382 مؤسسة حكومية تم بيعها أو إدخالها ضمن برنامج الخصخصة الذي بدأ مطلع تسعينيات القرن الماضي كركيزة أساسية للإصلاح الاقتصادي المصري.

وقد أسفرت عمليات الخصخصة تلك عن نتائج منها حصيلة مالية بلغت 57.4 مليار جنيه مصري (نحو 9.4 مليار دولار تقريبًا) حتى عام 2009 -وفق إحصائيات البنك الدولي. فضلا عن تأثيرات ضخمة على العنصر البشري -العمال الذين تركوا وظائفهم- في مؤسسات باعتها الحكومة. إذ شهدت عمليات الخصخصة طرد عاملين من وظائفهم عن طريق المعاش المبكر الذي تم إقراره بالأمر المباشر في كثير من الحالات.

اقرأ أيضًا: خصخصة التسعينيات واستحواذات 2022.. وقائع حزينة في فساد الحكم والتفريط في حقوق المحكومين

الخصخصة وتشريد العمال

آثار الخصخصة على العاملين
آثار الخصخصة على العاملين

ومنذ بدء عملية الخصخصة عام 1991 طُرد أو سُرّح نحو 450 ألف عامل مصري. بزعم تحقيق الربحية وإعادة هيكلة تلك الشركات والمؤسسات وإخراجها من عثرتها -وفق بيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء.

وبحسب بيانات حكومية نقلتها دراسة الدكتورة سلوى صابر حول تأثير الخصخصة تم إنفاق نحو 3 مليارات جنيه في صورة تعويضات وتسويات للعاملين الذين تم تسريحهم بعد عمليات الخصخصة.

ووفقًا لمراجعات بيانات وزارة المالية المنشورة عبر موقعها الإلكتروني تراجع عدد العاملين بقطاع الأعمال من مليون شخص إلى 504 آلاف. وذلك خلال الفترة “1991-2003”.

ورغم خروج هذا الكمّ الكبير من العاملين خلال فترة الخصخصة فإن أداء تلك الشركات لم يتحسن. على العكس تراجعت معدلات التشغيل في الشركات والمؤسسات التي تمت خصخصتها بنسبة 58%. وانخفض متوسط هامش الربح بشكل كبير. بمعنى آخر كانت نتيجة الخصخصة هي “تشريد العمال” فقط.

وتُظهر مراجعة لنشرة الإحصاءات الاقتصادية لشركات قطاع الأعمال الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء تراجع أعداد العاملين في شركات قطاع الأعمال العام من 934 ألفا و826 عاملا في العام المالي 1996/ 1997 إلى 532 ألفا و652 عاملا في العام المالي 2003/ 2004.

وهذا يعني أنه خلال 8 سنوات فقط انخفض عدد العاملين بنحو 402 ألف و174 عاملا بنسبة تراجع 43% -بحسب جهاز الإحصاء. لكن مع عام 2009/ 2020 زاد عدد العاملين بشركات قطاع الأعمال العام إلى 651 ألفا و956 وفق الجهاز نفسه.

وفي 2003/ 2004 بلغ متوسط نصيب العامل بالجنيه من الأجور في السنة في شركات قطاع الأعمال العام 14 ألفا و194 جنيهًا -وفق تقرير الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء. في حين ارتفع متوسط نصيب العامل بالجنيه في العام من الأجور إلى 26 ألفا و998 جنيهًا.

وفي العام المالي 2018/ 2019 تراجعت أعداد العاملين في قطاع الأعمال إلى 565 ألفا و56 عاملا. بانخفاض 369 ألفا و770 عاملا بنسبة تراجع بلغت 39.5% عن العام المالي 1996/ 1997 بحسب بيانات المركزي للإحصاء.

المعاش المبكر سبيل الحكومة لتسريح العاملين

 

الخصخصة وإعادة إنتاج الماضي
الخصخصة وإعادة إنتاج الماضي

بدأت الحكومة والمؤسسات التي باعتها في اتخاذ إجراءات لإخراج العاملين بنظام المعاش المبكر. حيث حددت الحكومة سن 45 عامًا للاستفادة من المعاش المبكر. وذلك بشرط أن يكون العامل قد سدد اشتراكات تأمينية لمدة 20 سنة في الوظيفة التي كان يعمل بها. على أن يحصل على مكافآت نظير ذلك يختلف حجمها حسب سنوات العمل والعمر وكذلك حسب طبيعة الوظائف التي يشغلونها. فيما اقتصر الخروج للمعاش المبكر خلال السنوات الماضية على عمال قطاع الأعمال العام.

