“كانت الليلة العصيبة ليلة 25 – 26 أغسطس 1967 من أخطر الليالي التي مرت بها ثورة 23 يوليو 1952”. (ليلة انتصار ناصر على عامر).

“إلا أنه سرعان ما عاد -يقصد الرئيس عبد الناصر- إلى حساباته القديمة التي يغلب فيها التأمين الذاتي على الأمن القومي”. (هواية ناصر في لعب السياسة داخل الجيش).

وردت هاتان الفقرتان في ص 130 من كتاب “الفرص الضائعة: القرارات الحاسمة في حربي الاستنزاف وأكتوبر”، الطبعة الأولى 1992، الصادر عن شركة المطبوعات للتوزيع والنشر – بيروت. لمؤلفه أمين حامد هويدي 1921 – 2009، والذي شغل منصب وزير الحربية بعد ستة عشر يوما فقط من هزيمة 5 يونيو 1967 ثم تولى رئاسة المخابرات العامة 26 أغسطس 1967، وكان يشغل منصب وزير دولة لشؤون مجلس الوزراء عندما وقعت الحرب، وقبل ذلك كان يشغل منصب نائب رئيس المخابرات العامة، كما عمل سفيرا في بغداد، تخرج من الكلية الحربية 1940، وشارك في الحرب العالمية الثانية وحرب فلسطين ومن الضباط الأحرار ومن أكثرهم ولاءً للرئيس عبد الناصر.

وفي ص 89 يقول “كان الرئيس مازال يُجري حساباته للمفاضلة بين الأمن والتأمين، وأقصد بالأمن الأمن القومي للبلاد، وأقصد بالتأمين تأمين النظام”.

وفي ص 11 يقول “المفروض أن تخضع القيادة العسكرية للقيادة السياسية في إطار البناء التنظيمي للدولة”.

ثم يفرق بين ما هو سياسي وما هو عسكري فيقول:

1 – “وزير الدفاع وزير سياسي يعمل كممثل للسلطة السياسية على قمة المؤسسة العسكرية، وهو المسؤول عن إعداد الدولة للحرب بما في ذلك القوات المسلحة”.

2 – ” أما القائد العسكري فمسؤول عن تدريب وتنظيم قواته ووضع الخطط لها والتدريب عليها وإدارة العمليات في إطار الأغراض السياسية التي تُحدد له بواسطة الرئيس عن طريق وزير الدفاع”.

3 – “ولكن – لظروف التأمين الذاتي للحكم، نجد أن وزير الدفاع يجمع بين المسؤوليتين السياسية والعسكرية فهو زير الدفاع وهذا منصب سياسي والقائد العام للقوات المسلحة وهذا منصب عسكري”.

4 – “عدم تحديد هذه العلاقة بدقة أبعد الرئيس عبد الناصر تماما عن القوات المسلحة التي شكلت “ورما” في البناء السياسي للدولة، بحيث تعذر على السلطة السياسية تغيير القائد العسكري إلا بالقوة”.

5 – “الرئيس السادات – بعكس الرئيس عبد الناصر فرض هيمنته على القيادة العسكرية إلا أنه تجاوز حدود صلاحياته السياسية وتدخل في الأمور العسكرية دون علم ودون معرفة فتسبب في أخطاء فادحة في حرب 1973”.

6 – “سوف تظل هذه المشكلة قائمة حتى يتم الفصل بين مسؤوليات وزير الدفاع ومسؤوليات القيادة العسكرية مع بقائها تحت سيطرة القيادة السياسية”.

السؤال الآن: ما الذي جرى في الليلة العصيبة 25 – 26 أغسطس 1967 أي بعد سبعين يوما فقط من هزيمة 5 يونيو 1967؟.

ثم السؤال الآخر: ما هي تفضيلات التأمين الذاتي أو تأمين النظام التي كان يقدمها ويغلبها الرئيس عبد الناصر على الأمن القومي للبلاد واستمر في ذلك حتى بعد الهزيمة كما يقول وزير حربيته المخلص؟.

نبدأ بالسؤال الأول، وباختصار شديد، كان المشير عبد الحكيم عامر يجهز خطة للانقلاب على الرئيس جمال عبد الناصر، وكان الرئيس جمال عبد الناصر يجهز خطة مضاد لتصفية سلمية للمشير عامر، علما أن المشير كان يشغل موقعين مهمين فهو نائب رئيس الجمهورية ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، والرئيس هو بالبديهة – رئيس الجمهورية والقائد الأعلى للقوات المسلحة، في هذا الصراع بين الرئيس ونائبه والقائد الأعلى ونائبه يتجلى الطابع المملوكي لجمهورية الضباط وهو طابع ورثته عن مملوكية محمد علي باشا الذي ورثها عن المملوكية القديمة 1250 – 1811. فصراع بيبرس وقطز في المملوكية القديمة 1259، تكرر بين محمد علي باشا ونجله القائد إبراهيم في المملوكية الحديثة 1848، ثم تكرر في المملوكية الجمهورية في صراع ناصر – عامر بعد الهزيمة المشتركة للقائد ونائبه والرئيس ونائبه، وهنا تلزم الإشارة إلى عدة نقاط:

الأولى: أن صراعات المماليك الأقدمين وصراع محمد علي باشا مع نجله القائد إبراهيم كانت صراعات بين قادة عظام منتصرين في حروب ضخمة، وكان الصراع يدور حول النصر لمن؟ وثمرته لمن؟ وجائزته الكبرى لمن؟.

