في عام 1991 انطلقت مصر في إصلاحها الاقتصادي وكان برنامج الخصخصة ضمن هذا التوجه للدولة. فتم بيع 382 مؤسسة مملوكة للدولة. بعضها خصخصة كلية وأخرى جزئية. فيما بلغ إجمالي حصيلة بيع الشركات العامة بموجب برنامج الخصخصة 57.4 مليار جنيه مصري (نحو 9.4 مليار دولار تقريبًا) حتى عام 2009 -وفق إحصائيات البنك الدولي.

وقد شاب برنامج الخصخصة -الذي اعتمدته مصر في التسعينيات وأوقفته مؤقتًا بعد ثورة يناير- كثير من الفساد في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك “1981-2011″. وذلك في ظل الوقائع التي أحاطت بصفقات البيع.

وعلى مدار برنامج الخصخصة المصري -الذي تم تنفيذه في الفترة “1991-2010”- باعت الحكومة نحو نصف القطاع العام الذي كان يُشكل 40% من الناتج المحلي لمصر. فيما شكل نحو 60% من الناتج الصناعي. وكان يُسيطر على نحو 80% من مجمل عمليات التصدير والاستيراد في نهاية ثمانينيات القرن الماضي.

ويُلخص معهد التخطيط القومي استراتيجية بيع الأسهم الحكومية -أو بالتسمية الدارجة “الخصخصة”- بأنها السبيل إلى تحسين مالية الحكومة وخفض العجز وتقليل الخسائر.

 

بيع شركات الحكومة المصرية
بيع شركات الحكومة المصرية

ويُضيف في التقرير رقم 164 الصادر عام 2003 أنه بالنسبة لبرنامج الخصخصة المصري فقد بدأ عام 1991 مع إصدار قانون 203 لسنة 1991.

ووفقًا لهذا القانون تم تقدير برنامج نسبة مساهمة القطاع الخاص في ملكية هذه الشركات وفقا لكل حالة على حدة. فيما تم إنشاء وزارة قطاع الأعمال العام التي تولت مسئولية تنفيذ برنامج الخصخصة. وفي حال بلوغ نسبة ملكية القطاع الخاص 51% من رأسمال الشركة فإن الشركة تخضع لقانون الشركات وليس قطاع الأعمال العام.

الخصخصة وخفض عجز الموازنة

وفقًا للبيانات المتاحة والتي كشفها “مصر 360” عبر تتبع الموازنات العامة منذ عام 1996 حتى 2010 فإن 50% من حصيلة بيع الشركات وجهت إلى خفض عجز الموازنة المصرية. وهو العجز المستمر والمزمن.

الخصخصة وإعادة إنتاج الماضي
الخصخصة وإعادة إنتاج الماضي

وكان العجز في ميزانية الحكومة المصرية بلغ في أوائل التسعينيات إلى نحو 60.5 مليار جنيه. وكان يمكن أن يصل إلى أكثر من 70 مليار جنيه لولا توجيه حصيلة صفقات البيع تلك لخفض العجز.

اقرأ أيضًا: خصخصة التسعينيات واستحواذات 2022.. وقائع حزينة في فساد الحكم والتفريط في حقوق المحكومين

وكان العجز المزمن في الموازنة العامة المصرية بسبب ارتفاع خسائر شركات القطاع العام. إذ وفقًا لتقرير صادر عن وزارة المالية عام 1999 فإن خسائر تلك الشركات بلغت خلال الفترة “1987-1995” نحو 630 مليون جنيه.

ونتيجة لتحمّل الموازنة العامة للدولة تلك الخسائر ارتفع العجز.

ويُشير البنك الدولي إلى أن 35% من العجز في الموازنة العامة المصرية كانت الشركات الحكومية سبب فيه. فيما تم توجيه نحو 30% من أموال بيع الشركات إلى تحقيق التوازن بين خطط التقاعد المبكر وتعويض العاملين بين عامي 1992 و2001.

حصيلة بيع 2022

بيع شركة فوري
بيع شركة فوري

يقول المحلل الاقتصادي أحمد السيد النجار إن طوفان الخصخصة الذي قامت به الحكومة خلال الفترة الماضية كان لسداد أقساط وفوائد الديون التي هي سبب فيها.