ووفق بيانات وزارة التأمينات الاجتماعية فقد خرج أكثر من 307 آلاف عامل للمعاش المبكر حتى 2001.

وتكشف دراسة الدكتورة سلوى صابر حول تأثير برنامج الخصخصة على اقتصادات الدول العربية أن تعويض العامل في المتوسط كان يصل إلى 24 ألف جنيه فقط حال التسوية نتيجة الخصخصة.

وعلى الرغم من ذلك لم ينخفض بند الأجور في الموازنة العامة للدولة. فيما كان يتم تحديد الحد الأقصى للتعويضات ومكافأة نهاية الخدمة نتيجة المعاش المبكر بما يتراوح بين 120 و150 ألف جنيه.

اقرأ أيضًا: بند غير متوقع.. أين ذهبت حصيلة خصخصة شركات الحكومة المصرية؟

تهيئة الشركات للخصخصة

رأس المال الجديد يحكم
رأس المال الجديد يحكم

وتُوضح دراسة الدكتورة سلوى صابر حول تأثير برنامج الخصخصة في اقتصادات الدول العربية أنه حتى تهيئ الحكومة الشركات للبيع عبر الخصخصة كانت تقوم ببعض الإجراءات التعسفية ضد العمال لإجبارهم على الاستقالة وقبول المعاش المبكر.

وتُدلل على ذلك بأنه في عام 1998 أصدر رئيس شركة النصر للكيماويات قرارا بنقل 1500 عامل من مصنع أبو زعبل إلى مواقع الشركة بالقاهرة. حيث كان رئيس الشركة القابضة قد طلب من إدارة الشركة خفض حوافز العمال بنسبة 20%. فضلا عن تشغيلهم 6 أيام بدلا من 5 أيام. بالإضافة إلى وقف الترقيات والعلاوات التشجيعية لإجبار العمال على التقدم بطلبات للمعاش المبكر.

ولم تقتصر المحاولات الحكومية على الفترات التالية للخصخصة. لكن زادت وتنوعت أساليبها بعد إتمام عمليات بيع الشركات. إذ تؤكد سلوى صابر أن أحوال العمال كانت تتدهور بشكل كبير جدًا لم يكن يتحمله العمال. بما يؤدي في النهاية إلى المعاش المبكر و”تطفيش” العاملين.

وكان عمال شركة الأهرام للمشروبات لجؤوا عام 1998 إلى القضاء للمُطالبة بمكافأة نهاية الخدمة التي رفضها الملاك الجدد بعدما رفضوا منحهم إياها بعد استقالتهم. إذ كان العمال قد استقالوا بعد أن قام المُلاك الجدد للشركة بإجراءات تعسفية ضدهم. سواء بخفض الحوافز أو تشديد الجزاءات المالية وفقًا لدراسة صابر.

لذا وأمام هذا التعسف لم يجد العمال حلاً سوى التقدم باستقالاتهم من أجل الحصول على مكافأة نهاية الخدمة. ورغم أن تلك المكافأة نُص عليها في لائحة شركة الأهرام للمشروبات فإن ملاك الشركة الجدد ماطلوا في الاستجابة لتلك الحقوق.

وبحسب الدعوى القضائية رقم 571 لسنة 1999 التي أقامها عامل طالب شركة الأهرام للمشروبات بتعويض نتيجة فصله تعسفيًا فإن التعويض كان قدره 100 ألف جنيه. وهذا جزء صغير من دعاوى قضائية استمرت لسنوات.

