على مصراعيه فتح مقترح “بنك الأعضاء” باب الأمل أمام الفقراء مرضى “الغسيل الكلوي” بصفة خاصة. وذوي الأمراض المزمنة المتعلقة بزراعات الأعضاء مثل “الرئة” وغيرها. إذ لم يكن ما أعلنته الممثلة المصرية إلهام شاهين من قرارها التبرع بأعضائها بعد الوفاة، في مقطع فيديو تداولته وسائل التواصل الاجتماعي الفترة الماضية، سوى “إلقاء حجر” متجدد في مياه “جدل” التبرع بالأعضاء الراكدة. رغم وجود قانون رقم 5 لسنة 2010 الذي يقضي في مادته الأولى بعدم جواز إجراء عمليات زرع الأعضاء أو أجزائها أو الأنسجة بنقل أي عضو أو جزء من عضو أو نسيج من جسم إنسان حي أو من جسد إنسان ميت بقصد زرعه في جسم إنسان آخر إلا طبقًا لأحكام هذا القانون ولائحته التنفيذية والقرارات المنفذة له.
بنك الأعضاء ملاذ غير القادرين
واقترحت النائبة السابقة بمجلس النواب المصري شادية ثابت -عضو لجنة الصحة- إنشاء بنك للأعضاء في مصر لتوفير العلاج لغير القادرين ماديًا -على رأسهم مرضى الغسيل الكلوي.
وحسب تقارير مجلس نقابة الأطباء فإن نحو 600 ألف شخص يموتون في مصر سنويا قد يكون تبرع 20% منهم فقط بأعضائهم كافيا لحل مشكلات طبية كثيرة للمرضى.
ويقضي “بنك الأعضاء” على “مافيا تجارة الأعضاء” التي تنشط لغياب إطار شرعي للتبرع بأعضاء المتوفين. أو نقل أعضاء الأحياء. الأمر الذي يضع مرضى الكلى والكبد مثلا تحت تصرف البائعين بمقابل يصل أحيانًا إلى 250 ألف جنيه للعضو.
توجه رسمي مقابل ثقافة مجتمعية
في 26 سبتمبر/أيلول الماضي وجه الرئيس عبد الفتاح السيسي بإنشاء مركز إقليمي لزراعة الأعضاء في مصر. يكون الأكبر من نوعه في الشرق الأوسط وإفريقيا. على أن يكون مقره “معهد ناصر”. ويتضمن -بالتعاون مع كبريات الشركات العالمية- إنشاء منظومة متكاملة تشمل قاعدة بيانات مميكنة لعمليات الزرع والمرضى والمتبرعين.
التوجيه الرئاسي صاحبه مقترح للدكتور محمد عوض تاج الدين -مستشار الرئيس لشؤون الصحة والوقاية- يقضي بـ”إضافة” اختيار التبرع بالأعضاء في بطاقة الرقم القومي. أسوة بكثير من بلدان العالم. نافيًا أن يصل أمر التبرع إلى حد الإجبار. آخذًا في الاعتبار رفض الأهل لفكرة التبرع بعد وفاة الموصي بالتبرع.
حيال الفكرة التي تفي بأغراض زراعة الأعضاء في مصر تحت مظلة شرعية وتقطع الطريق أمام تصنيف مصر حسب إحصائيات غير رسمية باعتبارها الأعلى في تجارة الأعضاء البشرية تساءل عبد الحميد الشيخ -عضو لجنة الصحة بمجلس النواب- عن موانع إنشاء بنك للأعضاء البشرية. لافتًا إلى أن ثمة شروط وقواعد سيخضع لها تحت مظلة الدولة. مؤكدًا أن إحياء ثقافة التبرع بالأعضاء ستدفع باتجاه سهولة إنشاء البنك للتيسير على المرضى غير القادرين من ذوي الأمراض المزمنة.
