كتب- عاطف سعد
اهتمت وزارة التعليم منذ سنوات برفع مستوى الاعتماد على التكنولوجيا الحديثة في الفصول المدرسية واعتماد التابلت وتطوير الكتب المدرسية. فيما أغفلت الاهتمام والإنفاق دعم البنية التحتية ووسائل الأمان في المدارس بدليل سقوط سور سلم في مدرسة بمحافظة الجيزة ما تسبب في وفاة طالبة وإصابة أخريات بجروح في أول أيام الدراسة. فضلا عن سقوط تلميذة من أحد طوابق مدرسة أخرى ووفاتها.
وكان الحل أمام الوزارة ليس التطوير وإنما الغلق لأي مدرسة يثبت بعد المعاينة خطورتها على الطلاب والمعلمين. وهو ما يفتح الباب على مصراعيه عن أولويات الإنفاق في الوزارة.
تحاول الوزارة تدارك هذا النهج المتجذر (على الأقل منذ عهد الوزير طارق شوقي) متأخرًا في عهد الوزير الحالي رضا حجازي. الذي تحدث عن إعادة توظيف التابلت في المدارس الثانوية. وأنه سيتم استخدام التابلت في اختبارات قصيرة علمية دون درجات ليعزز من مستوى الطالب. لافتًا إلى أن كل شيء استثمرت فيه الوزارة لن تلغيه. ولكن قد تعدل طريقة استخدامه مثل تعديل المناهج وتخفيفها وإعادة توظيف التابلت. لكن لم يتحدث مباشرة عن أن هذا سيكون لحساب مراعاة الأولويات.
الكثافة الطلابية بسبب ارتفاع مصروفات المدراس الخاصة وإقبال أولياء الأمور على إلحاق أبنائهم بالمدراس الحكومية والنقص في أعداد المعلمين والاعتماد على حلول غير فاعلة كتعيين معلمين بالحصة ومسابقات غير متممة للتعيين. كل ذلك يزيد من أعداد الطلاب في الفصول ويقلل فرص جودة العملية التعليمية وتراجع التحصيل الدراسي لدى الطلبة ويجعل من الإنفاق على التكنولوجيا في المدارس “أكذوبة”.
أولويات الإنفاق في الوزارة
قال الخبير التربوي كمال مغيث إن أولويات الإنفاق على التعليم تفتح الجدل حول توظيف معلمين مؤقتين وتوزيع الطلاب على فترات متعددة خلال اليوم الدراسي. في ظل إدخال التكنولوجيا الحديثة والذكاء الاصطناعي وتطوير المناهج وأزمات التغذية ومبادرات كشف السمنة والنحافة ومحاربة التقزم في ظل وجود مدارس تعاني أزمات تعصف بالأخضر واليابس وتهدد حياة الطلاب. منها السلامة الإنشائية للعديد من المدارس والتصدعات. وأصبح من غير الواضح حساب تأثير ذلك في جودة التدريس.
وأضاف “مغيث” لـ”مصر 360″ أن النظام المتبع في الوزارة حاليا لا يساعد على النجاح. ما دامت أحوال المعلم في تدهور وراتبه أقل من أن يكفل له معيشة كريمة. وأن حال المعلم “لا يسر عدو ولا حبيب” وكل همه اللجوء إلى الدروس الخصوصية للوفاء باحتياجاته المعيشية والإنفاق على أسرته وحلم كل منهم السفر إلى الخارج ومغادرة البلد إلى الخليج العربي.
وتابع: “المناهج المدرسية قد تكون مبهمة للمعلمين وربما للموجهين أنفسهم. فكيف تكون متاحة للفهم واستيعاب الطلاب؟.
ويرى رئيس لجنة التعليم والبحث العلمي بمجلس النواب النائب سامي هاشم أن أسباب نجاح أي عملية تعليمية في العالم أجمع تقوم على الوفاء بمتطلبات نجاح ما يعرف بـ”المنظومة الميمية”. التي تضم (معلم-منهج- مدير-مقرر مدرسي مناسب). خاصةً أن المناهج المدرسية للأسف بعض الطلاب يجدون صعوبة في التعامل معها. إضافة إلى أن تطبيق التكنولوجيا في المدارس واجهته مشكلات لا يمكن تخطيها. خاصةً بالتابلت في التطبيقات والاستخدام والأعطال أوقات الامتحانات والكل تحدث عنها.
