من بين التقييمات الخاصة بأداء الاقتصاد يظل النمو هو الأهم باعتباره المؤشر الرئيسي على حدوث تغيير إيجابي في مستوى إنتاج السلع والخدمات. وتوفير المزيد من فرص عمل، وتحسن المستوى المعيشي للأفراد.
وقد تضاربت خلال الساعات الأخيرة التقديرات المستقبلية للمؤسسات المالية الدولية لأداء الاقتصاد المصري واستمرار تأثره بتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية. وموجة رفع أسعار الفائدة عالميًا وما يصاحبها من إرهاصات تتعلق بدخول الاقتصاديات المتقدمة في مرحلة الركود.
خفض صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو الاقتصاد المصري خلال العام المالي المقبل إلى 4.4%. مقابل توقعات سابقة في يوليو/تموز الماضي. بنسبة نمو تقدر بنحو 4.8% وأخرى في إبريل/نيسان 2022 بتحقيق معدل 5%.
وبينما قلص صندوق النقد توقعاته رجح البنك الدولي تحقيق مصر نموا بنسبة 4.8% عام 2021/2022. مقابل توقعات إبريل/نيسان الماضي بنسبة 5.5%. لكنه أكد أن تلك الأرقام هي أفضل معدل بين أهم اقتصادات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
بحسب تقرير البنك فإن المؤشرات الاقتصادية كانت إيجابية. إذ سجلت توقعات العجز الكلي كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي 6.7% لعام 2022/2023. مقابل 7.3% في إبريل/نيسان 2022 مع توقع أن يسجل عجز الحساب الجاري إلى الناتج المحلي 4.1% لعام 2022/2023 الشهر الحالي مقابل 5% في إبريل/نيسان 2022.
هل يتسق نمو الاقتصاد المصري مع المعدلات العالمية؟
يقول الدكتور وليد جاب الله -الخبير الاقتصادي- إن العبرة في التوقعات ليست في رقم النمو الاقتصادي أو رفعه أو خفضه. لكن في مقارنة ذلك المعدل بالوضع العالمي والإقليمي. فمصر خلال تداعيات جائحة كورونا حققت معدل نمو أقل من 3%. لكنه كان في ذلك الوقت مرتفعا جدًا بمتوسط النمو العالمي ومتوسطات الاقتصاديات الناشئة في إفريقيا.
كما حققت في النصف الأول من العام المالي 2021/2022 معدل نمو وصل إلى 9% وكان أفضل بكثير من متوسط معدل النمو.
بالنسبة لمعدلات النمو المتوقعة لأهم اقتصادات منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عام 2023 من المتوقع أن يسجل العراق 4.3%. فيما الإمارات ستسجل 4.1%. والمغرب 4% وعمان 3.9% والسعودية 3.7% وقطر 3.4%. وتونس 3.3% والبحرين 3.2% وفلسطين 3%. والكويت 2.5% وكل من الجزائر والأردن 2.3% وإيران 2.2%.
يضيف “جاب الله” أن توقعات صندوق النقد للنمو المصري العام المقبل لا يجب عزلها عن الاقتصاد العالمي في 2022/2023. الذي من المتوقع أن يشهد انخفاضات كبيرة في مستوى النمو مع استمرار حالة عدم اليقين والضبابية. وبالتالي فإن النمو المصري مع تخفيضه يظل جيدًا مقارنة بالمستويين العالمي والإقليمي.
الاقتصاد العالمي.. الأسوأ لم يأت بعد
خفض صندوق النقد الدولي توقعاته للاقتصاد العالمي مرة أخرى أمس الثلاثاء إلى 2.7% العام المقبل. مع احتمالية بنسبة 25% بأن ينخفض أسفل 2%. وذلك مقارنة بنسبة النمو المتوقعة لهذا العام 3.2%. مع تأثيرات الحرب الروسية في أوكرانيا والتضخم المرتفع والتباطؤ في الصين. مع تحذير من أن “الأسوأ لم يأت بعد” وحدوث الركود عام 2023.
يؤكد “جاب الله” أن التوقعات لا يجب النظر إليها كأرقام نهائية تم تحقيقها بالفعل. فالمؤسسات الدولية غالبًا ما تعدل من توقعاتها مع تحسن الأوضاع العالمية. ودائمًا ما تحقق مصر معدلات نمو أكبر مما يتوقعه صندوق النقد وغيره من المؤسسات.
اقرأ أيضًا: مؤسسات دولية: 2023 الأسوأ.. التضخم يتعاظم والفقر يتفاقم والأجور تنخفض
وعدّل الصندوق تقديراته لنمو الاقتصاد المصري خلال العام المالي الحالي بنسبة 6.6% مجددًا. وهي التوقعات التي تم تعديلها من 5.9% في يوليو/تموز الماضي. بعد أن أعلنت وزارة التخطيط نمو الاقتصاد بنسبة 6.6% عام 2021-2022.
وبحسب خبراء اقتصاد فإن المشروعات القومية وزيادة القوة الاستهلاكية تؤدي إلى زيادة النمو الاقتصادي. مؤكدين في الوقت ذاته أن مصر واجهت على مدار السنوات الثلاث الماضية تحديات كورونا والحرب الروسية الأوكرانية والتضخم العالمي الذي رفع أسعار السلع عالميًا.
