أزمة جديدة تواجه المصريين، بعد إعلان شعبة الملابس بغرفة القاهرة التجارية، قبل أيام، ارتفاعا جديدا في أسعار الملابس الشتوية الموسم الجاري، بواقع 40% مقارنةً بموسم 2021. الأزمة الجديدة تأتي في وقت لا تتحمل فيه جيوب الملايين الوفاء بالتزامات الغذاء والكساء والدواء وملاحقة عداد الأسعار المصاب بالسعار صباح ومساء.

اقرأ أيضا.. مصر.. أعلى تضخم منذ 4 سنوات وتوقعات بارتفاعه إلى 20% في ديسمبر

أسباب الارتفاع

من ناحيتها أكدت سماح هيكل عضو مجلس إدارة شعبة الملابس بغرفة القاهرة التجارية، أن الـ40% الزيادة في أسعار الملابس الشتوية. كما لفتت إلى وجود بعض المحلات والمولات بدأت في عرض الملابس الشتوية، قبل عرضها بشكل رسمي نوفمبر/تشرين ثاني المقبل في جميع المحلات.

“هيكل” أرجعت الزيادة إلى ارتفاع سعر الخامات وزيادة الأجور وتكاليف الشحن والنقل عالميا. كما أوضحت أن ملابس الشتاء الموجودة في الأسواق، تم تصنيعها منذ 6 أشهر على الأقل، أي في ذروة الأزمة العالمية التي بدأت فور اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية. كذلك وصول أسعار الشحن ومستلزمات الإنتاج في البورصات العالمية إلى أعلى سعر على الإطلاق. لكن يظل الأمر الملفت عدم إعلان تلك الارتفاعات إلا مع قرب بدء الموسم الشتوي، ما يؤكد أن أسباب ليست بالضبط ما أعلنه المصنعون.

فتارين وسط البلد

محلات ملابس وسط البلد

من أمام فتارين شوارع وسط البلد، وقف محمود علي سعد، 55 سنة، يشاهد الأسعار في صمت؛ قال لـ”مصر 360″ إنه رب أسرة مكونة من ولدين وبنت يدرسون جميعا في الجامعة والثانوية العامة.

وأضاف أن الأسعار الجديدة للملابس الشتوية أصابته بالصدمة، لأن لو اشترى لأولاده 6 بناطيل و6 قمصان سيكون مطالبًا في ظل الأسعار المشتعلة، بالحصول على قرض من البنك للصمود أمام الأسعار الجديدة. خاصىة أن سعر أقل بنطلون لا يقل في وسط البلد عن 500 جنيه. فالأسعار في وسط البلد أصبحت خارج متناول الطبقة المتوسطة. بحسب ما قال.

ويكمل: “لو فكرت اشتري ملابس داخلية شتوي فلابد من قرض جديد رغم إننا بلد تزرع القطن وكان من المحاصيل الرئيسية في مصر”.

سعد قال: “منطقة الوكالة التي كنت متعود أقصدها للشراء منها كنت أجد ملابس مستعملة استعمال خفيف أو بواقي التصدير (فرز تاني) كلها كانت تصلح للبس، إلا أن الإقبال الشديد عليها لارتفاع أسعار الملابس الشتوية الجديدة، رفع أسعار الوكالة، بقت تقريبا زي محلات طلعت حرب والمولات الكبيرة”.

تفاصيل صادمة

يقول أسعد عزيز، 46 سنة، إن له بنتين في مراحل التعليم ويحرص سنويا على النزول معهما لشراء ملابسهما كما تعودا، إلا أن الأسعار الجديدة أصابته بصدمة بعد التجول في محلات وسط البلد.

يقول “عزيز” لــ”مصر 360″: “الأسعار دي في متناول الأغنياء أو تجار المخدرات والآثار إنما الموظفين أو حتى الحرفيين صعب يكون عندي بنتين أنزل اشتري لكل واحدة منهم بنطلونين وقميصين أو بلوزتين بألفين جنيه”.

وتابع: “للأسف أشعر بالصدمة فالجاكيت الحريمي سعره ألف جنيه بدون فصال والموسم الماضي لم يكن يزيد عن 400 جنيه. يبدو أن الشتاء الجديد سيكون باردا جدا على الجميع حتى في الملابس”.

سامية السيد، ربة منزل، تقول لـ” مصر 360″: “جيت من مساكن شيراتون بصحبة ابنتي الصغرى لشراء فستان، إلا أن أسعار أقل الفساتين المعروضة أصابتني بالرعب. بعدها شيلت الفكرة من دماغي”. تؤكد “سامية” أنها ستلجأ إلى أقرب خياطة لظبط بعض فساتين ابنتها وجعلها صالحة للاستخدام مرة أخرى، بدلا من الأسعار التي “تقسم الوسط” والتي لن تقدر على دفعها، بحسب وصفها.