وقال “هاشم” لـ”مصر 360″ إن الاهتمام بالمعلم وأحوال المدارس من صيانة وتطوير وإنشاء فصول مدرسية أمر لا يمكن تخطيه إلى مربع الإنفاق على التكنولوجيا في ترتيب الأولويات. فلا نظام تعليمي ناجح دون وجود معلم راض عن مهنته براتب محترم ومنهج عصري يعتمد على الأنشطة ويراعي العدالة التربوية. ونتطلع للأفضل في المرحلة المقبلة فالتغيير لن يتم في يوم وليلة.
ضجيج بلا طحن
بيانات وزارة المالية أظهرت ارتفاع مخصصات الإنفاق الحكومي على القطاع في العام المالي المقبل بنسبة 11.6%. مقارنةً بما هو مقدر لها في موازنة العام المالي الحالي 2022-2023. إلا أن مؤشرات بحث الدخل والإنفاق لعام 2019/2020 الذي أجراه الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أظهرت أن متوسط إنفاق الأسرة المصرية (25.1 مليون أسرة) على الدروس الخصوصية بلغ 28.3% من إجمالي حجم إنفاق قدره 18549 جنيهًا المخصص للإنفاق السنوي.
ويثبت ذلك أن الإنفاق على التعليم -الذي من المفترض أن ترفع من جودته- مجرد (أرقام على ورق). بدليل ارتفاع الإنفاق الأسر على جودة تعليم أبنائهم في الدروس الخصوصية رغم ما يقال عن ارتفاع مخصصاته من قبل الوزارة.
ويبلغ متوسط نسبة الطلاب إلى المعلمين في المدارس الابتدائية الحكومية حاليًا 32 -بحسب تقرير للبنك الدولي. وتنخفض إلى 17 في المدارس الثانوية. ولا تحتوي النسبة المثالية بين الطلاب والمعلمين على عدد محدد ومقبول عالميًا.
ويتفق العديد من الخبراء على أن النسبة المثالية بين الطلاب والمعلمين هي واحد إلى 18. وتمكن هذه النسبة المعلمين من تعزيز بيئة تعليمية إيجابية وتقديم مساعدة متخصصة. كما أن التحصيل لدى الطلاب يتحسن في الفصول الأصغر ومع النسب الأقل بين الطلاب إلى المعلمين.
ونظرًا لارتفاع معدل النمو السكاني في مصر بنسبة سنوية 2.5% فمن المتوقع وصول إجمالي الطلاب المسجلين في مراحل ما قبل الجامعة إلى 34 مليون طالب بحلول 2030. لذا فإن قطاع التعليم في حاجة إلى توفير أماكن لاستيعاب 11 مليون طالب جديد.
وبات السؤال المحير: “أيهما أفضل الإنفاق على أسلوب تقييم الطلاب وإدخال التكنولوجيا الحديثة أم تطوير البنية التعليمية حفاظًا على حياة الطلاب وتحصيلهم العلمي؟”.
أرقام ومؤشرات
يلزم الدستور المصري الصادر في عام 2014 الحكومة بإنفاق ما لا يقل عن 4% من الناتج القومي الإجمالي على التعليم. ومن بين مخصصات القطاع تم تخصيص نحو 780 مليون جنيه للدعم والمنح والمزايا الاجتماعية في العام المالي المقبل. مقابل نحو 585 مليون جنيه في العام الجاري. بزيادة نحو 195 مليون جنيه بنسبة 33.3%. وتخصيص نحو 2.8 مليار جنيه لبند المصروفات الأخرى مقابل نحو 2.5 مليار جنيه بموازنة العام الجاري. بزيادة نحو 228 مليون جنيه بنسبة 11.5%. فيما لم تفصح البيانات عن ماهية المصروفات الأخرى وأوجه إنفاقها.
ووفقًا للبيان المالي أكدت وزارة المالية استيفاء نسب الاستحقاق الدستوري للتعليم الجامعي وقبل الجامعي والبحث العلمي بمشروع الموازنة الجديدة. فيما يبلغ إجمالي مخصصات قبل الجامعي 317 مليار جنيه بزيادة 61 مليار جنيه عن موازنة عام 2021-2022 و159.2 مليار جنيه للتعليم العالي والجامعي بزيادة 27.1 مليار جنيه.
