أعلن الاتحاد الأوروبي عزمه توقيع جملة من العقوبات على إيران بعد تزويد روسيا بمسيّرات “شاهد” في حربها الدائرة في أوكرانيا. حيث أطلقت روسيا أكثر من 100 مسيّرة إيرانية ضد عدد من الأهداف الأوكرانية منذ أوائل سبتمبر/آيلول الماضي. وفي الوقت نفسه، كشف وزير الدفاع الأوكراني “أوليكسي ريزنيكوف” في 29 يونيو/حزيران الماضي، أن بلاده تلقت 50 مسيّرة تركية منذ بداية الغزو الروسي في 24 فبراير/شباط 2022. ورغم لجوء طرفي الحرب للطائرات غير المأهولة من دول أجنبية، إلا أن موقف الغرب تجاه إيران يحمل تعقيدا بالغا، وهو ما قد يدفع طهران إلى الاقتراب من موسكو أو يزيد من تضاؤل الآمال في إحياء الاتفاق النووي الإيراني.

يأتي هذا في ظل تحركات تركية، لبيع المزيد من ذات السلاح -المسيّرات- إلى الطرف الآخر في الحرب (أوكرانيا). ورغم العلاقات الجيدة بين أنقرة وموسكو، إلا أن الرئيس التركي قرر بيع المسيرات “بيرقدار” إلى كييف، والتي كان لها دور كبير في تكبد القوات الروسية خسائر وصلت إلى عشرات الملايين من الدولارات في العتاد والسلاح. الأمر الذي دفع المراقبين إلى اعتبار أنقرة وطهران الطرفين الأكثر استفادة من الحرب الدائرة في أوراسيا (أي منطقة التماس الأوروبي الآسيوي) حتى الآن.

اقرأ أيضا.. مسيّرات طهران لروسيا تعيد تشكيل المشهد الدولي.. القيود والآفاق

إيران.. جملة فوائد

طائرة بدون طيار إيرانية الصنع

يقف خلف دعم إيران لروسيا في حربها ضد أوكرانيا، طموحات نظام الملالي (رجال الدين)، الذي يسعى لتفكيك “النسق العالمي” الذي أرسته الولايات المتحدة الأمريكية. إذ تؤمن إيران بأن انتصار روسيا في الحرب سيضمن لها المزيد من النفوذ في المنطقة. حيث تقاوم إيران النفوذ الأمريكي من خلال الحفاظ على شراكات مع مجموعة متنوعة من الوكلاء والميليشيات في الشرق الأوسط (حزب الله في لبنان والمليشيات العراقية الشيعية والحوثيين في اليمن). كما أنها تقدم لهم الأسلحة والتدريب والأموال، بهدف تقويض المصالح الأمريكية. بالإضافة إلى الالتفاف على العقوبات المفروضة على طهران، لذا ترى إيران في الحرب الأوكرانية فرصة لتهديد الهيمنة الأمريكية.

من ناحية أخرى، فإن التعاون بين طهران وموسكو، ليس الأول، حيث يتمتع البلدان بشراكات قوية. فالبلدان يستعدان لتوقيع اتفاقية تعاون طويلة المدى في نهاية العام الجاري 2022. ومنذ بداية الحرب في أوكرانيا، دعمت إيران روسيا بالمسيّرات الجوية الإيرانية غير المأهولة. كما قدمت التدريب الفني للعديد من الضباط الروس على أرضها في يوليو/تموز على عمليات الطائرات بدون طيار الإيرانية “شهيد- 129″ و”شهيد- 191”.

ومنذ حصول روسيا على الطائرات الإيرانية بدون طيار، أطلقت أكثر من 100 طائرة إيرانية من طراز “شاهد -136″ و”مهاجر -6” ذت المهام الهجومية والاستطلاعية في أكثر من 12 طلعة ضد مجموعة كبيرة من الأهداف، منها القوات الخاصة الأوكرانية، ووحدات المدرعات والمدفعية، والدفاع الجوي ومرافق الوقود، ومرافق التخزين، والبنية التحتية العسكرية والطاقة.