الثانية: أن صراع الرئيس والمشير – ناصر وعامر – هو صراع قائدين مهزومين هزيمة من النوع المشين والمخجل ومن ثم فهو صراع على مسؤولية الهزيمة تقع على عاتق أيهما القائد الأعلى أم نائبه؟.

الثالثة: أنه لو أمكن إخفاء هزيمة 1967 عن الشعب بالكفاءة التي تم بها إخفاء هزيمة 1956 وهزائم حرب اليمن 1962 – 1967 لما كانت هناك مشكلة تستدعي هذا الصدام الحاد بين القائدين.

الرابعة: لو كان المشير عامر وافق وقبل المعروض عليه من الرئيس عبد الناصر وهو التخلي عن منصب نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة في مقابل الاحتفاظ بمنصب رئيس الجمهورية لما كانت هناك مشكلة.

الخامسة: مثل كل صراعات المماليك، كان الصراع بين الرئيس والمشير يجري في الظلام بعيدا عن أعين الشعب الذي لم يكن يعلم ولا كان يهمه أن يعلم مثل هذا النوع الرديء من الصراعات الرخيصة.

في ص 119 من كتابه “مذكرات الجمسي: حرب أكتوبر 1973” الطبعة الثانية الصادرة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب 2016، يقول المشير الجمسي: “بينما كنت أجلس مع اللواء أحمد إسماعيل ليلا في جبهة القناة، نراجع كالمعتاد يوميا، نشاط العدو في سيناء ونواياه في الفترة القصيرة القادمة، وكذلك نتائج أعمال قواتنا، قبل أن يتوجه كل منا إلى خندق النوم المخصص له، دق التليفون، وكان المتحدث هو الفريق أول محمد فوزي من القاهرة”.

ثم يقول: “كان هدف المكالمة هو إخطارنا بانتحار المشير عامر في منزله بمادة سامة، شديدة المفعول، كان يُخفيها مُلاصقةً لجسمه، تحت ملابسه الداخلية، وأن الكشف الطبي أُجري عليه، بواسطة لجنة طبية على مستوى عال بالدولة، وأنه سيُعامل معاملة أي منتحر آخر بالنسبة إلى تشييع جنازته، بعد تسليم الجثة لأسرته، ومعنى ذلك أنه لن تكون هناك أي مراسم عند تشييع الجنازة”.

ثم يقول المشير الجمسي في ص 120 من الكتاب ذاته: “وأصدر النائب العام بيانا بشأن الحادث في العاشر من أكتوبر 1967 جاء فيه (وبما أنه مما تقدم يكون الثابت أن المشير عامر قد تناول بنفسه، عن بينة وإرادة، مادة سامة، بقصد الانتحار وهو في منزله وبين أهله، يوم الثالث عشر من سبتمبر 1967، قضى بسببها نحبه في اليوم التالي، وهو ما لا جريمة فيه قانونا، لذلك نأمر بقيد الأوراق في دفتر الشكاوى وحفظها إداريا”.

ويعلق المشير الجمسي على واقعة الانتحار بالقول: “كان ذلك هو المصير النهائي للمشير عامر، الذي كان برتبة رائد عند قيام ثورة 23 يوليو 1952، وبعد أقل من عام ترقي في 18 يونيو 1953، ثم ترقى بعد قرابة خمس سنوات إلى رتبة المشير في 20 فبراير 1958، وأصبح نائبا عاما للقائد الأعلى للقوات المسلحة”.

وفي ص 131 وما بعدها من مذكراته يرصد المشير الجمسي فصول الصراع السياسي – العسكري بين الرئيس والمشير، إذ يرى أن هزيمة 5 يونيو 1967 كانت “المحصلة الطبيعية للأخطاء السياسية والعسكرية التي وقعت خلال السنوات العشر السابقة عليها”:

1- ” في عام 1957 كان يلزم دراسة حرب عام 1956، إلا أن ذلك لم يتم بالاهتمام الواجب، فلم يصدر المرجع التاريخي عن حرب 1956 إلا في عام 1969″.

2 – “أثبتت حرب 1956 عدم كفاءة عبد الحكيم عامر لإدارة العمليات الحربية، وكان الوضع الطبيعي أن توكل قيادة القوات المسلحة إلى قائد عسكري محترف، وليس إلى قائد سياسي يقود القوات بأساليب الأمن”.

3 – “إلا أن ذلك لم يتم، بل تمت ترقية عبد الحكيم عامر في العام التالي إلى رتبة المشير 1958”.

