كشف خبراء في الاقتصاد الزراعي والتجارة الدولية، عن عدد من المعوقات التي تقف حائلا أمام التوسع في دخول السلع الزراعية إلى الأسواق الخليجية والأوروبية. والتي يأتي في مقدمتها الروتين والإجراءات الحكومية المعقدة، بالإضافة إلى المواصفات القياسية المرتبطة بالحجم واللون والجودة.

وشهد المؤتمر الـ29 للجمعية المصرية للاقتصاديين الزراعيين، مناقشات موسعة للمستجدات المحلية والدولية على الاقتصاد المصري خاصة النشاط الزراعي. كما ركزت المناقشات على ثلاثة محاور رئيسية، أولهم أثر التغيرات المناخية على الزراعة المصرية، بالإضافة إلى التحديات الإقليمية والعالمية التي تواجهها، وأخيرا أداء التجارة الخارجية المصرية في ظل الأزمات، فيما يخص الحاصلات الزراعية المصدرة.

اقرأ أيضا.. “مش صديق الفلاح”.. مشروع الموازنة يخفض دعم المزارع 120 مليون جنيه

المؤتمر ركز أيضا على التحديات والمعوقات التي تقف أمام الصادرات الزراعية المصرية إلى أسواق دول مجلس التعاون الخليجي. والتحديات الاقتصادية الخطيرة، التي يشهدها الاقتصاد العالمي في الوقت الحالي مثل أزمة وباء كورونا، مرورا بالأزمة التي سببتها الحرب الروسية الأوكرانية التي انعكست على أسعار الطاقة والأسمدة والأعلاف.

كما أبرز المتحدثون في المؤتمر التاسع والعشرين للاقتصاديين الزراعيين، الذي عُقد مؤخرا في نادي الزراعيين بالجيزة، أهم التحديات التي تواجه القطاع الزراعي في مصر، والتي تُحد من تطور تدفقات التجارة والاستثمارات بين مصر ودول مجلس التعاون الخليجي.

الدكتور مغاوري شلبي، رئيس المجموعة الاقتصادية بوزارة التجارة، قال إن مصر تمثل عمقا استراتيجيا للأسواق السعودية والخليجية لكونها سوقا قريبة وعالية الاستهلاك. كما تمثل بوابة لعبور المنتجات الخليجية لإفريقيا، ومُوردا للعديد من المنتجات الزراعية والصناعية. لكنه أضاف أن هناك العديد من المشكلات التي تعرقل إقامة شراكة تجارية متكاملة بين مصر ودول الخليج.

معوقات الصادرات الزراعية إلى الخليج

الفراولة أحد أكثر المحاصيل المصرية التي تم منعها من دخول الأسواق السعودية

وعدد “مغاوري” خمسة عوامل أثرت بالسلب على تعميق التبادل التجاري بين مصر ودول الخليج، أولها وضع معايير متشددة على الصادرات الزراعية المصرية مثل (معايير الصحة النباتية. وإجراء الكشف عن متبقيات المبيدات في الزراعة)، مما أدى لرفض شحنات منتجات مصرية ومنع دخولها الأسواق الخليجية، أهمها البصل والخضروات والأسماك وتكرار حظر دخول بعض المنتجات الأخرى مثل البطاطس، والعسل الأبيض.

وأضاف “مغاوري” أن الأمر الثاني يتعلق بالسياسات الخليجية نفسها التي ترفع حدة المنافسة مع المنتجات الزراعية المصرية. فالكويت على سبيل المثال تعطي أفضلية للمنتجات المحلية بفارق 15% عن مثيلاتها المستوردة. فيما تطبق باقي دول مجلس التعاون نسبة 10%.

كما أوضح أن العامل الثالث هو تقديم بعض دول مجلس التعاون الخليجي مزايا تفضيلية لصادرات دول أخرى غير عربية بموجب اتفاقيات تجارة حرة بينهما. على سبيل المثال المزايا التي تمنحها سلطنة عُمان للمنتجات الأمريكية بموجب اتفاقية التجارة الحرة بينهما، ما يجعل الصادرات المصرية في مواجهة قوية هناك.

