لفتت آلية اعتماد الزعماء العرب لمواقف متزنة بين روسيا والغرب أنظار وسائل الإعلام والمحللين ومراكز الأبحاث. ففي الوقت الذي وقف فيه ممثلو الدول العربية في الجمعية العامة للأمم المتحدة ليصوتوا مع قرار أممي بإدانة روسيا، قام نفس الزعماء بإصدار بيانات لا تساند فقط المملكة العربية السعودية بشأن موقفها في “أوبك+” حول تخفيض الإنتاج، بل وأيضا ضد الإعلانات الأمريكية بإمكانية فرض عقوبات ما على الرياض، وهو الأمر الذي يجري النفخ فيه إعلاميا وسياسيا لدق المزيد من الأسافين بين السعودية والولايات المتحدة من جهة، وإبعاد الرأي العام العربي عن المواقف الحقيقية لهؤلاء الزعماء بشأن الأزمة الأوكرانية نفسها والغزو الروسي لأراضي أوكرانيا من جهة أخرى.
الأمر الآخر، هو ما يتم الترويج له بشأن موقف الرياض حاليا، ومعها بطبيعة الحال كل القيادات والعواصم العربية، من ضعف واشنطن وبروكسل، واحتمال تكرار ما حدث للاتحاد السوفيتي مع كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. بل وذهب البعض إلى القول بأن السعودية تلعب الآن مع الولايات المتحدة، في أوكرانيا، نفس الدور الذي لعبته هي والدول العربية الأخرى مع الاتحاد السوفيتي في أفغانستان.
الأمر الثالث يتعلق باختيارات العرب التاريخية منذ الحرب العالمية الثانية عندما انحازوا لهتلر. ومن أجل الموضوعية، فهم لهم أسبابهم التي عادة ما تتعلق إما بقضايا قصيرة النظر أو بأزمات هم السبب فيها، أو بمشاكل وهمية أو تضليلية يطرحونها كحقائق وكأمر واقع ويصورونها على أنها الحقيقة.
الأمر الرابع يدعونا لمراجعة التصريحات السياسية المهمة التي يدلي بها الملياردير الأمريكي إيلون ماسك بشأن الحرب في أوكرانيا وعلاقته بالبنتاجون وبتوفير وسائل الاتصال العسكرية والمدنية في كل من إيران وأوكرانيا. فإيلون ماسك أحد أفراد النخبة الرأسمالية العالمية مع جورج سوروس وبيل جيتس وبقية المجموعة التي تمثل قاطرة المنظومة في مرحلة النيوليبرالية، والتي تهاجم المنظومة الرأسمالية الحالية وترى أنها باتت متخلفة ومحكوما عليها بالانهيار. وإذا حاولنا فهم تصريحاتهم وتحركاتهم بشكل صحيح وفي سياقاتها الواقعية، وبحكم أنها صادرة من النخبة التي ترى أن المنظومة الرأسمالية صارت قديمة ومتهالكة، سنفهم لماذا جاء ترامب إلى السلطة ولم يستمر لفترة حكم ثانية، وكيف تم استثمار فيروس كورونا ويتم حاليا استثمار الحرب الروسية الأوكرانية. وسنفهم أيضا حالة الارتباك الحاصلة في منطقة الخليج.
قد تكون الصين هي الدولة الوحيدة الأكثر ثباتا ورسوخا وهدوءا في التعامل مع ما وراء هذه التصريحات والتحركات وتجلياتها فيما جرى أثناء جائحة كورونا وخلال الحرب الروسية الأوكرانية. ولكن علينا أن نلاحظ هنا أن الصين ستنضم فقط إلى المرتبكين والسذج والمهرولين والحمقى إذا وقعت في فخ الأسافين الروسية وتهورت في مغامرات وارتكاب أخطاء قاتلة.
لكن بكين لا تزال على البر، بينما وقعت موسكو في الفخ بنتيجة أخطاء مفاهيمية وسياسية تاريخية. ويبدو أن المشكلة ليست في الأنظمة السياسية الغربية، وإنما في ترتيبات القاطرة العقائدية للنيوليبرالية ونخبتها التي لا تكل ولا تمل من محاولات إعادة ترتيب العالم.
