بالتزامن مع الدورة السابعة والعشرين للاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة بشأن تغير المناخ Cop27، والتي تستضيفها مدينة شرم الشيخ الشهر المقبل، تستعد مصر لتقديم رؤية جديدة للطاقة من الهيدروجين الأخضر، تغازل بها القارة الأوروبية التي تسعى جاهدة في بحثها عن بديل مناسب وقريب يفلت أصبعها من بين أسنان روسيا، التي تخنقها حاليًا بالتحكم في واردات النفط والغاز.

يتولد الهيدروجين الأخضر عبر عملية التحليل الكهروكيميائي للماء باستخدام مصادر الطاقة المتجددة، كطاقة الرياح، وناتج الانبعاثات الناجمة عن تلك العملية أكسجين نظيف يتم تحريره في الجو. والبعض يشتق منه الهيدروجين الأصفر الذي يتم تصنيعه عبر التحليل الكهربائي باستخدام الطاقة الشمسية فقط.

تراهن الحكومة على الاقتصاد الأخضر في تحقيق التنمية المستدامة

يقول تقرير حديث لـ “دويتش فيله” الألمانية إن مصر لديها فرصة كبيرة خلال مؤتمر المناخ القادم لتقديم نفسها كقوة ناشئة قوة في مجال الطاقة المتجددة. خاصة مع امتلاكها العديد من المقومات اللازمة لتحقيق ذلك: سوق داخلي كبير، ووفرة من الشمس والرياح.

يتفق مع ذلك هايكه هارمجارت، العضو المنتدب عن بنك التعمير والتنمية لمنطقة جنوب وشرق البحر الأبيض المتوسط ​​في أوروبا. إذ يقول: “المضي قدمًا في صندوق الثروة السيادي المصري، وإعطاء الأولوية لتحلية المياه للحصول على المياه من أجل الهيدروجين الأخضر وتعزيز المناطق الاقتصادية الخاصة، كلها خطوات مهمة” تبشر بتحول مصري جاد فيما يتعلق بمسألة الطاقة المتجددة.

تزايد الاهتمام الأجنبي

ووفقًا للبنك الأوروبي للإنشاء والتعمير -وهو بنك استثماري تنموي مقره لندن- يمكن لمصر أن تلعب دورًا في استراتيجية الاتحاد الأوروبي للمواد الخام المهمة القادمة. كما “من المحتمل أن تصبح أكثر جاذبية مع مرور الوقت لمجموعة واسعة من المستثمرين. لا سيما مع إنشاء مناطق اقتصادية خاصة”.

يتوقع الخبراء ما لا يقل عن 12 مذكرة تفاهم -تم توقيعها بالفعل مع شركات دولية- للمضي قدمًا في الاتفاقات الإطارية خلال COP27. وهو ما يراه هارمجارت وقتًا مناسبًا لأن تطلق الحكومة المصرية استراتيجيتها للهيدروجين الأخضر.

هذا الاهتمام من جانب الخبراء والمستثمرين بعروض الهيدروجين الأخصر المصرية، خاصة في الهند، يتعرض له أيضًا التقرير الألماني، إذ ينقل عن سروش بصيرات، المحلل في معهد اقتصاديات الطاقة والتحليل المالي، أن نقل الهيدروجين قد يكون عائقًا أمام الدول التي لا تستطيع إنتاجه محليًا. في حين أن هذا ليس هو الحال بالنسبة لمصر. فبعض أكبر مصانعها التي ستعمل على إنتاجه تقع بالقرب من قناة السويس، حيث يسهل نقله إليها.

وقد أشار سومانت سينها، رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة ReNew Power، وهي إحدى أكبر شركات الطاقة المتجددة في الهند، إلى العمل مع السلطات المصرية للوصول إلى اتفاقية إطار في هذا الشأن. وأضاف: “بالنظر إلى مشاركة العديد من أصحاب المصلحة، تتوقع الشركة أن تكتمل الدراسات التفصيلية للمشروع خلال الأشهر الثلاثة إلى الستة المقبلة”.