حالات أخرى لطرد العمال

 

العمال في مواجهة شبح الخصخصة
العمال في مواجهة شبح الخصخصة

هذه الأزمات العمالية طالت عددا كبيرا من الشركات التي سرّحت العاملين لبيع الأراضي. وأبرزها طنطا للكتان والزيوت التي تم بيعها إلى مستثمر خليجي. هو عبد الإله الكحكي الذي سرّح العاملين بالمخالفة لكل قوانين العمل. وكذا شركة النوبارية للبذور والتقاوي “نوباسيد”. التي تم خصخصتها عام 1999. والتي تظاهر أكثر من 200 عامل أمام الشركة القابضة للتجارة عام 2006 بسببها. وبحسب ما نقلت المواقع الصحفية حينها فإن 500 من العمال والفلاحين بشركة النوبارية أبلغوا عن تعرّض مزارعهم ومعداتهم للتدمير والإتلاف.

وكان عمال شركة النوبارية حصلوا على نحو 40 ألف فدان مقابل خروجهم للمعاش المبكر عقب تصفيتها خلال مزاد علني عُقد عام 1998. ليتم الاتفاق على بيع أصول الشركة في عام 1999 بقيمة 603 ملايين جنيه. لكن المالك الجديد لأصول شركة النوبارية أقام دعاوى قضائية لطرد الفلاحين من تلك الأراضي واستمرت هذه الدعاوى لسنوات.

ويمكن اعتبار حالة العاملين بشركة غزل شبين واحدة من النماذج الأكثر قسوة في عملية الخصخصة. فعند خصخصة الشركة عام 2005 اشتُرط الاحتفاظ بالعاملين والبالغ عددهم 5 آلاف و482 عاملا. لكن وحتى إتمام عملية البيع بعد عام واحد سنة 2006 اتخذت الشركة القابضة للغزل والنسيج إجراءات لإعادة هيكلة العمالة والإعلان عن المعاش المبكر للعاملين.

وخلال عام واحد خرج 1465 عاملا للمعاش المبكر. ما يعني أن الشركة القابضة دفعت 73 مليون جنيه كتعويضات للعاملين. لكنها تعويضات لا تسمن ولا تغني من جوع، حسب وصف العاملين حينها.

وفي عام 2016 نُقل عن أحد العاملين بشركة غزل شبين قوله: “الشركة لم تعمل بكامل طاقتها منذ حصولنا على الحكم القضائي. والعمال المفصولون لم يعودوا إلى الشركة وينتظرون تنفيذ الحكم كاملا لأن الشركة القابضة تماطل في تنفيذه. بمعنى أنها تسلمت الشركة قانونيًا. وفعليًا لا يجري تشغلها بكامل قوتها وتتعنت ضد المفصولين الذين حكم القضاء بعودتهم”.

الآثار الاجتماعية للخصخصة

 

العامل وحده هو الخاسر
العامل وحده هو الخاسر

يُوضح الدكتور وليد فتحي عناني -أستاذ بقسم الاجتماع بكلية الآداب جامعة سوهاج- في دراسة بعنوان “الآثار الاجتماعية للخصخصة” أن فقدان العامل وظيفته بسبب المعاش المبكر يتسبب في فقدان العامل روتينه اليومي وضعف نشاطه وتقييد الشبكات الاجتماعية. مما يؤثر في الحالة النفسية والجسدية للشخص.

ويقول إن أبرز تلك الآثار على العامل هي الاكتئاب والإحساس بالضيق والضجر. فضلا عن قلة الاهتمام بالذات وفقدان الثقة بالنفس والضعف البدني والتوتر الفسيولوجي وارتفاع ضغط الدم.

وأشار إلى أنه كان يجب على الحكومة أخذ مسألة الحالة النفسية للعمال سواء المستمرين في العمل أو الذين أُحيِلوا للتقاعد في الحسبان. وكان لا بد من دراسة مدى المعاناة التي يتعرض لها العاملون المحالون للتقاعد المبكر لإعادة الاستقرار والتوزان لحياتهم من جديد. في حين يعدّ هذا إهدارا للقوة البشرية خاصة بعد إلحاقهم بقوة البطالة والأفراد العاطلين.

في النهاية حتى الآن لم ينتج عن عملية الاستحواذ الأخيرة لدول الخليج -والتي يمكن التعبير عنها بالخصخصة- أي آثار على العاملين. لكننا نُعيد رواية ما حدث أثناء عمليات الخصخصة الكبرى في التسعينيات والعشرية الأولى من الألفية الجديدة. ونلفت إلى ضرورة الحفاظ على العاملين بتلك المؤسسات التي تم بيعها.