في دراسة جديدة قال البنك الدولي إنه من غير المحتمل أن يحقق العالم هدف القضاء على الفقر المدقع بحلول عام 2030 بدون تحقيق معدلات نمو اقتصادي “تتحدَّى التاريخ” في ما تبقَّى من العقد الحالي. وأرجعت الدراسة تزايد عدد الفقراء إلى عدد من الأسباب أهمها آثار أزمة كورونا على الوضع الاقتصادي العالمي، والتي فاقمت أوضاع الفقر وزادت من مؤشراته في معظم بلدان العالم. بالإضافة إلى تداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا.
البنك قال إن القضاء على الفقر كان أول أهداف خطة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة والتي سبق اعتمادها في عام 2015 باعتبارها دعوة عالمية لإنهاء الفقر وحماية سكان كوكب الأرض وضمان تمتعهم جميعا بالسلام والازدهار بحلول عام 2030.
خطة الأمم المتحدة شملت أيضا سبعة عشر هدفا متكاملا، أبرزها القضاء على الجوع والتمييز والعنف والنزاعات عبر تحقيق المساواة والسلام. بالإضافة إلى دعم الصناعة والابتكار والعمل اللائق والتعليم والصحة. بالإضافة إلى الوصول بمعدلات الفقر العالمية إلى ما نسبته 3% فقط في 2030.
اقرأ أيضا.. على هامش سد النهضة.. تجارب البنك الدولي في مشاريع المياه: دعاية فضفاضة وتمويل محدود
الأشد فقرا دفعوا تكاليف الجائحة
البنك كشف أن الحد من الفقر انخفض بالفعل في السنوات الخمس التي سبقت الجائحة، كما أشار أيضا إلى أن أشد الناس فقرا تحملوا العبء الأكبر من تكاليف الأزمة. وأن 40% من السكان الأشد فقرا شهدوا متوسط خسائر في الدخل بنسبة 40% أثناء الجائحة. وهو ضعف الخسائر التي تكبدها 20% من أغنى سكان العالم.
رئيس مجموعة البنك الدولي ديفيد مالباس قال إنه بالفعل تراجع التقدم المُحرز في الحد من الفقر المدقع بالتزامن مع ضعف معدل النمو الاقتصادي العالمي. كما أن ما يبعث على القلق بشكل أكبر هو ارتفاع معدلات الفقر المدقع وتراجع الرخاء المشترك جراء تزايد مستوى التضخم، وانخفاض قيمة العملات، والأزمات المتداخلة الأوسع نطاقا التي تواجه التنمية.
تعديل السياسات ضرورة
وبحسب مالباس: “يعني هذا أن ثمة آفاقا قاتمة أمام مليارات البشر على مستوى العالم. كما أنه من الضروري إدخال تعديلات على سياسات الاقتصاد الكلي لتحسين تخصيص رأس المال العالمي، وتعزيز استقرار العملات، والحد من التضخم، واستئناف النمو في متوسط الدخل. أمَّا البديل عن ذلك فهو استمرار الوضع القائم – من حيث تباطؤ النمو العالمي، وازدياد أسعار الفائدة، واشتداد الإحجام عن تحمل المخاطر، والأوضاع الهشة في كثير من البلدان النامية”.
نتائج غير مفاجئة
ما أعلنه البنك الدولي في تقريره الأخير قبل أيام، لم يكن مفاجئا ويتصل بمؤشرات سابقة اعلنتها مؤسسات دولية، منها البنك نفسه. إذ أصدر البنك الدولي تقريرا حول الفقر عام 2020. وقال إن العالم ليس على المسار الصحيح لمواجهة الفقر. كذلك أشار حينها إلى أن هناك 100 مليون شخص دفعوا إلى عداد الفقر المدقع، بينما 40% من فقراء العالم في أوضاع هشة أو متأثرة بالصراعات، وهي نسبة يمكن أن تصل إلى الثلثين بحلول عام 2030.
ندوب الفقر
فى 2003 قالت منظمة العمل الدولية إن الخلاص من الفقر عملية طويلة معقدة تتطلب من جميع عناصر المجتمع أن تعمل يدا واحدة. وللحكومات وأصحاب العمل والعمال دور حاسم في المواجهة.
كما دعا خوان سومافيا، مدير عام منظمة العمل الدولية الحكومات وأصحاب رؤوس الأموال والعمال، للمساعدة في تحرير المجتمعات من قبضة الفقر العالمي. كما اعتبر أن هذا الهيكل الثلاثي هو مكمن القوة في مواجهة الفقر، وتوفير العمل اللائق للجميع.