جيب المواطن

محمود سعيد حمزاوي، 55 سنة، تاجر ملابس في منطقة وسط البلد، يقول لـ”مصر 360″، إنه ليس من المنطقي أن يقوم أي تاجر في المرحلة المقبلة برفع أسعار الملابس بشكل مضاعف كما يعتقد البعض. فالتجار لا يسعون إلى زيادة الأسعار على المواطنين، لأن حركة البيع والشراء ليست جيدة. من الصعب تحميل المواطن أي زيادة جديدة من قبل التجار “لكن ما باليد حيلة”.

ويضف “حمزاوي” أن سعر الجملة للقميص والبنطلون يتعدى الـ200 جنيه للقطعة الواحدة، عندما يشتريه صاحب محل أو تاجر صغير ويدفع مصاريف عمالة وانتقالات ونفقات المحل ويكون هناك بواقي ومرتجعات وعيوب صناعة ومبيعات لا تتجاوز الـ50% رغم الأوكازيونات والعروض التي نطرحها للتجار الصغار إلا أن حركة البيع والشراء لا تزال ضعيفة. كما من المنتظر أن تكون أضعف في الشتاء لارتفاع الأسعار: “أتوقع ألا يستطيع التجار بيع مخزونهم من البضاعة”.

على النقيض ترى شعبة الملابس بالغرفة التجارية في القاهرة أن الأسعار بالموسم الشتوي ستكون متفاوتة وتلائم جميع الفئات، ما يضع علامات استفهام عن طبيعة الفئات التي يمكنها تحمل فارق تلك الزيادات إذا وضعنا في الاعتبار زيادة أسعار الملابس الشتوية وقبلها الصيفية ومثيلاتها في الغذاء والمياه والكهرباء والغاز والإنترنت. الغرفة التجارية تعول على دور معارض “أهلا مدارس” و”مدرستي” لزيادة دعم المواطنين.

محلات القاهرة

أسعار الملابس الشتوية في تزايد مستمر

عادة ما يقصد المصريون محلات طلعت حرب إلا أن أسعار البناطيل والقمصان الشتوية المعروضة أصبحت خارج متناول الكثيرين. يقول علي الديك، عامل بأحد محلات مول طلعت حرب: “بيع الملابس الشتوي أقل من المتوقع لأن فترة بدء الموسم وقبل شهر نوفمبر نجد عدم الإقبال الذي اعتدنا عليه كل عام”.

وأضاف أن سعر البنطلونات يبدأ من 500 جنيه وهناك مثلها بأسعار أقل لكن بخامات أقل جودة ومن يشتريها يقبل عليها مضطرا لضيق ذات اليد.

ويرى الحاج علي السمان، صاحب محل بمنطقة شارع عدلي، أن أسعار الملابس الشتوية هذا العام ستشهد مزيدا من الارتفاع في الأسعار، خاصة بداية من منتصف نوفمبر/تشرين ثاني المقبل.

وفسر “السمان” الارتفاع الجديد فوق الـ 40 % التي تحدثت عنها شعبة الملابس، قائلا لـ”مصر 360″ كل شيئ ارتفع سعره الإيجارات ورواتب العمالة والكهرباء. كذلك الخامات الداخلة في تصنيع الملابس والنقل وكلها تضاف على سعر المنتج النهائي المعروض للبيع.

فارق الزيادة

أوضحت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء لعام 2021، أن متوسط الإنفاق على الملابس والأقمشة وأغطية القدم ضمن أولويات المصريين في الإنفاق الفعلى للأسرة، حل في المركز الثالث بنحو 2476 جنيهًا. موزعة بين الحضر بنحو 2553 جنيهًا، والريف بـ2410 جنيهات. ثم المسكن ومستلزماته بـ9537 جنيهًا، موزعة بين الحضر بـ11291 جنيهًا والريف بـ8051 جنيهًا. والأثاث والتجهيزات والمعدات المنزلية بمتوسط 1972 جنيهًا، موزعة بواقع 2122 جنيهًا بالحضر و1844 جنيهًا بالريف.

ويتوقع تجار أن تتراجع أولويات الإنفاق بالنسبة للملابس إلى نصف مثيلاتها عن العام الماضي في ظل وجود أولويات إنفاق أخرى تتمثل في الغذاء والدواء والمسكن.

الحل في المحلي

رغم التخفيضات مازالت الأسعار مرتفعة

مع ارتفاع أسعار الخامات ومصروفات الشحن وتكاليف الإنتاج بسبب أزمة الدولار يصبح الإنتاج المحلي هو الحل. الاقتراح يؤيده ماري لويس، رئيسة المجلس التصديري للملابس الجاهزة، التي قالت إن المصنعين حاليا عليهم أن يتجهوا إلى استخدام مستلزمات إنتاج محلية بقدر المستطاع في محاولة لتنشيط حركة المبيعات. فضلا عن ارتفاع أسعار التكييس والتعبئة.

بينما قال عزت سعيد، 45 سنة، تاجر ملابس، إن ارتفاع أسعار القميص والبنطلون وملابس الأطفال الشتوية انعكست كلها بالسلب على حركة البيع، التي قلت كثيرا بسبب عدم الإقبال.

