على عكس توقعات منظومة التعليم، ألقى الدكتور رضا حجازي، وزير التربية والتعليم والتعليم العالي، بتصريحات تمس “تقنين الدروس الخصوصية” ضمن استعراضه “بيان خطة الوزارة أمام مجلس النواب” أشبه بـ”كرة لهب” تدحرجت على سطح جليد “عملية تعليمية” عصي على الإذابة. لكنه، وبعد إعلانه “ترخيص مراكز الدروس الخصوصية” تحت مبررات ضمان سلامة بيئة التدريس، وتحصيل حق الدولة من عوائدها”، أصبح محاصرًا بتساؤلات عن مستقبل “المدرسة” كمؤسسة تعليمية. ومطالبا بوضع تصور مكتمل عن مرحلة ما بعد تقنين المراكز، وتوضيح موقفه السابق حين كان جزءًا من منظومة تحاصر المراكز، وتسعى لإغلاقها.

وفيما فسره المتحدث باسم وزارة التربية والتعليم، شادي زلط، في تصريحات متلفزة، بأنه خطوة للسيطرة على سلبيات نالت من المجتمع على مدار أعوام، نظير تفشي ثقافة الدروس الخصوصية دون سيطرة من الدولة، اعتبره الدكتور محمد عبد العزيز، أستاذ العلوم التربوية بجامعة عين شمس، “إلغاء لدور المدرسة”سيقابله على الجانب الآخر توحش لـ”أباطرة” مراكز الدروس الخصوصية، وتوجه لـ”خصخصة التعليم”.

وفي أكتوبر/تشرين أول من العام الماضي أغلقت الوزارة بالتعاون مع وزارة التنمية المحلية نحو 97,988 مركز للدروس الخصوصية، بعد شهر واحد من صدور القرار الوزاري المطالب بإغلاقها.

اقرأ أيضا.. “التعليم”.. باب الخروج الأول من أزمة مصر الراهنة (1 – 2)

الصدمة

سنتر للدروس الخصوصية في القاهرة

ومع انتظار “المعلمين” لخطة تطوير جديدة تليق بـ”الوزير” الذي أمضى سنوات داخل أروقة الوزارة مسؤولًا عن معظم ملفات العملية التعليمية، مثلت تصريحاته التي طالت “مجموعة التقوية المدرسية” صدمة موازية لـ”ترخيص مراكز الدروس الخصوصية”، حسب تصريحات الخبير التربوي الدكتور محمد عبد العزيز. إذ لفت إلى أن إخضاع مجموعات التقوية لـ”شركة تديرها” يعني بما لا يدع مجالا للشك “خصخصة للتعليم”. كما يعني تدخل أطراف أخرى غير متخصصة في إدارة العلمية التعليمية.

ووصف وزير التربية التعليم مجموعة التقوية بأنها “غير فعالة” خلال إلقائه بيان خطة الوزارة أمام الجلسة العامة بمجلس النواب. كما أشار إلى تغيير اسمها إلى مجموعة الدعم، مع إسنادها إلى شركة تديرها بلوائح منضبطة، وجودة عالية، لكي يحصل المعلم على أجره بعد انتهاء الحصة. معرجا في كلمته إلى فاتورة الدروس الخصوصية تصل سنويا إلى 47 مليار جنيه، لا تعلم الحكومة، أو الوزارة عنها شيئا.

غير أن رؤية الخبير التربوي الدكتور محمد عبد العزيز، وآخرين من المتخصصين من بينهم الدكتورة بثينة عبد الرؤوف أستاذ التربية، التي وصفت تحول النظرة إلى مجموعات التقوية بـ”الكارثية”، باعتبار أن مجموعات التقوية جاءت لحل مشاكل الطلاب الدراسية، وليست كتعليم موازي، وبهذه الطريقة تسلم الوزارة أولياء الأمور لمراكز الدروس الخصوصية.

ورفضت “عبدالرؤوف إسناد مجموعات التقوية إلى شركات خاصة، كما صرح وزير التعليم، محذرة من أي توجه نحو “خصخصة التعليم”.

دعوة لـ”تعليم موازٍ”

تلاميذ في أول أيام العام الدراسي الجديد

أولياء أمور استقبلوا تصريحات “الوزير” بتساؤلات موازية، واختلاف في التصور، رغم موافقة البعض على التقنين.

ما طرحه “عادل الكحلاوي”-ولي أمر- في سياق تصريحات “التقنين” الذي يضمن لأولادنا بيئة آمنة، وتكلفة معقولة، ويضمن حق الدولة”-حسب نص بيان رضا حجازي- تبلور في تساؤل: لماذا ظهرت مراكز الدروس الخصوصية منذ البداية؟، لافتًا إلى أن دعوة ترخيص مراكزها يعد “سابقة خطيرة” لأن طلاب الثانوية العامة لا يذهبون للمدارس أصلًا في ظل عدم ترخيص هذه المراكز، فما المتوقع بعد تقنينها؟”.

