بداية محزنة لعام دراسي جديد في مصر، رغم تغيير وزاري أطاح “طارق شوقي” وزير التعليم السابق الذي اقترن اسمه بمعاناة تلاميذ المراحل المختلفة، ومجئ د.رضا حجازي الملم -حسب خبراء- بواقع التعليم، نظير معاصرته أربعة وزراء سابقين، وإطلاعه على تفاصيل إحصائيات الوزارة من بينها إحصائية العنف ضد التلاميذ في المراحل التعليمية المختلفة.
مؤخرًا، توفيت الطالبة بالمرحلة الابتدائية- بسملة أسامة “9 سنوات” -بمدرسة طرانيس البحر الابتدائية-مركز السنبلاوين-محافظة الدقهلية- على خلفية إصابتها بنزيف حاد في المخ، عقب تعرضها للضرب بعصا خشبية على رأسها من مدرس اللغة العربية، لخطأ في الإملاء.
“بسملة” ليست آخر الضحايا
لم تكن واقعة الطفلة وحدها بمعزل عن أزمة “العنف ضد تلاميذ المدارس” منذ بداية العام الحالي (2022/2023)، وإنما تعاقبت حالات العنف المدرسي، والإيذاء البدني، بغض النظر عن وقائع الإهمال داخل المدارس، وسقوط طالبة عمرها 8 سنوات بمدرسة سيد الشهداء-بمنطقة ميت عقبة-الجيزة- من الطابق الثالث بالمدرسة.
ورغم إلقاء القبض على المدرس المتسبب في مقتل الطالبة “بسملة أسامة“، وإحالته التحقيق، وإدانة وزارة التربية والتعليم ضرب الأطفال وإيذائهم بدنيًا داخل المدارس، وإعادة نشر لوائح تجريم الضرب، والعنف المدرسي. غير أن ثمة سؤال عالق على امتداد السنوات الماضية: كيف يمكن إيقاف العنف ضد التلاميذ بالمدارس؟”.
في مطلع العام الدراسي الماضي -سبتمبر/ أيلول 2021- قررت وزارة التربية والتعليم تنفيذ أحكام القرار الوزاري رقم 287 لسنة 2016 الصادر بشأن لائحة الانضباط المدرسي في جميع المدارس. وأصدرت تعليمات رسمية مشددة بحظر استخدام العقاب البدني والنفسي للطلاب، وتفعيل دور الاخصائي الاجتماعي بالمدارس.
ما تقوله اللوائح والقوانين
ولأن اللوائح وقوانين التجريم لم تعد كافية، فإن العام الدراسي الحالي شهد وقبل مرور شهر على بدء الدراسة، وقائع عنف أسفرت في منتهاها عن مقتل طالبة، وإيذاءات بدنية ونفسية لم يعلن عنها، من بينها تكدير طلاب على خلفية التأخر في دفع مصاريف الكتب، وإهانة البعض الآخر نظير أمور سلوكية كان من الأرجح تقويمها، وفق رأي الخبير التربوي محمد عبد العزيز، الذي وصف واقع التعليم حاليًا بـ”المأساوي للغاية”؛ فظروف المدراس الحكومية تشكل دافعًا لموجة العنف التي تشهدها، مع زيادة كثافات التلاميذ بالفصول، وتخطيها القدرة الممكنة.
في واقعة سابقة تعود إلى يوليو/ تموز 2020 حظرت المحكمة الإدارية العليا الضرب في المدارس، على خلفية واقعة ضرب تلميذة بالصف الثاني الابتدائي، عشر ضربات بالخرطوم دون مبرر، بناءً على شهادة تلاميذ الفصل، بعد تقدم والدها بشكوى ضد إحدى المعلمات.
استندت المحكمة على أن المدرسة مؤسسة تربوية وليست “عقابية”. كما أن إخفاق مستوى التلميذ يستوجب استنهاض متابعة الأهل. ذلك فضلًا عن أن قانون الطفل يجرم عدوان المدرس والأسر ومؤسسات الرعاية على الأطفال، وتعريضهم للخطر، والإساءة، والعنف.
فبحسب المادة “7” مكرر “أ” من قانون رقم 12 لسنة 1996، والمعدل بقانون رقم 126 لسنة 2008: “يحظر تعريض الطفل عمدًا لأي إيذاء بدني ضار، أو ممارسة ضارة، أو غير مشروعة، ولـ”اللجنة” الفرعية لحماية الطفولة المختصة اتخاذ الإجراءات القانونية عند مخالفة نص الفقرة السابقة”.
بهذه النصوص القانونية، حسبما أفادت د.سوزي ناشد -عضو مجلس النواب السابق، وأستاذ القانون الدستوري بجامعة الإسكندرية- لم نعد في حاجة إلى تشريعات إضافية لوقف العنف بالمدارس، وإنما على الأرجح نحتاج إلى إعادة تأهيل المدرس ليستوعب مهامه في التربية. لكنها تستدرك: “التشريع وحده لا يكفي، إذا استشعر المدرس أنه في مأمن من العقاب”.
اقرأ أيضًا: تُدمر العقل وتُذهب العاطفة.. مشاهد العنف وتأثيرها على نفسية الأطفال
المدارس الحكومية ومعدلات العنف
حسب تقرير لـ”المؤسسة المصرية للنهوض بأوضاع الطفولة” عن العنف المدرسي، سجلت المدارس الحكومية أعلى تصنيف في الارتفاع الملحوظ لحالات العنف المرتكبة ضد أطفال المدارس، بنسبة 76.18% من إجمالي الحالات.