وتتوقع ReNew Power قرارات بشأن الاستثمار بحلول منتصف عام 2023. كما تخطط لاستثمار أكثر من 7 مليارات دولار في مشاريع الهيدروجين في مصر.

اقرأ أيضا: كيف تتحول مصر نحو الاقتصاد الأخضر؟

رهان الاقتصاد الأخضر في مصر

بدأ تحول الاقتصاد الأخضر، في السنوات الثلاث الأخيرة، من توجه نظري في الدراسات العلمية إلى اتجاه اقتصادي مربح حيث يولد نحو 1.3 تريليون دولار من عائدات المبيعات السنوية في الولايات المتحدة. كما يوفر 9.5 مليون وظيفة بدوام كامل. بينما على المستوى الميداني، يوجه جهده نحو نمو الدخل والعمالة بواسطة استثمارات في القطاعين العام والخاص. مع تعزيز كفاءة استخدام الموارد، وتخفيض انبعاثات الكربون والنفايات والتلوّث، ومنع خسارة التنوّع الإحيائي وتدهور النظام الإيكولوجي.

وفي مصر، تراهن الحكومة على الاقتصاد الأخضر في تحقيق التنمية المستدامة. عبر خطة تتضمن رفع نسبة الطاقة المتجددة إلى 42% من مزيج الطاقة. مع جذب الاستثمارات غير الملوثة للبيئة، وتفعيل آليات تمويلية نظيفة، والتمويل المختلط القائم على الشراكات المرنة بين القطاعين الحكومي والخاص، والشراكات متعددة الأطراف.

اقرأ أيضًا: ماذا ينقص مصر لتوليد الطاقة من الهيدروجين الأخضر؟

وقد بلغت نسبة الاستثمارات العامة الخضراء في مصر 15% في العام المالي السابق. بينما تستهدف وزارة المالية زيادتها إلى 30% في الموازنة الحالية، و50% العام المالي 2024/2025، سعيًا لتحسين تنافسية مصر في مؤشر الأداء البيئي العالمي.

وبحسب تصريح سابق لوزير المالية محمد معيط، فإن هناك توجها لتنويع مصادر تمويل المشروعات الاستثمارية، ما بين سندات دولارية وخضراء و”يورو بوند” واليوروبوند اداة دين تلجأ اليها الحكومات لتمويل مشاريعها، وتوفر عائداً جيداً للمستثمرين مقابل مخاطر مقبولة.. هذا التنويع يترافق مع إصدار صكوك سيادية وصكوك خضراء. بما يُسهم في خفض تكاليف تمويل التنمية الشاملة والمستدامة. ومن ثم استدامة مؤشرات المالية العامة.

أيضا، يمثل الاقتصاد الأخضر فرصة للحصول على تدفقات استثمارية إضافية. ففي الفترة من يوليو/ تموز 2020 إلى يونيو/ حزيران 2021، تم استثمار 87.5 مليار دولار من رأس المال الاستثماري في تكنولوجيا المناخ، ومجموعة واسعة من الشركات. بما في ذلك الطاقة المتجددة، والسيارات الكهربائية، وإزالة الكربون، ونفايات الطعام، والزراعة.

نمو متزايد

أظهر تقرير هيئة تنمية الطاقة الجديدة والمتجددة عن الربع الثاني من العام المالي 2022-2023، خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون ما يقارب 10 آلاف و990 طنًا، وإحداث وفرة في الوقود تقارب 4 آلاف و347 طن مكافئ نفط، مدفوعًا بنمو ملحوظ في استثمارات الطاقة المتجددة.

ووصلت إنتاجية الطاقة الكهرومائية خلال العام المالي 2021/ 2022 حوالي 13878 جيجاوات ساعة. بينما سجلت طاقة الرياح حوالي 5737 جيجاوات/ ساعة. وبلغت طاقة الخلايا الشمسية المتصلة بالشبكة حوالي 4393 جيجاوات/ ساعة. فضلًا عن حوالي 88 جيجاوات ساعة مولدة من مشروعات الوقود الحيوي.

