لا يمكن الحديث عن حقوق المرأة وتمكينها دون التطرق إلى مفهوم السكن المراعي للنوع الاجتماعي، باعتباره أحد الأدوات المهمة في منهج الإدماج بجميع أنشطة الدولة تحقيقًا للمساواة بين الجنسين. إذ إن توفير السكن ذي النوعية الجيدة، غير المبالغ في تكلفته، متوفر الخدمات الأساسية، من مياه نظيفة وصرف جيد وطاقة، يعزز من صحة النساء ويمنحهن إحساسًا بالخصوصية والراحة. وهذا بدوره يمكنهن من الانخراط في التحصيل العلمي وتوليد الدخل. ومن ثم تحسين نوعية الحياة والفرص بشكل كبير. وكلها أمور تساهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة ضمن رؤية مصر 2030.

من هنا، تنطلق الباحثة وفاء عشري في ورقة حقوقية جديدة، صادرة عن مركز “التنمية والدعم والإعلام – دام”، تستعرض فيها التحديات التي تواجهها المرأة المصرية للحصول على سكن ملائم، في واقع يتجاهل احتياجات النساء، خاصة غير المتزوجات والأرامل والمطلقات (اللائي ليس لديهن أطفال)، ومنها أزمة الحيازة الآمنة في مصر؛ مقدمةً عددًا من التوصيات الممكنة لتمكين المرأة من سكن ملائم. ذلك الحق الذي يغيب تفعيله على أرض الواقع بالممارسة العملية، رغم وجود قوانين محلية تكفله.

للاطلاع على الورقة كاملة.. اضغط هنا

التشريعات الوطنية والدولية

الحق في السكن اللائق معترف به بوضوح في القانون الدولي لحقوق الإنسان. بما في ذلك العهد الدولي الخاص بالاقتصاد، والحقوق الاجتماعية والثقافية، التي تنص على “حق كل فرد في مستوى معيشي لائق له ولأسرته؛ بما في ذلك المأكل والملبس والمسكن والتحسين المستمر للمعيشة “(المادة 11.1). وتشير النقطة الثالثة من هذه المادة إلى حق المرأة في الوصول إلى الموارد اللازمة التي تمكنها من امتلاك أو استخدام أو التحكم في المساكن والأراضي والممتلكات على قدم المساواة مع الرجل، وما يستلزمه من تغيير في القوانين والسياسات العامة، والعادات والتقاليد التمييزية في مجالات أخرى، والتي تؤدي إلى عدم مساواة عميقة الجذور بين النساء والرجال في السكن.

تكافح النساء في مصر للوصول إلى المساواة مع الرجال (الصورة: وكالات)
تكافح النساء في مصر للوصول إلى المساواة مع الرجال (الصورة: وكالات)

اقرأ أيضًا: توصيات “دام” لهدم حواجز التمكين وإنهاء العنف الأسري في مصر

وعلى المستوى الإقليمي، اعترف بروتوكول الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب بشأن حقوق المرأة في إفريقيا، بحقوق المرأة المتساوية في الحصول على السكن وظروف معيشية مقبولة في بيئة صحية (المادة 16).

وقد وضع الدستور المصري أساسًا قويًا لمواجهة التمييز ضد المرأة في المادة 11، والتي رتبت أربعة التزامات تجاه المرأة: أن تكفل الدولة تحقيق المساواة بينها وبين الرجل في جميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وأن تلتزم بحمايتها ضد كل أشكال العنف. وتكفل تمكين المرأة من التوفيق بين واجبات الأسرة ومتطلبات العمل. وأن تلتزم بتوفير الرعاية والحماية للأمومة والطفولة والمرأة المعيلة والمسنة والنساء الأشد احتياجًا. بما يمكن أن ينتج نقلة نوعية في وضع المرأة المصرية إذا ما ترجمت إلى قوانين يتم إعمالها بجدية.

للاطلاع على الورقة كاملة.. اضغط هنا

النساء والحيازة

تقول الباحثة إنه على الرغم من وجود بنية تشريعية تحمي حقوق المرأة، إلا أن الممارسة العملية، تظهر تمييزًا فعليًا في الوصول إلى الموارد. كما أن النساء تفتقر نسبيًا إلى حيازة آمنة، نتيجة لعدة عوامل منها الفقر، والتعرض للعنف، والقوانين والسياسات التمييزية، التي تسهم في عدم المساواة العامة للمرأة. والنساء اللائي يعشن في تلك المخاطر معرضات بشكل خاص لخطر التأخر عن دفع الإيجار وعمليات الإخلاء.

كذلك تشكل النساء النسبة الأعلى من السكان المعدمين. وتواجه مجموعات منهن التمييز بسبب الطبقة الاجتماعية أو العرق أو التوجه الجنسي أو العمر أو عوامل أخرى. ما يجعل حقهن في التمتع بالسكن اللائق الآمن صعبًا.

كما تتعرض النساء إلى بيئة خطرة، منها الأنفاق ومواقف السيارات التي تفتقد للإضاءة. وينعكس ذلك على تقليص أو تحسين اختيار المرأة بالنسبة للسكن. وتتفاقم مشاكل الديون بصورة غير متناسبة مع قدرتهن الاقتصادية، عندما تضطر بعض النساء إلى شراء أو استئجار مساكن مع تكاليف صيانة وتشغيل
أكبر وفي أماكن أكثر أمانًا وأعلى نفقات، لضمان سالمتها.

