ودّع البرلماني السابق زياد العليمي محنة الحبس، التي تجاوزت السنوات الثلاث، في القضية 957 لسنة 2021 جنح طوارئ أمن الدولة، المعروفة بقضية “الإيحاء“، باقتباس عن الشاعر الفسطيني محمود درويش: “نحن لم نحلم بأشياء عصية”. وقد غادر سجنه أمس الاثنين، بقرار عفو رئاسي، يأتي قبل أسبوعين من استضافة مصر لمؤتمر المناخ (كوب27).

قرار العفو الرئاسي عن زياد العليمي (متداول)
قرار العفو الرئاسي عن زياد العليمي (متداول)

إلى يونيو/ حزيران 2019، تعود وقائع قضية “الأمل”، حين اقتحمت قوات الشرطة منازل عدد من النشطاء السياسيين والصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان، فضلًا عن رجال الأعمال؛ بعضهم كانوا يعدون تحالفًا انتخابيًا مدنيًا طور التشكيل، كان يفترض أن يضم أحزاب وحركات سياسية وشخصيات مستقلة؛ استعدادًا لخوض الانتخابات البرلمانية التي كان مقررًا انعقادها في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام نفسه.

وقد ضمت أسماءً بارزة في الحياة السياسية من بينهم؛ البرلماني والمحامي زياد العليمي، والصحفيان حسام مؤنس وهشام فؤاد. وكذا الناشط العمالي حسن بربري، وعلاء عصام، والكاتب والخبير الاقتصادي عمر الشنيطي، ومنسق الحملة الشعبية لمقاطعة الاحتلال الإسرائيلي رامي شعث، الذي أفرج عنه بعد التنازل عن الجنسية المصرية. ووجهت لهم نيابة أمن الدولة اتهامات بـ”مشاركة جماعة إرهابية في تحقيق أغراضها، ونشر وبث أخبار كاذبة عبر مواقع التواصل الاجتماعي بغرض إثارة الفتن وقلب نظام الحكم. فضلًا عن اتهام بعضهم بتمويل وإمداد الجماعة الإرهابية”.

اقرأ أيضًا: 15 توصية من “دام” حتى لا يتحول الحبس الاحتياطي إلى عقوبة

ما قال العليمي بعد “العفو”

“العليمي” الذي جدد قرار الإفراج عنه “الأمل” في مزيد من الإفراجات وإخلاءات سبيل تنل آخرين ممن تعرضوا للحبس على ذمم قضايا رأي ونشر، استهل لحظات حريته الأولى في توجيه كلمة -عبر حسابه بـ”فيسبوك”- ذكّر فيها بمن تبقى داخل السجون يعاقبون على “جريمة رئيسية هي التعبير عن الرأي”، في وقت لم يعد يليق بـ”شعبنا وبلدنا سنة 2022 إن لسه فيه ناس بتدخل السجن بس عشان قالت رأي مخالف للمرغوب سماعه”.

قبل العفو عن “العليمي” بساعات، تم الإعلان عن قائمة ضمت 19 اسمًا أخلت النيابة سبيلهم. ذلك طبقًا للقرار 440 لسنة 2022، ضمن المحبوسين على ذمة القضيتين 41 و440 لعام 2022، في سجني بدر وأبو زعبل.

 

وقد سبقت مطالبة “العليمي” بالإفراج عن الباقين من “أصحاب الرأي المخالف” عديد من الدعوات التي أطلقتها مختلف المؤسسات المعنية بحقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير محليًا ودوليًا، واستجابت لها الإدارة السياسية في السنوات الأخيرة بعدد من القرارات، التي كان منها تفعيل عمل لجنة العفو الرئاسي بأمر من رئيس الجمهورية نفسه، الذي أطلق حوارًا وطنيًا أعلن به استعداد الدولة للتجاوب مع المجتمع المدني والقوى السياسية الأخرى.

