“رغم أن الأزمات الاقتصادية هي أكثر ما يشغل اهتمامات الناس الآن فإن أطروحات الإصلاحات السياسية في الحوار الوطني هي التي تقود عملية التغيير. وذلك باختيار ممثلين حقيقيين في المجالس المنتخبة بنزاهة. ذلك هو الضمان الحقيقي لشعور الشعب بأن مستقبله في أمان واستقرار”.

هكذا لخص محمد عبد الغني -مقرر لجنة الحقوق السياسية والنيابية في الحوار الوطني رؤيته للخروج من الأزمة. معتبرا أن الحوار فرصة لتحقيق ذلك. خاصة إن نجح في وضع حلول لتمكين إرادة الشعب وتحويل السياسات لما يخدمه.

وأكد “عبد الغني” -عضو البرلمان السابق- في حوار لـ”مصر 360″ أن مسألة حل مجلس النواب ليست من صلاحيات الحوار الوطني. والذي يقتصر دوره على تقديم توصيات. بينما القرار السياسي في يد رئيس الجمهورية.

وإلى نص الحوار..

**هل تتوقع أن يقدم الحوار الوطني أطروحات للخروج من الأزمات الراهنة في مصر؟

ـ أي حوار سياسي يكون غرضه التغيير والإصلاح والعمل على بث الأمل وتضافر فكرة العمل المشترك بين توجهات مختلفة. على أن يتاح فيها لكل من لديه فكرة لخدمة الوطن أن يقدمها ليخرج منتج يتم التوافق عليه. ليشعر المواطن بأن هناك تغييرا حقيقيا يجعل الصورة مختلفة. والشعب المصري لديه من التمييز والذكاء لكي يحكم بوضوح على ما يقدم له. من هنا لا بد أن يخرج الحوار الوطني بنتائج مختلفة تعبر عن تطلعات الشعب ويكون بابا للخروج.

** هل تفضل البدء بالحل عبر الإصلاح السياسي أم الاقتصادي؟

جلسات الحوار الوطني
جلسات الحوار الوطني

دعنا نتفق أن الناس تشعر أكثر بالاقتصاد وأزماته. فهي الأكثر إلحاحا على الشعب لانعكاسها على واقع الحياة اليومية وأحوال المعيشة والأسعار. لكن علينا أن ندرك أن ما يقود المجتمع هو التوجهات السياسية. سواء في الاقتصاد أو الحياة الاجتماعية. وذلك عن طريق المؤسسات المنتخبة التي يمنحها الشعب أصواته أو يحتشد وراءها. والعقل البشري إلى الآن لم يفرز تجربة أصدق في التعبير عن الناس من فكرة رأي الأغلبية. حتى نضمن عندما تتولى الأمور توجيه قرارات في خدمة المصالح الاقتصادية للناس. من هنا الأكثر إلحاحا في رأيي هو الإصلاح السياسي وإشعار الناس أن مستقبلهم في أمان. لذا يجب فتح المجال السياسي وتمكين إرادة الشعب. ومن بعدها مصالحهم سوف تتحقق تلقائيا عبر مناخ سياسي مستقر.

**هل تستشعر وجود تفاعل شعبي مع ما يطرح في الحوار الوطني؟

طبيعي ألا تكون هناك حالة تفاعل قوية لأن قبيل إطلاق فكرة الحوار الوطني الذي دعا إليه رئيس الجمهورية كانت هناك حالة ركود سياسي. فلم يكن هناك أي أصوات متعددة سواء في البرلمان أو الإعلام. بالإضافة إلى طول فترة إعداد الحوار الوطني بدءا من آخر إبريل  الماضي. وعدم اتخاذ خطوات سريعة وبدء النقاشات. يضاف إلى ذلك الظروف الاقتصادية الضاغطة على الشعب. ما جعله منشغلا بشكل كامل في حياته وصعوباتها. فضلا عن تأخر الإفراج عن محبوسين من أسماء معروفة. كل هذه أمور جعلت الناس لا تشعر بالثقة تجاه الحوار الوطني.