بينما كان العامل الرابع هو اشتراط بعض دول الخليج وجود وكيل محلي من أجل دخول الصادرات المصرية لتسويقها. بينما العامل الأخير الذي يقف عائقا أمام الصادرات الزراعية إلى الخليج بحسب “مغاوري” هو صعوبة تسجيل وتسعير ومن ثم تصدير الأدوية إلى أسواق الخليج بسبب ارتفاع تكاليف النقل والشحن، ما يؤثر على الصادرات في المجال الطبي.

أما عن المعوقات التجارية من الجانب المصري، أشار “مغاوري” إلى أن الإجراءات المصرية المعقدة والروتين يحدان من تدفق الاستثمارات منها التحديات المرتبطة بنظام تقنين الأراضي للمشروعات الاستثمارية، ومشكلة توفير العملة الأجنبية وتسهيل تحويل الأموال.

وأضاف رئيس المجموعة الاقتصادية بوزارة التجارة، أن البيروقراطية والمشكلات المرتبطة بالمنافذ الجمركية، وتكرار تغيير القوانين والأنظمة، وارتفاع الأعباء الضريبة، ومشكلات تراخيص المصانع المصدرة إلى مصر وبطء التقاضي على رأس هذه المعوقات.

يشير “مغاوري” إلى الدور الذي تلعبه السعودية كمنافس قوي لمصر في الاستثمارات الأجنبية بعد قيام المملكة باتخاذ بعض القرارات الأخيرة، منها وقف التعاقدات الحكومية السعودية مع الشركات الأجنبية التي تملك مقرا إقليميا لدى دول أخرى في دول غير المملكة.

السعي لعقد اتفاقيات أجنبية

حاصلات زراعية مصرية في الكويت

أشار “مغاوري” إلى سعي دول مجلس التعاون الخليجي لإبرام ثلاث عقود لتحرير التجارة مع الاتحاد الأوروبي والصين وأستراليا. إذ تهدف تلك الاتفاقيات إلى الحصول على مزايا تفضيلية للصادرات لزيادة قدرتها التنافسية. ويشير “مغاوري” هنا إلى فشل هذه المساعي بسبب عدم رغبة هذه الدول في التعاون مع دول المجلس. كما يضيف “مغاوري” أن دول الخليج عوضا عن ذلك بدأت في التوجه إلى المناطق المربحة استثماريا كالولايات المتحدة الأمريكية، لزيادة استثماراتها في مصافي النفط ومجالات الطاقة الخضراء.

وعن أبعاد التواجد المصري في المنطقة، يقول رئيس المجموعة الاقتصادية بوزارة التجارة، إن العمالة المصرية تمثل مصدرا للخبرات العلمية والفنية في دول الخليج. ففي السعودية وحدها هناك 3 ملايين مصري يعملون في مجالات مختلفة، ويمر ثلث إنتاج النفط من القارة السمراء عبر مصر من خلال قناة السويس. كما تمثل مصر أكبر الدول في الحج والعمرة بـ 570 ألف معتمر وحاج مصري. كذلك يتميز اقتصاد مصر بالتنوع ما يعزز النمو الاقتصادي ويضمن استمرار نمو الاقتصاد الخليجي.

فالسوق الخليجية مهمة للصادرات المصرية برأي “مغاوري” لأنه يستهدف 58 مليون نسمة من ذوات الدخل المرتفع بالمنطقة. أعلاها في قطر بواقع 52 ألف دولار في السنة للفرد، وأدناها في عُمان بواقع 14.4 ألف دولار، كما أن السوق مستوعب جيد للعمالة المصرية، حيث تبلغ قيمة تحويلات المصريين من الخليج 98% من قيمة تحويلات المصريين بالخارج.

وبيّن “مغاوري” أن حجم الاستثمارات الخليجية تفوق استثمارات الاتحاد الأوربي في مصر. فدول مجلس التعاون مصدر مهم للتمويل المُيسر من (المنح – والقروض- العون الإنمائي) تعتبر الإمارات أكبر مستثمر خليجي في مصر تليها السعودية ثم الكويت وقطر والبحرين وأخيرا عُمان.

كما توقع زيادة نمو الاستثمارات الخليجية في مصر خلال الفترة المقبلة بسبب استحواذات السعودية والإمارات التي شهدها السوق المصري خلال عامي 2021 و2022.

