تعرض العمال لتأثيرات ضخمة بعد انتشار وباء كورونا فارتفعت البطالة وانهار الدخل كما تأثرت أنشطة النقابات بالتباعد الاجتماعي. وفى ذات الوقت يواجه العمال ونقاباتهم تحديات ترتبط ببيع وتصفية بعض الشركات.

وتعاني العديد من بلدان العالم أزمات اقتصادية متلاحقة. إذ ارتفعت الأسعار مع شبح ركود وتضخم وكساد. وربما ستضطر بعض الشركات للغلق أو تقليص العمالة. ما يجعل العمال ونقاباتهم في وضع بالغ الصعوبة. ما يضع مسئوليات جسيمة على كاهل النقابات العمالية لتحقق دورها الأصلي.

العمال والأمان الوظيفي
العمال والأمان الوظيفي

أزمة كورونا والعمال

تشير تقديرات منظمة العمل الدولية إلى أن قرابة 25 مليون شخص إضافي قد يصبحون عاطلين عن العمل. مع خسارة في الدخل تصل إلى 3.4 تريليون دولار أمريكي -حسب جاي رايدر مدير منظمة العمل الدولية. هذه الأرقام قد تكون أقل من حجم الأثر الفعلي.

وتأثرت أنشطة النقابات و الاتحادات العمالية من ناحية تحسين ظروف العمل أثناء الوباء بسبب إغلاق بعض الشركات أو التوقف عن بعض الأنشطة الإنتاجية والتشغيلية لها.

وتعرض العمال لتقليص أجورهم أو إجبارهم على إجازة غير مدفوعة. وبرغم المحاولات التي بذلتها النقابات للتصدي لتلك التحديات فإن دورها ظل قاصرا على توفير أماكن بمستشفيات التأمين الصحي لعلاج العمال المصابين بفيروس كورونا. فقد أظهرت الخلل الإداري والتنظيمي الذي تعانيه النقابات. بينما كانت مسألة الأجور أو خفض العمالة غير مطروحة كأولوية في عمل النقابات. ما يدفع العمال للاحتجاج بين إضرابات واعتصامات.

وقد رصد تقرير “تأثير جائحة كورونا على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للعمال” والصادر عن دار الخدمات النقابية خلال أكتوبر/تشرين الأول 2020 تصاعد احتجاجات العمال. إذ رصد التقرير 13 احتجاجا في ظل وضع إغلاق فرضته السلطات التنفيذية لمكافحة الوباء.

النقابات والأزمة الاقتصادية

عمال يونيفرسال يستغيثون بالرئيس
عمال يونيفرسال يستغيثون بالرئيس

تأثرت معظم بلدان العالم بالأزمات الاقتصادية المتلاحقة كأزمات الوباء و الحروب. حتي أزمة المناخ -التي استدعت معها تغيير أشكال الإنتاج خاصة إنتاج الطاقة- وبرزت آثار تلك الأزمات في موجات ارتفاع الأسعار وشبح الركود والتضخم والكساد.

ولم تكن مصر بمنأي عن ذلك. إذ وجد العمال أنفسهم في وضع بالغ الصعوبة بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة. وفرض هذا الوضع على المنظمات النقابية عبء القيام بأدوار أكثر فاعلية في مواجهة التحديات. ويعد إضراب عمال شركة يونيفرسال وعمال شركة بشاي للحديد مثالين لما يمكن أن يتكرر مستقبلا.

العمال وحرب روسيا-أوكرانيا

بمجرد اتخاذ خطوات للتعافي من أزمة كورونا حتى أطلت الحرب الروسية-الأوكرانية برأسها على الاقتصاد المصري. إذ دخل العالم في أزمة اقتصادية حادة أترت بشكل كبير على الوضع الاقتصادي المصري وبالتالي على معيشة العمال.

واستمرت الضغوط التي تفرضها ارتفاعات الأسعار على مستويات العيشة. وتواكب ذلك مع إجراء انتخابات لدورة نقابية جديدة مؤخرا. شابها العديد من الخروقات من قبل السلطة التنفيذية. تمثلت في استبعاد بعض المرشحين ونجاح مجالس إدارة بالتزكية لغياب مرشحين منافسين لهم. فأفرزت الانتخابات مجالس نقابية تفتقد خبرات العمل النقابي ومفاهيمه وأدواره وممارساته. ما أضعف المنظمات النقابية والعمل النقابي.

ويتوقع مع استمرار حدة الأزمة الاقتصادية وندرة مستلزمات الإنتاج اللازمة للتشغيل أن تتوقف مصانع وشركات. أو تقلص حجم العمالة. ما سيعرض العمال حينها إلى البطالة. فيما ستتقلص اعداد المنتمين لبعض النقابات.

وكانت استجابات النقابات أثناء أزمة كورونا وما تلاها تتراوح بين تهدئة العمال أو محاولات التفاوض مع أصحاب الأعمال. أو التزام الصمت في أحيان كثيرة. ما أثار حفيظة العمال تجاه نقابتهم. وهذا الأمر ارتبط بأزمات تعانيها النقابات -سواء المستقلة أو الاتحاد العام لنقابات عمال مصر- وهو الاتحاد الرسمي.

غياب التدريب وآليات اتخاذ القرار

 

العمال في مواجهة شبح الركود
العمال في مواجهة شبح الركود

كثيرا ما تحدثت الأدبيات النقابية عن أهمية إقرار الديمقراطية والمؤسسية في عمل النقابات. لكن لم تعطِ النقابات القديمة أو حديثة التكوين أهمية للديمقراطية الداخلية. ما جعل عملية اتخاذ القرار محصورة في مجلس إدارة النقابة ويتحكم فيها عدد محدود إن لم تكن بيد شخص واحد.

