أثارت غرامة سددها عريس بإيبارشية أبو قرقاص بالمنيا جدل الأقباط إذ اضطر كيرلس عزمي عبد الله لدفع 2000 جنيه غرامة لكنيسة أبو سيفين. وذلك بعدما استعمل “الدي جي” في منزله الريفي احتفالًا بزفافه. وهو ما تراه الكنيسة “مهينًا لسر الزواج المسيحي المقدس أحد أسرار الكنيسة القبطية السبعة”.
أسقف المنيا: الغرامة لمنع التجاوزات.. والأمر قيد المراجعة
الأنبا مكاريوس -أسقف إيبارشية المنيا- قال لـ”مصر 360″ إن الكنيسة طبقت هذه الغرامات نتيجة شيوع كثير من التجاوزات في الأفراح بين المسيحيين. ومنها أمور لا تليق بالسر المقدس -الزواج. مضيفًا: قررت المطرانية اتباع أمرين أولهما التوعية فوق منابر الكنائس بضرورة احترام سر الزيجة المقدس. وثانيهما أن يدفع العريس تأمينا ماليا عند حجز الكنيسة لصلاة الإكليل على أن يسترده حال عدم حدوث تجاوزات. وهو الأمر الذي ساعد في تقليل التجاوزات بشكل ملحوظ.
الأنبا “مكاريوس” أوضح أن التجاوزات لا يقصد بها تشغيل الدي جي أو الموسيقى. إنما ما يصاحبها من “رقص وخلاعة وتخلٍ عن اللياقة وأحيانًا يصل الأمر للخمور والمخدرات”. وتابع: “يحدث هذا خاصة في الأفراح الريفية ربما بدرجة أكثر من المدن”.
وأكد أن قضية الغرامات قيد المراجعة المستمرة. فقد كانت في البداية خمسة آلاف ومع الالتزام وتجاوب شعب الكنيسة تم تقليصها لألفي جنيه. ويجري حاليًا التفكير في استبدال هذا الأمر بعقوبات غير مادية. لافتًا إلى أن أموال الغرامات تلك تذهب لدعم الفقراء.
ولم تكن إيبارشيات محافظة المنيا هي الأولى التي تفرض هذه النوعية من الغرامات. فقد شاعت تلك العقوبات في إيبارشية المنوفية. إذ يلزم الأنبا بنيامين -مطران المنوفية- رعاياه منذ سنوات تأجير قاعة ملحقة بالكنيسة للاحتفال بالزواج بعد إتمام صلوات الإكليل إذا أرادوا الاحتفال بعد الصلاة. حيث يتم الاحتفال بالترانيم والأناشيد الكنسية بشكل محافظ. بينما يضطر المقبلون على الزواج لتسديد تأمين يصل إلى ألفي جنيه للالتزام بالأمر وفقًا لما أكده أحد الخدام بإيبارشية المنوفية. بينما شهدت المطرانية الكثير من الحالات بينها منع عروسين من دخول الكنيسة يوم زفافهما بسبب احتفالهما بالحنة ليلة العرس. وهو ما تمنعه الكنيسة. فرفض الكهنة إتمام صلوات الإكليل في الموعد المحدد. وتم الاتفاق على تسديد غرامة مالية للكنيسة عقوبة لهذا التجاوز.
الكنيسة القبطية واحتفالات الأفراح
في وقت سابق أوضح الأنبا بنيامين في تصريحات صحفية رأيه في هذه القضية. وأكد أن الاحتشام في الأعراس أمر أساسي. ووفقا لقوانين الكنيسة فإن العروس ترتدي “الحرملة” ويرتدي العريس “البورنص”. مضيفا: “إقامة الأعراس تحتاج إلى ضوابط لأن الرقص والأغاني لا تليق بالسر المقدس. لذلك نؤسس قاعات بجوار الكنائس يأكل فيها المدعوون ويشربون. مع تشغيل ألحان كنسية أو ترانيم دون خلاعة. وتصبح جلسة جميلة ووقورة واحترام للسر المقدس ونحاول أن نخلق الوعي لدى الناس من أجل بركة السر”.
