مع كل مبادرة لمصالحة فلسطنية فلسطينية تتبادر إلى الذهن أسئلة عديدة حول جدوى المفاوضات وإمكانيات نجاح الحوار والوساطة لتحقيق المصالحة. خاصة أن المساعي في هذا الخصوص متكررة منذ 2007 ولم يكتب لها النجاح.
لذا تخيم أجواء “باتت شبه تقليد وتقليدية” بتوقع فشل ما يستجد من وساطة رغم ما تظهره أطراف فلسطينية ودولية من ترحيب بإنهاء الانقسام. هنا يأتي اتفاق الجزائر الأخير ليفتح باب النقاش حول المصالحة مرة أخرى وربما في ظروف متغيرة. حيث كل من أطراف الصراع الرئيسي -حماس والسلطة الفلسطنية- منهكان. كما تمر القضية الفلسطنية بمأزق كبير مع اتفاقيات التطبيع العربي الإسرائيلي. غير أن الوسيط هذه المرة -دولة الجزائر– لديه عوامل نجاح الوساطة في ظل ترحيب أبداه كثيرون بالوصول إلى حالة استقرار في الشرق الأوسط .
هنا نحلل عوامل بروز الوساطة الجزائرية ونرصد أصداء الاتفاق على المستوى الدولي والإقليمي ومكاسب يمكن أن تحققها المصالحة ونقاط الاتفاق حول بنود الوساطة.
محطات إعلان الجزائر
في 6 ديسمبر/كانون الأول 2021 أعلن الرئيس عبد المجيد تبّون اعتزام الجزائر استضافة مؤتمر جامع للفصائل الفلسطينية. وجرت منذ بداية العام اتصالات بين الفصائل الفلسطنية والجزائر. كتمهيد لعقد مشاورات بين الفصائل الفلطسنية. خاصة فتح وحماس. والأخيرة أعلنت ساعتها أن الحوار فرصة لا تعوض. بينما كان محمود عباس في زيارة للجزائر استغرقت ثلاثة أيام وشهدت احتفاء ملحوظا وسط توقيت وصف بالحساس. نظرا لتوجس جزائري من الحضور الإسرائيلي في المغرب بعد انضمام الأخيرة لاتفاقيات السلام بالمرحلة الثالثة من التطبيع المعروفة باسم اتفاقيات إبراهيم.
وفي احتفال الجزائر بذكرى الاستقلال الستين -5 يوليو/تموز الماضي سعى الرئيس الجزائرى إلى وساطة جديدة مهد لها لقاء وصف بـ”التاريخي” وجمع إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس والرئيس محمود عباس خلال الاحتفال. تلا ذلك عقد مؤتمر “لم الشمل” والذي نتج عنه إعلان الجزائر يوم الخميس الماضي. ووقع الاتفاق 16 فصيلا فلسطينيا بحضور “تبون” و70 سفيرا معتمدا في الجزائر.
وتضمن “إعلان الجزائر” تسعة بنود أبرزها “إجراء انتخابات عامة رئاسية وتشريعية في قطاع غزة والضفة الغربية. بما فيها مدينة القدس عاصمة الدولة الفلسطينية. وفق القوانين المعتمدة في مدة أقصاها عام من تاريخ توقيع الإعلان. ونص على الوحدة الوطنية كأساس لمقاومة الاحتلال وتحقيق أهداف الشعب الفلسطيني. واعتماد لغة الحوار والتشاور لحل الخلافات. وانضمام وتمثيل كل الفصائل في منظمة التحرير الفلسطينية كممثل وحيد للشعب الفلسطيني.
ويعود الانقسام بين فتح وحماس إلى تاريخ إجراء آخر انتخابات فلسطنية عام 2006 شملت الضفة وغزة. واستحوذت حماس على حكم غزة خلال يونيو/حزيران 2007. ولم تتم أي انتخابات فلسطينية بعدها. وحاولت مصر وسوريا وقطر من قبل إحداث اختراق للخصومة بين حماس وفتح لكن لم تفلح جهود الوساطة.
عوامل دعم الوساطة وتوقيتها
واستندت جهود الوساطة الجزائرية على عدة عوامل. منها ما يرتبط بالرئيس الجزائري تبون الذى يمتلك خبرة كبيرة في ملفات النزاع والسلام والتي اكتسبها من عمل طويل في مؤسسات دبلوماسية. غير عمله في ملفات تختص بقضايا السلام والنزاع على المستوى الإقليمي والدولي.