4 – “لم يكن من المقبول أن يبقى الفريق صدقي محمود قائد القوات الجوية أثناء حرب 1956 حيث تم تدميرها من العدو في منصبه حتى حرب 1967 حيث تم تدميرها على الأرض للمرة الثانية من العدو ذاته”.

5 – “المشير عامر هو المسؤول عن الأخطاء العسكرية في عهد الوحدة مع سوريا 1958 – 1962 حيث تم الانقلاب العسكري في سوريا أثناء وجوده في دمشق، بمعاونة واشتراك مدير مكتبه، وهو سوري الجنسية”.

6 – “من ذلك التاريخ دب الصراع بين الرئيس عبد الناصر والمشير عامر على السلطة وحول المسؤولية عن انفصال سوريا من دولة الوحدة”.

7 – “رغم ذلك، لم يتخذ الرئيس عبد الناصر خطوة إبعاد المشير عن القوات المسلحة حتى وقعت الهزيمة”.

ثم في ص 132 ينقل المشير الجمسي عن الفريق أول محمد فوزي الذي شغل منصب رئيس الأركان تحت قيادة المشير ثم وزير حربية بعد امتناع أمين هويدي عن الاستمرار في منصب وزير الحربية لعدم اقتناعه بتغليب الرئيس عبد الناصر التأمين الذاتي له ولنظام حكمه فوق وقبل وعلى الأمن القومي للبلاد، يقول الجمسي نقلا عن فوزي: “لا أحد في الدولة يستطيع أن يُسائل عبد الحكيم عامر، رئيس الجمهورية لا يُسائله، السلطة التشريعية لا تستطيع أن تدعوه إلى أن يجلس على المقعد التنفيذي ويوجه له سؤال أو استجواب، وهذا طبعا لم يحدث أبدا، وهكذا تركزت المسؤولية عن القيادة والسيطرة في القوات المسلحة في يد فرد غير مسؤول أمام أحد”.

ثم يتحدث المشير الجمسي في ص 133 عن الرجل الذي اختاره المشير عامر للقيادة الفعلية للقوات المسلحة وهو وزير الحربية شمس بدران 1929 – 2020 يقول المشير “أما شمس بدران وزير الحربية، فقد لعب دورا بارزا في حركة الضباط الأحرار أدى إلى تعيينه مديرا لمكتب المشير عامر، وأصبح من أقرب المقربين إليه، وأصبحت سلطاته واسعة في القوات المسلحة، ولم تكن ثقافته العسكرية أو خبرته الميدانية تساعدانه على التدخل في الشؤون الفنية للقوات المسلحة وكل ما يتعلق بها من تدريب القوات وإعدادها للقتال أو وضع خطط الحرب”.

ثم يقول المشير الجمسي عن شمس بدران وزير الحربية أثناء الهزيمة “لم يحضر دورة دراسية واحدة بعد مشاركته في ثورة 23 يوليو 1952 ليزيد من معلوماته العسكرية التي ظلت واقفة عند الحد الذي كانت عليه في ذلك الوقت وهو برتبة نقيب”.

ثم يختتم بالقول في ص 134 “عبد الناصر وعبد الحكيم عامر بينهما اتفاق على تحقيق أهداف الثورة، لكن بينهما صراع على قيادة القوات المسلحة صاحبة الثورة وأداة التغيير في الدولة في ذلك الوقت”.

***

نعود إلى السؤال الثاني: ماذا تعني تفضيلات الرئيس عبد الناصر لاعتبارات الأمن الذاتي وتأمين نظام الحكم قبل اعتبارات الأمن القومي وأمن البلاد؟.

في ص 122 من كتابه “الفرص الضائعة: القرارات الحاسمة في حربي الاستنزاف وأكتوبر يقول وزير الحربية الأسبق أمين حامد هويدي: “كان الرئيس عبد الناصر يخشى القوات المسلحة، فهي الأداة التي استخدمها في التغييرات الثورية الهائلة التي قام بها منذ قيام الثورة في 23 يوليو 1952، وكان يتحاشى الاصطدام بها، حتى لا تصبح أداة في يد غيره، لإحداث تغيير غير مرغوب فيه، لذلك كان قراره في تأمين النظام عاملا أساسيا في حساباته عند صناعة القرار أو إصداره”.

وفي ص 80 يقول: “أخبرني الرئيس عبد الناصر بنيته في اختياري وزيرا للحربية، وفي حوار طويل معه أوضح لي أن الغرض من تعييني هو الإشراف الكامل على كل ما يخص شؤون الدفاع، على أن يكون الهدف ذو الأسبقية هو إدخال القوات المسلحة ضمن إطار الدولة، بعد أن ظلت “ورما” ينمو خارج هذا الإطار، كذلك الإشراف على إعداد الدولة للحرب بما في ذلك القوات المسلحة لاستعادة الأرض”.

ثم يُفصح أكثر عن خشية الرئيس عبد الناصر وخوفه المزمن من القوات المسلحة فيقول في ص 81: “تم تعيين الفريق محمد فوزي في منصب القائد العام لبنائها وإعدادها للقتال”.