وعن حل لهذه المعوقات أوصى رئيس المجموعة الاقتصادية بتفعيل منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، والتزام الدول العربية بها، الإسراع في بناء الاتحاد الجمركي العربى وتوحيد الإجراءات في المنافذ الجمركية، والقضاء على البيروقراطية.

الأسمدة والتصدير الزراعي

مصر أحد أكبر دول العالم تصديرا للأسمدة

أشار دكتور محمود العضيمي، أستاذ الاقتصاد الزراعي بجامعة عين شمس أشار إلى تأثير الأسمدة في وزن صادرات مصر الزراعية في السنوات الأخيرة في ظل المتغيرات المعاصرة “الصدمات الهيكلية” التي أدت لتذبذب في سوق الأسمدة بمصر مع ارتفاع أسعار الطاقة محليا وعالميا.

“إضافة إلى ارتفاع النقل ونقص المعروض في السوق العالمية ما جعل شركات الأسمدة تفكر في تصدير أكبر كمية ممكنة مع تهميش السوق المحلي. خاصة أن معظ إنتاج مصر من الأسمدة الأزوتية، غير المتوفرة في العالم” بحسب العضيمي.

كما قال خلال كلمته في المؤتمر: “الوضع الراهن في إنتاج الأسمدة بمصر يتمتع بميزة كبيرة في الصادرات، إذ إنها حققت مستوى نمو في الفترة من 2016 إلى 2022، بمعدل كمي 8%، ومعدل نمو في الأسعار بلغ 77% بسبب ارتفاع الأسعار العالمية وزيادة التصدير”.

وتساهم مصر بــ 9% من الإنتاج العالمي من الأسمدة لكنها تحتاج داخليا إلى 11.8% من هذا الإنتاج سنويا، خاصة في الفترة من شهر مارس/آذار إلى سبتمبر/آيلول من كل عام، ما دفعها لوضع سياسات حمائية تجارية لضمان توفير الأسمدة للسوق المحلي.

كذلك وضعت مصر مجموعة إجراءات ضمنية ذات فاعلية جيدة لتسهيل استيراد مستلزمات إنتاج الأسمدة عن طريق وزارة النقل والتجارة والصناعة. منها الإعفاء من رسوم الانتظار بالموانئ، وتقليل التأخير الجمركي، وتخفيض إيجار المخازن، ما قلل من تكاليف الاستيراد والتصدير وأعطى تنافسية سعرية للأسمدة المصرية في الأسواق العالمية.

تقييم الزراعات وأثره على تراجع التصدير

من ناحية أخرى أرجع الدكتور إبراهيم سليمان أستاذ الاقتصاد الزراعي في جامعة الزقازيق انكماش الصادرات الزراعية المصرية بالأسواق العربية إلى ثلاثة أسباب متعلقة “بالمواصفات”. مضيفا أنه لا يوجد لها تعريف في نظم التسويق، مع عدم استيفاء الشروط التصديرية.

وعن عدم السماح للمنتجات المصرية بالدخول للسوق الأوروبية قال سليمان خلال كلمته بالمؤتمر إن الاتحاد الأوروبي لديه سياسة تسعيرية معينة للواردات.

أضاف سليمان: “تأثير الاتفاقيات التي وقعت عليها مصر وتبلغ 18 اتفاقية تحد من عملية التصدير، بالإضافة إلى أن المواصفات البيئية التي تضعها الدول العربية غير واضحة وتكاليفها عالية. حيث تطالب الدول العربية بالمراقبة من بداية الإنتاج، مع وضع مواصفات تجارية تخص الشكل واللون والحجم”.

وأوصى المتحدثون في المؤتمر بزيادة مخصصات المساندة التصديرية للسلع الزراعية الأقل في استهلاك المياه مقارنة بباقي الصادرات الزراعية الأخرى الأكثر استهلاك للمياه وكذلك للصادرات الموجهة لفتح أسواق جديدة.

بالإضافة إلى جذب الاهتمام الخليجي للاستثمار في مجالات الإنتاج الزراعي النباتي والحيواني والداجني والسمكي. بالإضافة إلى تدشين تحالف مصري – سعودي؛ لإنشاء مجمعات صناعية متخصصة في الطاقة المتجددة وفي مقدمتها الهيدروجين الأخضر من أجل تصديره لدول العالم.