أعلن الدكتور محمد معيط، وزير المالية، الانتهاء من الاتفاق مع صندوق النقد الدولي على مستوى الخبراء بشأن مكونات برنامج القرض الجديد على هامش الاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين بواشنطن، على أن يتم الإعلان خلال الـ 48 ساعة المقبلة، عن قيمة التمويل الجديد.
لم يحدد وزير المالية الاشتراطات التي طلبها صندوق النقد من مصر، باستثناء سعر الصرف المرن، الذي أكد عليه أيضًا مستشار محافظ البنك المركزي هشام عز العرب، في تصريحات تلفزيونية من واشنطن، معتبرا تثبيت سعر الجنيه المصري ليس هدفاً في حد ذاته.
اقرأ أيضا.. صندوق النقد: لا تراجع عن “الجنيه المرن”.. والبنوك تتحرك للجم تقلبات سعر الصرف
يؤكد عز العرب أن البنك المركزي كان ينظر سابقا لسعر الصرف على أنه “هدف”، ما أفقده التركيز على أهداف أخرى، فسعر الصرف والفائدة أو الاحتياطي كلها وسائل للحفاظ على استقرار الأسعار، وإدارة “المركزي” بدأت تتعامل مع سعر الصرف بطريقة أكثر ثباتاً، عبر القيام بتعديلات عليه لكن دون إحداث صدمات أو مفاجآت للسوق.
يقصد مسئول المركزي التخفيض المرحلي لسعر صرف الجنيه “تخفيض شبه يومي بالقروش”، الذي تم إتباعه منذ تولي حسن عبد الله رئاسة المركزي، بدلاً من التعويم المفاجئ الذي تبناه سلفه طارق عامر.
العلاقة بين سعر الصرف والتضخم، كانت المطلب الثاني لصندوق النقد الذي طالب الحكومة بتثبيت توقعاتها للتضخم، خاصة أن البنك المركزي كان قد وضع مستهدفا له عند 7% (±2%) لكنها تجاوز ذلك المستوى بكثير.
وارتفع التضخم العام في المدن إلى 15% على أساس سنوي في سبتمبر، مقابل 14.6% في الشهر السابق بحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، الذي كشف عن ارتفاع مستمر في تكاليف المعيشة جراء الحرب في أوكرانيا وضعف الجنيه أمام الدولار الأمريكي.
بحسب عز العرب، فإن كل زيادة 10% في سعر صرف الدولار مقابل الجنيه يتم ترجمتها إلى ارتفاع التضخم في مصر 4%، أما تراجع الدولار 10% مقابل الجنيه يخفض التضخم 0.5%.
وتبنى البنك المركزي خطة جديدة لمواجهة التضخم بتقليل السيولة في الأسوق عبر زيادة الاحتياطي النقدي الإلزامي من 14% إلى 18% بما يعني زيادة نسبة الودائع بالعملة المحلية والعملات الأجنبية التي تلتزم البنوك بإيداعها لدى البنك المركزي كإجراء احترازي حال مواجهتها سحبًا مفاجئًا.
“الضبط المالي” مطلب مُلح
المطلب المُلح من قبل الصندوق أيضًا، كان الضبط المالي للموازنة العامة للدولة الذي يتضمن ترشيدًا للنفقات العامة، وهو ما أكد عليه محمد معيط، في ثلاث بيانات أصدرتها وزارة المالية، خلال الأربعة وعشرين ساعة الماضية، حينما قال إن الوزارة مستمرة في جهود ضبط أوضاع المالية العامة للدولة.
وفق معيط، فإن وزارته تعمل على رفع كفاءة الإنفاق العام وضمان الاستغلال الأمثل لموارد الدولة، وتحسين هيكل الموازنة، وتعزيز الشفافية المالية، على نحو يُسهم في تحقيق المستهدفات الاقتصادية والتنموية، ما جعل الموازنة تسجل فائضاً أولياً بنسبة 0.11% خلال الربع الأول من العام المالي الحالي.
وشدد صندوق النقد أيضًا على ضرورة توسيع شركة الأمان الاجتماعي للفئات الأكثر ضعفا من أجل تخفيف الآثار السلبية التي قد تنجم عن سعر الصرف المرن، وهو أمر مرتبط بحجم واردات مصر من الخارج التي ستزداد تكلفتها مع ضعف العملة، فالواردات المصرية غير البترولية سجلت في عام 2021 نحو 76.8 مليار دولار.