ثم يذكر وزير الحربية أمين هويدي في ص 81 طبيعة المهمة الأساسية التي كلف بها الرئيس عبد الناصر الفريق فوزي فيقول: “إلى جانب الواجب الحقيقي وهو تأمين النظام من أي تحركات محتملة من داخل القوات المسلحة في تلك الظروف الصعبة التي مرت بها البلاد”.

ثم يصف مهمة حماية النظام من أي تحركات مضادة من داخل الجيش بأنها “الأمر الذي كان يعمل له الرئيس ألف حساب، والذي انعكس على كل قراراته عند النظر في إعادة تنظيم قمة المؤسسة العسكرية بعد هزيمة 5 يونيو 1967”.

– في ص 50 من مذكراته يقول عضو مجلس قيادة الثورة عبد اللطيف البغدادي في الجزء الأول: “كنت أخشى من تولي عبد الحكيم عامر أمر الجيش أن يصبح الجيش في المستقبل أداة تدخل في السياسة العامة ومدى خطورة هذا على مستقبل البلاد”.

كلام البغدادي يعود إلى وقت مبكر إلى لحظة إعلان الجمهورية 18 يونيو 1953، حيث تم تعيين أول رئيس بدون إذن الشعب، كما تم في اللحظة ذاتها أن قرر عقيد وهو هنا عبد الناصر ترقية صديقه الشخصي وهو هنا عبد الحكيم عامر من رتبة الرائد إلى رتبة اللواء ليكون القائد العام للقوات المسلحة مما ترتب عليه خروج الكثير من القادة من الخدمة اعتزازا بشرفهم العسكري كما تم إخراج كثيرين للمعاش أو لوظائف مدنية لإخلاء الساحة أمام الرائد الذي أصبح -بقرار من عقيد- القائد العام للقوات المسلحة.

الذي حدث في الساعات السبع من منتصف ليل 23 يوليو حتى مطلع الصبح وإذاعة بيان الثورة التي كانت تحمل اسم حركة الجيش لا انقلاب ولا ثورة، الذي حدث هو أن النظام القديم من ملك واستعمار وطبقة ارستقراطية ودستور وأحزاب كان قد تتداعى تماما، كان ساقطا بالفعل، فسقط بسهولة بين أيادي الضباط الأحرار، الذين قاموا بانقلابهم في ظل مناخ مشحون بالثورة، والذين وجدوا كل سلطات الملك والاحتلال والطبقة والأحزاب تسقط في أيديهم، هبطت عليهم في سبع ساعات سلطات لا أول لها ولا آخر، هذه السلطات غير المحدودة سمحت لقائد الضباط الأحرار أن يضع صديقه فوق رأس المؤسسة العسكرية في 18 يونيو 1953 ريثما يفرض نفسه على رأس الدولة باستفتاء شكلي بعد ذلك بثلاث سنوات في 23 يونيو 1956 وكان الاستفتاء هو المقدمة الأولى للحصول على منصب الرئاسة بالقوة مع شرعية شكلية من استفتاء شكلي أو انتخابات صورية ويومها حصل الرئيس عبد الناصر على 99.9% من أصوات الناخبين.

أن يكون الرائد عبد الحكيم عامر قائدا عاما للجيش دون إذن الجيش ودون رضائه ومن خارج منظومته القيادية، وأن يكون العقيد جمال عبد الناصر رئيسا للجمهورية وهو في سن الثامنة والثلاثين دون انتخابات حقيقية ودون إذن حر من الشعب ودون خبرة سياسية، أن يحصل هذا وذاك، فذاك أمر تلزمه القوة، يلزمه الحكم بالحديد والنار، يلزمه الإمساك بزمام القوات المسلحة.

نعود إلى مذكرات عبد اللطيف البغدادي فهو يقول في ص 50: “رأيت أن أعترض على اقتراح جمال عبد الناصر تعيين عبد الحكيم عامر قائدا عاما للجيش، مُبينا أن من الأفضل أن يتولى أمر الجيش ضباط محترفون للتفرغ له، والابتعاد عن السياسة، ذاكرا أن الجيش إذا تدخل في السياسة فسد الجيش وفسدت السياسة أيضا، وأن هذه محصلة التجارب على مدى القرون”.

ثم يضيف البغدادي: “ولكن جمال عبد الناصر تمسك باقتراحه، مبينا أنه من المستحيل أن يوكل أمر الجيش إلى شخص غريب، وليس منا، فيتحكم في رقابنا”.

ثم يختتم بالقول: “وترتب على هذه السياسة فساد الجيش ثم ترتب على فساد الجيش نتائج وخيمة عسكرية وسياسية”.

