لماذا تُحاسب المرأة على فواتير التخلف والجهل؟ ولماذا على المرأة أن تتحمل وتسقط تحت ضغوط الشرف والسُمعة وتُصبح هي وحدها التي تُدافع عن عائلتها؟ بينما في عائلات كثيرة تُنهب حقوقها وميراثها، ويكون لزامًا عليها الصمت؟

فهل المرأة بالفعل شريك الرجل في الحياة؟ أم أنها دورها انحصر في تسديد الفواتير وتصحيح أخطاء قرارات الذكور؟

بعد فترة قصيرة لم تتجاوز ستة أشهر عادت عروس الإسماعيلية محررة محضر ضد زوجها، ذلك الرجل الذي ضربها بمساعدة إخوته، وبعد انتشار فيديو الضرب ظهرت في لقاءات عبر وسائل الاعلام تعلن تصالحها، ويعلن الجميع أنهم عادي، وليسوا مثل المدن، وكأن الاعتداء على المرأة هو أمر مرتبط بمكان جغرافي!!

تلك العودة صاحبتها ردود فعل مختلفة بين مؤيد دعمها ورافضين الدعم لصمتها في الواقعة الأولى، والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة في مثل تلك الواقعة ووقائع أخرى تشهد عنف جسدي على المرأة فلماذا ترضى النساء بالقهر؟

الوصم الاجتماعي

قد يبدو أن القانون هو العامل الحاسم لتوقيع عقاب على إنسان، إلا أن البشرية صنعت فيما بينها عقابًا أشد قسوة، إنه الوصم أو ما نعرفه بالسُمعة، ذلك الذي يمكن أن يصل بإنسان إلى منطقة النبذ والاستبعاد من الجماعة، سواء كانت تلك الجماعة تُشير إلى عائلته أو أصدقائه، أو عمله، وربما امتد الأمر ليضم محيطه الاجتماعي بأكمله.

والمجتمع إذا أراد نبذ فرد من أفراده فإنه قد يضعه في حيز الموت وهو في حياته، وتلك مشاعر بالغة الصعوبة قد تصل بأحدهم إلى الانتحار.

إلا أن المجتمعات العربية اعتمدت الوصم بصورة كبيرة وقاسية كأداة استبعاد، ومارست هذا الدور على كل طبقات المجتمع، إذ أن الأفراد يمضون حاملين ذاكرتهم محملين بالماضي، عاشقين لما فات، فلا فكاك من الوصم السيء، وقد عمد الناس في بلادنا إلى تصنيف الآخرين ووضع أُطر تُسهل الفرز، ومارست مجتمعاتنا الشرقية قسوة مفرطة تجاه النساء، فثمة قرار ضمني لأسر المرأة في دور التابع والخاضع، وتُصبح الأداة المستخدمة لتحجيم المرأة هو السُمعة أو الوصم الاجتماعي، والذي في الغالب يكون عن أخلاقها.

شرف المرأة

قرر الذكور أن تسدد المرأة كل فواتير المجتمع، فهي التي تقوم بكل المسئوليات العائلية، وحفظ كيان العائلة، وفى مقابل ذلك فهو يحفظها في منطقة خفية غير مسموح حتى بمعرفة اسمها، فحتى وقت قريب، يُصبح تصريح الرجل باسم أمه أمر يُعيبه، وبرغم وجود نساء كسرن تلك القاعدة وبات لهن دور كبير في المجتمع، لكن تظل الغالبية تُعاني من تراكمات الانحيازات الذكورية، وتواجه أي امرأة تحاول الخروج عن القيد الذكوري وصمًا سيئًا في الغالب يكون مرتبط بأخلاقها وشرفها.

فحتى هذه اللحظة وبعد كل هذا التطور في العالم، والذي نستخدمه كأدوات تسيير الحياة، مازالت مناطق كثيرة، وفئات كثيرة، تعتمد سُمعة المرأة لاعتمادها فردًا صالحًا.

فإذا أراد أحدهم النيل من امرأة أصابها في سُمعتها واتهمها في أخلاقها، فنبذها من حولها، وتخلت عنها رفيقاتها، وتنصلت منها عائلتها، ولأننا مجتمع يعتمد الأقاويل كطريقة أساسية لانتقال (المعلومات) سواء الصحيحة أو المزيفة، فنحن لا نبحث عن أصل المعلومة، كما أن ترديد الأقاويل الخاصة بالسمعة لا تؤدي إلى التحري والتدقيق بقدر ما تُساهم في انتشار الشائعة.