طالب “الكحلاوي” وزير التعليم بتوضيح موقفه من مستقبل “المدارس”، إذ أن قراره سيضع الطالب بين خيارين “إما أن يذهب للمدرسة، أو يجلس في مركز الدروس الخصوصية المرخص”، ومتسائلًا:” ما الضمانة التي ستطبقها للوزارة لإبقاء التلاميذ في المدارس في ظل وجود مراكز تعليمية مرخصة؟”.

ومع استهجان وزير الإعلام السابق أسامة هيكل لـ”قرار تقنين مراكز الدروس الخصوصية” في تدوينة له على موقع التواصل الاجتماعي –فيس بوك- دعا “أولياء أمور” وزارة التعليم إلى التفرقة بين رضا الأسرة المصرية عن القرار، ومدى فاعليته، وتحقيقه مصلحة وطنية أكبر في المستقبل.

على صعيد متصل وصفت داليا الحزاوي مؤسس ائتلاف أولياء أمور مصر قرار “تقنين مراكز الدروس الخصوصية” بأنه اتجاه لوجود تعليم مواز، وبديل عن المدرسة.

اتفاق غير مرتب جاء في ردود فعل “المتخصصين”، وأولياء أمور بشأن القلق على اندثار دور المدرسة حسبما أفادت “الحزاوي” في تصريحات لـ”مصر360″، معربة عن أسفها إزاء ابتعاد “الوزارة” عن أولوية طرح أفكار إيجابية لإعادة دور المدرسة الأساسي، وحل مشاكل العملية التعليمية على رأسها “العجز في قطاع المعلمين”، وكثافات الفصول.

الضرائب مفروضة قبل أن يصبح “وزيرًا”!

وقبل عام من وصول “رضا حجازي” إلى المقعد الوزاري طالبت مصلحة الضرائب المصرية في “نوفمبر الماضي” –في بيان رسمي- من يقوم بنشاط مراكز الدروس الخصوصية سواء جمعيات، أوقاعات، أوشقق، أوعن طريق التدريس عبر الوسائل الإلكترونية، وغيرها، سواء مملوكة أو مؤجرة (مراكز رئيسية وفروعها)، ضرورة التوجه إلى مأمورية الضرائب التى يقع فى نطاقها المقر الرئيسي للنشاط، وإخطار المأمورية بذلك سواء كان لديه ملف ضريبى، أو أن يقوم بفتح ملف ضريبي جديد لهذا النشاط، وذلك فى موعد أقصاه شهر من الآن”.

ولذلك اعتبر الخبير التربوي د.محمد عبدالعزيز-أستاذ العلوم التربوية –جامعة عين شمس-أن وزارة المالية هي المنوط بها تحصيل الضرائب، وليس وزارة التربية، والتعليم، مستنكرًا إعلاء شأن “مراكز الدروس الخصوصية” تحت هذا المبرر، واستطرد قائلًا:”لا يوجد في العالم كله نظام كهذا”.

وزارة “الدروس الخصوصية”

سنتر دروس خصوصية

أضاف “عبدالعزيز” في تصريح لـ”مصر360″ أن وزير التعليم بهذه الطريقة سيحول المسمى إلى “وزارة الدروس الخصوصية”، ويلقي بأبنائنا إلى الشارع، وأردف قائلًا:”هذا إذا كان في أولويات هذه المراكز من الأصل أولوية تعليمية”.

وحسب تصريحات سابقة لـ”مدير مكتب رئيس مصلحة الضرائب المصرية”-طلعت عبدالسلام- بشأن بيان مصلحة الضرائب الصادر العام الماضي- فإن تحصيل الضرائب من مراكز الدروس الخصوصية لا يعتبر اعترافًا بشرعيتها، وطبقًا للقانون 91 لسنة 2005 يتم دفع ضرائب عن اي نشاط تجاري يحقق ربحًا، وسيتم تحصيل ضرائب من أصحاب مراكز الدروس الخصوصية، ومن المدرسين أيضًا وسيتم توثيق ايراد السناتر من خلال مأموري الضرائب، وإذا كانت المراكز مؤجرة للمدرسين فسيتم تحصيل الضرائب من المدرسين الذين يستغلونها، وسيحاسبون عن أنشطتهم كأصحاب مهن حرة.

الخبير القانوني المتخصص في الشأن الضريبي -محمد سمير إسماعيل- لفت إلى إن فرض الضرائب على الدروس الخصوصية والسناتر التعليمية، من قبل مصلحة الضرائب، وقبل إعلان الوزارة منحها تراخيص عمل، لم يكن تقنينًا لأوضاع أصحابها، ولا يمنحهم شرعية مزاولة العمل، لافتًا إلى أن “مصلحة الضرائب” ليست جهة إثبات، وغير مسؤولة عن التقنين.

وأضاف لـ”مصر360″ أن أي ممول يزاول نشاطاً تجاريًا، أو صناعيًا، أو خدميًا يحقق منه إيراد، ولو بشكل غير شرعى لابد أن يخضع للضريبة، فليس من المعقول تحصيل الضرائب ممن يزاولون نشاطهم بشكل شرعى، وتجاهل وترك من يزاول نشاطه بشكل غير شرعى ويتربح منه، كالدروس الخصوصية التى تحقق أرباحاً طائلة-على حد قوله-.

