في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الاقتصادي، استعاد مصطفي مدبولي، رئيس الوزراء، مقالة كتبها نجيب محفوظ في “الأهرام” بعنوان: “من الجاني؟” تحدث فيها عن مؤتمر اقتصادي تم تنظيمه عام 1982، وقال إنه شخّص الداء واقترح شتى العلاجات، وتساءل: “إذا كان الداء معروفًا.. فكيف تُرك بدون علاج؟”.
تكررت الفكرة ذاتها في المؤتمر، الذي اختتم أعماله الثلاثاء بعد ثلاثة أيام من نقاشات استمرت من العاشرة صباحًا وبعضها استمر حتى الثامنة مساءً. إذ شهد تركيزًا على شرح الوضع القائم ومشكلاته وأسبابه، دون اهتمام أكبر بالمقترحات وكيفية معالجة الأزمة رغم الحاضرين من الخبراء والمستثمرين، ورغم أن التوصية في اللغة والعُرف مرتبطة بتقديم اقتراح بخصوص مسألة معينة، ورغم تأكيد الحكومة في البداية أن الهدف من المؤتمر هو نقاش بناء يُفضي لحلول قابلة للتنفيذ.
اقرأ أيضًا: باب الخروج.. الانعتاق والانطلاق
بحسب رئيس مجلس الوزراء، فإن المؤتمر قبل انعقاده تلقي ما يعادل 600 مقترح غالبيتها من الشباب، الذين تم تمثيلهم على مستوى الحضور لا على مستوى النقاش أو الكلمات التي استحوذ عليها رجال الأعمال والمسئولون ومسئولو بنوك الاستثمار والأسماء الثقيلة من الخبراء المستقلين.
قسم المؤتمر توصياته لمحاور غالبيتها مرتبطة بالاقتصاد الكلي. ففي محور السياسات المالية والنقدية، تضمنت التوصيات العمل على استمرار خفض نسبة الدين إلى الناتج المحلى الإجمالي، وإطالة أجل السداد، والاستمرار في تحقيق فائض أولى لتعزيز قدرة الدولة على سداد التزاماتها.
من تأخر في ملف القرض؟
في المحور ذاته، تمت التوصية بسرعة الوصول إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي والعمل على مرونة سعر الصرف ليعكس ديناميكيات السوق من العرض والطلب، كأداة لامتصاص الصدمات الخارجية، وتفعيل سوق المشتقات للعملة، والعقود الآجلة، كأداة تحوط ضد مخاطر تذبذب سعر الصرف.
فكرة التوصية بضرورة الوصول لاتفاق مع الصندوق تعطي تلميحات كما لو كانت وزارة المالية والبنك المركزي بيديهما حسم ملف التفاوض، وليس المؤسسة الدولية. أو بمعنى آخر أنهما السبب في عدم حسم ملف النقاشات التي بدأت منذ مارس/آذار الماضي واستمرت لقرابة 7 أشهر.
ارتباط الجنيه بالدولار
وضع المؤتمر توصيات بإصدار مؤشر للجنيه المصري مُقومًا ببعض العملات لأهم الشركاء التجاريين والذهب. وهو أمر لا يمثل توصية، إذ أن الفكرة أعلن عنها محافظ البنك المركزي حسن عبد الله، مؤكدًا في الجلسة الختامية لليوم الأول ضرورة فك الارتباط بين الدولار والجنيه، وأن يكون الأخير مرتبطًا بسلة عملات يتم ترتيبها، وفق مؤشرات التجارة الخارجية مع مصر فأمريكا ليست أهم الشركاء التجاريين للقاهرة.
القطاع الخاص وعود للتحفيز
كان تمكين القطاع الخاص المحور الأكثر اهتمامًا من قبل المؤتمر في غالبية الجلسات. سواء فيما يتعلق بالسياسات المالية والنقدية أو الصناعة أو وثيقة ملكية الدولة، وتخارجها من 79 صناعة بالكامل لصالح القطاع الخاص، مع بعض الجدل حول الجهة التي تتولى التسعير وتحديد الشركات التي يجب طرحها.
شملت التوصيات توسيع قاعدة الملكية بالتركيز على التخارج من خلال تبني الطرح بالبورصة كأولوية، وتليه زيادة رأس المال بدخول مستثمر استراتيجي، وتعزيز دور صندوق مصر السيادي بنقل عدد من الشركات التابعة للدولة إليه. فضلًا عن تحديد فترات زمنية للموافقة على الطلبات المُقدمة من المستثمرين، بحيث يعتبر تأخر رد الجهة موافقة ضمنية لبدء مزاولة النشاط.