على مدى الفترة من شهادة البغدادي 18 يونيو 1953، إلى شهادة هويدي ليلة تصفية المشير 25 – 26 أغسطس 1967، إلى انتحار المشير في 12 – 13 سبتمبر 1967، ما يقرب من 14 عاما، كان عبد الناصر فيها نصف رئيس في الواقع الفعلي لكنه زعيم من كبار زعماء العالم الناهض من تحت الاستعمار في العالم كله، كان نصف رئيس فقط باعتبار سيطرة المشير -منفردا- على القوات المسلحة ثم بسط سلطاته إلى المخابرات العامة ثم في كل مجالات الحياة المدنية من الإصلاح الزراعي إلى النقل والمواصلات إلى الرياضة إلى المحاكمات السياسية إلى آخره.

رفض عبد الناصر أن يسند قيادة الجيش إلى ضباط محترفين خوفا أن تكون رقبته تحت إرادتهم، وخوفا أن يكون الجيش مصدر تهديد لسلطته ولحكمه ولأمانه الشخصي فجاءته كل تلك المخاطر من القوات المسلحة تحت قيادة صديقه المقرب مشفوعة بعدة هزائم من المقاس الكبير جعلت عبد الناصر ينفرد بين كل حكام مصر بأنه القائد الذي لم ينتصر في حرب وأنه القائد الذي كانت كل عبقريته العسكرية هي الانسحاب العشوائي من ميادين القتال مما كان يجعل الهزيمة الواحدة عدة هزائم في وقت واحد من خسارة الحرب إلى خسارة الأرض إلى عدم القدرة على حماية قواته وهي تنسحب، انسحب عبد الناصر وهو في حرب فلسطين، وانسحب وهو في حرب 1956، وانسحب في حرب 1967، كما انسحب في حرب اليمن.

وفي كل ذلك، لم يكن الجيش غير ضحية، ضحية الملك مرة واحدة بالأسلحة الفاسدة في حرب فلسطين 1948، ثم ضحية عبد الناصر وعامر ثلاث مرات، كل واحدة منها أسوأ في أثرها السلبي على الجيش مليون مرة من قرار الملك الخاطئ في دخول الحرب دون استعداد وفي تزويده الجيش بأسلحة فاسدة، في حرب 1956 مات من ألفين إلى ثلاثة آلاف في قرار الانسحاب العشوائي كما كسرت إسرائيل حظر الملاحة المفروض عليها في خليج العقبة من 1951، وتم تبديد طاقة ثلثي الجيش المصري على مدى خمس سنوات في حرب لا ناقة لنا فيها ولا جمل في جبال اليمن ومغاراته، ثم كان ضحية ناصر وعامر في حرب 1967.

حرب 1967 كانت من الضخامة بحيث تعسر على عبد الناصر وعامر وإعلامهما إخفاؤها عن الشعب وكل ما استطاعه الأستاذ محمد حسنين هيكل 1923 – 2016 بخبراته العريضة في هذا المجال هو تخفيف اسم الهزيمة إلى نكسة، وهو تخفيف لفظي تم على ورق مقالاته الأسبوعية في صحيفة “الأهرام” وبقيت مرارة الهزيمة في مذاق المصريين هزيمة لم يختزن وعيهم التاريخي مثلها منذ الغزوتين الفرنسية عند خاتمة القرن الثامن عشر ثم الغزوة البريطانية في الربع الثالث من القرن التاسع عشر، قبل ذلك كانت حروب مصر خارج حدودها وليست على أرضها بما في ذلك حرب 1948. لم يكن ممكنا إخفاؤها مثلما حدث في هزيمة 1956، ولم يكن ممكنا التعتيم عليها مثل حرب اليمن 1962- 1967.

حرب 1967 هي الحكم النهائي من التاريخ على زعامة الرئيس عبد الناصر وامتحان حاسم لملكاته الحقيقية في التفكير والتدبير وليس في الإعلام والتثوير، هي محصلة هزيمة ممتدة تبلورت وتشكلت على مراحل من لحظة تعيين عامر قائدا عاما للقوات المسلحة 18 يونيو 1953 حتى لحظة انتحاره البدني في 13 سبتمبر 1967، في لحظة انتحار المشير كان عبد الناصر قد سبقه بالفعل إلى الانتحار قبل ذلك بعدة أشهر، وبالتحديد في 14 مايو 1967 حين أمر بحشد القوات في سيناء وهو لا يعلم عنها شيئا، ثم لما اندفع في قرار الحرب دون روية، ثم لما تورط فيها دون أدنى استعداد ولا تبصر، فأورد نفسه وجيشه وبلده وشعبه وأمته هزيمة انفرد بها -وحده- في تاريخ مصر المعاصرة باستثناء الخديوي توفيق الذي استدعى القوات الانجليزية ضد شعبه ولتحتل بلده في مقابل تأمين حكمه.