وإما أن تعيش المرأة في مجتمعها منبوذة، أو تهرب إلى مكان جديد أو تهرب من الحياة بأكملها.

منتقدي عروس الإسماعيلية عندما وافقت على إتمام الزواج بعد أن قام زوجها وعائلتها بالاعتداء الجسدي عليها يوم زفافها، وتناسوا أن السمعة تلحق بالمرأة فقط، أن التبريرات دومًا تأتي لصالح الرجل، فسيكون لديه مبرر قوي لضربها، ربما عرف شيء عن أخلاقها، وسينمو هذا الافتراض ويبتلع كل شيء، وتظل العروس لفترة ليست قصيرة وربما طيلة حياتها يتهامس من حولها أن عريسها ضربها يوم الزفاف وتركها، ولن يذكر المجتمع أن هذا العريس تعدي عليها بالضرب، وستعاني العروس من عائلتها التي ستعتبرها سبب دنس العائلة، فتعاني تلك العروس قهرًا في البيت وخارجه، فعليها أن تقبل حتى يتكرر العنف ويتكرر، ومن ثم حين تطلب الطلاق سيكون هناك سببًا مقبولًا يمكن ذكره قبل مرثية الحظ.

والأمر ليس ببعيد عن الحقيقة ولا يشمل عروس الإسماعيلية فقط، ولنذكر تلك التبريرات التي انطلقت حول قاتل نيرة أشرف، واتهام الضحية في أخلاقها وشرفها، ثم التبريرات التي ترافق كل متحرش، ومحاولات الصاق الدافع بالمرأة وأنها المحرضة له للتحرش بها.

الموت كمدًا

المرأة في بلادنا تتحمل أغلب أخطاء الرجل وفى أماكن من بلادنا تتحمل كل اخطاءه، ولما لا وحواء هي التي أغوت آدم بأكل التفاحة فخرج من الجنة.

عندما انتحرت فتاة البحيرة لأن أحدهم هددها بصور غير لائقة، قادتها أفكار للانتحار وأنهت حياتها أستطيع التخيل منحنى الظنون الذي أخذها لحالة من النبذ العائلة والاجتماعي، والسُمعة التي ستُصبح بمثابة جواز مرور لكل راغب في الاعتداء.

تلك الحالات التي نعرفها بواسطة السوشيال ميديا يُقابلها مئات وربما ألاف الحالات التي نُبذت فهربت أو انتحرت أو تحملت حتى الموت كمدًا.

اسم أمك

عائلات كثيرة تُعيلها امرأة، وحين تخرج إلى الشارع تجد الكثير من النساء، لكن هذا الخروج إلى العمل، والمشاركة على أرض الواقع في إدارة الحياة لم تُغير كثير من عاداتنا القامعة للنساء والدافعة بهن للموت كمدًا في مقابل أن تُسدد فواتير الرجل، فخانة اسم الأم في أوراق الرقم القومي اختيارية، لست ملزمًا أن تقول اسم أمك، كثير من الرجال لا يذكر اسم زوجته، أو أمه، وتعمل بعض النساء في استكمال مسيرة القهر المجتمعي، فتُربي أبناءها الذكور على أهمية مكتسبة لمجرد النوع.

فالنساء لا تُعاني فقط من اضطهاد الذكور ولكنها تُعاني أكثر من اضطهاد الإناث اللواتي يُلصقن بها أخطاء الذكر ويرونها سبب كل شيء.

والنجاة من هذا الطريق ليست سهلة على الاطلاق، فهي تستلزم حملات مجتمعية وتوعية وتربية للأجيال الجديدة، نحتاج توعية عن الشائعات وانتقالها، وضرورة عدم تداولها، توعية بان البكارة ليست اختصارًا لأخلاق المرأة، وأن اسم الأم ليس عيبًا، واسم الزوجة لا ينال من كرامة الرجل.

المتحرش يقوم بأفعاله لأنه يعاني من كبت، ولديه مشكلاته وليس لأن المرأة السبب، المُطلقة لم تصل لهذه المرحلة وحدها ولا يعيبها أنها أنهت علاقة.

نحتاج للكثير من التوعية، وحتى يحدث تغييرًا حقيقيًا فإن الواعيين في هذا المجتمع ملزمون بدعم النساء اللواتي تعانين من قهر، نحن النساء في حاجة إلى دعم، وإلغاء شرط السُمعة لتقييم المرأة.