قريبا تستضيف مصر مؤتمرا دوليا للمناخ، ويهدف ذلك المؤتمر بشكل رئيسي إلى وضع التزامات قانونية ملزمة للدول من أجل الحد من انبعاثات الغازات في الاحتباس الحراري، كما يهدف إلى العمل على الحفاظ على البيئة الطبيعية بقدر الإمكان بما يضمن حياة الأفراد بشكل آمن صحيا، من خلال المحافظة على نظافة البيئة أو صحتها بشكل أكثر أمانًا، وهو ما يتفق والعديد من المواثيق والاتفاقيات الدولية والحقوقية التي تسعى وتحث الدول على ذلك، ومن بين تلك الاتفاقيات اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية للتغيرات المناخية، واتفاقية فيينا الخاصة بالحفاظ على طبقة الأوزون، واتفاقية الأمم المتحدة للحفاظ على التنوع البيولوجي.

اقرأ أيضا.. عن منع التصوير وحرية التعبير

وتدعم كل هذه الاتفاقيات وغيرها أن ينعم الإنسان ببيئة صحية وغير ملوثة تساعده على الحياة الطبيعية بشكل غير مضر بصحته بشكل أساسي، وذلك بعد أن أدى التقدم الصناعي الهائل في كافة المجالات التكنولوجية إلى ازدياد التلوث ومخاطر ذلك على البيئة والإنسان، وبالتالي فقد بات موضوع حماية البيئة والحفاظ عليها، وكيفية مواجهة الآثار الناجمة عن التلوثات الصناعية من أهم الموضوعات التي تعالجها الاتفاقيات الدولية بخلاف التشريعات الداخلية للدول.

من ناحية التشريعات الوطنية المصرية، تلك القوانين التي قد أتت متوافقة إلى درجة كبيرة مع الاتفاقيات الدولية والحقوقية المعنية بالبيئة، لابد وأن نذكر أن هناك قانونا يسمى “بقانون البيئة” وهو ما يحمل  رقم 4 لسنة 1994 بإصدار قانون في شأن البيئة والمعدل بالقانون رقم 9 لسنة 2009، والذي قد وردت به العديد من العقوبات المتراوحة ما بين الغرامة والحبس كنتيجة للأفعال الملوثة للبيئة، والتي من الواجب أن يقوم جهاز شئون البيئة بمراقبة المحاضر لقياس كم الانبعاثات ومدى توافقها واختلافها مع قانون البيئة ولائحته التنفيذية، ولكن لا توجد أدنى شفافية في نشر تقارير هذا الجهاز على الرغم من أهميتها، وفي غالب الأحيان لا تتم مراقبته إلا بناء على تحركات من أهالي أي منطقة منكوبة، كل هذا بخلاف ما تضمنه الدستور المصري الأخير من حرص نظري على البيئة النظيفة في العديد من المواد، هذا بخلاف ما انضمت إليه مصر من اتفاقيات دولية وإقليمية في هذا الشأن، وأيضا ما ورد في قوانين أخرى معنية بذات الأمر مثل قانون حماية نهر النيل، وقانون المحليات، وقانون النظافة العامة.

لكن الواقع في الحياة يرى عكس كل هذه المدونات التشريعية، إذ إن في مصر لم تزل قضايا البيئة من القضايا العالقة عن التدخلات الجادة، بما يضمن ولو لحد ما بيئة صحية، فعلى سبيل المثال لم تزل تلوثات مصنع تيتان والتلوث الهوائي الناتج عن أدخنة مصانع الأسمنت تصيب المواطنين في المناطق السكنية بالأمراض، خصوصا الأمراض الصدرية، كما لم تزل مشكلة التلوث المائي في دمياط أو بورسعيد كما هي والتي تتلخص في صب مخلفات المصانع في البحر أو في النيل، فهل تدرك السلطات النتائج المترتبة على مستوى هذا التلوث البيئي، وبشكل خاص على صحة المواطنين، وهل موازنة الدولة ذات مقدرة لتحمل تكلفة علاج  الأمراض الناجمة عن هذه المخلفات البيئية، في وقت تشتكي فيه الدولة من تراكم الديون، وتطالب المواطنين بالتقشف لعبور الأزمة الاقتصادية، وهي بسلطاتها تدعم الأزمة البيئية وما يترتب عليها من مشكلات في قطاعات جغرافية تنال عموم البلاد، ويترتب عليها تحمل الخزانة العامة لمبالغ إضافية للمساعدة في علاج أمراض التلوث البيئي، هذا بالإضافة إلى ما يسببه التلوث من آثار على الأراضي الزراعية، بحسبه أحد أسباب تصحرها، هذا بخلاف المشكلة التقليدية للمخلفات اليومية “القمامة” والتي صارت من أهم معالم المدن الكبرى في مصر، على الرغم من سهولة حلها والسيطرة عليها ، بل واعتبارها من مصادر الدخل وذلك بإعادة تدوير هذه المخلفات.