ترامب في ميزان النظام العالمي الجديد
يبدو أن تجربة “النخبة الرأسمالية العالمية” مع دونالد ترامب جاءت مبكرة بعض الشيء عن موعدها المناسب. هذه النخبة، وعلى رأسها جورج سوروس شخصيا، ترى منذ مطلع الألفية الثالثة أن المنظومة الرأسمالية أصبحت متخلفة ومهترئة ومليئة بالعيوب والنواقص. ورأى منظرو النخبة أن المسافة تتسع بين النخبة- القاطرة- وبين المنظومة التي تعاني من مشاكل بنيوية وعقائدية يجب التخلص منها لتحديث المنظومة والانتقال إلى مستوى أعلى من المرحلة “النيوليبرالية” أو بالأحرى في “العملية النيوليبرالية” المرتبطة ارتباطا عضويا بـ:
– التقدم التقني الرقمي.
– صناعة التقنيات الرفيعة.
– امتلاك الأصول وحقوق الملكية الفكرية.
– تغيير مفهوم “الأسواق” وتحويله إلى مفهوم جيوسياسي- جيواقتصادي أوسع، وهو مفهوم “المناطق” من أجل تنظيم عملية تصريف التراكمات المالية وفوائض القيمة، إذ إن الغرب أصبح متخما بهذه التراكمات.
كان لابد من تجربة الأمر والمجيء برئيس من “عيار” دونالد ترامب لا يعي هو نفسه النقاط الأربع المهمة أعلاه، بقدر ما يعني ذاته “الرأسمالية” المتفردة، وطموحاته اليمينية المتطرفة التي تصب في العزلة والاستعلاء وامتلاك المفاتيح. ومن ثم يبدأ بمراجعة كافة الاتفاقيات والمعاهدات الدولية وتجميد بعضها والخروج منها من طرف واحد والتخلي عن العديد من المنظمات والمؤسسات التي تم تشكيلها بعد الحرب العالمية الثانية، أو بعد هزيمة الاتحاد السوفيتي وانهياره.. أي ببساطة محاولة الانسحاب من النظام العالمي القائم عبر “صدمات” و”مفاجآت” و”قرارات غير مبررة وغير مقنعة”.
هنا لابد من التوقف قليلا لتوضيح عبارة “المجيء برئيس من عيار دونالد ترامب”.. فالنخب الرأسمالية العالمية المتنفذة لا تأتي بالرؤساء بالشكل المباشر والمبتذل، وإنما تقوم بتهيئة الأجواء والتلاعب بموازين القوى وتأسيس أمر واقع يسمح بدفع هذا المرشح أو ذاك. وذلك عبر ما تمتلك من نفوذ وتأثير مالي وإعلامي وسياسي ولوبيات لتشكيل وهندسة الرأي العام. ولا يخفى علينا المفاجآت المذهلة التي رافقت الحملة الانتخابية لترامب وعدم رضاء قطاعات من الجمهوريين أنفسهم عن ترشيحه، إضافة إلى تصويت ذوي الياقات الزرقاء والحمراء لصالحه. ويمكن مراجعة مسارات تلك الحملة الانتخابية المذهلة التي كانت شبه استثنائية في تاريخ الولايات المتحدة.
غير أن إدارة ترامب كانت أكثر رعونة ومراهقة وتسرعا، وغير واعية بالضبط للأهداف الحقيقية التي تسعى النخبة الرأسمالية (القاطرة الفكرية والعقائدية) لتحقيقها من أجل إعادة ترتيب العالم في شكل يشبه نظام عالمي جديد، أو على الأقل وضع مقدمات مقنعة ومتماسكة لنظام عالمي جديد. هذا الأمر التقى مع مجموعة متفرقة من الاحداث في تركيا والشرق الأوسط ومنطقة الخليج، ومع طموحات لكل من الصين وروسيا تتعلق تحديدا بشروط تحسين وضع كل منهما في سياق المنظومة الرأسمالية العالمية. والمثير، أن إدارة دونالد ترامب لم يكن لديها حتى الحد الأدنى من فهم طبيعة الدولة الأمريكية ورسالتها (بصرف النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا مع هذه الرسالة)، وبدلا من العمل وفق المصالح الأمريكية الكونية، حاول ترامب تقليد زعماء العالم الثالث وقادة دول الغبار البشري، وسعى إلى تغيير طبيعة الدولة وهويتها وأولوياتها وفق رؤى انعزالية وتقوقعية، بل ووصل إلى التلميح بإمكانية تغيير مواد دستورية تمثل جوهر بنية الدولة وأسس المعجزة الأمريكية من حيث الحريات والمأسسة وكل القيم والمعايير التي تقطع دابر “الفساد السياسي” بكل ما يندرج تحته من تهديدات لبنية الدولة بمفهوميها السياسي والاجتماعي. ومن حسن حظ الولايات المتحدة أنها، كمؤسسة، استطاعت أن تحافظ على نفسها في مواجهة هذه التجربة التي كادت تعصف بها. وربما هذا ما يفسر لنا بعض أوجه إعجاب قادة وزعماء الأنظمة الاستبدادية بشخصية ترامب من أمثال روسيا والصين وكوريا الشمالية والشرق الأوسط.
