الصباحات الجميلة تصنع أمل، نصحو برغبة في السعادة، هكذا الغالبية، فقد كانت الجدات يملأن أسماعنا بدعاء جميل “صبحنا وصبح المُلك لله، يارب صبحنا وربحنا وبين عبيدك لا تفضحنا”، فتعلم كثير منا أن الصباح بداية جديدة، لكنه وبمجرد حدوث أي موقف يتلون الوقت والمشاعر بألوان داكنة، وسرعان ما تقف أمامنا عبارة كُتبت بأكبر فونت يمكن أن تستوعبه العين.

ليس لدينا بديل!!

هكذا يحكم البعض، وهو لا يعلم أن الطبيعة من حوله صنعت كل الآليات التي تجعله يشعر بانعدام البدائل، وأيضًا وضعت عشرات الاختيارات.

ثنائية إجبارية

الليل والنهار، الذكر والأنثى، الأبيض والأسود، الجوع والشبع وعشرات الثنائيات التي تدور حولنا أو ندور حولها، تلك الثنائية التي صنعت وجهة نظر معلنة أو خفية تُفيد أنه لا يوجد بديل، فإن لم تكن سعيد فأنت حزين، إذ لم نكن في وقت النهار فنحن في الليل، تلك الثنائية وبساطتها تصلح للأطفال في مقتبل الحياة، هؤلاء الذين لا يملكون وجهات نظر عديدة، يبدؤون سُلم التعلم، ويحتاجون لأشياء بسيطة لصنع علاقات متشابكة، ولكن ماذا عنا نحن؟

ربما لأن الإنسان خلق في كبد، يحمل معاناته ومتاعبه، فإنه يميل إلى الراحة، الغالبية ترتاح مع سياسة القطيع، لا يميلون للاختيار، ويُصبح السؤال الوجودي “هل الانسان مخير أم مسير؟ مجرد أسئلة يُثيرها البعض في أوقات الفراغ، إذا أن قناعة مستكينة في اللاوعي لدى الغالبية بأننا غير مخيرين، وهذا في الواقع غير صحيح!

الخوف من المسئولية

الاختيارات مُرهقة، فهي تستلزم وضوح الرؤية والهدف، تحتاج معلومات حقيقية وصحيحة لعقد المقارنات، لمعرفة المميزات والعيوب، ودراسة الأفضل بالنسبة لنا، إنها أمور معقدة لدى أغلبنا، ولأننا نميل إلى الراحة بشكل فطري، فتُصبح عبارة “أي حاجة” إجابة شائعة الاستخدام عند سؤال أحدهم عن اختياره في بعض الأمور مثل الأكل، واللبس، ومكان الخروج، وتوقيت الخروج، تأتي جملة “أي حاجة” لتُخلي المسئولية، وتجعل صاحب الاختيار خالي المسئولية، إذ أن الاختيار يتبعه مسئولية مما يجعل فكرة الاختيار مرهقة في كل تفاصيلها.

الخوف من المسئولية شعور معقد لكنه دفين ومتأصل في نفس الانسان، ولعلنا نجد أكبر تجلي لهذا الخوف حين نستخرج أي ورقة رسمية وكم التوقيعات والأختام التي نحتاجها لاعتبار الورقة صحيحة، فهذه التوقيعات الكثيرة تُشير إلى تفرق دم المسئولية بين عدد كبير، ومن ثم عند وقوع خطأ فإن الغالبية يُنكرون مسئولياتهم، بمد الخط على استقامته، ستجد هذا التجلي في كل شيء، تُلح الزوجة على زوجها في تحديد ما يرغبه من طعام، حتى تتخلى عن أي تبعات أن يكون اختيارها لا يلائم الزوج، ومن ثم تظل تُلح وتأتي الإجابة بأي حاجة وفى حالة أنه لن يعجبه اختيارها فسيكون هو المسئول لأنه قال أي حاجة.

الخوف من الاختيار، والمسئولية أمراض كامنة في نفوس الكثير.

ثقافة البدائل

الخوف من الاختيار ليس الشيء الوحيد الذي نعانيه، وإنما تبعاته هي الأسوأ، فلا نُربي أولادنا على مفهوم التحري والتعرف على احتياجاتنا، لا نبحث عن الجديد، ونخاف استخدام البدائل، نسير في طريق مزدحم لأنه الطريق الذي نعرفه، نأكل ما نعرفه، ونختار ما نعرفه، ونحتاج قوة دفع كبيرة لاختيار شيء جديد.

بوادر التغيير تبدأ مع التكنولوجيا، فتقنية ال GPS تقدم اقتراحات بطرق، فنجدنا مُجبرين لاختيار الطريق الأيسر، لكن هل ينسحب ذلك على أوجه حياتنا؟

تأتي فكرة البحث في البدائل كحل وحيد للخروج من مأزق الضغوط الحياتية، غلاء الأسعار قوة دافعة كبرى لنفكر في بدائل نفس الاحتياجات ولكن بأسعار أقل، زحام الطرق يدفعنا للتفكير في طرق بديلة، ولكن هل هذا التغير الذي يحدث لنا سيدفعنا للتفكير في حياتنا بطريقة البدائل؟

إنها أسئلة قد ننشغل عنها رغم أن وجود بدائل واختيارات تجعل الحياة أفضل، فلو فكرنا في العلاقة الزوجية حين تستحيل العِشرة بين الزوجين لماذا عليهما ان يكونا عدوين وغريمين، ولماذا لا تكون علاقة محايدة لصالح الأبناء؟ هذا بديل أنسب لمرحلة ما بعد الطلاق، وفى حالة الارتباط العاطفي، عندما تصل العلاقة إلى نقطة معقدة لماذا يكون الحل هو الانفصال والتحول للعدائية؟

التعامل مع الحياة بمنطق الثنائية أمر منهك بشدة وخسائره أكبر من مكاسبه، فالحب له أشكال متنوعة، يمكن ان نبذل بعض الجهد لتحويل حالة الحب نحو الشريك إلى حالة من الود ليس المطلوب أن يكون صديق/ة ولكن المطلوب ألا يكون عدو، وهكذا الأمر في حالات الطلاق.

التحول إلى الجهة المقابلة ليس اختيارًا جيد، فهو يلغي ببساطة عشرات البدائل تلك التي تجعل الحياة أيسر وبها بعض السعادة، لكن التعامل مع الحياة بمنطق أن تأخذ كل شيء أو تترك كل شيء هو نوعًا من المقامرة التي غالبا ما يخسر أصحابها فرص للحياة الأفضل.

فإذا كنا نختار الطريق الأسهل ونحن نحدد وجهة سنصل إليها، ألا تستحق حياتنا أن نفكر في اختيارات وبدائل؟ البروتين موجود في اللحم وفى الفول، والفاكهة متنوعة، الطبيعة التي فطرتنا على الثنائية في كثير من أوجهها مدت لنا فكرة التنوع في تفاصيلها، فاللون الأخضر له درجات عديدة، أوراق الشجر متنوعة الأشكال، نحن أنفسنا كبشر لو نظرنا إلى العين أو الأنف أو الشفاه سنجد عدد لا حصر له من شكل كل منها، فلماذا نقل هذا التنوع لكننا لا نفكر في بدائل تجعل حياتنا أكثر سهولة وسعادة؟