مطران المنوفية اعتبر أن الزواج دون عمل الله لا يمكن أن يستمر. “لذلك نسبة الطلاق تزيد”. وأضاف: “في رأيي أن عمل الروح القدس والبركة التي يأخذونها في إكليل الزواج أساس. فلا يصح أن نفعل ما يتعارض مع البركة والوقار. وهناك فرق بين من يغني ويرقص بعيدا عن السر المقدس. ومن يفعل ذلك احتفالا بالسر”. موضحًا أن سر الزواج “يحل فيه الروح القدس والله طرف ثالث فيه بين الزوج والزوجة. لأنه هو الذي جمعهما. فما جمعه الله لا يفرقه إنسان. ونطلب ارتداء ملابس وقورة تتناسب مع الصلاة والسر. وعلى الناس أن تعرف أنها مدعوة لقداس وليس حفلة. وهناك فرق بين الحفلة والقداس. فالزواج عمل إلهي وليس عملا بشريا. الله هو من خلق الرجل والمرأة. لذلك نرفض الزواج المثلي والزواج المدني لأن الله ليس طرفا فيه. ونرفض كل صور الارتباط خارج دائرة الدين لأن هذا هو البركة”.
تعاليم الكنيسة أمام ثقافة الاحتفال الصاخب لدى المصريين
في المقابل فإن بيشوي القمص -الكاتب المهتم بقضايا الأقباط- يصف الغرامات التي توقعها الكنيسة “تشبه جماعات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”. فمن غير المقبول أن يتم إلزام المقبلين على الزواج اتباع بروتوكول في الأفراح التي تتم خارج حدود الكنيسة وبعد إتمام سر الإكليل. مضيفًا: “أتفهم جيدًا احترام صلاة الإكليل داخل الكنيسة المقدسة. ولكن ما لا أفهمه أن يصاحب ذلك التزامًا سلوكيًا محددًا في قاعات خارج الكنيسة. مع الأخذ في الاعتبار ثقافة المصريين التي تحب الاحتفال بالزواج بالأغاني والرقص والصخب مع الأسرة والأصدقاء”.
القمص أشار لـ”مصر 360″ إلى أن الكنيسة تحصل على مبلغ مالي لإتمام سن الزواج. وفي بعض الإيبارشيات فإن هذا الرقم متغير ويختلف عن إيجار القاعة أو حجز الكنيسة. وهو أمر تقدره الكنيسة بناء على المستوى الاجتماعي للعروسين وللأسرة. وكأنه تبرع ولكنه يفرض إلزاميًا. وهي كلها أمور لا تليق بالسر المقدس أيضًا. متسائلًا: “ماذا يضير كنيسة عمرها أكثر من ألفي عام في تشغيل الأغاني خارجها احتفالًا بالأعراس؟!”.
القمص قال إن دور الكنيسة ينتهي عند الوعظ والإرشاد وتقديم التعاليم لأبنائها من المسيحيين. أما تطبيق التعاليم أو تجاهلها فهو أمر يخص المؤمن وحده. ومن ثم لا يمكن للكنيسة أن تستخدم سر الزواج كطريقة لفرض غرامات قاسية على المسيحيين تجعلهم ينفرون من المواظبة على حضور الكنيسة والانتماء لها.
ولفت إلى أن قضية فرض الغرامات متباينة وتدخل فيها عوامل الطبقة والمستوى الاجتماعي. مضيفًا: “يحضر كثير من الأساقفة أفراح علية القوم من كبار العائلات المسيحية في الكنائس. ثم تتوجه العائلة للاحتفال بالفنادق والقاعات الفخمة. فلماذا لا يتم فرض مثل هذه الغرامات على الأغنياء. بينما تظهر بقوة في كنائس الريف والمجتمعات الفقيرة؟”.
ورأى أن مسألة الزواج المسيحي في مصر تدخل فيها عدة عوامل. بداية من امتلاك الكنيسة وحدها حق تزويج المؤمنين. فالكاهن يلعب دور موثق شهر عقاري. بالإضافة إلى التحكم في تفاصيل الزواج. وهي كلها أمور لا بد أن تتم مراجعتها في المستقبل حتى يتاح للمسيحيين حرية القرار في مسألة الزواج أو في مسألة شخصية مثل الاحتفال بالأفراح.