كان لابد وأن تفشل إدارة ترامب، وتفشل مساعي (تجربة) النخبة الرأسمالية العالمية بنتيجة ما ورد أعلاه، ولأسباب أخرى مرتبطة بتحولات نوعية في مناطق الشرق الأوسط ودول الخليج وتركيا، وفي كل من روسيا والصين تحديدا. وبالتالي، لم يكن غريبا أن تسارع روسيا لتستبق الصين وبقية المناطق من أجل تحسين شروط وضعها حتى وإن كان ذلك بهدم القانون الدولي واحتلال أراضي دولة أخرى، والتهديد باستخدام الأسلحة النووية، معولة في ذلك على نفاق الغرب بمكوناته الثلاثة (الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلف الناتو)، ومعولة أيضا على فكرة أن أي خلافات أو حروب تنتهي دوما بالمفاوضات، وأن الامر يعتمد على “طول النفس”، والسعي إلى عملية استقطاب يجري التحضير لها ربما منذ عام 2003 في الكرملين. وقد ظهرت نتائجها بداية من عام 2013، حيث بدأت بضم شبه جزيرة القرم، ثم مساندة أردوغان في مواجهة احتجاجات يونيو 2013، ثم نشر قواتها في سوريا، ثم مساعدة أردوغان مجددا في مواجهة الانقلاب. واستخدمت موسكو كل ما تملكه من معلومات لدق الأسافين بين أردوغان والغرب، وبين دول الخليج والغرب، والضغط مع تركيا على دول شمال أفريقيا. وبالفعل نجحت موسكو في استغلال “الثغرة الترامبية” أو فشل تجربة النخب الرأسمالية العالمية، وبدأت بتفعيل سلاح الطاقة، والتهديد بالأسلحة النووية، واستقطاب مناطق مثل تركيا ودول الخليج (باستخدام العصا والجزرة وكافة الضغوط الأخرى، إضافة إلى المعلومات الاستخباراتية لدق الأسافين بينها وبين الغرب).
في انتظار “جودو”- ترامب
من الواضح أن إدارة الرئيس جو بايدن لن تتمكن من لملمة الأمور في فترتها الرئاسية الأولى. وحتى إذا فاز بايدن بفترة رئاسية ثانية، أو جاء الديمقراطيون بأي رئيس آخر، فلن يتمكنوا من ضبط الأمور، لأن السياسية الكبرى لا يمكن أن تعود إلى الوراء. بل وحتى إذا جاء الجمهوريون فلن يتمكنوا من مواصلة خط دونالد ترامب، لأن النخبة الرأسمالية أدركت أن الأمر كان مبكرا بعض الشيء، وأن تكرار تجربة ترامب الآن أو خلال السنوات الخمس عشرة المقبلة سيكون محفوفا بالمخاطر. ومع كل ذلك، فلن تعود الأمور إلى ما كانت عليه. وعلى الولايات المتحدة أن تبحث عن حلول أخرى جديدة تماما، من خارج الصندوق. علما بأن الولايات المتحدة لن تسقط أو تنهار، ولن ينهار الاتحاد الأوروبي. ربما تجري تحولات ما في بنية حلف الناتو وتركيبته، ولكنه لن ينهار، بل على العكس سيكتسب زخما جديدا، وربما بدون تركيا تحديدا. وهذه مسألة وقت لا أكثر. ومن ثم ستحدث تحولات أيضا في علاقات روسيا مع تركيا. لكن الصين ستأخذ مسارا آخر أكثر عقلانية ومسؤولية وإدراكا لعمق التحولات العالمية، وستحتل مرتبة مهمة للغاية، ولكن ليس بدون التوافق مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. وسيكون ذلك اختيارا مهما سيقلب الكثير من التوقعات والمعايير.