كذلك فإن الجزائر دائما كانت تظهر انحيازا للقضية الفلسطينية وتشغل مساحة من خطابها السياسي والدبلوماسي. فضلا عن أن علاقتها بالفصائل الفلسطينية أسهمت في قدرتها على إدارة الحوار. كما تسعى الجزائر إلى تقديم دعم للسلطة الفلسطنية غير أنها ترى في علاقات التطبيع المستجدة بين المغرب وإسرائيل “استهداف لها”. كما تتخذ القوى السياسة الجزائرية موقفا تاريخيا ضد التطبيع.
وتجني الجزائر عبر موقفها ذلك مساحة نفوذ دبلوماسي خاصة. وهي تتعامل مع قضية تمثل إشكالية كبيرة وعاملا مؤثرا في قضايا السلام بالشرق الأوسط. كما ينظر البعض للجزائر بأن دورها يأتي في إطار التنافس الإقليمي لحيازة واستعادة دور دبلوماسي على مستوى إفريقيا والمنطقة العربية.
وفي إطار ذلك تسعى الجزائر إلى دعم أشكال متنوعة من الشراكة. منها التعاون مع تونس ودعمها للحل السلمي والحوار في ليبيا. ورفضها التغلغل الإسرائيلي في إفريقيا. والذى برز مع رفضها طلب إسرائيل عضوية الاتحاد الإفريقي بصفتها “مراقب”. ودعم علاقتها مع أوروبا في ملف الطاقة عبر إمدادت الغاز.
وخلال كلمته بالدورة السابعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة أشار وزير خارجية الجزائر -رمطان لعمامرة- إلى أن الجزائر تستعد لاحتضان القمة العربية نوفمبر/تشرين الثاني المقبل. وتوقع مساهمة أكثر فعالية للمجموعة العربية في معالجة التحديات الراهنة. ولفت إلى أن الجزائر تواصل مساعيها الرامية لتعزيز الوحدة الوطنية بين الفلسطينيين. مشددا على أن معالجة القضية الفلسطينية مفتاح رئيسي لاستعادة الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط. كما شدد على دعم الجزائر للطلب الذي تقدمت به فلسطين لنيل العضوية الكاملة بالأمم المتحدة.
ردود فعل عربية
ردود الفعل العربية بدت في ترحيب الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط بتوقيع الفصائل الفلسطينية وثيقة “إعلان الجزائر”. واعتبرها تطورًا مهمًا لتحقيق المصالحة الفلسطينية.
وقال المتحدث باسم الأمين العام للجامعة العربية -علاء رشدي- إن إنهاء الانقسام يعد السبيل الوحيد لاستعادة صلابة الموقف الفلسطيني. وأضاف أن الجامعة تناشد الفلسطينيين بمختلف انتماءاتهم إنهاء الانقسام والعمل بجدية على تنفيذ ما جاء بالوثيقة الجديدة.
البرلمان العربي
وأعلن البرلمان العربي ترحيبه باتفاق الجزائر واستجابة الفصائل الفلسطينية لإنهاء الانقسام وتوحيد الصف “باعتبارها خطوة إيجابية ومهمة”.
وقال البرلمان في بيان له إن الإعلان يعد “خطوة على الطريق الصحيح نحو استعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية. ولم الشمل الفلسطيني. ويمثل ورقة قوة للموقف الفلسطيني”.
كما أعلنت الأمانة العامة لمنظمة التعاون الإسلامي ترحيبها بإعلان الجزائر. مؤكدة “دعمها الجهود التي تسهم في تحقيق الوحدة الوطنية في إطار منظمة التحرير الفلسطينية”.
وأعلنت عدة دول في بيانات رسمية لوزراء الخارجية عن ترحيبها بالاتفاق. وكان من بينها وزارة الخارجية في تونس وليبيا وقطر وسلطنة عُمان.
تأييد أممي للاتفاق
ورحب أنطونيو جوتيريش -الأمين العام للأمم المتحدة- في 15 أكتوبر/تشرين الأول بإعلان الجزائر.
ووصف الأمين العام الاتفاق بـ”الخطوة الإيجابية” نحو تحقيق المصالحة الفلسطينية الداخلية. مشجعا الفصائل على تجاوز خلافاتها بالحوار وحث على متابعة نقاط الاتفاق وبنوده. بما فيها السير في إجراء الانتخابات. كما شدد على أهمية المصالحة من أجل إقامة دولة فلسطينية. وأعرب عن تقديره للجهود التي بذلتها الجزائر في سبيل تحقيق هذه الغاية.
