تبنت الأمم المتحدة من خلال جلسة الجمعية العامة في سبتمبر/أيلول الماضي قرارا “تاريخيا” بشأن وصول الناجين من العنف الجنسي إلى القضاء. وفي نص اعتمد بتوافق الآراء “حثت الدول على اتخاذ تدابير فعالة في إطار أنظمتها القانونية الوطنية ووفقا للقانون الدولي لتمكين الضحايا والناجين من أعمال عنف جنسية أو مرتبطة بالجندر من الوصول إلى القضاء وسبل الطعن والمساعدة”.
ويؤكد القرار على أهمية وصول الضحايا إلى القضاء “بسرعة ومن دون عراقيل”، وضرورة “تعزيز” التعاون الدولي وأهمية حماية حقوق المرأة بشكل عام.
ما المشكلة والهدف من الورقة؟
بالرغم من صدور هذا القرار التاريخي من الأمم المتحدة للقضاء على العنف الجنسي إلا أن مصر كانت ضمن الدول التي رفضت القرار. ودعت لحذف الإشارات إلى العنف الجنسي بين الزوجين أو العنف القائم على النوع الاجتماعي أو الوصول إلى وسائل منع الحمل.
وانتشار الظاهرة داخل مصر لها دلالاتها على معاناة النساء ليس وحدهن. ولكن أيضًا لأسرهن ومجتمعاتهن. وما يترتب عليه من تكاليف تتحملها الدولة والمجتمع.
وتلقي هذه الورقة من مركز التنمية والدعم والإعلام -دام- الضوء على قضية الاغتصاب الزوجي في مصر. كمشكلة للنساء وتحد للمجتمع. لما له من تكاليف مباشرة وغير مباشرة تمثل تهديدا للأسرة المصرية كنواة للمجتمع. كما تضر بالاقتصاد وذلك من شأنه بالنهاية عرقلة التنمية.
تعرض الورقة مؤشرات حول مشكلة العنف الجنسي والتشريعات الوطنية والدولية. كما تتضمن توصيات للقضاء على المشكلة.
للاطلاع على الورقة الحقوقية كاملة اضغط هنا.
العنف الجنسي في مصر
في 2012 قدم المجلس القومي للمرأة دراسة عن ظاهرة العنف ضد النساء تتضمن الاغتصاب الزوجي. “ويشمل ذلك الاتصال الجنسي بالإكراه مع امرأة أو إجبارها على الجماع دون موافقتها”.
كما يشمل الاتصال الجنسي الناقص أو الكامل مع امرأة مريضة أو مشلولة أو تحت ضغط أو تأثير الخمر أو أي مخدر آخر. يشمل الاغتصاب والتحرش الجنسي الاستغلال الجنسي. مثل إجبار الزوج زوجته على ممارسة الجنس معه ضد إرادتها. أو ممارسة الجنس خوفًا من تعرضها للأذى أو إجبار المرأة على القيام بممارسات جنسية تجعلها تشعر بالإذلال”.
مؤشرات العنف الجنسي
أشارت الدراسة إلى حالات لا تبلغ فيها النساء عن جرائم الاغتصاب بشكل عام بسبب إجراءات التحقيق التي لا تراعي الفوارق بين الجنسين. والتي تنتهك في معظم الحالات حقوقهن في الخصوصية. كما يقدر -وفقا للدراسة المنشورة- نسبة حالات الاغتصاب والتحرش الجنسي غير المبلغ عنها بـ98٪ من جميع الحالات. وأشارت كذلك إلى أنه من بين 2500 حالة قام 12٪ فقط بتقديم تقارير رسمية في مراكز الشرطة.