**وما الذي يجعل الناس تُقبل على متابعة نقاشات الحوار؟

يجب خلق أجواء مريحة لتمهيد الأرض للثقة بالحوار ومخرجاته. كذلك فإن نوعية القضايا التي سيطرحها الحوار هي التي تحدد مدى تفاعل الشعب معه. أعلم أن لدينا حاليا تسريعا لوتيرة الإفراجات عن المحبوسين لكن نطمع في المزيد. مع وقف أي إجراءات تعسفية أو ملاحقة ضد من يشتغل بالعمل العام. مع توسيع الحريات في الإعلام. ووقف أي إجراءات اقتصادية مؤثرة في مستقبل البلد كبيع الشركات الحكومية. وهناك أمر مستغرب متعلق بالدعوة لمؤتمر اقتصادي في الوقت الذي يجري فيه حوار وطني به محور اقتصادي. أعتقد أن هذا نوعا من التشتت ويطرح أسئلة عن جدوى الحوار الوطني. فهل سنأخذ بتوصيات المؤتمر الاقتصادي أم بما يتوصل إليه المحور الاقتصادي في الحوار الوطني؟!

أكرر نحن في حاجة لوقف أي إجراءات اقتصادية عنيفة حتى نقف على أرضية حلول لأزماتنا وخط سير واضح يتوافق عليه الجميع.

رئيس الوزراء في المؤتمر الاقتصادي
مصطفى مدبولي رئيس الوزراء في المؤتمر الاقتصادي

**ما رأيك في معضلة عدم وجود مدى زمني للخروج بنتائج من الحوار الوطني؟

بالفعل لا يوجد مدى زمني محدد بدقة للانتهاء من الحوار الوطني حتى الآن. وأعتقد أن هذه من الخطورة لجعل الأمور غير واضحة. فلا بد من وضع جدول زمني نتحرك فيه حتى نُشعر الناس بجدية الأمر. والخطط القادمة في الحوار الوطني ستعمل على وضع مدى زمني معين للخروج بنتائج له لنقطع الطريق أمام تخوف البعض أن يتحول الحوار إلى “مكلمة”. والحقيقة أنا أخشى وأحذر من فشل هذا الحوار لأن التكلفة وقتها سوف تكون عالية. فلو تسرب للشعب عدم وجود مخرج من الأزمات وأن الحوار السياسي لن يخرج بتصور للإصلاح فهذا ربما يجعلهم يندفعوا ويبحثوا عن سبيل آخر. ساعتها سيسمعون أصوات الخارج في هذا التوقيت شديد الحساسية على المستوى الإقليمي والعالمي. لذا من الضروري البحث عن حلول سياسية واقتصادية عبر الحوار وعدم ترك المجال لأي حالة يأس أو سيناريوهات مزعجة سنخسر منها جميعا.

**إلى متى تستمر التخوفات من مصير الحوار الوطني؟

التخوف سيظل موجودا لحين اللحظة التي ينتهي فيها الحوار إلى نتائج يرضى عنها الشعب. لكن ستتغلب على هذه التخوفات رغبة المشاركين فيه. فكلنا نستهدف المصلحة العامة. لكن وجود خوف وحذر وقلق أمر طبيعي في مثل هذه الظروف. فنحن نناقش أوضاع بلد كبير في المنطقة يتعرض لأزمات صعبة مثل باقي دول العالم.

** هل ترى أن هناك أي جهة أو أفراد يريدون إفشال الحوار الوطني؟

أتلمس من الجميع الرغبة الشديدة في الاتفاق والنجاح. وما نراه في بعض الاستجابات سواء في الإفراج عن المعتقلين أو تشكيل لجان الحوار ومراعاة النسب فيها بين المعارضة وممثلي السلطة يؤكد ذلك. لكن هناك مقاومة ممن كان له ممارسات سابقة. يسعي أن يعرقل لأنه يخشى أن ذلك يعني خطأ وجهة نظره. مثل الجهات التي حبست أشخاصا. البعض منها يتصور أن الإفراج عنهم  يعني أن تقديرهم لم يكن صحيحا. وهذا أمر طبيعي ولكن تنتصر الإرادة السياسية في تحقيق إنجاز ما والعمل على جمع تحالف 30 يونيو مرة ثانية لاستعادة هوية مصر.