وأضاف في تصريحات لموقع “مصر 360” أن مستلزمات الإنتاج المحلية قريبة من المستوردة من حيث السعر، ولكنها بعيدة تماما عنها من حيث الجودة. بينما يفضل المستهلك القطعة الأعلى جودة وإن كانت أعلى قليلًا فى سعرها.

لا يمكن الوقوف على أسعار ثابتة للملابس الشتوية خاصةً بالنسبة لمنتجات معينة منها الجاكيت والسويت تشيرت بسبب كونها في الغالب مستوردة. بينما التوقعات الرسمية لمتوسط سعر “الجاكيت” في الموسم الشتوي ستصل إلى نحو 500 جنيه للمستهلك النهائي، مقارنة بـ300 جنيه العام الماضي. بالإضافة إلى ارتفاع متوسط سعر “السويت شيرت” إلى قرابة 400 جنيه، مقارنة بـ250 جنيهًا، بحسب ما أكد محمود جمعة، عضو شعبة الملابس بغرفة القليوبية التجارية.

محاولات غير مجدية

ملابس سوق وكالة البلح

محاولات بعض المسؤولين إلقاء الكرة في أرض كبار تجار الملابس والمستوردين لن تجدي خاصة مع الإعلان أن الزيادة سببها ارتفاع أسعار الخامات ومضروفات الشحن والنقل والعمالة وأزمة الدولار.

الغرفة التجارية في القاهرة على لسان سماح هيكل (عضو شعبة الملابس) حاولت دفع التجار إلى عدم رفع الأسعار بالتنويه إلى أن هناك تخفيضات على التعريفة الجمركية لأكثر من 150 صنفًا من مستلزمات الإنتاج. منها نحو 60 صنفا أو أكثر لمستلزمات إنتاج الملابس. كما أضافت أن استثناء مستلزمات الإنتاج من الاعتمادات المستندية أتاح الخامات بوفرة بعد أن كانت السوق تعاني من ندرتها لصعوبة استيرادها، وبالتالي فلا داعي لرفع أسعار الملابس الشتوية عن مثيلاتها في الموسم الماضي.

أسعار خارج المتناول

بعض المحلات بدأت في طرح الملابس الشتوية منذ أسابيع وسارعت إلى طرح أسعار جديدة، فسعر القميص الشتوي بأزرار كاملة وجيوب على الصدر والقميص الكاجوال الرجالي يصل إلى نحو 500 جنيه. أما السويت شيرت برقبة دائرية وأكمام طويلة 300 جنيه، جاكيت جينز رجالي 1000 جنيه.

وبالنسبة لأسعار الشتوي الحريمي، فسجل سعر البنطلون 500 جنيه، والبيجامة الشتوي 550 جنيها، وتي شيرت شتوي للبيت 350 جنيها، الجاكيت 900 جنيه وكلها أسعار قابلة للزيادة مع دخول الموسم والطلب على الملابس.

البلدي والمستورد

يرى رئيس شعبة الملابس سابقًا بغرفة القاهرة التجارية عمرو حسن، أنه مع بداية الموسم الشتوى سترتفع أسعار الملابس في مصر بأكثر من 40%. يأتي هذا على الرغم على من كون الملابس المعروضة هذا الموسم من الصناعة المحلية تحت شعار “صنع في مصر”.

وفسر عمرو حسن في تصريحات خاصة لـ”مصر 360″ القيود في عمليات الاستيراد، والأزمات المتكررة في استيراد المواد الخام اللازمة بأنها السبب في زيادة الأسعار. وقال رئيس شعبة الملابس سابقًا، إن مصر تستورد المواد الخام من الخارج، ويتم استيراد الغزول من الهند، والأكسسوارات والخيوط من الصين، لذلك هناك عوائق وتحديات أمام المصنعين في توفير المعروض من الملابس للمستهلكين.

وأضاف أن الملابس تصنف ضمن السلع الترفيهية، ما أغلق أبواب الاستيراد أمام الملابس التركي والقادمة من الأسواق الأوروبية خلال عام 2022 وهو ما دعم أيضًا ارتفاع أسعار المنتج المحلي.

النتائج حول نسبة الفقر في مصر، بلغت 32.5%، وفقًا لبحث جهاز الإحصاء 2017/2018، مقابل 27.8% نسبة الفقر فى البحث السابق عام 2014/2015، بزيادة 4.7%، ووفقًا لتلك النتائج ونسبة الفقر، أعلن الجهاز أن خط الفقر تحدد بـ8 آلاف و827 جنيهًا للفرد فى العام “بواقع 750 جنيهًا فى الشهر تقريبا”، أى أن من يقل دخله السنوى عن تلك القيمة “8.8 ألف جنيه” يعد تحت خط الفقر.

الحديث بعد إعلان ارتفاع أسعار الملابس الشتوية بواقع (40 %) قرابة النصف من ثمنها يرتبط وثيقًا بارتفاع منسوب الفقر في البلاد، ليقودنا إلى السؤال المهم:
ماذا سيرتدي المصريون في الشتاء في ظل الأسعار المجنونة؟