وقد أجرى الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء دراسة حول تكلفة العنف ضد النساء في مصر 2015. وأظهرت الدراسة أن نسـبة النـساء اللاتي تعرضن إلى واقعة عنـف جنسـي عـلى يد الـزوج في فـترة مـا مـن حياتـهن بلغت 12%. في حـين كانـت نسـبة مـن تعرضـن لهـذا خـلال الاثني عشـر شـهرا السابقـة علـى هذا المسح مـا يقـرب مـن7%. وأجبر ما يقرب من 10% على إقامـة علاقـة حميمـة مـع الـزوج رغمـا عنـهن.
وأفـادت الدراسة أن 9% أقمـن علاقـة حميمـة مـع الـزوج خوفـا مـن غضبـه في حالـة الرفـض. وأن عـددا قليـلا مـن النـساء أجـبرن علـى القيـام بأعمـال جنسـية تـحط مـن شأنـهن أو إذلالهـن. وهـو نفـس النمـط الـذي كشـف عنـه المسـح السـكاني الصحـي لعـام 2014 بشـأن العنـف الجنسـي علـى يـد الـزوج.
وقد أوضحت دراسة عن التكلفة الاقتصادية للعنف القائم على النوع في 2015 على الموقع الرسمي للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء أن هناك نحو مليون امرأه يتركن منزل الزوجية نتيجة العنف على يد الزوج سنويا. ما يؤدي إلى تكلفة قدرها 585 مليون جنية مصري لإيجاد سكن بديل أو مأوى لها.
للاطلاع على الورقة الحقوقية كاملة اضغط هنا.
العنف الجنسي بين التشريع والثقافة المحافظة
شهد عام 2021 جدلا حول الاغتصاب الزوجي حين خرجت الفنانة ندى عادل تتحدث على صفحات التواصل الاجتماعي عن الاغتصاب الجنسي الذي تعرضت له من قبل زوجها السابق المطرب تميم يونس. وعندها فتح ملف الاغتصاب الزوجي في مصر وتحدث فيه مئات النساء عن قصصهن مع أزواجهن فيما يخص ذلك.
ويعتقد كثير من الناس في مصر أن الجنس “حق زوجي في الزواج وفق الشريعة الإسلامية”. وأن المرأة ليس لها الحق في رفض زوجها. ووفقًا لهم يمكن تطبيق المادة 60 في هذه الحالة والتي تنص على:
“لا تسري أحكام قانون العقوبات على كل فعل ارتكب بنية سليمة عملا بحق مقرر بمقتضى الشريعة”. بالإضافة إلى ذلك فقد نبذ بعض الناس في مصر الاغتصاب الزوجي باعتباره “مفهومًا غربيًا” وعادة ما يتم رفض المفاهيم الغربية على أساس عدم توافقها مع معتقداتهم الدينية. هذا يجعل رفع الوعي بشأن الاغتصاب الزوجي أمرًا صعبًا للغاية.
الشاهد على ذلك احتدام الجدل على صفحات التواصل الاجتماعي بعد أن قال أحد المشاهير ممن يعتبر لدى كثيرين على أنه داعية (عبد الله رشدي) على تويتر: لا يزال بعض الغربيين يروجون لما يسمى جريمة الاغتصاب الزوجي! إذا امتنعت المرأة عن الزوج دون عذر ممنوع. ولعنت من فعل ذلك ولزوجها أن يؤدبها على ذلك بعد نصحها وهجرها. إذا ردت فمرحبا بها ولكن إذا رفضت فعليها أن تعطيه مهرها وتطلق. ولكن وجهت له وابلًا من الانتقادات على منصات التواصل الاجتماعي.
لقد صادقت مصر على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة مع “بعض التحفظات”. نتيجة لذلك تم التغاضي عن العنف الأسري ضد المرأة بوجه خاص وقبوله لسنوات داخل المجتمع المصري. ولم تبذل الحكومة أي جهود لمكافحته. حيث لا يحظى باهتمام صانعي السياسات أو الجمهور. فالمناخ السياسي في مصر اليوم يمثل عائقا أمام المجتمع المدني، ويعتبر الاغتصاب الجنسي أشد أنواع العنف الأسري.