ورقة مركز التنمية والدعم والإعلام عن الحبس الاحتياطي
ورقة مركز التنمية والدعم والإعلام عن الحبس الاحتياطي

الحوار الوطني وملف النشطاء

في إبريل/ نيسان الماضي وخلال حفل إفطار الأسرة المصرية الذي يقام سنويًا في شهر رمضان، دعا الرئيس عبدالفتاح السيسي الأجهزة المعنية ومؤسسات المجتمع المدني لإطلاق “منصة حوار”، من خلال التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي ووزارة التضامن الاجتماعي والمجلس القومي لحقوق الإنسان لتقديم الدعم للعمل الأهلي والمجتمعي، واقتراح التعديلات التشريعية اللازمة لتسهيل العمل المجتمعي بما يخدم أهداف الدولة في تحقيق التنمية المستدامة، وتحت إشراف مؤسسة الرئاسة. وهو ما شكل بناءً عليه مجلس أمناء برئاسة نقيب الصحفيين ضياء رشوان، تكون مهمته إدارة الحوار الوطني الذي انطلق في 5 يوليو/ تموز الماضي.

اقرأ أيضًا: ملفات الحوار الوطني| أبرز القضايا والتحديات وفرص النجاح (الإصدار الكامل)

ومع هذه الدعوة بدأت الدولة حراكًا نحو حلحلة أزمة ملف السجناء والمحبوسين احتياطيًا على ذمة قضايا الرأي. كما قدمت الحركة المدنية الديمقراطية (تضم عدة أحزاب وشخصيات عامة) ومنظمات المجتمع المدني بعض المقترحات لتسريع وتسهيل وتيرة الإفراجات، كان من بينها الإفراج عمن تجاوزوا سن الستين مبدأيًا، وعن طلاب الجامعات، وعن السيدات المعتقلات، وعمن قضوا أكتر من سنتين في الحبس الاحتياطي، والمرضى المحتاجين لرعاية طبية عاجلة، والعفو الرئاسي عمن قضوا بالحبس نصف المدة عن المحكوم عليهم قدام محكمة غير طبيعية والمحكوم عليهم على ذمم قضايا رأي.

ومنذ إبريل/ نيسان، أُفرج عن ما يزيد على ألف من المحبوسين احتياطيًا (1019 شخصًا حتى أمس الاثنين). كما تم العفو عن 15 سجينًا، جرى عددهم بقائمة “العليمي”، التي ضمت اثنين آخرين هما عمر رجب في القضية رقم 1031 لسنة 2021، ومحمد عبد العزيز الجوهري خليفة في القضية رقم 21326 جُنح كفر الزيات.

نحو الإصلاح السياسي

المحامي طارق العوضي، عضو لجنة العفو، قال عبر حسابه على “فيسبوك” معلقًا على قرار الإفراج عن “العليمي”، إنه يأتي استجابة لدعوات الأحزاب والقوى السياسية وتنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين ولجنة العفو الرئاسي. وكذلك رحب المجلس القومي لحقوق الإنسان بالقرار، واعتبره خطوة نحو إصلاح الحياة السياسية وتوسيع نطاق حرية الرأي والتعبير في المرحلة القادمة.

وقال محمود سامي، المقرر المساعد للجنة الاستثمارات العامة بالحوار الوطني، إن قضية الإصلاح السياسي كانت مرهونة بأشياء كثيرة، بدأت بالعفو عن السجناء ثم الدعوة للحوار الوطني.

وأضاف في تصريحاته لـ”مصر 360”: “أرسلنا سابقًا قوائم من الحزب المصري الديمقراطي للحركة المدنية سترسل للأمانة العامة للحوار الوطني. كان اسم زياد العليمي أحد المحاورين في الحوار بالقائمة أملًا في الإفراج عنه قبل بدء الحوار، وأتوقع أن تكون هناك فرصة لمشاركته، هو وحسام مؤنس وغيرهما”.

