تعاني مصر منذ عقود نقصا مستمرا في الأعلاف، لم تقابله الحكومة بجهود سريعة لاحتواء الأزمة، والحيلولة دون حدوث نقص حاد في المعروض المحلي. المشكلة تفاقمت حتى ظهرت بشكل كبير في أزمة الدواجن الأخيرة، وجرى تداول مقطع مصور يظهر أحد المربين يعدم “كتاكيت” بسبب عجزه عن مدهم بالعلف في مشهد أثار الجدل. وهي واقعة يقول نائب رئيس اتحاد منتجي الدواجن شملت 4% من حجم الكتاكيت في مصر أو ما يناهز المليون كتكوت.

ومنذ الحرب الروسية الأوكرانية، تتصاعد أسعار الأعلاف في السوق المحلية لتتراوح خلال الأشهر الماضية ما بين 14.5 و15 ألف جنيه للطن. فالحرب تسببت في انخفاض صادرات بلدين تمثلان رقما مهما في صناعة الأعلاف عالميا. فضلا عن أزمة الدولار، وضعف القدرة على الاستيراد.

في نفس الوقت تعتمد صناعة تربية الدواجن على العلف في المقام الأول، حتى أن العاملين فيها يطلقون عليها “صناعة التسمين”. إذ يحتاج الكتكوت الواحد تقريبا إلى أربعة كيلو جرامات من الأعلاف يصل سعرها إلى 60 جنيها حتى يصل إلى دجاجة لها وزن قابل للبيع.

اقرأ أيضا.. تجاوزت 15 ألفًا للطن.. أسعار الأعلاف تضرب صناعة الدواجن وارتفاعات جديدة منتظرة

شكوى الـ8 أشهر

من ناحية أخرى، يشكو مربو الدواجن طوال 8 أشهر كاملة من مشكلة الأعلاف على جانبي العرض والسعر، دون تلقي أي رد من الدولة، إلا بعد انتشار فيديو إعدام الكتاكيت على نطاق واسع. بعدها عقدت الحكومة اجتماعا مع الاتحاد العام لمنتجي الدواجن. ليجري الاتفاق على كميات أعلاف يفرج عنها أسبوعيا من المواني المختلفة. بالإضافة إلى وضع آلية لمراقبة توزيع الكميات التي سيتم الإفراج عنها لاحقا.

تحذيرات كثيرة أطلقها اتحاد منتجي الدواجن من نقص الأعلاف في الأسواق، كان آخرها في مطلع سبتمبر/أيلول الماضي، حينما حذر رئيس شعبة بيض المائدة بالاتحاد العام لمنتجي الدواجن، من عدم كفاية مستلزمات الإنتاج من الأعلاف. بالإضافة إلى احتجاز 1.5 مليون طن من الذرة وفول الصويا في الجمارك بسبب نقص الدولار. وأكدت حينها الغرفة أن عدم الإفراج عن تلك الكميات من الأعلاف يهدد القطاع الحيواني كله، وليس الثروة الداجنة فقط.

الشعبة كانت واضحة في تحذيراتها، فخروج خط إنتاج الدجاج الأبيض من الخدمة لا يمكن إعادته بطاقته الكاملة إلا في غضون 6 أشهر. كما أكدت أن الدجاج ما هو إلا علف وأمصال ولقاحات. لكن الحكومة لم تتحرك حينها إلا بعد “واقعة الإعدام”.

تعطيل وطاقة دنيا

اجتماع رئيس الوزراء مع اتحاد منتجي الدواجن

رئيس الوزراء وجّه بالتوسع بالزراعة التعاقدية، خاصة محصول فول الصويا، مؤكدا أن مصر لديها تقاوي كافية لزراعة نحو 150 ألف فدان. لكن يجب تشجيع المزارعين على التوسع في زراعته. مع مراعاة أن يتم التنسيق مع الاتحاد عبر الزراعة التعاقدية، لضمان التوريد.

فتح الباب أمام الاستيراد الجزئي من الخارج يمثل حلا مؤقتا لمشكلة مزمنة كنوع من المسكنات لمرض عضال سيعود الألم بمجرد انتهاء المفعول. فالمشكلة الأساسية في استيراد مصر حوالي 70% من الأعلاف والمواد الخام الخاصة بصناعة الدواجن. بينما يتم توفير 30% فقط من مستلزمات الإنتاج محليا.

مصانع الأعلاف لا تعمل بكامل طاقتها أيضا إذ بلغت قدرتها التشعيلية في 2016 نحو 18.5% فقط من الطاقة الكلية. كما اتخذت اتجاها عاما متناقصا منذ 2005 بمعدل سنوي يناهز 11.2%. في المقابل إذ إن العجز في المتاح من الأعلاف اتخذ طابعا تصاعديا بمعدل سنوي بلغ 0.4%. كما سجل في بعض السنوات حوالي 1.06 مليون طن ما أثر بشكل كبير على توافر المنتجات الحيوانية.

كذلك يصل متوسط عدد مصانع الأعلاف العاملة في مصر بالفعل نحو 129 مصنعا بعد توقف 38 أخرى عن العمل تعادل 23% من إجمالي عدد المصانع العاملة في مصر. إذ يبلغ عددها 129 مصنعًا، ما يتطلب تشغيل تلك المصانع وزيادة طاقتها التشغيلية وتوفير المواد الخام الأساسية اللازمة لها.