أشار سومافيا عام 2012 إلى أن عدم القدرة على مواجهة أزمة البطالة غير المسبوقة بإجراءات قوية سيدخل المجتمع العالمي في مواجهة مع إرث مخيف لجيل ضائع. كذلك طالب بحل مشكلات 75 مليون شاب عاطل في العالم و228 مليون شخص يكافحون من أجل البقاء على قيد الحياة. بينما حذر من أن هذا الوضع سيترك ندوبا على جيل كامل.
وكشفت تقديرات الفقر عام 2015 تحسنا في هدف القضاء على الفقر، حيث انخفض عدد الذين يعيشون في فقر مدقع إلى أكثر من النصف بين عامي 1990 و2015، من إجمالي 1.9 مليار نسمة إلى 836 مليون نسمة. كما تظهر مؤشرات 2015 أن 800 مليون شخص يعيشون على أقل من 1.25 دولار في اليوم، وكثير منهم يفتقرون إلى الغذاء الكافي ومياه الشرب النظيفة والصرف الصحي.
تراجع في الصين والهند وزيادة عربية وإفريقية
أدى النمو الاقتصادي السريع في بلدان مثل الصين والهند إلى إنقاذ الملايين من الوقوع براثن الفقر، ولكن التقدم كان متفاوتا. إذ كان محدودا في مناطق أخرى، مثل جنوب آسيا وإفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، اللتان تمثلان معا 80% من ضحايا الفقر المدقع. كما أن النساء لا يزلن أكثر عرضة للعيش في فقر أكثر من الرجال بسبب عدم المساواة في الحصول على العمل المدفوع الأجر والتعليم وحقوق الملكية.
وفي عام 2010، كان 4% من سكان المنطقة العربية يعيشون تحت خط الفقر الدولي البالغ 1.25 دولار أمريكي في اليوم. بينما كان يعيش 40% منهم على أقل من 2.75 دولار في اليوم. وتعد المنطقة العربية هي الوحيدة من بين مناطق العالم التي ازداد فيها الفقر المدقع منذ عام 2010 (عدد السكان الذين يقل دخلهم عن 1.25 دولار أمريكي في اليوم).
انخفاض النمو وزيادة الفقر يرفعان التوترات السياسية
وضمن بيانات البنك الدولي حول آفاق الاقتصاد العالمي، توقع البنك أن يتراجع النمو إلى 2.9% عام 2022. بينما تسببت الحرب فى أوكرانيا في ارتفاع أسعار السلع الأولية، ما يزيد من تعطل سلاسل الإمداد، وتفاقم انعدام الأمن الغذائي والفقر. وقال إن الآفاق المستقبلية عرضة لمخاطر تطورات سلبية متعددة، منها ازدياد حدة التوترات الجغرافية-السياسية.
وفيما يخص الشرق الأوسط أشار البنك الدولي إلى عدد من المخاطر المحدقة. فمعدلات النمو تميل إلى الهبوط، وتتقلص تدفقات رأس المال في المنطقة. ما قد یؤدي إلى تضخم أسعار الغذاء بشكل أكثر تسارعا، وتآكل الدخل الحقیقي للسكان. بينما أشار تقرير سابق للاتحاد الدولي لنقابات العمال إلى أن منطقة الشرق الأوسط أسوأ منطقة فى العالم بالنسبة للعمال.
وقال تقرير آخر للبنك الدولي إن الفقر المدقع يتركز الآن في إفريقيا جنوب الصحراء التي يبلغ معدل الفقر فيها نحو 35% ويمثل الرقم 60% من جميع الأشخاص الذين يعيشون في فقر مدقع.
كيف يمكن تدارك الأزمة؟
من ناحية أخرى، دعا خبراء البنك الدولي إلى تعزيز التعاون العالمي. وطالبوا الحكومات بحزمة إجراءات من بينها التحرك على ثلاث جبهات، تجنب الحكومات تقديم إعانات الدعم، وزيادة التحويلات المُوجَّهة لفئات مُعيَّنة. إذ أن نصف إجمالي الإنفاق على دعم الطاقة في الاقتصادات منخفضة ومتوسطة الدخل يذهب إلى أغنى 20% من السكان الذين يستهلكون نسبة أكبر من الطاقة. والتحويلات النقدية آلية أكثر فعالية بكثير لمساندة الفئات الفقيرة والأكثر احتياجا.
كما طالبوا بالتركيز على النمو طويل الأجل، إذ يجب اليوم اتخاذ القرارات الخاصة بالاستثمارات ذات العائد المرتفع في التعليم والبحوث والتطوير ومشروعات البنية التحتية. وسيكون من الضروري رفع كفاءة الإنفاق. بالاضافة إلى تعبئة الإيرادات المحلية دون المساس بالفقراء. ونصح البنك بالتوسع في الضرائب العقارية وضرائب الكربون دون أن يقع عبئها بالضرورة على كاهل أكثر الناس فقرا. وكذلك يمكن توسيع قاعدة الضرائب على الدخل الشخصي وضريبة دخل الشركات.