ترحيب أوروبي.. اتفاق “مشجع”
وأعلن مكتب الاتحاد الأوروبي في الضفة الغربية وقطاع غزة يوم الجمعة الماضي بـ“إعلان الجزائر” ووصفه بـ”المشجّع”. مؤكدا استعداده لدعمه.
ودعا المتحدث الفصائل الفلسطينية إلى “تكثيف الجهود نحو تحقيق وحدة سياسية فلسطينية فاعلة. والاتفاق على جدول زمني لإجراء انتخابات وطنية ديمقراطية كخطوة أساسية لضمان الشرعية الديمقراطية للممثلين السياسيين والمؤسسات الفلسطينية”.
نقاط اختلاف ومعوقات المصالحة
ورغم هذا الترحيب فإن البعض يرى صعوبات في السير نحو مصالحة فلسطينية. خاصة أن المشاركين اليوم هم من شاركوا بالأمس في مبادرات مشابهة. بالإضافة إلى أن غياب محمود عباس عن الحوار يشير إلى عدم توفر النية والجديّة والإرادة في استكمال الاتفاق كما لم يشمل وفد فتح رجال الرئيس.
إشكالية التمثيل واالتسوية وحكومة الوحدة الوطنية
ويأتي الحضور والغياب وإشكالية التمثيل ضمن نزاعات متكررة حول من يمثل الشعب الفلسطيني عربيا وإقليميا. وترى السلطة الفلسطنية أن محاولات حماس -وتحديدا إسماعيل هنية- في الوجود السياسي وتمثيل الشعب الفلسطيني تضر القضية الفلسطنية.
ظهر ذلك في زيارات هنية إلى سلطنة عُمان للتعزية في السلطان قابوس بن سعيد. ولم يختلف الموقف في احتفال الجزائر بعيد الاستقلال. حينها حرصت وكالة الأنباء الفلسطنية على الإيحاء بأن “هنية” كان ضمن وفد السلطة الفلسطنية بقيادة عباس.
كما يقف عائق آخر أمام الاتفاق وهي نقاط محل اختلاف من ضمنها عدم الاتفاق حول المفاوضات وعملية التسوية وقضايا مركزية كقضية تقرير المصير والعودة والاستقلال الوطني. غير قضايا داخلية منها إعادة تشكيل منظمة التحرير الفلسطنية وتشكيل حكومة وحدة وطنية تلتزم الشرعية الدولية. وهو البند الذي طالبت حركة “حماس” بإعادة صياغته قبل أن ترفض “فتح” وتطالب بشطبه نهائيا.
فرص ومكاسب
الخاسر الأساسي من استمرار الانقسام هو الشعب الفلسطيني وقضيته. وترى بعض الفصائل الفلسطنية -منها حزب الشعب الفلسطيني- أن أي اتفاق لا يتضمن تشكيل حكومة موحدة تعمل على وحدة المؤسسات وتحضر لإجراء الانتخابات وتعالج الأزمات سيكون مجرد ذر للرماد في العيون -وفق وليد العوض القيادي بالحزب.
بينما تقف حماس خلال استمرار الانقسام في مواجهة تحديات عدة. منها أزمة شرعية في الحكم منفردة وانقسام المؤسسات الفلسطنية وتأثيراته. غير تحد كبير مع تصاعد أزمات قطاع غزة وسط حصار يطول القطاع الاقتصاد والصحة والتعليم والزراعة. وهي الأمور التي تمثل الشاغل الأكبر للمواطن. وهو ما كان سببا للاحتجاج على صعوبة ظروف المعيشة في قطاع غزة.
وأمام تحديات تواجهها السلطة الفلسطنية من مكابدة أزمة مالية عميقة منذ سنوات كانت تلجأ تقليديا إلى ثلاثة إجراءات في السياسات: مناشدة المانحين والدول العربية تقديم دعم إضافي لموازنتها. وتطبيق إجراءات تقشفية. وزيادة الاستدانة الداخلية. لكن هذه المرة أمام السلطة هامشٌ محدود جدا للتحرك على الجبهات الثلاث.
وربما توسع المصالحة الفلسطنية بعض المساحات لحلحلة أزمة اقتصادية حادة في القطاع والضفة. وربما تكون المصالح أيضا بما فيها إجراء انتخابات حسب البنود المتفق عليها فرصة تخلص حماس من أعباء تعاني منها منذ 2006.