اكتفاء مرهون بالعلف

مصنع للدواجن المجمدة

يقول ثروت الزيني، نائب رئيس اتحاد منتجي الدواجن، إن مصر لديها اكتفاء ذاتي من الدواجن بنحو 4 ملايين دجاجة يوميًا؛ لكن انخفاض كمية الأعلاف، وعدم استطاعة المربين استكمال الدورة الإنتاجية، وضع المربي في مأزق. إذ أن السبل ضاقت بالأخير ما جعله يلجأ إلى التخلص من الكتاكيت، خاصة أن المزرعة تحتاج إلى تكاليف ثابتة من عمالة وغيره.

أضاف “الزيني” أن الحكومة وافقت على تدبير 44 مليون دولار للإفراج السريع عن أعلاف الصويا من المواني على أن يتم توفير كميات أخرى من الذرة الصفراء، لحماية المربين الذين ينتمي 60% منهم لشريحة صغار المربين. “الزيني” أكد أن الأمر سيؤدي لتوقف عمليات الإعدام التي تدور تقديرات لها بحدود 4% من حجم الكتاكيت في مصر أو ما يناهز المليون.

بحسب بيانات وزارة الزراعة، يتجاوز حجم الاستثمارات بقطاع المزارع بمصر 100 مليار جنيه لإنتاج 1.4 مليار طائر، و14 مليار بيضة سنويا تكفي الاحتياج المحلي.

أمام مشكلة الأعلاف، ارتفعت أسعار الدواجن البيضاء خلال الأسبوع الحالي ليسجل الكيلو 35 جنيها في المزارع. بينما بلغت في أسواق التجزئة ما بين 40 و42 جنيها للكيلو الواحد، وسط حديث بين كبار التجار عن إغلاق العديد من المزارع بسبب أعباء التكاليف.

الحلول

يقول عبد العزيز السيد، رئيس شعبة الدواجن بالغرفة التجارية، إن الأعلاف تمثل 80% من مدخلات صناعة الدواجن، وهي مشكلة قائمة منذ أشهر وتحديدا منذ أن قفزت سعر كرتونة البيض إلى 80 جنيها. كما تفاقمت مع عجز المنتجين عن توفير الأعلاف طوال الـ45 يوما الأخيرة.

يقول السيد إن المواني المصرية يوجد بها كميات تصل إلى 2 مليون طن علف وهي كافية لتغطية الإنتاج لمدة 40 يوما فقط. كما يضيف أن الأمر يتطلب زيادة المساحة المنزرعة بمحاصيل إنتاج الأعلاف مثل الذرة والفول الصويا.

الحل الأساسي لمشكلة الأعلاف بمصر، هو التوسع في إنشاء مصانع الأعلاف التي يحتاج الواحد منها 50 ألف جنيه فقط، مع توفير المادة الخام للصناعة المتمثلة في الذرة الصفراء. وهو حل يساعد الاقتصاد على المدى البعيد، في التوقف عن استيراد أعلاف بنحو مليار دولار سنويًا.

الإشكالية أن أزمة الأعلاف جاءت بعد أسابيع قليلة من إعلان وزارة الزراعة قيام مصانع وشركات الأعلاف واتحاد منتجي الدواجن بشراء واستلام محصول الذرة الأصفر من المزارعين. ما يثير تساؤلات حول الكميات التي تم استلامها واستعداد المزارعين للتوريد أو الزراعة من الأساس. ما يعني أن مشكلة الكتاكيت أكبر بكثير وتتعلق بالسياسات الزراعية بوجه عام.

ازدادت الرقعة المنزرعة بالذرة الصيفية الحالية بنحو 57 ألف و609 أفدنة خلال الموسم المنتهي، حيث سجلت المساحات المنزرعة بأنواع الذرة 2 مليون و656 ألفاً و537 فداناً، مقابل 2 مليون و614 ألفاً و146 فداناً العام الماضي. لكن لا تزال الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك كبيرة، فمصر تستورد 8 ملايين طن سنويا بنحو 32 مليار جنيه.

لكن تبقى تلك الأرقام على الورق فقط في ظل تحويل قطاع عريض من المزارعين محصول الذرة إلى ما يسمى بـ”المكمورة”، وهي طحن أعواد الذرة بثمارها خضراء ودفنها في غلاف بلاستيكي في باطن الأرض، وهو أمر يجنب المزارعين شراء الأعلاف مرتفعة الثمن ويوفر لماشيتهم مصدر غذاء حتى ظهور محصول البرسيم في الشتاء.

يبدأ حل مشكلة الأعلاف من الاهتمام بالمزارع الذي يبحث عن العائد الأعلى من المحاصيل المنزرعة حاليا في ظل ارتفاع أسعار مدخلات الإنتاج خاصة الأسمدة وتكاليف الحرث والحصاد والري والزراعة، وهو ما ظهر بوضوح حاليًا في تراجع أسعار الأراضي الزراعية في الريف.

يرى كثيرون ضرورة عودة “الدورة الزراعية” مرة أخرى في الريف المصري لتحديد محاصيل استراتيجية بعينها يتم زراعتها مع زيادة دعم الدولة للسماد والسولار لصالح الأنشطة الزراعية لإعادة المزارع للزراعة مرة أخرى بدلاً من هجر الأرض والعمل في أنشطة أكثر ربحًا كقيادة التوكتوك.