**ماذا يعني نجاح الحوار الوطني في مهمة الخروج من الأزمة الراهنة؟

الحوار السياسي يمثل مخرجا كبيرا لأزمتنا. على الأقل سنكون قد اتحدنا على كلمة واحدة. فإذا خرجنا بنتائج فذلك يمثل نسبة مهمة من الخروج من عنق الزجاجة. وأعتقد أن ذلك سهل تحقيقه لأننا في الجانب السياسي ندرك درب الخروج جيدا. سواء في إصدار قوانين انتخابية معقولة تتيح التمثيل الحقيقي للشعب. وفي الجانب الاقتصادي فرغم الاختلافات في وجهات النظر من اليمين لليسار هناك اتفاق على نقاط معينة منها أن إدارة الاقتصاد المصري لا بد أن تهتم وتراعي متطلبات الشعب أولا.

 **ما معيار نجاح الحوار الوطني؟

 

تكبيل الحريات الإعلامية
تكبيل الحريات الإعلامية

الحوار الوطني لا يجب أن يكون مجرد مناقشات. المهم فيه هو نتائج هذه النقاشات والتي ستعمل على تعديل المسارات إذا ما اقتنعت بها الدولة. والمعيار هو إحداث تغيير حقيقي في السياسات الاقتصادية والعمل على تحقيق رفاهية الشعب. أو على الأقل رفع مستواهم المعيشي والحياتي. أما في الشأن السياسي فالنجاح يأتي بشعور الناس بأن هناك باب أمل مفتوحا لهم. وأن يفتح المجال العام لتعبر القوى السياسية عن نفسها بشكل حقيقي داخل البرلمان. وأن يكون صوتهم مسموعا وأن يتحدثوا ويكون لهم الحق في مناقشة القضايا العامة. وأن يجدوا أصواتا في الإعلام تعبر عنهم. وهذا يتطلب تغيير قانون مباشرة الحقوق السياسية.

** هل يمكن أن تخرج توصية من الحوار الوطني بحل مجلسي النواب والشيوخ؟

ليس من صلاحيات الحوار حل البرلمان أو حتى اتخاذ قرارات. لأنه معني بمناقشات ووضع تصورات. لكن المشكلة أن القوانين لترجمة هذا من اختصاص البرلمان نفسه. وندرك أن أداء البرلمان أحد أسباب الأزمة. لأنه غير مقنع للناس. وهذه معضلة لا بد أن نبحث لها عن حل. لأن الرئيس عبد الفتاح السيسي دعا للحوار للعمل على تصحيح الأوضاع. وهذا أمر يحتاج إلى سن حزمة قوانين. فهل سيتم مناقشة ما تم في الحوار الوطني في البرلمان أم أن القوى المؤثرة داخل البرلمان ستعمل على توقف ما ننجزه في الحوار الوطني؟

**هناك من يردد أن القضايا التي يناقشها الحوار الوطني “مُعلّبة” وهناك حدود للنقاشات.. فما رأيك؟

مجلس النواب المصري
مجلس النواب المصري

لا أحد يمكن أن يدعي أن القضايا التي ستناقش في الحوار الوطني “معلبة”. ولكن قضية البرلمان واستمراره يحكمها أنه برلمان منتخب رغم أنه لا يعبر عن رأي الجماهير. والدليل على ذلك أنه لولا سوء الأداء البرلماني لما كانت هناك حاجة إلى حوار وطني أصلا. وأظن أن ذلك هو ما دعا الرئيس لعمل حوار تستمع فيه السلطات إلى المعارضة لطرح الرؤى والأفكار ومناقشة القضايا العامة التي تخص الوطن.

أما فيما يخص البرلمان الحالي ومسألة حله فلا أعتقد أن الأمر يخص الحوار الوطني وصلاحياته. لأننا فقط نناقش قضايا ونطرح حلولا من مختلف المشاركين ونخرج بتوصيات حول طريقة التمثيل البرلماني. سواء القائمة النسبية أو فردية وتشكيل الدوائر. وبعدها تعرض هذه التوصيات على الرئيس والقيادة السياسية تتخذ ما تراه بشأن البرلمان أو غيره في إطار المصلحة العامة. فإذا رأى الرئيس حل المجالس النيابية فهو أمر يتم وفقا لحسابات وصلاحيات دستورية. وبالتالي فإن حل البرلمان أو الدعوة لانتخابات أمر متروك للقيادة السياسية فقط.