هذا الوضع يدخل أعضاء مجلس النقابة والجمعية العمومية براثن الخلافات الداخلية ويبعدهم عن تحقيق أهداف النقابة.

ويعد مبدأ تعزيز الشفافية والنزاهة وتوافر المعلومات من المبادئ الهامة في العمل النقابي. حيث يسهم توفير المعلومات في جعل أعضاء العمومية شركاء مع نقابتهم في مواجهة التحديات. فيما تعزز الشفافية مشاعر الثقة لدى العمال.

وبين أدوار النقابات أيضا لعب دور توعوي في مجالات السلامة والصحة المهنيتين. فضلا عن دعم المشاركة في اللجان المعنية بها.

واقعيا لم تنتبه غالبية النقابات الجديدة لذلك الدور. ما أفقدها موارد هامة في تنمية روح العمل الجماعي والتضامن. بجانب ذلك يأتي تحدي عدم وضوح المهام والصلاحيات. الذي يحدث تشتتا وتبديدا لمجهود أعضاء النقابة.

وردّ العديد من الخبراء النقابيين العطب الذي أصاب الهيكل التنظيمي لكثير من النقابات إلى حداثة بعض النقابيين وعدم تلقيهم تدريبا كافيا فيما يخص القضايا العمالية. هذا غير عجز في إمكانيات التدريب واستيعاب أعداد أعضاء النقابات العمالية في برامج التدريب.

ضعف الخدمات والموارد المالية

وتعاني كثير من النقابات حديثة النشأة من ضعف الموارد المالية. إذ تعتمد كثير منها على اشتراكات أعضاء الجمعية العمومية فقط. وقد تراوح مبلغ الاشتراك في النقابات بين 10 جنيهات و50 جنيها.

في المقابل تطلعات العمال إلى تلقي خدمات اجتماعية وترفيهية من النقابة لا تتناسب مع مواردها. وفي الوقت ذاته لم تسع النقابات المستقلة إلى التفكير في الطرق والوسائل التي تستطيع بها زيادة مواردها. رغم أن قانون التنظيمات النقابية أقر بأحقية النقابات في استثمار أموالها وإنشاء الصناديق الخاصة.

وتمتلك نقابات الاتحاد العام لعمال مصر موارد مالية كبيرة. لكنها أيضا لم تحظَ برضا أعضاء جمعيتها العمالية. كما لم توظف مواردها بما يتيح تقديم خدمات متعددة ومتميزة تلبي طموح العمال.

وغالبا ما تعاني نقابات العمالة غير المنتظمة من مشكلة القدرات المالية المحدودة. وذلك نتاج صعوبة تسديد وتحصيل الاشتراكات.

وسبق وأشارت تقارير الجهاز المركزي للمحاسبات إلى عدم قدرة النقابات على تحصيل الاشتراكات الشهرية من أعضائها. فيما تتفاقم مشكلة نقابات العمالة غير المنتظمة وتزيد أزمتها المالية.

أدوار النقابات بعد انتخابات يونيو

انتخابات النقابات العمالية
انتخابات النقابات العمالية

خلال يونيو/حزيران الماضي أجريت انتخابات النقابات العمالية. وهى الدورة الأولى في ظل قانون النقابات العمالية لسنة 2017. ويأتي التشكيل الجديد وسط أوضاع صعبة مر بها العمال كتباطؤ عملية الإنتاج.

ومع أزمات متلاحقة ظهرت حركة عمالية ذات مطالب اقتصادية منها زيادة الأجور والعلاوات. بالإضافة إلى مطالب أخرى تخص التأمين الصحي.

وتأرجحت استجابات النقابات بين محاولات تهدئة العمال والتفاوض مع أصحاب الأعمال أو الحياد. وهذا الحياد بالطبع أثار العمال ضد نقاباتهم التي من المفترض أن تتبنى مطالبهم. ما زاد الفجوة بين النقابات والعمال.

ورغم أنه من المبكر جدا تقييم مجالس النقابات فإن التحديات التي تواجهها تحتاج إلى سرعة في التحرك لإيجاد حلول. خاصة مع توسع الحكومة في سياسات الخصخصة وإعادة الهيكلة. وما سيصاحب ذلك من إقرار تشريعات كقانون جديد للعمل وتعديلات بقانون التأمينات الاجتماعية غير نتائج بيع بعض الشركات أو تصفية بعضها.

كيف يمكن أن تفعّل النقابات دورها؟

تطوير عمل النقابات
تطوير عمل النقابات

يرتبط تفعيل الدور بتطوير هيكل النقابات وقدراتها وصقل خبرات أعضائها وتفعيل معايير الديمقراطية. بما يعزز مشاركة العمال في اتخاذ القرارات ويعزز التضامن والتفاعل.

ويسهم تفعيل النقابة لجانها الفرعية في دعم مشاركة العمال داخل نقاباتهم واكتساب الخبرات. فمثلا تفعيل لجنة المرأة يؤدي لدعم مشاركة العاملات في اللجنة النقابية.

وترتبط أدوار النقابة وخدماتها أيضا بحجم مواردها المالية. وفي هذا السياق يمكن إنشاء جمعيات تعاونية استهلاكية توفر سلعا بأسعار مناسبة للعمال وتحقق موردا ماليا فيما يعرف بـ”الاقتصاد الاجتماعي”.

كذلك يسهم التدريب فى اكتساب مهارات العمل النقابي. خاصة في التفاوض. كما يسهم التدريب والتثقيف حول قضايا العنف في الحد من التحرش.