نجحت بعض المنظمات المدنية في كتابة مشروع قانون واضح ومفصل لحماية النساء، ضحايا العنف، بما في ذلك ضحايا الاغتصاب الزوجي، وقام مركز النديم الحقوقي بإعداد مشروع قانون لحماية النساء من العنف الأسري في 2018، كما قدمت بعض المنظمات الحقوقية في 2021 مشروع قانون موحد ضد العنف لم يهتم به صانعو السياسات والقرار بمصر، ويعرقل قانون الجمعيات الأهلية الحق في التنظيم، مما يحد من جهود مؤسسات المجتمع المدني في لفت الانتباه إلى الاغتصاب الزوجي وكذلك تقديم الخدمات للضحايا.
والكثير من المواقف المحيطة بالاغتصاب الزوجي لها جذور في التقاليد والأسباب التي لا تعترف بالمصطلح أو قابليته للتطبيق على المتزوجين.
العنف الجنسي ومتغير التعليم والفقر
فوفقا للجهاز المركزي للتعبئة والاحصاء في 2015 هناك حوالي 22% من الفتيات الأميات تعرضن للزواج الجبري، وتقل النسبة عند النساء الحاصلات على تعليم إعدادي أو ابتدائي وتصل إلى 8%، أما من حصلن على تعليم عال فتصل نسبة إجبارهن على الزواج إلى 2% فقط، وترتفـع نسـبة النسـاء الـلائي تزوجـن زواجـا جبريا بين العاملات بـدون أجـر نقـدي والنـساء الـلاتي لـم يسـبق لهـن العمـل 12%، لتصـل إلى أكـثر مـن ضعـف النسـبة بـين العامـلات بأجـر نقـدي 5%، وتنخفـض نسـبة النسـاء اللاتي تزوجـن زواجـا جبريا بارتفـاع المسـتوى الاقتصادي للأسرة، فنحـو 15% مـن النـساء الأكثر فقـرا ذكـرن أنـهن تزوجـن مـن الـزوج الـحالي أو الأخيـر جبريا، مقابـل 4% فحسـب بـين النسـاء في الفئـة الأكثـر ثـراء.
لذلك يمكننا أن نرصد معاناة النساء اللائي يعتمدن على الزوج في توفير سبل المعيشة، حيث يشعرن في كثير من الأحيان أنه ليس لهن الحق في رفض العلاقة الجنسية، خاصة إذا كان لديهن أطفال، لذلك فإن ضحايا العنف الجنسي هم في الغالب من يعيشون في فقر، وبما أن النساء أكثر عرضة للخطر، فإنهن يتعرضن للتهميش، مما يؤدي إلى مزيد من الوصم الذي ينتج عنه فجوات في الأجور والعنف والتبعية.
ووفقًا للمسح الديموجرافي “أي السكاني” والصحي لمصر لعام 2014، فإن 3 من كل 10 نساء متزوجات يتعرضن للعنف المنزلي، وقالت 4٪ إن أزواجهن أجبروهن على ممارسة الجنس. من المحتمل أن تكون هذه الأرقام ممثلة تمثيلا ناقصا بسبب الخوف من انتقام الأزواج. ومع ذلك، لا يعتبر الاغتصاب الزوجي جريمة بموجب قانون العقوبات.
لذا ففي كثير من الأحيان لا تستطيع المرأة الإبلاغ عن الاغتصاب الزوجي، وتقوم بتوجيه تهمة الضرب لزوجها، مما يؤدي إلى جنحة على الزوج.
كما أن بعض وسائل الإعلام المصرية الحالية تتعامل مع العنف ضد المرأة على أنه مقبول ومشروع. وهذا له تأثير قوي على ملايين المصريين، رجالًا ونساءً على حدٍ سواء، ويساهم في الحواجز الثقافية التي تعرقل بشكل خطير الإجراءات التي تهدف إلى الحد من حدوث العنف ضد المرأة والتشريعات والإنفاذ.