وقد نمت استثمارات قطاع الطاقة المتجددة في مصر بشكل متسارع. إذ شهدت قدرات المشروعات قيد التطوير ارتفاعًا ملحوظًا لتسجل 3570 ميجاوات، باستثمارات أجنبية مباشرة، تقارب 3,5 مليار دولار. بما يعادل ضعف الأرقام المسجلة في العام قبل الماضي، 78% منها لمشروعات طاقة الرياح بمنطقة خليج السويس على ساحل البحر الأحمر ذات سرعات الرياح العالية، و22% للطاقة الشمسية.

وشهدت الفترة ذاتها استيراد العديد من مهمات الطاقة المتجددة، وبخاصة مستلزمات محطة طاقة الرياح بخليج السويس والخلايا الشمسية. حيث تم استيراد 9 آلاف و246 من البطاريات و5 آلاف و843 من مغيرات التيار. كما وقعت وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة مع شركات أجنبية وعربية 9 مذكرات تفاهم مع تحالفات دولية ومحلية من أجل إنتاج نحو 6 آلاف ميجاوات من القدرات المركبة لإنتاج الهيدروجين.

يعتبر نقل الهيدروجين عائقًا أمام الدول التي لا تستطيع إنتاجه محليًا وهذا ليس هو الحال بالنسبة لمصر

اقرأ أيضا: سندات ومشروعات وخطة تحفيز.. خطوات مصر نحو الاقتصاد الأخضر

شركاء وعقبات

وفق وزارة النقل، سيكون 2023 عامًا للنقل الأخضر بمصر، عندما تكتمل وسائل النقل التي تنفذها. المونوريل والقطار الكهربائي والأتوبيس الترددي. على أن يلحقها إنشاء القطار الكهربائي السريع (السخنة – العلمين – مرسى مطروح). وهي وسائل صديقة للبيئة توفر استهلاك الوقود وتخفض معدلات التلوث البيئي وتخفف الاختناقات المرورية بالمحاور والشوارع الرئيسية.

تشير دويتش فيله إلى أن القاهرة تعتزم الحفاظ على علاقات جيدة مع دول الاتحاد الأوروبي واليابان، وكذلك الصين وروسيا. بينما تأمل في إبرام صفقات مع الشركات التي لم تعمل بعد في البلاد.

وقال التقرير: قد تشهد هذه الجولة من الاستثمارات تدخل شركات من الهند وأستراليا والسعودية والإمارات. إن نهج التنويع هذا هو جزء من جهد أوسع، حيث تسعى مصر إلى لعب دور جيوسياسي أكثر بروزًا. من خلال توفير نموذج تنموي لبقية القارة الإفريقية، مع بناء روابط جديدة لتقليل الاعتماد على أوروبا.

مع ذلك، يظل الاتحاد الأوروبي والشرق الأقصى سوق التصدير الأكثر منطقية للهيدروجين المُصدَّر على هيئة الأمونيا الخضراء. حيث يتفق الخبراء والشركات على أن الأسواق الأوروبية هي الأكثر ربحًا، لأنها قريبة جدًا. ويشير هارمجارت إلى أن لدى مصر حافز لبيع غازها في الأسواق الدولية “بدلاً من استخدامه في محطات توليد الطاقة المحلية غير الفعالة”، وفق قوله. ومن ناحية أخرى، فإن الهيدروجين الأخضر ليس خيارًا تلقائيًا للشركات المحلية.

ووفق ورقة بحثية عن آفاق الهيدروجين في مصر، نشرها معهد أكسفورد لدراسات الطاقة. فإن العقبة الرئيسية أمام الهيدروجين الأخضر ليست الإنتاج، ولكن التخزين والنقل.

أيضا، رغم تفضيل خبراء المشروعات الخضراء في مصر تطوير طاقة الرياح على المدى المتوسط. مع ذلك، واجه بعض صانعي توربينات الرياح مشاكل مؤخرًا.