“بنك الأعضاء” القائم على التبرع القانوني حسب رؤية “النائبين” يغلق باب تجارة الأعضاء البشرية. بشرط إلزام المستشفيات الحكومية والجامعية بضوابط واضحة أمام المتبرعين.
وأعرب معارضون عن عدم جدوى إنشاء “بنك للأعضاء” في ظل وجود قانون ينظم عملية التبرع والزراعة.
الدكتورة إيناس عبد الحليم -وكيل لجنة الصحة بمجلس النواب وعضو هيئة التدريس بكلية الطب جامعة المنصورة- قالت: “القانون رقم 5 لسنة 2010 تعرض لإيقاف التنفيذ إبان فترة حكم الإخوان. وفيما بعد وتحديدًا في عام 2014 اجتمعت اللجنة العليا وطالبت رئيس الوزراء حينها بإعادة تفعيله فيما يخص التبرعات وعبر تشكيل لجنة لتفريغ الجثث بعد الوفاة”.
توافق قانوني وفقهي على “إباحة التبرع”
لا خلاف بين القانون والرأي الفقهي في مسألة التبرع ونقل الأعضاء -حسب النائبة شادية ثابت. فالأمر يخضع للآية الكريمة “مَن أحيَاهَا فكأنّمَا أحيَا الناسَ جميعًا”. وهو ما عززته وكيلة لجنة الصحة بمجلس النواب باتفاق على جواز زراعة كلي من حديثي الوفاة. لافتةً إلى أن زراعة الكبد من المتوفى حديثًا أفضل من زراعته من الشخص الحي الذي يتبرع بجزء منه. مؤكدة أن عملية النقل “التبرع” تأتي في أعقاب الوفاة مباشرة وقبل توقف الأوعية الدموية وهي مهمة موكلة للجان المختصة بتفريغ الجثث.
وتشير إحصائيات إلى أن أعداد الوفيات الناجمة عن أمراض الكلى في مصر سنويا تصل إلى ما يقرب من 20433 حالة. أي ما يعادل 32.88 حالة بين كل 100 ألف مصري. لتحتل مصر بذلك المرتبة رقم 20 بالنسبة لعدد الوفيات الناتجة عن أمراض الكلى على مستوى العالم.
وطبقًا لإحصائية البنك الدولي فإن 40 ألف شخص سنويًا في مصر يموتون بسبب أمراض الكبد حسبما أعلنت وزارة الصحة.
مؤشر الإحصائيات المرتفع للمرضى والوفيات،كان وراء مقترح إعداد بطاقة مدون عليها التحاليل الخاصة بالمتبرع. بجانب دراسة إضافة اختيار التبرع بعد الوفاة على البطاقة الشخصية عبر خانة “الرغبة في التبرع”. وباختيارين “أرغب أو لا أرغب” -حسب تصريحات وكيل لجنة الصحة بمجلس النواب.
الدكتورة إيناس عبد الحليم أضافت لـ”مصر360″ أن التبرع ليس حرامًا. وأوضحت أن معظم دول العالم تطبقه بما فيها المملكة العربية السعودية.
ورغم جدل فقهي حول قضية جواز التبرع بالأعضاء بعد الوفاة من عدمه بناءً على وصية شخصية بأن جسد الإنسان ليس ملكه استنادًا إلى فتوى سابقة للشيخ محمد متولي الشعراوي غير أن صاحبة مقترح “بنك الأعضاء” النائبة شادية ثابت أشارت إلى أن ثمة توافق بين رجال الدين حاليا على جواز التبرع. لافتة إلى أن الكنيسة أيضًا دخلت على خط الموافقة بعد إعلان أحد الكهنة في تصريحات متلفزة عن تبرعه بأعضائه بعد وفاته.