للاطلاع على الورقة الحقوقية كاملة اضغط هنا.
قانون الاغتصاب الزوجي في التشريعات الدولية
وفقا للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية فقد جاءت الفقرة 27 في مكافحة العنف ضد المرأة بضرورة التعجيل باعتماد تشريعات لتجريم ومكافحة الجرائم الجنسية والعنف العائلي بفعالية، كما طالبت بتوفير التدريب للفاعلين المعنيين في الشرطة ومكتب المدعي العام وجهاز القضاء بشأن حالات العنف الجنسي والجنساني وجمع الأدلة بشأنها، وكفالة التحقيق الشامل في جميع حالات العنف الجنسي والجنساني ومقاضاة الجناة ومعاقبتهم، في حال إدانتهم، بعقوبات مناسبة، وحصول الضحايا على التعويض، وتعزيز الجهود الرامية إلى التوعية بالآثار السلبية للعنف الجنسي والجنساني، وتشجيع الضحايا على الإبلاغ، بوسائل منها العمل بشكل منهجي على توعية النساء والأطفال بحقوقهم وبالسبل القانونية القائمة لتمكينهم من تلقي الحماية، والذي توج بالقرار الأخير للجمعية العمومية للأمم المتحدة المشار اليه في بداية الورقة.
لم يجرم قانون العقوبات “الاغتصاب الزوجي” بنص صريح، ولا يسميه المشرّع المصري بكلمة “الاغتصاب”، إنما “مواقعة أنثى كرهًا بغير الرضا” في قانون العقوبات المصري وفقًا للمواد (267،268)، والمواقعة يُقصد بها ممارسة الجنس بالإجبار وفي حالة واحدة: إيلاج قضيب داخل مهبل. وما دون ذلك، لا يعتبره القانون اغتصابًا، إنما “هتك عرض”.
تسري المادة 268 على من ارتكب “هتكا للعرض” بالقوة أو شرع في ذلك، وقد حددت العقوبات في المادة 268 وهي الأشغال الشاقة لمدة لا تقل عن سبع سنوات، مع الملاحظة بأنه لا يحتوي على قواعد لإثبات الجريمة أو غيرها من وسائل البراهين مهما كانت صعبة.
ولا يعترف المشرّع المصري بحدوث “الاغتصاب” إلا بالإيلاج، وكذلك لا يعتبر الإجبار على أي ممارسة جنسية دون موافقة اغتصابًا، كالاغتصاب الشرجي أو إيلاج أدوات/أيادي في المهبل/الشرج/الفم. كما يستعير المشرع المصري لفظ “هتك العرض” من الإرث الثقافي والمجتمعي حول ممارسة الجنس بالإكراه ويربطه بالعرض والشرف، وبالتالي يصبح وصمًا مجتمعيًا للضحايا لا الجناة.
التوصيات:
- فرض نص صريح بقانون للعقوبات لتجريم “الاغتصاب الزوجي” بإشراك النساء في صياغته. ولا يتأتى ذلك إلا بإصدار قانون موحد ضد العنف. حيث يؤثر الافتقار إلى الحماية القانونية من الاغتصاب الزوجي على المجتمع. ما يسمح باستمرار العنف ضد المرأة بشكل عام والاغتصاب الزوجي بشكل خاص.
- تطوير الخدمات المحلية المقدمة للنساء ضحايا العنف وتوعية النساء بفوائدها. وتوفير أنشطة وقائية مثل الإرشاد والتوعية حول كيفية مواجهة العنف ضد المرأة وإبراز العقوبات التي سيتعرض لها مرتكبوها وتوسيع المشاركة المجتمعية في التوعية.
- رفع وعي الصحفيين والإعلاميين بشأن قضية العنف الجنسي وحقوق المرأة وحقوق الإنسان ودورهم في وقفها أمر بالغ الأهمية لتغيير المنظور المجتمعي للعنف الذي من شأنه تسهيل أو تثبيط برامج القضاء عليه.