تتعرض النساء إلى بيئة خطرة ويقعن فريسة للتحرش (الصورة: وكالات)
تتعرض النساء إلى بيئة خطرة ويقعن فريسة للتحرش بنسب عالية في مصر (الصورة: وكالات)

اقرأ أيضًا: توصيات “دام” لتقسيم عادل للثروة الزوجية وضمان حقوق المرأة بعد الانفصال

وتفتقر الشوارع والميادين في مصر للمراحيض العامة. خاصة تلك الوحدات المخصَّصة للسيدات. وغالبًا ما يعانين من عبء تكلفة إضافي للوصول إلى المراحيض ذات الدفع مقابل الاستخدام في أماكن مثل المولات الشهيرة أو الكافيهات مرتفعة الأسعار.

وبالنسبة لأنظمة النقل والمواصلات الخاصة، فتواجه النساء والفتيات وذوات الإعاقة والأقليات مخاوف كبيرة تتعلق بالسلامة، وتتحمل الطبقات الفقيرة هذه الأعباء، وتكون أكثر شدة لذوات الإعاقة، ما يساهم فيً ارتفاع معدلات البطالة والتسرب من المدارس بشكل كبير. ويرتبط التنقل المحدود ارتباطا مباشرًا بانخفاض الفرص الاقتصادية.

تشير الباحثة -في الورقة (النساء والحق في السكن الملائم.. المعوقات والحلول)- إلى دراسة أجراها البنك الدولي عن التمكين الاقتصادي للمرأة في 2019. وقد خلصت فيه النتائج إلى أن 5% فقط من النساء في مصر يمتلكن أصولًا عقارية (بشكل منفرد أو تشاركي) مقابل 95% من الرجال. وهو ما أكده تقرير للبنك الدولي تحت عنوان “المرأة وأنشطة الأعمال والقانون لعام 2020″، استخدم الأصول العقارية كمؤشر لبحث الفوارق بين الجنسين في قانون العقارات والمواريث. وقد حصلت مصر على 40 نقطة من إجمالي 100 في هذا التصنيف.

للاطلاع على الورقة كاملة.. اضغط هنا

النساء والسياسات الوطنية

تستعرض الورقة أهم البرامج التي نفذها المجلس القومي للمرأة لتعزيز أطر السياسات والقوانين بهدف التصدي لجميع أشكال العنف ضد الفتيات والنساء، وتعزيز سبل تعريف السيدات بالمناطق الآمنة الخالية من أشكال العنف ضد المرأة أو التحرش الجنسي. ذلك ضمن خططها الاستراتيجية 2011-2020، بالاشتراك مع مؤسسات الدولة ومنظمات المجتمع المدني، لإنشاء مناطق متكاملة تخدم السيدات بها وتمكينهم اقتصاديًا واجتماعيًا وتوفير واقع أفضل لهن وأطفالهن.

اقرأ أيضًا: ورقة جديدة من “دام”| ولاية النساء على أنفسهن.. الحقوق الغائبة

توصيات

تتنوع عوائق الوصول للسكن الملائم، وتتطلب مواجهتها مقاربة شاملة للتحديات التي تقابلها النساء. بما يشمل جهود الدولة أو المجتمع المدني، والتي ترتكز على معالجة أوجه التمييز، وتسعى لإقرار العدالة للنساء. فضلًا عن برامج السكن التي تغطي احتياجات النساء ومشكلاتهن، بما فيها التخطيط لمساكن ومناطق آمنة.

هنا، توصي الورقة بضرورة أن تعمل الحكومة على دعم الحق في السكن اللائق للنساء، ومنه مراعاة التخطيط السليم من منظور النوع الاجتماعي. وأن تشارك الأصوات النسائية في برامج التخطيط العمراني، سواء ضمن مواقع اتخاذ القرار أو عبر مشاركة قطاعات المجتمع المدني.

كما توصي بزيادة الدعم والخدمات في مجال الإسكان وإعمال حق المساواة للحصول على سكن لائق للنساء، والأخذ في الاعتبار أوضاع المناطق النائية والحدودية والريفية، ومراعاة الفئات المهمشة مثل المسنات والمعاقات.

كذلك تأتي ضرورة التغيير في سياسات التعليم للتأكيد على أهمية تناول منظور النوع الاجتماعي داخل مناهجها الدراسية وتطبيقه بشكل عملي. خاصة فيما يتعلق بالدراسة في المعاهد والكليات الهندسية. مع التركيز على تحسين المساواة بين الجنسين وتعزيز علاقات المرأة داخل المجتمع وداخل
الأسرة، وتعزيز العلاقات الإيجابية للمرأة داخل المجتمع والبناء عليها والعمل مع المجتمع لتغيير العلاقات الأكثر سلبية.

وتشير الورقة إلى ضرورة التوسع في دعم برامج المأوى التي تركز على توفير سكن يضمن سلامة المرأة. إذ أن أهمية التخطيط العمراني القائم على النوع الاجتماعي، يساهم في الوصول إلى سكن تتوفر به الخدمات من شأنه تحقيق التنمية لكل أفراد المجتمع وليس النساء وحسب.

للاطلاع على الورقة كاملة.. اضغط هنا