تسببت الحرب الروسية الأوكرانية في رفع سعر النفط إلى نحو 140 دولارا للبرميل في بعض الأسابيع. مع توقعات صندوق النقد بارتفاع معدل التضخم العالمي إلى 8.8% خلال العام الجاري. و6.5% في 2023 و4.1% في 2024. وذلك بعد أن كان عند 4.7% في 2021.
ويواجه ثلث الدول المشكلة للاقتصاد العالمي ربعين متتاليين من الانكماش. مع ارتفاع معدل التضخم في الاقتصادات المتقدمة. مع زيادة تباين الأثر في الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية التي افتقدت الأموال الساخنة التي غادرت فجأة بحثا عن العائد الأعلى. مسببة ضغطا كبيرا على الاحتياطات النقدية وأسعار صرف العملات المحلية.
شح الموارد الدولارية.. ورهان مصر على الصندوق
تعاني مصر منذ نهاية العام الماضي من شح في الموارد الدولارية بعد خروج 22 مليار دولار من الأموال الساخنة. تسببت في تقليص لعمليات الاستيراد من الخارج وتراجع الاحتياطي النقدي إلى 33.143 مليار دولار بنهاية يوليو/تموز الماضي. مقابل 40.934 مليار دولار بنهاية 2021.
وتراهن الحكومة المصرية حاليًا على قرض جديد من صندوق النقد الدولي يعزز الموارد الدولارية. حيث أعلنت قرب الوصول إلى اتفاق تمويلي لم يتم تحديد قيمته حتى الآن. لكن الدكتور فخري الفقي -رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب- يقول إنه يتراوح بين 3 و7 مليارات دولار.
وقال صندوق النقد الدولي في يوليو/تموز الماضي إن الحكومة المصرية بحاجة إلى اتخاذ مزيد من الخطوات لتعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد المصري. ورفع مساهمة القطاع الخاص. فضلاً عن تحسين الحوكمة وتقليص دور الدولة التي لا تزال تعاني من عبء الدين العام المرتفع وخدمة الديون ومتطلبات التمويل.
وتبنت الحكومة سياسة هدفها تعزيز مشاركة القطاع الخاص عبر طرح وثيقة ملكية الدولة التي ستتخارج فيها من 79 نشاطًا في القطاعات المختلفة. بينها الاستزراع السمكي والثروة الحيوانية وقطاع المجازر والتشييد -وبعض مشروعات الإسكان الاجتماعي. فضلا عن أنشطة إنتاج برامج التلفزيون والأفلام السينمائية. وتجارة التجزئة وصناعات السيارات والأجهزة الكهربائية والأثاث والجلود والأسمدة والزجاج. مع خفض الاستثمارات في 45 نشاطًا والسماح بمشاركة أكبر للقطاع الخاص في صناعة الأسمنت والحديد والألومنيوم واللحوم والطيور والأعلاف والألبان والسجائر والدخان ومحطات توليد الكهرباء وشبكات النقل والتوزيع ومحطات معالجة مياه الصرف.
الاقتصاد غير الرسمي.. التشوه الكبير
بحسب خبراء فإن الاقتصاد المصري يعاني من نحو 20 تشوهًا. بينها الاقتصاد غير الرسمي الذي تتراوح نسبته بين 40% و60% من الاقتصاد. بجانب التشريعات التي لا تتواكب مع العصر. وتركز تعاملات البورصة المصرية على الأفراد الذين يشكلون 80% من المتعاملين على عكس التجارب العالمية التي تقوم فيها المؤسسات بالنسبة الأكبر.
يقول نادي عزام -الخبير الاقتصادي- إن الاقتصاد غير الرسمي لا يدخل في حسابات النمو. وهو قطاع يحقق أرقاما كبيرة. كما أن انتشاره يؤدي إلى حرمان الموازنة العامة للدولة من حصيلة ضريبية تقدر بنحو 400 مليار جنيه. والتي يمكن أن تغطي ما يقرب من 85% من إجمالي العجز الكلي. ويناهز 475 مليار جنيه في موازنة العام 2021/2022.
تشير التقديرات إلى أن ضم الاقتصاد غير الرسمي يخفض العجز إلى 175 مليار جنيه. لتصبح نسبته 2.5% من الناتج المحلي الإجمالي 7.1 تريليون جنيه. ذلك بخلاف أرصدة الديون المستحقة للحكومة ضريبية وغير ضريبية. والبالغة نحو 440 مليار جنيه حتى نهاية يونيو/حزيران 2021.
وتابع أن الإصلاحات الهيكلية في الاقتصاد المصري من شأنها تحقيق مزيد من النمو الاقتصادي. مع المزيد من تشجيع المؤسسات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة الحجم. وتسهيل إجراءات الحصول على التمويل المصرفي. وتقديم برامج الدعم لها على مستوى الإدارة حتى لا تواجه مشكلات التعثر.
بحسب صندوق النقد الدولي فإن إجراء إصلاحات هيكلية متزامنة في مجالات التمويل الداخلي والخارجي والتجارة وأسواق العمل والمنتجات من شأنها أن ترفع الناتج المحلي بأكثر من 7% على مدار ست سنوات. وزيادة نمو إجمالي الناتج المحلي السنوي للفرد بنحو نقطة مئوية واحدة. ما يضاعف السرعة المتوسطة لتقارب الدخل بين الاقتصاديات الناشئة ومستويات البلدان المتقدمة.