تحذيرات دولية من نقص الإنفاق
صدر تقرير حديث للبنك الدولي في 4 أكتوبر/تشرين الأول 2022 حذر من تراجع الإنفاق على التعليم في مصر. ورغم أنه يستحوذ على 26% من الموازنة فإن هناك عجزا حادا في عدد المعلمين والفصول الدراسية التي تعاني كثافة هائلة.
ووفق نشرة “إنتربرايز” فإن هذا القطاع يستحوذ على 26.4 في المئة من مخصصات الإنفاق العام للعام المالي الحالي. والبالغة 2.1 تريليون جنيه (107.69 مليار دولار). مع تخصيص نحو 555.6 مليار جنيه (28.492 مليار دولار) للاستثمارات والإنفاق في وزارة تعليم وتعليم عالٍ وبحث أكاديمي.
وقد ركزت الحكومة بشكل أكبر على سد النقص في المعلمين والفصول الدراسية وتطوير البنية التحتية للمدارس في موازنة هذا العام. وخصصت نحو 4.5 مليار جنيه (0.23 مليار دولار) في الموازنة لبناء 25 ألف فصل دراسي. وهو ما يمثل زيادة بنسبة 40% عن الاستثمارات التي جرى تخصيصها لإنشاء الفصول الدراسية في العام المالي الماضي. بينما سيتم إنفاق 1.8 مليار جنيه (0.092 مليار دولار) لمعالجة أزمة نقص المعلمين.
لكن ماذا عن إضافة المزيد من الفصول الدراسية والمعلمين في الموازنة المعدلة كجزء من إصلاحات التعليم الأساسي الجارية التي تتحدث عنها الوزارة بما يواكب أعداد الطلاب وقلة المعلمين؟
انتقادات برلمانية
تحدثت النائبة البرلمانية سناء السعيد خلال جلسة برلمانية تضمنت طلبات إحاطة لوزير التعليم السابق طارق شوقي في 28 ديسمبر/كانون الأول 2021. منتقدةً أوضاع التعليم التي تكشف عن فارق الخلل في أوجه الإنفاق. وقالت إن هناك فجوة واسعة بين خطة الوزارة في تطوير المناهج وحال المنظومة كاملةً. وانتقدت طبيعة خطط التطوير في ظل انعدام البنية التحتية للمدارس ووصول أعداد الطلبة داخل الفصل الواحد إلى 120 طالبًا.
وتابعت: “لا يوجد كرسي للطالب يقعد عليه. مفيش بنية تحتية. مفيش مدرس. خطة الوزارة تتكلم عن مجتمع تاني غير مجتمعنا المصري”.
الجلسة نفسها شهدت انتقادات حادة لأوضاع التعليم وأوجه الإنفاق بسبب توقف الحكومة عن تعيين موظفين جدد. إلى جانب تكدس الفصول الدراسية بالطلاب.
وانتقد عضو مجلس النواب ضياء الدين داوود أداء الوزير السابق تجاه مشكلة عجز عدد المعلمين. وأوضح أن العجز يصل إلى أكثر من 120 ألف معلم. وقال إن من غير الممكن توفير تعليم جيد دون وجود مدرسين مدربين على المناهج الحديثة التي أنفقت عليها الدولة ملايين دون فائدة.
ولبيان الوضع المزري الذي وصلت إليه المدارس بسبب عدم تعيين مدرسين أو حتى عاملي نظافة قال النائب سامح حبيب إن هناك معلمين ينظفون فصول المدارس ودورات المياه بسبب عجز في العمالة المعاونة بالمدارس.
وطالب بسد العجز الصارخ في عدد المدرسين عن طريق عمل عقود رسمية لخريجي كليات التربية. وأنه لا فائدة من تطبيق التكنولوجيا في المدارس دون الاهتمام برفع كفاءة البنية التحتية إلى مستوى مقبول. فضلا عن مراجعة كيفية تحقيق مستهدفات الإنفاق. فعملية تخصيص الأموال في موازنة التعليم تعتمد بشكل كبير على مقدار الأموال التي جرى إنفاقها في السنوات الثلاث الماضية. ما يجعل تمويل القطاع غير فعال. لأن عدد الطلاب وعدد المعلمين المطلوب والتقدم المحرز في استراتيجيات تعليمية محددة لا تؤخذ في الحسبان.