قررت الحكومة رفع أسعار الغاز الطبيعي للصناعات كثيفة الاستهلاك مثل الإسمنت والطوب، بنسبة تصل إلى 120%، في خطوة من المتوقع أن ترفع الأسعار وتؤثر على السوق العقارية، التي تشتكي منذ شهور ارتفاع تكاليف مدخلات الصناعة، وعدم تناسب الوحدات السكنية مع دخول الغالبية العظمى من المواطنين.
في القرار الذي نشرته الجريدة الرسمية، رفعت الحكومة بيع الغاز الطبيعي المورد لصناعة الإسمنت إلى 12 دولارًا أمريكيًا لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، مقارنة بـ 5.75 دولار قبل الزيادة. بينما ثبتت الحكومة سعر التوريد للصناعات البتروكيماويات عند 5.75 دولار. لكنها منحت في الوقت ذاته الهيئة العامة للبترول تحديد أسعار بيع الغاز الطبيعي المورد لصناعة البتروكيماويات “لإنتاج خليط الإيثان والبروبان” بصفة شهرية.
كما حدد قرار رئيس الوزراء سعر بيع الغاز الطبيعي المورد لقمائن الطوب بواقع 110 جنيهات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، مقابل 73 جنيهًا لكل مليون وحدة حرارية بريطانية قبل صدور القرار.
اقرأ أيضًا: دراسة للبنك الدولي: تحسين الإنتاج يحمي الدول من التضخم المتوقع
مصانع الإسمنت تدرس زيادات جديدة
مع صدور قرار مجلس الوزراء، أعلنت شعبة الإسمنت باتحاد الصناعات عن إجراء دراسة حول تأثير القرار على المصانع التي تستخدم الغاز الطبيعي في عمليات الإنتاج الفترة المقبلة.
وذكرت الشعبة، على لسان رئيسها أحمد شيرين، أن رفع الأسعار سيؤثر على هذه الفئة من المصانع فيما يتعلق بالتكلفة الإنتاجية. إلا أن الزيادة ستكون طفيفة. خاصة وأن المصانع تعتمد على الفحم بشكل أكبر في الإنتاج.
ووجهت الحكومة مصانع الإسمنت إلى استخدام كميات الغاز الطبيعي في 2020 بسبب مشكلات توريد الفحم وارتفاع أسعاره -حينها- وأزمة سلاسل الإمداد. ويستوعب السوق 10 مصانع قادرة على استخدام الغاز الطبيعي من أصل 22 مصنعًا. وهي تعتمد على ثلاثة أنواع من الطاقة هي الفحم، والمازوت، والغاز الطبيعي، وجميعها ترتبط بالأسعار العالمية.
صناعة الإسمنت تمثل إحدى الصناعات كثيفة الاستخدام للطاقة، وهي تقوم على حرق المواد الخام داخل أفران خاصة للإنتاج، ما يجعل تكلفة الطاقة تعادل ما بين 50 و%60 من تكلفة المنتج النهائي.
وفيما أكدت شعبة الإسمنت باتحاد الصناعات دراسة تداعيات القرار عليها، أكدت شعبة مواد البناء بغرفة القاهرة التجارية أن مصر بها مصنع وحيد يعمل بالغاز هو العريش للأسمنت. وبالتالي اجتماع مصنعي الإسمنت لبحث القرار لا يحمل صبغة قانونية، ويخالف قواعد جهاز حماية المنافسة.
الطوب.. المتضرر الأول
وفق علي سنجر، رئيس إحدى شركات صناعة الطوب، فإن الطاقة تعادل نصف تكلفة إنتاج الطوب، موزعة بين 40% للغاز الطبيعي و10% للكهرباء. وبالتالي، فإن رفع أسعار التوريد ستحمل بالتبعية ارتفاعًا في الأسعار.
وفي مصر ألف مصنع طوب طفلي، موزعة بين 700 في جنوب الجيزة، بمناطق: عرب أبو ساعد والصف وكفر حميد وجرزا، والبقية متفرقة ما بين الوجهين البحري والقبلي، مع تركيزات في مناطق بعينها، مثل: مركزي زفتى بالغربية وميت غمر بالدقهلية.
وتحركت أسعار الطوب خلال الشهور الماضية؛ ليصل سعر الألف مقاس 20 سم إلى 480 جنيهًا، ومقاس 22 إلى 550 جنيهًا، ومقاس 24 بنحو 750 جنيهًاـ ومقاس 25 إلى 900 جنيه، لتتجاوز معدل الزيادة في الألف حاجز الـ100% خلال السنوات الأخيرة.