رأي الإفتاء وشروط الموت
وفي يونيو/حزيران الماضي أعلنت دار الإفتاء أن التبرع بالأعضاء بعد الوفاة “جائز شرعًا”. واعتبرته من الوسائل الطبية التي ثبت جدواها في الطب والعلاج. ومن ضرورات الحفاظ على النفس أحيانا. ونقْل أو زرع الأعضاء من شخص حي أو متوفى هو أمر جائز شرعًا لا جدال فيه. ولا يعد من باب التلاعب في الجسد الذي كرمه الله. لكنها مع ذلك وضعت شروطا له.
وحسب “دار الإفتاء” فإن الشروط المدرجة يأتي في مقدمتها “التحقق من الوفاة”. وأن يكون المنقول منه قد تحقق موته شرعيًا. معتبرة أن “الموت الإكلينيكي” أو “موت الخلايا الجذعية” ليس موتًا نهائيًا.
ودعا ذلك الدكتور مجدي مرشد -رئيس لجنة الصحة السابق بمجلس النواب- إلى المطالبة بضرورة تغيير ثقافة التبرع لدى المواطنين. وذلك عبر خطاب ديني ينسف موروثات متعلقة بنقل الأعضاء بعد الوفاة. مقللًا حسب تصريحاته لـ”مصر360″ من جدوى إنشاء “بنك الأعضاء” نظير ثقافة مجتمعية قد تفتح الباب أمام سرقة الأعضاء بشكل أوسع.
أعضاء شخص واحد بعد وفاته تنقذ 58 فردًا
ولم يُخفِ أستاذ جراحة القلب وعضو مجلس نقابة الأطباء السابق الدكتور خالد سمير تخوفاته من معتقد مصري موروث منذ عهد الفراعنة في قدسية جسد المتوفى. بما يؤصل لرفض المساس بأعضائه بعد وفاته رغم إباحة التبرع بالأعضاء من قبل مؤسسات فقهية إسلامية في دول كثيرة.
وفي مصر -حسب تصريحاته لـ”مصر360″- فإن أزمة الوعي بـ”القضية” تعرقل مسار التبرع. يأتي ذلك إلى جانب ما أسماه “عدم كفاية البنية التحتية الطبية اللازمة لحفظ أعضاء الموتى”. لافتًا إلى أن بعض الأعضاء تحتاج إلى درجات حرارة تصل إلى سالب 70 لحفظها.
لكنه ورغم تخوفه من عائقين قد يحدان من انتشار ثقافة التبرع يقول إن أعضاء شخص واحد تفيد نحو 58 شخصًا على قيد الحياة في ثمانية وخمسين جزءًا من الجسد ما بين أعضاء وأنسجة وعظام. كما أن التوسع في نشر ثقافة التبرع وزراعة ونقل الأعضاء يوفر كثيرا من تكلفة الرعاية الطبية على الدولة. فعلى سبيل المثال مرض الفشل الكلوي لم يعد علاجه بالغسيل الكلوي في معظم بلدان العالم إلا في مراحله الأولى. ويتم زراعة الكلى كعلاج حاسم للمرض لكن مصر بعيدة عن تلك الممارسات العالمية -على حد تعبيره.
وحسب ما أعلنته مؤسسة “مجدي يعقوب” بالتعاون مع الجمعية المصرية لرعاية مرضى قصور عضلة القلب فإن وفيات أمراض القلب في مصر تصل إلى خمسة أضعاف المعدلات العالمية.
مليون مصري يحتاجون إلى زراعة “قرنية”
وأعلنت منظمة الصحة العالمية في آخر تقرير لها أن أعداد المصريين الذين يحتاجون إلى زراعة “قرنية” يزيد على مليون شخص. وحسب تصريحات سابقة لمساعد وزير الصحة الدكتور عبد الحميد أباظة فإن التبرع بقرنية العين له قانون قائم بذاته صدر سنة 1960 وعُدل عدة مرات ولا يخضع للقانون رقم 5 لسنة 2010. لافتًا إلى أن ما يتم زرعه في مصر الآن هو فص من الكبد أو إحدى الكليتين والباقي قيد التجربة.