مسيرات إيرانية الصنع

من ناحية ثانية تمنح الحرب الروسية والنتائج التي حققتها المسيّرات الإيرانية، فرصة كبيرة لطهران لتعزيز صناعة الأسلحة. إذ إن تحول ثاني أكبر مصدر للأسلحة في العالم إلى مستورد للأسلحة الإيرانية، يشير إلى فاعلية السلاح الإيراني. كما يضفي الشرعية على صناعة الأسلحة في طهران، ويضعها على قائمة مصدري الدرونز “أي المسيرات” عالميا. بجانب تكلفتها المنخفضة البالغة 20 ألف دولار.

ويفتح توسع الحرب الروسية في أوكرانيا المجال أمام روسيا لمواجهة الأسلحة التي تقدمها الولايات المتحدة، أيضا توفر الدرونز الإيرانية لموسكو استجابة فعالة. كما تعمل على إدراج نهج إيران القائم على مواجهة حربية بأسلحة منخفضة السعر ضمن تكتيكات الحروب.

تركيا..أهداف متنوعة

تتمتع روسيا وتركيا بعلاقة معقدة، فروسيا شريك تجاري رئيسي لتركيا. كما تشرف روسيا على بناء أول محطة للطاقة النووية في تركيا. لكن مع قيام الحرب الروسية، اتخذت أنقرة موقفا محيادا بالإضافة إلى إرسال مسيّرات “بيرقدار” إلى أوكرانيا.

المسيرات التركية

في 26 سبتمبر/آيلول الماضي، أعلنت تركيا أنها مستعدة لتزويد اليابان بطائرات بدون طيار، كما أعربت ماليزيا وإندونيسيا عن رغبتهما بالحصول على الدرونز التركية. الأمر شكّل أيضا انتصارا واسعا لصناعة الأسلحة التركية مدفوعا بالحرب الروسية الأوكرانية. فمنذ بدء الغزو الروسي، تم توفير أكثر من 50 طائرة بدون طيار من طراز Bayraktar TB2 لصالح أوكرانيا. كما تمكنت الدرونز التركية من تدمير ما قيمته 26 مليون دولار من الأصول العسكرية الروسية في 3 أيام.

تحاول تركيا السيطرة على حروب القرن الـ21، بداية من دور طائرات TB2 وهو ما تجلى في الحرب الليبية عندما دعمت أنقرة حكومة فايز السراج. كذلك في عام 2020، هاجمت أذربيجان مقاطعة ناجورنو كاراباخ المتنازع عليها مع أرمينيا باستخدام TB2s. أيضا لجأت قيرغيزستان إلى “البيرقدار” التركية بهدف تغيير قواعد الاشتباكات المستمرة مع طاجيكستان حول المناطق الحدودية المتنازع عليها.

من ناحيته حافظ الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” على علاقات ودية مع روسيا وأوكرانيا لسنوات. لكن مع بدء الحرب، أدانت تركيا الغزو الروسي دون أن تنضم إلى العقوبات الغربية. كما تطور دورها في الحرب حيث تعتبر تركيا الدولة الوحيدة من دول الناتو التي لازالت تحتفظ بعلاقات مع روسيا. كما قادت جهود الوساطة لفتح ممرات الحبوب بين روسيا وأوكرانيا.

لكن غزو موسكو أظهر طموحات “أردوغان” في الاستفادة من كافة الأطراف، ومنذ اليوم الخامس من غزو موسكو لأوكرانيا، كرر أردوغان أن تركيا لا يمكنها التخلي عن علاقاتها مع روسيا أو أوكرانيا معا. وفي الوقت ذاته، تقود أوكرانيا الحرب بدرونز تركية، لكن يبدو الرئيس التركي متوخيا للحذر من نشوء قناعة باحتمالية تحالفه من “بوتين” ما قد يعرض بلاده  لعقوبات غربية لا يتحملها الاقتصاد التركي في الفترة الراهنة.

