سوق النفط، ثم إيجاد مصادر بديلة للنفط، لذا فهم سعوا عبر إحكام السيطرة على مصادر النفط عبر الشركات الأمريكية أو الحلفاء في إطار نوع من الشراكة، لذا، فالفهم الذي أشاعوه أن حرب غزو العراق كان من أجل الإرهاب أو السلاح النووي هو فهم خاطئ وبعيد عن إدراك الواقع، هذا كان غزوا لإدخال مصادر البترول العراقي الهامة في إطار سياسات الطاقة الأمريكية والأوروبية، النقطة الهامة هي إقرار الأمركيين بفشلهم في توجيه سياسات الدول في الشرق الأوسط وتوجيهها نحو السياسات الليبرالية وهو ما يقابل بانتقادات حادة في الداخل الأمريكي من جماعات حقوق الإنسان، كما ظهر أن الأمريكيين تعاملوا مع الواقع السياسي طالما يخدم توجهاتهم ومصالحهم، فموقفهم المتأرجح مع الرئيس جمال عبد الناصر معهم كان مرتبطا بتحجيمه الحزب الشيوعي المصري والحركات اليسارية في مصر، ففي كل المراكز الأمريكية هناك تساؤلات حول مرحلة ما بعد النفط في المنطقة، لذا فمدن الملح لعبد الرحمن منيف جرى اختياراها ليس لدراسة هذا الاختفاء وتداعياته بقدر ما هي تقدم الشخصية العربية وقدرتها على التعامل مع التداعيات سلبية وإيجابية، يدرك الأمريكيون جيدا أن هناك أزمات عميقة في توزيع الثروة والحقوق المترتبة على نمو طبقة شديد الثراء وطبقات تزداد فقرا يوما بعد يوم، ولذا جاء اختيار رواية يوتوبيا لأحمد خالد توفيق لأنها تقدم رؤية واقعية حول حياة الكومبوند المنتشرة في المدن العربية والمعبرة عن التفاوت الطبقي والتفاوت في الخدمات، مع توقع أن هناك ثورة على هذا الواقع كامنة حتى لدى الشباب الموجود في مجتمع الأثرياء المعزول، لذا فالرواية التي جرى دراساتها بعناية من قبل المتخصصين في علم الاجتماع السياسي في الولايات المتحدة، هي الوحيدة التي قدمت إجابات لهم على ما يلي: لماذا يحمل شباب الطبقات الثرية العربية مشاعر رفض ضد الآباء وضد الحداثة المفرطة، مع الحنين للماضي في شكل الأكلات الشعبية (انظر تزايد الطلب مؤخرا على البصارة في مصر، والطلب على محلات الأكل البلدي مثل الطواجن والملوخية على حساب الوجبات السريعة التي تعبر عن النمط الأمريكي) هذا ما كان محل تحليل ونظر عميق، لذا فالقادم ستراه عبر شباب الطبقات الثرية الذين انقادوا لأفكار ليبرالية أو إسلامية أو يسارية، لأعود بالقارئ لذات الظاهرة في الأعوام التي سبقت عام 1952، حين كان شباب عائلة محي الدين الثرية (خالد / زكريا) بفكر يساري / ليبرالي ضد الملكية التي تعتبر أسرتهم الثرية جزءا من نظامها، أو اشتراك عبد الحكيم عامر في ثورة يوليو وهو ابن أسرة منها ضباط مرموقين موالين للملك وأثرياء من الموالين للأسرة الملكية، ليخرج كل هؤلاء عن الملك ويثورون ضده.
أدرك الأوربيون والأمريكيون رمزيات الأدب العربي واستخدام عدد من الأدباء العرب لغة غير مباشرة لها دلالات سياسية.