وحسب رؤية أطباء متخصصين في زراعة الأعضاء فإن الأعضاء لا تخضع لفترة زمنية محددة في نقلها. حيث إن الكلى على سبيل المثال يمكن أن تعيش نحو 36 ساعة بعد وفاة الشخص. بينما يظل الكبد حيًا لفترة تتراوح من 4 إلى 16 ساعة والقلب من 3 إلى 5 ساعات.
مبادرات شعبية لتوسيع قاعدة “التبرع بعد الوفاة”
شعبيًا وقبل خمس سنوات من توثيق دينا رضا لأول توكيل بالشهر العقاري للتبرع بأعضائها بعد الوفاة دشن مصريون مجموعة على وسائل التواصل الاجتماعي تحت عنوان “التبرع بالأعضاء بعد الوفاة”. تستهدف التوعية بأهمية التبرع لمواجهة “مافيا تجارة الأعضاء”.
وحسب تصريحات دينا رضا فإن توثيقها لتوكيل بالشهر العقاري للتبرع بأعضائها نابع من إيمانها بأن الجسد بعد الوفاة لا يشعر. بما يعني ضرورة مواجهة الثقافة الشعبية الموجودة في النفوس بعدم الاقتراب من جثمان المتوفى. بينما “نموذج إقرار التبرع” المتداول على مجموعة “التبرع بالأعضاء بعد الوفاة” والتي تضم ما يزيد على 11 ألف عضو يعد إذنًا بالتصرف في أعضاء المتبرع بعد موته دون مقابل وجاهز للتوثيق بالشهر العقاري.
مؤسس المجموعة يوسف راضي -مهندس بهيئة المجتمعات العمرانية- قال إنها خطوة لإنقاذ روح إنسان. مؤكدًا أن المبادرة لا تتعارض مع القانون ونابعة من شعور إنساني من تكبد المرضى الفقراء معاناة كبيرة في زراعة الأعضاء.
وأضاف لـ”مصر360″ أن الوثيقة المدرجة على صفحة المجموعة بموقع التواصل “فيسبوك” مراجعة قانونيًا من الجهات المختصة قبل الموافقة عليها. وأطلقتها المجموعة للتسهيل على الراغبين في التبرع.
وأصدرت مصلحة الشهر العقاري قبل عام كتابًا دوريًا يوضح أن تعطيل الإجراءات التوثيقية للتبرع بالأعضاء يعد تعطيلًا للعمل العام.
واعتبر صاحب فكرة “التبرع بالأعضاء قبل الوفاة” المتداولة على موقع “فيسبوك” أن الأزمة ليست في الرأي الفقهي بقدر ما هي في وعي مجتمعي يحتاج إلى التوجيه بشكل صحيح.
تكاليف نقل الأعضاء
من ناحية قانونية وحسبما أفادت الدكتورة شيماء عبد الله -الباحثة القانونية وعضو المجلس القومي للمرأة- فإن تكاليف نقل وزراعة الأعضاء البشرية تتجاوز حدود الطاقة العامة لأفراد المجتمع المصري. لافتة إلى أن القانون نص على تحمل الدولة تكاليف إجراءات هذا النوع من العمليات لمن يعجز عن تحمل تكاليفها. ويتم تنفيذها للمتقدمين لها حسب أسبقية التسجيل في السجل العام المخصص لهذا الغرض. إذا لم تر اللجنة المختصة استثناء حالات ضرورية ولا تحتمل الإبطاء أو الانتظار.
الشروط المطلوبة قانونًا قبل إجراء “نقل الأعضاء” تتمثل في التحقق من الموت. وهذا يشترط وقوف عمل الدماغ. بجانب الموافقة الكتابية من صاحب الحق في التبرع بالجزء المتبرع به والمراد نقله وزرعه لجسم حي. أو أقرب ورثته حتى الدرجة الثانية. وإذا لم يوصِ فلا يحق لأحد أخذ عضو من أعضائه حتى ولو كان أحد أقاربه من الدرجة الأولى.