تبقى فقط الإشارة إلى أن التحولات التي تجري حاليا في منطقة الخليج، هي بسبب أخطاء إدارة دونالد ترامب ورعونتها وتصرفاتها الحمقاء. ولكن هذا لا يمكن أن يكون مبررا على الإطلاق للانزياح نحو روسيا بهذا الشكل الاستعراضي المبالغ فيه، سواء من وسائل الإعلام أو من النخب السياسية الروسية التي باتت تعتمد سياسة “كيد النسا”. وفي الحقيقة، فجيل زعماء الخليج الحالي في كل من السعودية والإمارات وقطر سيربح الجولة، أو على الأقل سيساهم في الإضرار ببعض المصالح الأمريكية. ولكن الأجيال التي ستليه مباشرة، ستعود مجددا إلى أحضان واشنطن وبشروط جديدة، وسينسى الطرفان ما حدث، بينما ستزداد عزلة روسيا، وستتأخر بمعدل عشرين أو ثلاثين سنة تقنيا واقتصاديا، بينما سيظل الحوار بين الصين والغرب قائما على اعتبار أن الطرفين يضمان دولا مسؤولة في سياق رأسمالي- نيوليبرالي يقود العالم الجديد.
هناك الكثير من المحاور والسياقات التي تحتاج إلى تفكير عميق وصياغات أكثر دقة، وخاصة فيما يتعلق بمستقبل الجيل الخليجي الذي يحكم حاليا، وإمكانية أن تكون روسيا البوتينية القومية قادرة على حمايته وحماية أنظمته السياسية! وهل روسيا البوتينية القومية فعلا تستطيع أو ترغب في ذلك؟! وماذا ستكون عليه المعادلة الخليجية- الإيرانية في ظل الحضور الروسي أو البديل الروسي؟! وما هو وضع تركيا- ذلك الحصان الأسود الذي يربح من كل حركة ويحافظ على العديد من الأوراق الرابحة في كافة الاتجاهات؟! وما هو حال مصر التي تعاني الكثير من المشاكل والأزمات، سواء الاقتصادية أو السياسية والقانونية والبنيوية، أو “العقائدية” المتعلقة بالسياسة الخارجية، وصياغة توجهاتها نحو أوروبا وإفريقيا ومنطقة الخليج وشمال إفريقيا والولايات المتحدة! والخطير بالنسبة لمصر أن كافة الأوراق الرابحة في يدها تتحول إلى أوراق ضدها وضد مصالحها، ولا أحد يعرف السبب بالضبط: هل هو في طبيعة النظام السياسي الحاكم نفسه، أم في طبيعة المنظومتين الإدارية والسياسية اللتين تصران على اعتماد نسق سياسي وقانوني واقتصادي محافظ، وتسليم كافة الأوراق الرابحة إلى الجيل الخليجي الحاكم حاليا، أو محاولات الوقوف كمتفرج، واعتماد سياسات مرتعدة ومعادية لأي تجديد حقيقي.
العلاقات العربية الروسية ودلالات التصويت في الشأن الأوكراني
وقفت دولة عربية واحدة فقط من كل الدول العربية إلى جانب روسيا بشأن ضم أراضي أوكرانيا ورفضت القرار الأممي بإدانة موسكو، وهذه الدولة هي دولة سوريا. وهناك دولتان فقط امتنعتا عن إدانة روسيا هما السودان والجزائر. أما بقية الدول العربية فقد وافقت على القرار الأممي بإدانة روسيا.
ربما يكون من غير المفيد الآن تضخيم الخلافات بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية والنفخ في بالون لا قيمة له، لأن العلاقات الأمريكية- السعودية أوسع وأعمق بكثير من البروباجندا التي تنتهجها بعض الأجنحة داخل الإدارة الأمريكية الحالية. وفي الحقيقة هناك أطراف تنفخ في هذا البالون، على راسها النخبة الحاكمة الروسية، والمجموعات الداعمة لدونالد ترامب، واليمن المتطرف، والقوميون في الشرق الأوسط!