وقال الدكتور فريد زهران، رئيس الحزب الديمقراطي الاجتماعي، إن الإفراج عن زياد العليمي خطوة هامة تؤكد حرص الرئيس على توفير المناخ المناسب لإنجاح الحوار الوطني الذي دعا إليه بغرض الإصلاح السياسي. مضيفًا أنه خطوة مهمة في اتجاه إعادة الحياة للأحزاب، وأنه من شأنه -حال استمرار هذه الخطوات- أن يعيد الثقة للشباب ويدفعهم للمشاركة مجددًا.

وأثنى حمدين صباحي، المرشح السابق لرئاسة الجمهورية، على قرار العفو عن “العليمي”، في منشور عبر حسابه بـ”فيسبوك“. كما نشر صورة للناشط أحمد دومة أرفقها #الحرية_لأحمد_دومة.

العفو الأخير وبناء الثقة

تنظر الحكومة إلى قرارات إخلاء السبيل والعفو -التي تزايدت وتيرتها منذ إبريل/ نيسان الماضي- باعتبارها تمثل خطوات تهدف إلى تعزيز حقوق الإنسان وفتح المجال السياسي. إلا أن أحزاب الحركة المدنية ومؤسسات المجتمع المدني ترى أن الأمر بحاجة إلى مزيد من الطمأنة التي تكسب الحوار الوطني مصداقية وثقة برغبة الحكومة في تفعيل وعودها، وإن هذا يبدأ بغلق قضية “تحالف الأمل”، والإفراج عن باقي المحتجزين. خاصة وأن جميعهم أنهوا المدة القانونية للحبس الاحتياطي ورفع أسمائهم من قوائم الممنوعين من السفر، والصادر بحقهم في 4 يوليو/ تموز 2019 بقرار من النائب العام حمل رقم 35 لسنة 2019.

يقول خالد داوود المتحدث باسم الحركة، في تصريحه لـ “مصر 360”: “منذ انطلاق الدعوة للحوار الوطني أواخر إبريل/ نيسان الماضي والإفراج عن سجناء الرأي وأعضاء الأحزاب والنشطاء المحبوسين أحد المطالب الرئيسية للحركة المدنية، لو كان هناك فرصة لإنجاح الحوار الوطني ومنح الثقة ستكون أول خطواته الإفراج عن السجناء”.

الناشط السياسي شريف الروبي
الناشط السياسي شريف الروبي

اقرأ أيضًا: من ليمان طرة إلى إفطار الأسرة المصرية

ولا ينكر “داوود” أنه على مدار 6 أشهر كاملة تم الإفراج عن أسماء كثيرة من النشطاء. لكنه يشير كذلك إلى “أسماء مهمة بالنسبة للحركة المدنية لا يزالون في محبسهم، رغم تاريخهم السياسي والوطني”. فيما يناشد النائب العام باستكمال مسار الإفراج ومراجعة أوضاع المحبوسين احتياطيًا من غير المتهمين بارتكاب أعمال عنف. ومنهم حسن مصطفى ومحمد عادل ومروة عرفة وكايروكي ودينو والصحفيان أحمد علام وحمدي الزعيم وعلاء عبد الفتاح وأحمد دومة ومحمد الباقر وأكسجين.

يقول داوود: “دخلنا الحوار للتعبير عن آرائنا بحرية وصراحة، وهو ما لا يتماشى مع القبض على المواطنين بعد الإفراج بسبب التعبير عن مواقفهم، وآخرهم عضو حركة 6 إبريل شريف الروبى وآخرين”.

وكانت نيابة أمن الدولة العليا قررت في 17 سبتمبر/ أيلول الماضي، حبس الروبي 15 يومًا، على ذمة التحقيقات في القضية.

وعقب إخلاء سبيله، سلط الروبي -عبر حسابه على “فيسبوك”- الضوء على معاناته وغيره من السجناء والمحبوسين المعفو عنهم والمخلى سبيلهم، بعد خروجهم، في سبيل تمكينهم من الحياة الكريمة، في ظل ما يواجهون من صعوبات في الحصول على فرص عمل لائقة أو السفر أو التنقل، وغيرها. وعلى إثر إعادة القبض عليه مجددًا وتم التجديد له.