بينما أعلنت دول مجموعة “أوبك +” في اجتماعها الأخير، عن خططها لخفض إنتاج النفط بمقدار مليوني برميل يوميًا، والذي يُعّد أكبر خفض للإنتاج منذ عام 2020، تستمر الضغوط المكثفة من قبل الولايات المتحدة للحفاظ على مستويات الإنتاج، والتي بدت في أقصى درجاتها في المباحثات التي عقدت بين الرئيس الأمريكي جو بايدن، وولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان. خلال زيارته للرياض في يوليو/ تموز الماضي. وتضم مجموعة أو تحالف “أوبك بلس” أعضاء منظمة أوبك التي تتصدرها السعودية، إضافة لعدد من الدول من خارج أوبك أبرزها روسيا.
يرجح محللون أن التوقعات الاقتصادية المتدهورة، وتراجع أسعار النفط في الأشهر القليلة الماضية، أدت إلى خلق حوافز قوية لأوبك + دفعتها إلى خفض الإنتاج. لكن هذه الخطوة كان لها أيضًا دوافع جيوسياسية. قبل عقوبات الاتحاد الأوروبي المقترحة، وسقف محتمل لأسعار صادرات النفط الروسية.
بهذا الشكل، تحاول السعودية -ومنتجو أوبك + الآخرون- إعادة تأكيد السيطرة على السوق. حيث أوضحوا القرار بشروط إدارة السوق التكنوقراطية أي من النواحي الفنية والإجرائية الاقتصادية. لكن، يعتبر خفض الانتاج تحديا للضغط المكثف من البيت الأبيض، بل وفسره الكثيرون على أنه تحرك لدعم روسيا. لتعمل أوبك + على أن تكون لها اليد العليا، بينما يستعد صناع السياسة الغربيون لفرض جولة أخرى من العقوبات على منتج رئيسي للنفط أي روسيا.
في نقاش مع محللي مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية CSIS، وضع كل من جوزيف ماجكوت وبن كاهيل، الباحثان في برنامج أمن الطاقة وتغير المناخ، القرارات السعودية، وتفاعل البيت الأبيض مع هذا الأمر على طاولة النظر والبحث.
اقرأ أيضا: بعد قرار “أوبك+” تخفيض إنتاج النفط.. قراءة في حسابات الرياض ورد فعل واشنطن
هل استهدف الخفض الولايات المتحدة؟
يشير التحليل إلى أن قرار أوبك + سيُقرأ على أنه تحدٍ للولايات المتحدة. بسبب الضغط المكثف من البيت الأبيض للحفاظ على -أو زيادة- الإنتاج، والذي بدأ بزيارة الرئيس بايدن إلى المملكة العربية السعودية في يوليو/ تموز، واستمرار التحالف مع روسيا.
أيضا، سيؤثر القرار على السياسة الأمريكية، مع ارتفاع أسعار الغاز قبل انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الشهر المقبل ، وهو أمر يرفضه الرئيس بايدن علنًا.
يقول ماجكوت وكاهيل: من الصعب أن نتخيل أن القيادة السعودية لم تفهم ذلك، ولا يبدو أنها فعلت أي شيء لتخفيف الأثر. في الواقع، حقيقة أن أوبك + اجتمعت في فيينا لأول مرة منذ عام 2020، للإعلان عن هذه التخفيضات، تشير إلى أنهم يريدون إرسال رسالة قوية. لم يتوقع الرئيس بايدن أن يخضع السعوديون تمامًا، لكنه -أيضا- لم يكن يتوقع أن يتم تجاهله أو ازدراءه أيضًا.
لذلك، سيتعين على البيت الأبيض الرد لأسباب سياسية ودبلوماسية. فهناك بالفعل خيط من الجدل، مفاده أن السعوديين “أهانوا” الرئيس الأمريكي بعد زيارته للمملكة في يوليو/ تموز. كما يجب أن يشعر البيت الأبيض بالقلق أيضًا من ترك الانطباع بأنه يمكن تعريف الرئيس بأنه يسمح بالإفلات من العقاب.
يشير التحليل إلى أنه “من المرجح أن يسمح الرئيس للكونجرس بأخذ زمام المبادرة في انتقاد المملكة. ولن يرغب في الدخول في علاقة متبادلة مع البلاد “أي الدخول في منطقة العلاقة بين الحكومتين”. ومع ذلك، سيشعر بالحاجة إلى إثبات أن تجاوز الرئيس له عواقب وخيمة. يجب على الولايات المتحدة أن تبحث عن بعض التحركات على جبهة الطاقة، ولكن أيضًا على وقف بعض الجهود الأمريكية التي كان السعوديون مهتمين بمتابعتها”.
ماذا يعني ذلك لمستقبل العلاقات الأمريكية- السعودية؟
لم تكن رحلة بايدن في يوليو/ تموز متعلقة بالطاقة وحدها. بل، كان الأمر يتعلق بوجود أجندة تطلعية للعلاقة الثنائية الأوسع. وبحث قضايا التعاون الاقتصادي والتعليمي والتكنولوجي. والأهم من ذلك، كان هناك أمل في أن يقوم الرئيس بايدن بوضع الأساس لشراكة أوثق بين الولايات المتحدة والمملكة.
يلفت التحليل إلى أنه “بالطريقة التي تم بها ذلك، يبدو أن السعوديين غير مهتمين بشراكة أوسع مع إدارة بايدن”. وأن “التحدي الذي يواجه فريق بايدن الآن هو كيف يكون حازمًا بما يكفي لتغيير المواقف السعودية، مع عدم إغلاق الباب أمام تعاون أوثق. وهو ما كانت رحلة الرياض تحاول الترويج له”.
يقول: الصورة أقل سطوعًا بالتأكيد مما كانت عليه قبل أسبوع. يرسل السعوديون إشارة بأنهم لا يريدون شراكة وثيقة مع الولايات المتحدة في قضايا الطاقة والاقتصاد، ويريدون أن يكونوا غير متحيزين في الجغرافيا السياسية، لأن هذه الخطوة تساعد روسيا.
في الوقت نفسه، تريد الرياض شراكة وثيقة مع الولايات المتحدة في قضايا الأمن الإقليمي، وخاصة إيران. من الصعب الاختيار بهذه الطريقة. ينبغي أن نتوقع أن تكون الولايات المتحدة أقل تشاورًا مع السعودية بشأن المجالات ذات الاهتمام المشترك في المستقبل.
ويلفت الباحثان الاهتمام إلى أنه “يجب الانتباه إلى الكونجرس الذي لطالما انتقد المملكة. إذ تم تقديم تشريع لسحب القوات الأمريكية، وأنظمة الدفاع الصاروخي، من السعودية والإمارات، ويعيد أعضاء الكونجرس مرة أخرى فكرة السعي لتقويض أوبك. بينما لا يمكن اتخاذ إجراء في الشهر الذي يكون فيه الكونجرس خارج جلسة الانتخابات”. اي في مرحلة انتخابات التجديد النصفي
وأضافا: قد يصبح من الصعب تقييد جهد الكونجرس بالكامل. أو تحرك الكونجرس أحيانًا فجأة بشأن التشريعات المناهضة للسعودية.