يرجع ذلك حسبما أفادت عضو مجلس النواب السابق إلى ارتفاع كثافة الفصول المدرسية الحكومية، التي أشارت إلى أن الأمر بحاجة لعلاج طويل الأمد، ولحين الانتهاء منه أو معالجته لابد من إخضاع المدرسين إلى برامج تأهيلية ودورات تدريبية مستمرة في التعامل مع الأطفال، ووضع شرط اجتيازها بنجاح ضمن شروط تعيين دفعات المعلمين في المستقبل.
يبلغ عدد تلاميذ مرحلة التعليم قبل الجامعي (الابتدائي، الإعدادي، الثانوي) نحو 26.3 مليون تلميذ للعام الدراسي 2020/ 2021، وفقًا للنشرة السنوية للتعليم التي أصدرها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، في يناير من العام الجاري.
وحسب الجهاز فإن”عدد تلاميذ التعليم قبل الجامعي شهد زيادة تقدر بنحو 3.6% عن العام الدراسي السابق 2019/ 2020، الذي بلغ عدد التلاميذ فيه 25.3 مليون تلميذ. بينما انخفض عدد المدرسين بنسبة 1.2 في المائة عن العام السابق”.
اتحاد أمهات مصر للنهوض بالتعليم برئاسة عبير أحمد، أدان حوادث ضرب الأطفال بالمدارس، على خلفية وفاة الطفلة بسملة متأثرة بنزيف في المخ إثر ضربها بعصا خشبية على رأسها. وطالب بتفعيل لائحة الانضباط المدرسي، وعقوبة الضرب.
ماذا نفعل بالإحصائيات؟
الخبير التربوي محمد عبد العزيز يلفت إلى أن إدانة الفعل لن يغير من الواقع، إذا لم تكن هناك دراسة وافية على أساس علمي لأسباب الوقائع. ويشير إلى أن ثمة هيئة داخل الوزارة معنية بالإحصاء، ولديها بيانات تفصيلية عن تصاعد وتيرة العنف المدرسي، معرجًا على أن أولياء أمور رفضوا إرسال أبنائهم للمدارس مع بداية العام الدراسي الحالي لغياب الأمان.
أدان الوزير الحالي وقائع العنف المدرسي، لكن هذا لا يعفيه من المسئولية، لما يملك من إلمام كامل بتفاصيل الظاهرة. إذ كان عليه دراسة البيانات الإحصائية، واتخاذ إجراءات واقية قبيل بدء العام الدراسي الجديد.
محافظ الدقهلية -على خلفية واقعة الطفلة بسملة- أصدر كتابًا دوريًا بعدم معاقبة الطلاب والتلاميذ بالضرب أيًا كانت الأسباب. وقد لفت إلى أن ثمة طرق أخرى لمعاقبة المخطئين طبقًا للأساليب القانونية بلائحة الانضباط ومنها (الإنذار، استدعاء ولي الأمر، التوقيع على إقرار بعدم التكرار، الفصل حسب حجم الخطأ).
تكشف لوائح الانضباط عن عدم التزام بها داخل المدارس، وكذلك عودة تكرار وقائع ضرب التلاميذ. وهو أمر ترجعه الخبيرة التربوية د. بثينة عبد الرؤوف إلى ما أسمته بـ”الخلل في العملية التعليمية”، وعدم القدرة على السيطرة داخل الفصول، مؤكدةً أن من يتورط في هذه الوقائع غير تربويين.
مسببات أم مبررات العنف
باتفاق في أسباب تزايد العنف بين الخبيرة التربوية بثينة عبد الرؤوف والنائبة السابقة د.سوزي ناشد، فإن المدرس غير المؤهل علميًا، والذي لم يتعرض لتدريب مكثف يتأثر بزيادة كثافة الفصول، ويعتبر عدم توافر المناخ المناسب للتدريس مبررًا لضرب التلاميذ.
بحسب بيان صادر عن وزارة التربية والتعليم فإن عدد المدرسين الأساسيين نحو 991.969 معلمًا، ومعلمة على مستوى الجمهورية.
كذلك، يرى الخبير التربوي كمال مغيث أن ظروف العمل السيئة والمرتبات الهزيلة من مسببات العنف وسوء معاملة التلاميذ. وينصح بتقليل كثافة الفصول، وعودة هيبة المدرسة، ورفع ميزانية التعليم، وعودة الأنشطة داخل المدرسة، وتأهيل المدرسين لمعالجة هذه الظاهرة.
استمرار العنف في المدارس على اختلاف أشكاله ينتج أجيالًا معقدة نفسيًا، حسب رؤية د.محمد عبد العزيز، الذي يتساءل: “كيف يمكن وصف العلاج إذا استقر التنافر بين طرفي المعادلة التعليمية؟”. لكن كل هذه المبررات -على حد قوله- لا يمكن أن تتسبب في “ضرب يفضي إلى موت”.
تشير دراسات وأبحاث المجلس القومي للأمومة والطفولة إلى تعرض 96% من أطفال المدارس للعنف، وفي مقدمتهم أطفال المرحلة الابتدائية.
يقول “مغيث” إن سن القوانين جزء من حل مشكلة العنف في المدارس، لكنه لا يمنعه. لذا يدعو إلى الاستعانة بالإحصائيات المتباينة لوضع دراسة تكشف أسباب تصاعد الظاهرة وسبل العلاج الفعلي لها. بينما ترى د.سوزي ناشد أن ظاهرة العنف في المدارس هذه وإن كانت تتنامى في المدارس الحكومية بشكل أكبر مقارنة بالخاصة والدولية، فلغياب المدرس المؤهل للتعامل مع الأطفال عن المدارس الحكومية التي تغيب فيها الرقابة على تصرفات المعلمين. وبحسب وجهة نظرها “لا بديل عن التوعية، والتدريب المستمر، وإعادة التأهيل”.