نعود إلى كتاب وزير الحربية أمين حامد هويدي “الفرص الضائعة: القرارات الحاسمة في حربي الاستنزاف وأكتوبر “، وهو من الضباط الأحرار الذين عاشوا وماتوا مخلصين لزعامة عبد الناصر، ثم هو ممن لم تعلق بهم أي شبهة فساد رغم المناصب المهمة التي تولاها، ثم هو مثقف ومفكر عسكري من طراز رفيع عاش يقرأ ويؤلف حتى مات، ثم هو مع ولائه لعبد الناصر لا يتورع عن الاختلاف معه ولا نقده، ثم هو رغم أنه من تولى -بصفته وزير الحربية- تصفية ورم عبد الحكيم عامر إلا أنه لا يحمل له ضغائن ولا يتحامل عليه، ويشهد لعبد الحكيم عامر أنه كان رقما مهما في نظام الحكم سواء داخل الجيش وخارجه، كما يقول بشجاعة أن كارثة 5 يونيو 1976 دفعت عبد الناصر لقرار التخلص من عامر لكنها لم تغير من عادته القديمة في لعب السياسة داخل الجيش وتقديم أمنه الذاتي وأمن نظام حكمه على أمن البلاد القومي.

يقول في ص 9: “رأيت حجم الكارثة التي حلت بالبلاد، لأن المؤسسة العسكرية كانت تعمل خارج حدود الدولة وأطرها بلا رقيب يحاسب ويدقق ويصحح.. كانت الهزيمة هزيمة قيادة عسكرية ولم تكن أبدا هزيمة جيش”.

ثم يقول في الصفحة ذاتها ” كما رأيت بنفسي، كيف كانت أخطر مؤسسة أمنية في البلاد منصرفة إلى أعمال أخرى غير مهماتها العسكرية، وكان إصلاح ذلك كله صعبا وشائكا، ولم تنفع معه الطرق التقليدية للإصلاح، كان لابد من إجراء جراحة للسيطرة على الموقف”.

ويعلن عن موقف ديمقراطي مستنير من التناول العلني للأمور العسكرية فيقول في ص 13: “الحقيقة ملك للجميع، والوقوف على الجهود العسكرية بإيجابياتها وسلبياتها أمر يهم كل المصريين، فالقوات المسلحة درع الشعب الذي يحميه وقت السلم ويدفع عنه الأذى إن حدث عدوان، ولا احتكار أبدا لما يجري داخل هذه المؤسسة الهامة”.

في ص 74 و 75 وما بعدهما “أن القوات المسلحة دخلت الحرب دون خطة، وكل الخطط مثل الخطة “قاهر” والخطة “فهد” والخطة “فجر” والخطة “سهم” والخطة “سليمان” كلها لم تكن غير حبر على ورق، إذ لم يتم إعداد المقاتلين للقتال، كما لم يكن لقواتنا معرفة بالعدو، ويذكر واقعتين أخطر من بعض أن المرة الوحيدة التي تم فيها جمع معلومات عن العدو أخطأنا الهدف فبدلا من تصوير ميناء إيلات الإسرائيلي تم تصوير ميناء العقبة الأردني، ثم يقول ما هو أخطر من ذلك يقول إن المناورة الوحيدة التي قامت بها قواتنا قبل الحرب كانت المناورة “انتصار” في عام 1954، وأخطر من هذا وذاك أن قوات الاحتياطي تم استدعاؤها على عجل وتم حشدها للجبهات ترتدى الجلابيب وبدون تدريب على الإطلاق”.

في ص 79 يقول: “كانت كل الخطط العسكرية حبرا على ورق ولذلك حدث الانهيار في ساعات “ثم يشرح الانهيار كالتالي:

1 – “بدأت الحرب السابعة والربع من صباح 5 يونيو بهجوم بري تمكن من احتلال موقع متقدم داخل حدودنا، ولم يكن هناك أي رد فعل من القيادة العامة لقواتنا المسلحة”.

2 – “قبل ذلك بربع ساعة وردت معلومات من الإنذار المبكر أن مقاتلات إسرائيلية في اتجاهها نحو الجنوب الغربي، ولم يصدر أي رد فعل عن القيادة العامة لقواتنا المسلحة”.

3 – “في الثامنة وأربعين دقيقة ضرب العدو كل قواعدنا الجوية، ودمر 100% من قاذفاتنا الخفيفة، ودمر 85% من مقاتلاتنا القاذفة، ولم يكن هناك أي رد فعل من القيادة العامة لقواتنا المسلحة”.

4 – ” في مساء 8 يونيو كان العدو احتل غزة وكل شبه جزيرة سيناء ما عدا بورفؤاد، وأصبح يطل على قناة السويس، التي تم تعطيل الملاحة فيها بإغراق المراكب من جانبنا”.

5 – “أصدر مجلس الأمن قرارا بوقف إطلاق النار وقبلناه فورا”.

6 – “وبهذا انتهت أقصر حرب في التاريخ”.

ثم في ص 95 يقول: “لم أكن أتصور حجم الهزيمة إلا بعد مروري بنفسي على التشكيلات في القاعدة وفي الجبهة، كانت أبعاد الهزيمة أكبر كثيرا مما تصورت وتخيلت، أثناء مروري على إحدى التشكيلات، وكان برفقتي رئيس الأركان الفريق عبد المنعم رياض وآخرون وجدت ما يلي:

– أكثر من 60% من الأفراد لم يتسلموا مرتباتهم منذ شهور بحجة أن أوراقهم الثبوتية ضاعت في حرب اليمن.