الرئيس التركي يوقع على إحدى المسيرات

في عام 2017، أغضبت تركيا حلفاءها في الناتو عندما حصلت على منظومة الدفاع الروسية S-400، ما أدى إلى وقوعها تحت طائلة العقوبات الأمريكية. لذا تحاول تركيا استغلال الفرصة لتعويض الأضرار التي تعرضت لها في السنوات الماضية من حيث التهميش والضغط السياسي، والرغبة في الحصول على النفوذ الدولي مرة أخرى.

وأعلن الرئيس التركي أردوغان منذ أيام أن تركيا قد تلجأ إلى روسيا إذا أوقفت الولايات المتحدة مبيعات مقاتلات “F-16”. ومن هنا تبدو النوايا التركية الحقيقة وراء دعم أوكرانيا في الحرب. حيث تم طرد تركيا من برنامج الطائرات “F-16” في عام 2019. لكن مع تحسن العلاقات الأمريكية التركية ردًا على الغزو الروسي لأوكرانيا، أخبر الرئيس الأمريكي جو بايدن أردوغان في يونيو/حزيران أنه سيدعم بيع طائرات “F-16” الأقل تقدما.

دلالات دولية

نتيجة اختلاف الموقف الدولي في تعاطيه مع الاستراتيجية الروسية والأوكرانية، ورغم لجوء كلا الدولتين لنفس الأداة وهي المسيّرات أو “الدرونز” فإنه يمكن تبين الآتي:

مسيرة أمريكية الصنع

أحدثت الطائرات بدون طيار خاصة قليلة التكلفة، ثورة في الصراعات المسلحة، وبينها الحرب الروسية في أوكرانيا. حيث نجحت روسيا في ضرب أهداف عسكرية أوكرانية ثابتة. وفقا لبيان من وكالة الأنباء المركزية CNA، فإن الدعم الإيراني لروسيا وضع الأوكرانيين في موقف دفاعي، لأنه كشف لوجستياتهم، وخطوط إمدادهم، واتصالاتهم، ومستودعاتهم، وبنيتهم التحتية أمام الأسلحة الروسية.

بجانب الحرب الروسية، نفذت درونز “البيرقدار” حتى الآن أكثر من 800 هجوم في نزاعات من شمال إفريقيا إلى القوقاز. ما يمثل ثورة عملية كبيرة في كيفية خوض الحروب في الوقت الحالي. كما تدفع التكلفة المنخفضة وتعدد المهام التي تتمكن منها الدرونز نحو سيولة الحروب وتنفيذ عمليات خاطفة ذات أهداف محددة، ويروج لشركات الأسلحة في التوسع والمنافسة في صناعة الدرونز.

يستعد الاتحاد الأوروبي لفرض عقوبات على إيران لتزويدها روسيا بطائرات بدون طيار في حربها ضد أوكرانيا، حيث وضع المسؤولون قائمة بالأفراد والكيانات المستهدفة، ومع استمرار الهجمات، تحظى العقوبات بدعم دولي واسع. كما أعلن الأمين العام لحلف الناتو “ينس ستولتنبرج” أن الحلف سيرسل معدات تشويش بطائرات بدون طيار إلى أوكرانيا.

ومن المتوقع أن تستهدف العقوبات الاتفاق النووي المنتظر فيما يخص إيران، وذلك في الوقت الذي ارتفعت فيه مكانة تركيا دوليا وحصدت المزيد من الامتيازات لدعمها أوكرانيا في الحرب ضد روسيا عسكريا. حيث يتجاهل الغرب دور تركيا في إطالة فترة الحرب من خلال تزويد أوكرانيا بالسلاح. ما يكشف عمق الخلاف مع إيران وزيف الادعاءات الغربية بمراعاة الشفافية والنزاهة، حيث يتم توظيف العقوبات بما يخدم المصالح الغربية.