كما أن موضوع “أوبك+” ليس موضوعا رئيسيا أو حيويا. قد يكون مهما ومؤثرا، ولكنه ليس مؤثرا بهذه الدرجة القاتلة التي تسمح بهدم العلاقات الأمريكية- السعودية. ولكن الآلة الدعائية الروسية والعربية واليمين المتطرف في أوروبا يحاولان إثارة حالة من الهياج غير المبرر لإبعاد الأنظار عن الواقع الآني في العلاقات الدولية ومحاولات روسيا هدم النظام الدولي أو تحسين شروط وجودها في داخل المنظومة الرأسمالية.
وبالتالي، فحملات وسائل الإعلام، والاستغراق في تفسير أحضان الرئيس بوتين لسمو ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، أو توزيع بوتين ملابسه على القادة العرب، وابتساماته أثناء لقاءاته مع سمو أمير قطر، لا تعني أي شيء ولا قيمة لها إلا لدى وسائل الإعلام التي تلعب دور الأبواق الدعائية. إن أحضان بوتين وابتساماته وملابسه لا قيمة لها إطلاقا، لأنها تشبه الحيلة الكلاسيكية القديمة التي يلجأ إليها ضابط الأمن وعملاء الاستخبارات، على سبيل المثال، لإثارة الشبهات حول شخص ما، وذلك بأن يظهروا معه في مقهى أو كازينو أو يجلسوا ليتناولوا الغداء ويتبادلوا النكات معه في مكان عام، لكي يثيروا الشبهات حوله! هذا يحدث في السينما وفي الواقع. ولكن المصالح هي التي تحدد بوصلة الحركة.
إن الأجيال الجديدة الحاكمة في منطقة الخليج (السعودية والإمارات وقطر) لم تدخل التجربة بعد، ولا تعرف الكثير مما يعرفه آباؤها المؤسسون. أما الرئيس بوتين ورغم تأثيره المهم، ورغم النووي الذي يملكه، إلا أن هذا الرئيس تحديدا مرتبط بعامل “الوقت” وليس مرتبطا إطلاقا لا بمؤسسة ولا بمنظومة ولا بأيديولوجية، ولا برأي عام داخلي حقيقي… وبمجرد أن يلعب الوقت دوره، ستعود الأمور إلى ما كانت عليه، ولكن للأسف الشديد لن تعود روسيا إلى ما كانت عليه، وستدفع ثمنا باهظا لسنوات طويلة.
الدال هنا، أن دول مجموعة “بريكس” التي تضم الهند والصين وروسيا وجنوب إفريقيا والبرازيل، كان تصويتها خطيرا للغاية، حيث لم تدعم الصين والهند وجنوب إفريقيا الخطوات الروسية لضم أراضي أوكرانيا، بينما أدانتها البرازيل. أما دول منظمة معاهدة الأمن الجماعي التي تضم أرمينيا وروسيا وبيلاروس وكازاخستان وطاجيكستان وقيرغيزستان، لم تدعم أيضا ضم روسيا أراضي أوكرانيا، ما عدا بيلاروس التي أعلنت دعمها وتأييدها!
والأكثر دلالة، حيث عقد الرئيس بوتين في 14 أكتوبر 2022 لقاءات قمة في كازاخستان مع رؤساء بلدان ما يسمى بـ “رابطة الدول المستقلة” والتي تضم روسيا وأرمينيا وأذربيجان وطاجيكستان وقيرغيزستان وكازاخستان وأوزبكستان وبيلاروس، أن بيلاروس دعمت روسيا بشأن ضم الأراضي الأوكرانية، بينما أدانتها أذربيجان مثلا.. لكن بقية الدول لم تدعمها وامتنعت عن التصويت!
في كل الأحوال، نجد أن 4 دول فقط (كوريا الشمالية وسوريا وبيلاروس ونيكاراجوا) هي التي أعلنت دعم روسيا في ضم الأراضي الأوكرانية، بينما امتنعت 35 دولة عن التصويت… فيما أعلنت 143 دولة وبأغلبية ساحقة إدانتها الواضحة والصريحة والمباشرة!