ولعلنا نضيف للمعنى بيتا جديدا إذا ما تحدثنا عن قطع الأشجار في الشوارع واستبدالها بالخرسانات القبيحة، وقد تم ذلك في حي مصر الجديدة، كما تم مؤخرا أمام جامعة طنطا، كل هذه المشاكل أو الظواهر البيئية متواجدة بالحياة المصرية منذ سنوات طويلة، ولكنها لم تجد من يأخذ طريقا للحل أو السعي للتقليل منها، في نفس الوقت الذي تنعي فيه مصر اقتصادها لا تسعى لحل مشكلة ذات أثر فاعل على المستوى الاقتصادي بشكل عام، وبرغم وجود ما يسمى بقانون البيئة إلا أنه لا أثر له في الحياة البيئية إلا ما تحرره شرطة المرور من بعض المخالفات للسيارات تحت هذا المسمى، ولكن في باقي القطاعات، وخصوصا القطاعات الصناعية، لكونها هي القطاعات ذات الأثر بالغ الخطورة من حيث ما تسببه المصانع من تلوث دون ضابط.

إذن فلدينا في الحياة الواقعية في مصر ملوثات على كافة المستويات البيئية، سواء كانت مائية أو هوائية، أو حتى تلك المتعلقة بالتربة، وما أجدت القوانين والاتفاقيت وما أوجدت حلاً في ظل عدم توجه السياسات السلطوية نحو تنفيذ فحوى النصوص القانونية، سواء كانت داخلية أو دولية، فالأمر مرجعه النهائي في مثل هذه القضايا هو فيما تتخذه السلطات من أفعال وممارسات نحو إيجاد سبل حل لمثل هذه القضايا الشائكة، وخصوصا ما يتعلق منها بممارسة رؤوس الأموال، التي تسعى الدولة نحو استقطابها عن طريق منحها العديد من التسهيلات، لكن لابد من أن تقف تلك التسهيلات عند حد منع الجرائم البيئية التي تعاقب عليها التشريعات، والتي تسبب تأثيرا مباشرا على الحياة بشكل كامل، ولا تكون النصوص مجرد أحبار على أوراق.

وأذكر على سبيل المثال أن هناك العديد من الدول تتجه نحو التشجير على الطرق وفي الشوارع الداخلية، بهدف زيادة مساحات أو كميات الأكسجين في المناطق السكنية، وربما يصل الأمر إلى حد إلزام أصحاب المصانع والشركات بذلك حفاظا على بيئة صحية، أو دعما لسبل حل مشكلات التلوث، ولا تتجه أبدا لقطع الأشجار المتواجدة أصلاً، كما تتجه على نقل المصانع ذات الملوثات إلى الأماكن غير السكنية أو البعيدة عن الازدحام والتكتظ السكاني، لكن لا يمكن أن يكون هناك نمط حضاري متمثل في قطع الأشجار، أو عدم وجود مساحات خضراء بداخل المدن السكنية.

وكما قال الشاعر الراحل أمل نقل في قصيدته “كلمات اسبارتكوس الأخيرة”: لكنني أوصيك إن تشأ شنق الجميع، أن ترحم الشجر/ لا تقطع الجذوع كي تنصبها مشانق / فربما يأتي الربيع، والعام عام جوع/ فلن تشم في الفروع نكهة الثمر/ وربما يمر في البلاد الصيف الخطر/ فتقطع الصحراء باحثا عن الظلال/ فلا ترى سوى الهجير والرمال والهجير والرمال.