ربما لا يكون هذا هو الوقت المناسب لكتابة هذا المقال، أو لقول ما سيرد فيه، وأعني بعد قرار لجنة نقابة المهن السينمائية عدم ترشيح فيلم مصري لمسابقة أوسكار أفضل فيلم أجنبي لهذا العام 2022، بسبب “عدم وجود أي فيلم يرقى للمعايير الفنية المطلوبة” حسب ما ورد في بيان اللجنة وتصريحات بعض أعضائها، وجلّهم من النقاد المخضرمين، والموقّرين عن حق. وقد يُزيد من عدم تناسب ما سأقول مع ما وقع، أن اللجنة لم تكن تناقش سوى أربعة أفلام للاختيار بينها، هذا الرقم الهزيل – وإن كان الإنتاج الفني لا يقدّر دائما بالكمّ – يعكس صورة أخرى مؤسفة عن الوضع العام للسينما المصرية، الوضع الاقتصادي والمالي بعيدا حتى عن التقييم الفني.
اقرأ أيضا.. ترجمة من أجل داود (رسالة آيوا)
رغم ذلك، لم أستطع تجاهل ردود الأفعال شديدة الإعجاب عندما عُرض الفيلم المصري “اشتباك” لمحمد دياب (أوClash حسب الاسم الأجنبي) لزملائي في البرنامج الدولي للكتابة الذي تستضيفه جامعة آيوا الأمريكية، الفيلم الذي أُنتج سنة 2016 ويتناول الفترة العصيبة التي مرت بها مصر في الأيام التي تلت أحداث 30 يونيو 2013، لقي الإعجاب بل والانبهار بالأسلوب الفني الفائق الذي تم به تصوير الفيلم، والتحديّ الذي نجح فيه عبر تصوير فيلم كامل يزيد عن ساعة ونصف الساعة داخل حدود شاحنة لا تزيد مساحتها عن 8 أمتار، من دون أن يشعر المشاهد بالملل لحظة واحدة، بل تتلاحق أنفاسه وتتصارع داخله ألوان المشاعر، والتي انعكست في كثير من الأحيان في دموع المشاهدين خلال قاعة العرض السينمائية المخصصة لعروض البرنامج في مدينة آيوا. لقد فوجىء معظمهم بأن الفيلم لم يحصل على جائزة رئيسية من أي من المهرجانات الكبرى، ولم يصل حتى إلى الترشيحات النهائية في أوسكار الفيلم الأجنبي، رغم براعته الفنية وقضيته المهمة، فضلا عن التقييمات الإيجابية للغاية التي نالها من الصحافة الفنية في هوليود، ومن نجوم بحجم توم هانكس الذي دعا الجميع لمشاهدة فيلم “قد يحطم قلبك، لكنه سينير عقلك” على حد تعبيره.
أحد الأسباب التي خلقت رد الفعل المندهش هو أننا شاهدنا –خلال البرنامج وغيره– أفلاما أخرى من أنحاء مختلفة من العالم، بعضها يمكن القول إنه عاديّ للعادية، أو متوسط المستوى، ومع ذلك لم تخل سيرتها في المسابقات من جوائز كبرى خاصة في المهرجانات الأوروبية، بينما فيلم “اشتباك” الذي أجمع من شاهده هنا –وبعضهم سينمائيون- على أنه كان الفيلم الأفضل فنيا بين كل العروض (فيلم أو فيلمان أسبوعيا) لم ينل التكريم الذي نالته –في المهرجانات– أفلام أخرى أقل كثيرا في المستوى.
كنت قد حكيت في رسالة سابقة من آيوا عن جزء من الصعوبات التي واجهتها لعرض فيلم مصري في البرنامج، تحدثت عن أسباب عدم عرض فيلم داود عبد السيد الشهير”الكيت كات”، بسبب ما قيل لي من منظمي البرنامج بأن الترجمة –التي وجدناها عرضا على يوتيوب- لم تكن احترافية كفاية لنعرضها في “سينماتيك” البرنامج. لقد أدت صعوبة الحصول على نسخة من فيلم مصري -أولا- ومترجم باحترافية –ثانيا- في الولايات المتحدة إلى عدم عرض فيلم داود عبد السيد، بالبساطة نفسها التي عرض بها زملاء من بلدان أخرى أفلام تعبر عن بلادهم أو قضايا يهتمون بها. وشاءت المصادفة وحدها، أن عثرت على نسخة من فيلم محمد دياب في مكتبة جامعة آيوا، فأعدت المحاولة، ورغم نجاح المهمة لكن العرض كان خارج البرنامج الرسمي، لقد أثّر ذلك على عدد الحضور، وإن لم يؤثر كثيرا على نوعيته بسبب اهتمام كتاب وسينمائيون بارعون بمشاهدة الفيلم بمجرد أن وضعت “التريلر” الخاص به على مجموعة الواتساب الخاصة بالمشاركين في البرنامج.
لكن ما علاقة كل ذلك بالسؤال المذكور في عنوان المقال؟ بعد عرض الفيلم سألني الكثير من الزملاء عن ترشيحات لأفلام مصرية أخرى، وطلب آخرون- ممن لم يحضروا العرض- مني معلومات فيلم “اشتباك” بعد أن سمعوا الإشادة به من زملائهم الذين حضروا. كل ذلك الاهتمام جاء بسبب أن الفرصة جائتهم لمشاهدة فيلم مصري جيد، ولا أشك في أن انطباعهم لن يتغير كثيرا إذا كان الفيلم هو “ريش” لعمر الزهيري أو “يوم الدين” لأبو بكر شوقي أو أحد أفلام سامح علاء أو أحمد عبدالله أو كريم حنفي وغيرهم من مواهبنا الكبيرة والواعدة، من دون حتى أن أذكر أفلام مخرجينا الكبار من الأجيال السابقة. لكن كيف لهم أن يعرفوا عن الأفلام إن لم تكن متاحة ولم تكن مترجمة؟ وكيف لهم أن يهتموا إذا لم يكن لديهم المعرفة بأن السينما المصرية –بكل مشكلاتها– سينما عريقة يبلغ عمرها قرنا من الزمان؟ حتى أن صحفيا كنديا سأل المخرج مروان حامد يوما خلال العرض الافتتاحي لفيلم “عمارة يعقوبيان” في أحد المهرجانات، إن كان “عمارة يعقوبيان” هو أول فيلم مصري؟! وبالطبع فإننا لا نعفي الصحفي من الجهل لكن سؤالا كهذا هو أيضا مؤشر عن حالة عامة، ومثل تلك الحالة هي التي جعلتني أشعر أن عرض فيلم مصري لم يكن مهما بصفة خاصة بالنسبة للمسؤولين في البرنامج، لأنهم ببساطة لا يعرفون ومن ثم لا يهتمون. ولهذا فقد سئُلت من أحد المسؤولين قبل عرض “اشتباك” مباشرة – حتى بعد أن وضعت معلومات الفيلم في “جروب البرنامج- عما إذا كان الفيلم من إخراجي؟ فضحكت رغما عني.