**إذًا أنت ترى أن البرلمان بوضعه الحالي سيكون عائقا أمام بعض توصيات الحوار الوطني؟

بالتأكيد ستكون هناك قضايا خلافية. لأن أي إصلاح سياسي سيكون قائما على فكرة عودة الحياة السياسية والحزبية لقوتها. وهو ما يستلزم تغيير بعض القوانين. ومن الطبيعي عند إصدار قانون لمباشرة الحقوق السياسية وطريق الانتخاب سواء فردي أو قائمة وتقسيم الدوائر سنجد أنها سلطات تشريعية تخص البرلمان طبقا للدستور. وإذا كان سوء أداء مجلس النواب أحد الأسباب التي دفعت للدعوة للحوار الوطني فكيف له أن يعمل على سن قوانين تترجم نتائج هذا الحوار. أعتقد أن هذه معضلة وحلها في يد الرئيس فقط. والذي قد تعهد بأنه سوف ينفذ ما يذهب إليه الحوار الوطني. فكيف يتم ذلك؟ هل سيتخذ هو قرارات مباشرة أم تذهب النتائج للبرلمان لمناقشتها؟

**ما تأثير الاختلافات في لجان الحوار الوطني المشكّلة من ممثلي السلطة والمعارضة؟

الخلاف في الرأي لا يمثل مشكلة. ومسألة الخلاف يمكن إدارتها عبر وسائل مختلفة. والكل يعبر عن رأيه. وهي مسألة سياسية بامتياز. المشكلة هي التخوف من وجود تصورات مسبقة عن الحوار لدى البعض. وأشهد بأن مَن رأيتهم من المقررين والمساعدين يحاولون الخروج بنتائج حقيقية وإدارة الخلاف بشكل موضوعي والعمل على إدارته للصالح العام.

**هل الحركة المدنية لديها تصور للتعامل حال فشل الحوار الوطني؟

الحوار الوطني ومقترحات الأحزاب
الحوار الوطني ومقترحات الأحزاب

لا نتوقع البلاء قبل وقوعه ولا نتمناه. لكن لو فشل الحوار الوطني لا قدر الله سوف نعود  لموقعنا في المعارضة ونقدم رؤى ونعمل على طرح أفكار. لأنه في النهاية قرار الدخول في الحوار هو لمصلحة عامة. وسوف نستمر في النصح ونحن خارج دائرة صنع القرار.

** ما سقف المطالب المرجوة من الحوار الوطني؟

السقف المعقول. العمل على تشكيل برلمان منتخب بطريقة حرة يعبر عن الناس. مع العمل على إطلاق الحريات العامة. وتغيير قانون الحبس الاحتياطي. وإتاحة مساحة للحريات أعلى للإعلام ليعبر عن الناس.

**إذا المعارضة تلعب على مفهوم الحلول الوسط في مطالبها من الحوار..

كل الأمور ورادة في العمل السياسي. فلا يمكن أن تنال كل ما تتوقع. المهم أن تكون هناك حلول للمشكلات. ونحدد الحل لها سواء بشكل عاجل أو متدرج. ووضع سيناريوهات أفضل للمستقبل. وأعتقد أن الحد الأدنى الذي يرضي المواطن العادي وليس السياسي لنجاح الحوار هو وجود انتخابات نزيهة يجد نفسه فيها يملك الحرية في اختيار مرشحيه الذين يعبرون عنه. وهذا يعطي المواطن أملا وقيمة. وهذا هو الحد الأدنى للمطالب الموضوعية. فلابد من اتخاذ مسارات لذلك وتعديل القوانين لما يحقق الأهداف. أما غير ذلك سندرك أن الحوار فشل وسوف يدرك المواطن أيضا فشله وهو ما لا نرغب في حدوثه.