كيف تتأثر أسعار الوحدات السكنية؟
يمثل الإسمنت نحو 30% من سعر العقار في مصر، والحديد نحو 20%، بينما تتراوح حصة الطوب الطفلي ما بين 7 و8% من التكلفة. لذا، فإن رفع أسعار الغاز يحمل تأثيرًا كبيًرا على المطورين العقاريين، الذين يرون أن زيادة أسعار الإسمنت والطوب ستحمل تأثيرًا على أسعار الوحدات السكنية. خاصة وأن مدخلات الإنتاج شهدت ارتفاعًا كبيًرا منذ الحرب الروسية الأوكرانية.
يبلغ سعر طن الحديد ما بين 18 و19 ألف جنيه حسب المصنع والنوع. وقد ارتفع سعر الإسمنت خلال الأسابيع الأخيرة لما بين 1340 و1550 جنيهًا للطن الواحد.
وتعمل غالبية الشركات العقارية في السوق المحلية بنظام “الأوف بلان” أو البيع على الماكت المرسوم قبل وضع طوبة واحدة في المشروع. ومع تحرك عناصر التكلفة تتضرر من اختلاف تقديراتها للتكاليف والأرباح. وبعضها يضطر إلى الإخلال بمواعيد التسليم مع العملاء.
اقرأ أيضًا: مَن يشتري شقق التجمع والقاهرة الجديدة والعاصمة الإدارية؟.. الإجابة: 17 ألف مصري فقط
وقد أجمع المطورون، خلال المؤتمرات العقارية الأخيرة، على عزمهم رفع أسعار بيع الوحدات الجديدة، بنسب تتراوح بين 20 و30%، لمواجهة ارتفاع أسعار مواد البناء. ومع صدور القرارات الجديدة من المتوقع أن تعيد الشركات العقارية حسابات التكاليف بزيادات جديدة.
يقول المهندس فتح الله فوزى، رئيس لجنة التشييد والبناء بجمعية رجال الأعمال المصريين، أن القرار سيحمل تأثيرًا على أسعار بيع الوحدات الجديدة في السوق العقارية. لكن هذه الزيادات لا يمكن تحديدها؛ إذ أن الأمر مرهون بالمشروعات قيد التنفيذ من قبل كل مطور.
ويتوقع مطورون أن تقدم الحكومة تسهيلات للمطورين العقاريين بسبب تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية وارتفاع الأسعار فيما يتعلق بمنح فترات سماح في سداد أقساط الأراضي وزيادة المدد الزمنية لتنفيذ المشروعات، كما حدث أبان جائحة كورونا.
وفق فتح الله، الذي يملك شركة عقارية ضخمة، قد يحاول بعض المطورين استيعاب الزيادة بالخصم من أرباحهم، بينما قد يرفع أخرون الأسعار مع منح العملاء فترات سداد أطول ودفعات مقدمة أقل، في ظل عدم تناسب أسعار الوحدات مع القدرة الشرائية لغالبية العملاء.
ويؤكد “فتح الله” أن المعروض الجديد من الوحدات العقارية سيكون الأكثر تأثرًا بتلك الزيادات. بينما من الصعب زيادة أسعار الوحدات المعروضة في الوقت الحالي نظرًا لعدم قدرة العميل على تحمل أي زيادات سعرية مفاجأة. لكنه أكد في الوقت ذاته أن الطلب سيظل موجود على العقار نظرًا للزيادة السكانية المستمرة ومعدل الزيجات السنوية المرتفع.
هاني توفيق، الخبير الاقتصادي، اعتبر قرار رفع سعر الغاز للمصانع بنسبة تفوق الـ 100% بداية لسلسلة من رفع الدعم تدريجيًا عن الطاقة وسلع أخرى، وهو مقدمة للركود التضخمى العالمي، والمتوقع حتى نهاية العام القادم على الأقل.
ويأتي رفع الحكومة أسعار الغاز مع انخفاضها في أوروبا إلى دون مستوى 1500 دولار لكل ألف متر مكعب، للمرة الأولى منذ 3 أشهر. ورغم تراجع أسعار الغاز في الأسواق الأوروربية، فإنها ما تزال عند مستويات مرتفعة وتشكل تهديدًا لاقتصادات الدول الأوروبية.