ويصف في فيديو متلفز عبر قناته على يوتيوب الخصخصة بـ”طوفان قادم لبيع ما أنشأته الأجيال والحكومات الماضية”. مطالبًا بضرورة عرض الأصول والشركات التي تنوي الحكومة بيعها على الشعب. باعتبار أن الأخير هو مالك تلك الأصول في النهاية حسبما ينص الدستور.

ويعتقد “النجار” أن الحكومة باتت في مشكلة كبرى بعدما تضخمت الديون الخارجية من 46 مليار دولار عام 2014 إلى 157 مليار دولار في نهاية مارس/آذار الماضي. وبالتالي ضحت الحكومة بالأصول والشركات لسدادها.

يقول “النجار”: “أخشى أن تفرط الحكومة في عملية البيع وتتجه للتخلي عن أصول الشعب. بدليل أنها باعت بالفعل حصصا في أفضل الشركات المصرية العام المالي الماضي لعدد من الدول الخليجية”.

وبحسب برنامج الطروحات أو الخصخصة الذي أعلنت عنه الحكومة المصرية فإنها تستهدف جمع 40 مليار دولار خلال السنوات الخمس القادمة.

ويختتم المحلل الاقتصادي حديثه بأن الشركات المباعة تُمثل “زبدة” الاقتصاد المصري. مثل شركات “أبو قير” و”الإسكندرية لتداول الحاويات” وشركة “فوري”.

ويلفت إلى أن معامل الاسترداد أو الربحية من هذه الشركات قد تغطي مصاريف الصفقة خلال 5 سنوات. في حين أنه في المتوسط يكون من عشرة إلى 15 عاما. وفي أوقات الأزمات يزيد الأمر على 20 عاما.

ديون مصر الخارجية حتى 2071

البنك المركزي المصري
البنك المركزي المصري

ويكشف تقرير الوضع الخارجي الصادر عن البنك المركزي المصري أنه من المتوقع أن تظل الحكومة ملتزمة بدفع فوائد وأقساط ديون حتى عام 2071. وذلك حال ظل حجم الدين الخارجي لمصر عند رقمه الحالي -155.1 مليار دولار- وفقًا لآخر أرقام معلنة من البنك المركزي.

ووفقًا لتوقعات البنك فإن حجم فوائد وأقساط الدين الخارجي الذي ستظل مصر ملتزمة بدفعه سينمو إلى 170.8 مليار دولار في عام 2071.

ونظرًا لضخامة الأرقام التي سيتوجب على مصر دفعها خلال السنوات المقبلة بدءا من 2023 إلى 2030 اقتصرنا العرض على تلك الفترة. والتي سيتوجب على مصر تدبير ما قيمته 101.4 مليار دولار وفقًا لتوقعات البنك المركزي المصري.

إذ يُوضح تقرير البنك المركزي أنه في عام 2023 سيتوجب على الحكومة المصرية دفع نحو 17.7 مليار دولار. وفي عام 2024 يرتفع حجم أقساط الدين والفوائد إلى 24.2 مليار دولار.

وفي عام 2025 سيتوجب على الحكومة دفع 15.1 مليار دولار. ثم يزداد 16.8 مليار دولار في عام 2026 وفقًا لتقرير الوضع الخارجي الصادر عن البنك المركزي المصري. ثم تنخفض قيمة أقساط وفوائد الديون إلى 10.1 مليار دولار في عام 2027.

وفي عام 2028 ستكون الحكومة مطالبة بدفع 6.2 مليار دولار. وفي عام 2029 سيصل إلى 6.1 مليار دولار. وأخيرًا في عام 2030 سيتوجب على الحكومة دفع فوائد وأقساط ديون خارجية بقيمة 5.2 مليار دولار.

في النهاية لا بد أن يتم الحد من عملية الاقتراض من الخارج وبدء عملية جذب استثمارات أجنبية حقيقية. تنشئ مصانع وشركات جديدة بدلا من الاستحواذ على شركات ومصانع بناها المصريون بعرقهم وكفاحهم على مدار سنوات طويلة.