الحكومة تستبق الصندوق
بالتزامن مع مطلب الصندوق، تحدثت الحكومة عن انتهاجها سياسة لتخفيف الآثار السلبية للأوضاع الاقتصادية العالمية على مستوى معيشة المواطنين والارتقاء بالخدمات المقدمة إليهم، والتوسع في السياسات المالية والهيكلية التي تساعد في توسيع شبكة الأمان الاجتماعي للفئات الأكثر احتياجًا بما يخفف حدة الموجة التضخمية العالمية
تكررت على مدار الشهور الأخيرة أحاديث عن طلب الصندوق من الحكومة خفضًا لبند الدعم، لكن محمد معيط، وزير المالية قال نصًا في تصريحات بواشنطن إن مصر لديها خطوط حمراء في التعامل مع ملف الدعم، مؤكدًا أن الصندوق لم يفرض شروطًا بعينها على مصر خلال المفاوضات التي قاربت على الانتهاء.
يثير ملف الدعم خاصة رغيف الخبز حساسية وزير المالية الذي أبدى ضيقه في مؤتمر صحفي عقدته الوزارة أخيرًا وقال فيه نصًا: “والله العظيم.. صندوق النقد الدولي لم يطلب إلغاء دعم الخبز”.
وبحسب بيانات رسمية صادرة مؤخرا، فإن الحكومة رفعت المخصصات المالية لبرامج الحماية الاجتماعية بنسبة 5.2% خلال الربع الأول من العام المالي الحالي لتبلغ 7.8% من الناتج المحلي الإجمالي إلى 15.4% في العام المالي الماضي.
تقليل دور الدولة في الاقتصاد
المطلب الخامس من صندوق النقد الدولي كان تحسين مناخ الأعمال العام وتقليل دور الدولة للاقتصاد، وركزت وزارة المالية على تلك النقطة خلال الأشهر الثلاثة الماضية، مع وضع وثيقة ملكية الدولة، واستهدافها زيادة مساهمة القطاع الخاص في الاقتصاد إلى 65%.
تتضمن وثيقة ملكية الدولة تخلص الحكومة تمامًا من جميع استثماراتها وملكياتها في حوالي 79 نشاطًا في القطاعات المختلفة، ومن هذه الأنشطة الاستزراع السمكي والثروة الحيوانية وقطاع المجازر وقطاع التشييد وبعض مشروعات الإسكان الاجتماعي، مع مشاركة القطاع الخاص في 45 نشاطًا في مقدمتها صناعة الإسمنت والحديد والألومنيوم واللحوم والطيور والأعلاف والألبان والسجائر.
وفي مطلبه الخامس، طالب الصندوق بضمان انخفاض محدد لنسبة الدين العام للناتج المحلي، وفي الوقت ذاته ضبط مالي يضمن قدرة الاقتصاد على تحمل الديون، وهو أمر سيتطلب أيضًا تقليل عحز الموازنة العامة للدولة الذي تموله الدولة عن طريق الاقتراض.
يأتي ذلك رغم أن ديون مصر تمثل 80% من الناتج المحلي الإجمالي وهي نسبة متدنية بالمقارنة مع المستوى العالمي حيث تمثل ديون العالم 3 أضعاف الناتج الإجمالي العالمي، بحسب مسئولي وزارة المالية.
وأظهرت بيانات من البنك المركزي المصري تراجع الدين الخارجي للبلاد بنسبة 1.3% في الربع الأخير من العام المالي 2021-2022 (مارس/آذار ــــ يونيو/حزيران 2022) على أساس فصلي “3 أشهر” ليسجل 155.708 مليار دولار، في أول تراجع للدين الخارجي منذ سبتمبر/أيلول 2021.
ووضعت وزارة المالية منذ شهور خطة مستدامة خفض معدلات الدين العام للناتج المحلي وخفض عجز الموازنة من 13% في العام المالي 2012/ 2013 إلى 6.1% في العام المالي الماضي مع استهداف 6% خلال العام المالي الحالي و4% بحلول العام المالي 2026/2027 والنزول بمعدل الدين من 103% في يونيو/حزيران 2016، إلى 87.2% فى نفس الشهر في 2022.
وحصلت مصر في السنوات الست الأخيرة على 3 قروض من صندوق النقد الدولي أولها عام 2016 بقيمة 12 مليار دولار لتمويل برنامج الإصلاح الاقتصادي والثاني بقيمة 2.77 مليار دولار لمواجهة تداعيات جائحة كورونا، وتبعها تمويل ثالث بقيمة 5.2 مليار دولار عام 2020 ضمن برنامج الاستعداد الائتماني.