من يدفع تكلفة “مراكز الدروس”؟

وحسب بيان الجهاز المركزي للتعبئة العامة، والإحصاء الصادر بنهاية عام 2018 فإن متوسط إجمالي ما ينفقه المصريون (26 مليون أسرة بجميع المحافظات” على الدروس الخصوصية، ومجموعات التقوية يبلغ نحو 47 مليار جنيه، بنسبة تمثل 37,7 % من إجمالي الإنفاق على قطاع التعليم.

لكن هذه الإحصائية، ووفقًا لما استشهد به وزير التعليم أمام الجلسة العام لمجلس النواب، غير منضبطة بحسب رؤية الخبير التربوي د.سليم عبد الرحمن-أستاذ التربية بجامعة حلوان-، لافتًا إلى أن الأسر المصرية تنفق ما يربو على 100 مليار جنيه سنويًا على الدروس الخصوصية.

وأضاف في تصريحات لـ”مصر360″ أن الإحصائية قائمة على حصر الدروس الخصوصية المقننة، مشيرًا إلى أن الأهالي لجأوا إلى إطعام أبنائهم بملاعق الدروس الخصوصية بسبب انهيار منظومة التعليم.

بالتوازي، ومع اتفاق الخبير التربوي د.محمد عبدالعزيز، فإن تقنين مراكز الدروس الخصوصية سيضاعف حجم الإنفاق على الدروس الخصوصية، وسيحمل الأسرة المصرية أعباءً مضافة نظير لجوء أباطرة مراكز الدروس إلى رفع التسعيرة لمجاراة الضرائب المفروضة بعد التقنين.

واستطرد قائلًا:” لم ينتبه الوزير إلى أن مكاسب هذه المراكز على ارتفاعها، غير أنها في النهاية من جيب ولي الأمر، ومن ميزانيات الأسرة المصرية”.

التقنين جائز بضوابط

عكس موجة الانتقادات التي طالت تصريحات “تقنين مراكز الدروس الخصوصية”، أعربت الخبيرة التربوية “بثينة عبد الرؤوف” عن تفهمها لتخلي وزارة التربية والتعليم عن سياسة المواجهة التي بدأت منذ فترة الوزير السابق د.طارق شوقي، وتغيرها إلى الاحتواء لدمجها مع التعليم الرسمي، وعلى قدر أنها بمثابة تقنين لـ”أوضاع خاطئة”، لكنها على الأرجح تجريب لمنهج جديد في التعامل مع الظاهرة، بعد سياسات امتدت لعشرات السنوات دون نتائج واقعية.

ومن موقع المختلف مع أطروحات خبراء تربويين معارضين لـ”التقنين” أضافت لـ”مصر360″ أن ثمة أسباب دفعت وزير التعليم لتبني هذا النهج في مقدمتها ضغط الواقع، والعشوائية التي تدار بها الدروس الخصوصية”، لافتة إلى أنها بشكل شخصي مع تقنين الدروس الخصوصية، مع وضع ضوابط لهذا التقنين يضمن إحكام قبضة الوزارة عليها.

وأردفت قائلة:” بإمكان الدولة بعد تحصيل ضرائب مراكز الدروس الخصوصية الاستفادة منها في حل مشكلة عجز المعلمين، وبناء مدارس جديدة لتقليل كثافة الفصول”.

“استجواب الوزير”

وزير التعليم أمام النواب

برلمانيًا، دعت عضو لجنة التعليم بمجلس النواب “جيهان البيومي” إلى دراسة كافة الأبعاد المتعلقة بمسألة تقنين مراكز الدروس الخصوصية، متخوفة من طغيان سلبيات القرار الوزاري على إيجابياته.

وعلق –الخبير التربوي محمد عبد العزيز- آماله على مجلس النواب في التصدري لـ”قرارات الوزير” المتعلقة بـ”التقنين”، وإقحام شركات على العملية التعليمية لإدارة مجموعات التقوية، لافتًا إلى أن قرار “التقنين” سيقضي على المدرسة.

واستطرد قائلًا:” نناشد مجلس النواب وقف العمل بالقرار، ومناقشة الوزير في استجواب رسمي عن مبرراته في اتخاذه”.

ووصفت “البيومي” التعامل مع “مراكز الدروس الخصوصية” على أنها أمر واقع بـ”المسألة الخطيرة”، رافضة التصالح مع الفكرة –على حد قولها، ومطالبة بمكافحة انتشارها، وليس “تقنينه”.

بمحاذاة القلق سار النائب عبد المنعم إمام- أمين سر لجنة الخطة، والموازنة بمجلس النواب، واصفًا قرارات وزير التعليم رضا حجازي بـ”المفاجئة”.

وأضاف في تصريحات متلفزة تعقيبًا على قرار “تقنين مراكز الدروس الخصوصية” أن هذه خطوة من شأنها إلغاء المدارس في مصر، لافتًا إلى أن بعض النواب اعترضوا على تصريحات الوزير مما دفعه إلى التصريح لاحقًا بأن الموضوع تحت الدراسة”.