– أكثر من 80% من القوة مصابون بالانكلستوما والبلهارسيا.

– وأن العشرات منهم مصابون بالفتاق.

– وأن ملابس الجنود غير لائقة.

– وأن طعام الجنود لا يكفي إلا عددا قليلا منهم.

كان الموقف سيئا للغاية، وأصابني بالإحباط الشديد، كان الضباط حائرين، لا يفهمون ما حدث لهم وبهم، وكان أغلبهم يرفضون القيام بالإجازات المصرح لهم بها، لأنهم يخجلون من مواجهة أسرهم وعائلاتهم، أو يخجلون من السير في الشوارع وسط الجماهير في العاصمة والمحافظات”. كما كان الضباط من الرتب الكبيرة يخشون المرور على الضباط من الرتب الأصغر في الوحدات.

ولما كان ذلك كذلك، فقد وصل الصراع المكتوم من عام 1956 حتى 1967 بين ناصر وعامر إلى نقطة الانفجار، ناصر يريد إزاحة عامر من الجيش، وعامر يريد إزاحة ناصر من الرئاسة. نصف رئيس في صراع مع نصف رئيس، صراع بين مملوكين جمهوريين، مملوك أقوى وهو عامر ومملوك أذكى وهو ناصر، لعب الأذكى على سذاجة الأقوى ثم أجهز عليه، صراع مملوكي محض.

نعود للسطر الأول في صدر المقال.

“كانت الليلة العصيبة 25 – 26 أغسطس أخطر الليالي التي مرت منذ ثورة 23 يوليو 1952” (ليلة انتصار ناصر على عامر).

– لو أردت الحق، ولو كنا في بلد ديمقراطي طبيعي، لكان القائد الأعلى ناصر، ونائب القائد الأعلى عامر، لهما مكان مختلف تماما، ومعاملة مختلفة تماما، بعد هزيمة من مثل هذا النوع المرعب، كانت محاسبتهما معا لازمةً، وكانت محاكمتهما معا واجبة، لكن لم يكن حصاد 15 عاما من الديكتاتورية العسكرية القاسية يسمح للشعب بغير أن يستمر المسؤول الأول عن الهزيمة لعله يستطيع جبر بعض ما انكسر بين يديه.

– نعتمد هنا على رواية الوزير أمين هويدي لأنه من كلفه عبد الناصر بوضع وتنفيذ خطة التصفية السياسية للمشير عامر.

1 – عن انقلاب المشير عامر يقول في ص 123 وما بعدها: “بعد أن قبل المشير عامر أن يتنحى عن منصب نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، ويكتفي بمنصب نائب رئيس الجمهورية، عاد وتشبث بمناصبه كلها، حتى لا يفسر ابتعاده عن القوات المسلحة على أنه المسؤول عن الهزيمة”.

ثم يقول “أخذ المشير في تحويل منزله بالجيزة إلى قلعة حقيقية، تمهيدا لمعركة فاصلة، كان ينوي دخولها من أجل استرجاع السلطة المفقودة، كثف الحراسة من الشرطة العسكرية، والعربات المصفحة، وأحضر ثلاثمائة فرد مدني من بلدته أسطال بمحافظة المنيا، وسلحهم، وضمهم إلى قوة الحراسة على منزله، وأمر بتحصين المنزل بشكاير الرمل، وسد الطرق المؤدية إليه، ثم سمح لعشرات الضباط المؤيدين له من مختلف الرتب بالاعتصام تحت سقف منزله، واستدعى ضباطا آخرين، وأمر بتوزيع منشورات تلقي بتبعة الهزيمة على القيادة السياسية”.

ثم في ص 124 يقول: “بدأ الانقسام يحدث داخل القوات المسلحة، فقد تحركت بعض الوحدات، بقيادة ضباطها، في مظاهرات، تهتف بعودة المشير، وبدأ ولاء الضباط في الوحدات يتزعزع، وأصبحت القوات المسلحة حقلا خصبا للشائعات والاستقطابات، وعند محاولة القبض على أحد الضباط المعتصمين في منزل المشير، استغاث بزملائه، فأغاثه خمسة يرتدون الجلابيب، وهم يطلقون بنادقهم الآلية، وعززتهم نيران من داخل منزل المشير، ثم تحركت أربع عربات جيب من حول منزل المشير لمطارة القوة التي كانت تنفذ القانون، تمت المطاردة في شوارع الجيزة، وهي تطلق النيران على مشهد من المارة، وقد أبلغني بهذه الحادثة قائد الشرطة العسكرية يوم 5 أغسطس 1967، وكنت قد استلمت منصبي كوزير للحربية يوم 21 يونيو 1967، كما أمر المشير بنقل الأسلحة التي كانت في بيته القديم في الحلمية إلى بيته الجديد في الجيزة، كان المشير يريد أن يهدم المعبد على من فيه دون تقدير للمسؤولية ولا لخطورة الأوضاع”.

ثم يتحدث وزير الحربية بصورة صريحة عن انقلاب المشير على الرئيس فيقول: “زاد تورط المشير وأعوانه بتدبير مؤامرة لقلب نظام الحكم، بالاستعانة ببعض الضباط، وبقوات الصاعقة، وكانت كل من المخابرات العامة والمخابرات الحربية ترصدان خطوات المؤامرة، مع فارق أن المخابرات الحربية كانت ترسل المعلومات إلى الجهات المسؤولة، بينما كانت المخابرات العامة تمتنع عن إرسالها، بما يثبت أن رئيسها صلاح نصر وبعض قيادتها كانوا شركاء في المؤامرة”.

ثم يقول في ص 125: “بدأت الترتيبات التي يقوم بها المشير وأعوانه تتبلور في مؤامرة حقيقية لقلب نظام الحكم، حددوا لتنفيذها يوم 27 أغسطس 1967، وكانت الخطة تقوم على مرحلتين:

الأولى: تمهيدية بالدعاية داخل القوات المسلحة، وإثارة البلبلة والشائعات، ومحاولة جذب عدد أكبر من الضباط، وكذلك من أعضاء مجلس الشعب وخاصة عن محافظة المنيا”.

الثانية: وكانت تعتمد على قوات الصاعقة بأنشاص، والتي كان عليها مهمة تأمين وصول المشير إلى القيادة الشرقية في منطقة القناة، ليتولى من جديد منصبه كنائب للقائد الأعلى للقوات المسلحة، ثم يقوم المشير بعرض مطالبه بالقوة على الرئيس عبد الناصر، فإن لم يقبل بها الرئيس عبد الناصر يتحرك المشير بقواته إلى القاهرة لإسقاط النظام”.

2 – عن خطة الرئيس عبد الناصر في تصفية تمرد المشير يقول في ص 125 وما بعدها: “وإزاء هذا الموقف الخطير صدرت تعليمات الرئيس عبد الناصر بوضع خطة لمواجهة الموقف الخطير، وتحديد إقامة المشير لتطويق أعماله الضارة، وكان اقتناع الرئيس بهذه الخطوة عملا إيجابيا لوضع حد لموضوع كان لابد أن يُحسم من أواخر الخمسينيات أو أوائل الستينيات، بطريقة أسهل، وكان التردد في حسمه أمر لا يمكن تبريره، كلفني الرئيس بهذه المهمة ومعي شعراوي جمعة وزير الداخلية وسامي شرف سكرتير الرئيس للمعلومات، وكان علينا التحرك بمنتهى الحكمة حتى لا تتحول التصفية السلمية إى صدام حقيقي يشعل الحرائق في كل شيء”.

ثم يقول: “كانت المهمة ذات حساسية بالغة، فكثير من الأجهزة مثل القوات المسلحة والمخابرات العامة كانت متعاطفة مع المشير، وكان علينا أن نحسب تقلب الجهات المحايدة حسب تطور اتجاه الريح، أما أجهزة وزارة الداخلية فلها حساباتها المعقدة في مثل هذه الأحوال، وضعنا خطة ثم ظهرت فيها عيوب، ثم وضعنا خطة جديدة ثم نفذناها بنجاح”.

الخطة الأولى: أن يتم القبض على المشير، على طريق صلاح سالم، وهو عائد من سهرته، غير كامل الوعي، في مصر الجديدة، نسد عليه الطريق، ثم نسيطر على العربة وفي داخلها المشير، دون اشتباك أو لجوء لإطلاق النار، ثم نضع المشير في مكان مجهز من قبل، لكن تبينت بعض العيوب في الخطة، فلا نضمن كثافة المرور في الشارع، كما لا نضمن فقدان المشير لوعيه الكامل، كما أن احتمال الاشتباك المسلح بالنار محتمل ووارد.

الخطة الثانية: الرئيس يكلم المشير يدعوه لاجتماع في منزله، المشير يستجيب ظنا أن الرئيس تراجع عن قرار إبعاده عن القوات المسلحة، ويحضر المقابلة معهما زكريا محيي الدين وحسين الشافعي وأنور السادات، ثم في أثناء وجود عامر في بيت ناصر تتحرك القوات لتصفية التمرد العسكري في منزل المشير، وهذا ما حدث، استجاب المشير للدعوة، وفي الوقت ذاته تحركت القوات لتنفيذ المهمة وفض القلعة العسكرية في البيت وحوله.

– قال ناصر لعامر: “الزم بيتك في هذه الفترة الحرجة”.

– رد عامر على ناصر “يعني بتحدد إقامتي وبتحطني تحت التحفظ.. قطع لسانك”.

***

بعد عشرين يوما انتحر عامر.

وسواء انتصر ناصر أو انتحر عامر، فإن الجيش كان الضحية، وكانت مصر هي الخاسر، وكان الشعب من عليه أن يسدد كل الفواتير من أرواح أبنائه ومن أرضه ومن ماله.