وفيما يتعلق بتوصية سرعة صرف دعم الصادرات للقطاعات المُستحقة للدعم، بمجرد التقدم بالمستندات الدالة، كانت هي الأخرى وعد من وزارة المالية في جلسة الصناعة، حيث الحديث عن تقديم الدولة 45 مليار جنيه كدعم للمصدرين حتى الآن.
وبينما ركزت الجلسات على دور القطاع الخاص فيما يتعلق بالصحة والتعليم، حملت التوصيات ضرورة إدارة القطاع للمنشآت الصحية بنظام حق الامتياز، إلى جانب تقديم حزمة متكاملة من الحوافز الضريبية والتمويلية. وذلك لتشجيع القطاع الخاص على توفير خدمات تعليمية متنوعة تتناسب مع مختلف شرائح المجتمع، خاصة الطبقة المتوسطة، ما يراعى أهداف التنمية المكانية بالمحافظات المختلفة.
توصيات عامة
وضع المؤتمر توصيات تتعلق بالقطاعات الاقتصادية ذات الأولوية وفي مقدمتها ملف الأمن الغذائي وتضمنت الاقتراحات، إصلاح منظومة التعاونيات والاتحادات المرتبطة بالنشاط الزراعي، لتطوير التسويق التعاوني، ومستلزمات الإنتاج، والزراعات التعاقدية، والإرشاد الزراعي، والتجمعات الزراعية، مع إيجاد خطوط نقل سريع لتمكين الصادرات الزراعية الطازجة من النفاذ إلى الأسواق المُستهدفة باعتبارها سريعة التلف، والتركيز على الخطوط التي تُمثل أهمية نسبية، ولها وزن نسبى بحجم الصادرات الزراعية.
في جدول أعمال المؤتمر لم يتم التركيز كثيرًا على القطاع الزراعي. إذ تضمن جلسة واحدة فقط بعنوان “خارطة طريق نحو تعظيم الناتج الزراعي وتعزيز مستويات الاكتفاء الذاتي”، رغم تحديد جلسات عديدة للقطاع الخاص ومشكلاته وكيفية دعم الصادرات الصناعية.
اقرأ أيضًا: أبواب الخروج في مصر.. كسر أغلال الإدارة والمجتمع (2)
وفيما يتعلق بتطوير قطاع الصناعة، شملت التوصيات سرعة الانتهاء من الرؤية المتكاملة لاستراتيجية الصناعة الوطنية، واستهداف بعض الصناعات المهمة، وتعميق التصنيع المحلي، وخاصة الصناعات الهندسية والكيماوية والنسيجية والغذائية.
شملت التوصيات تحويل المناطق الصناعية إلى مدن سكنية متكاملة والعمل على توفير سكن للعاملين لتقليل تكلفة انتقالهم ومنح أراض للمصانع، وهو أمر قائم بالفعل في المشروعات الجديدة التي تتبناها الدولة، بهدف مواجهة نموذج التنمية القديمة الذي واجه معضلة صعوبة تنقل العمال،
من توصيات المؤتمر أيضًا تفعيل قانون تفضيل المنتج المحلى بهدف تعزيز المنتج المحلى في المشروعات القومية للدولة، وإنشاء منطقة اقتصادية خاصة لصناعة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات عالية التقنية على المدى القريب.
دعم للصناعة أم توجه فئوي
الملاحظ في المؤتمر أن الكثير من مداخلات رجال الأعمال انصبت على خلق متلازمة بين الحوافز والتصدير وحل مشكلات التصدير، وهو أمر انعكس حتى في تصريحات وزير المالية الدكتور محمد معيط الذي أعلن عن وضع نظام جديد للتحفيز قريبًا، وتأكيد جمال نجم نائب محافظ البنك المركزي على حل جميع مشكلات الصناعة في القريب العاجل، دون إعلان المزيد من التفاصيل.
مطالب المستثمرين انعكست على توصيات المؤتمر التي تضمنت دراسة إدخال تعديلات على عقود توصيل التيار الكهربائي للمصانع بحيث تصبح قابلة للتمويل البنكي، ووضع إطار تنفيذي داعم ومحفز، توحيد الجهة الخاصة بتحصيل الرسوم على المستثمرين في قطاع السياحة، مع الإسراع بإصدار اللائحة التنفيذية لقانون رقم 8 لسنة 2022، بشأن إصدار قانون المنشآت الفندقية والسياحية، واشراك القطاع الخاص المصري والأجنبي في إدارة وتشغيل كافة مرافق النقل؛ لتبادل الخبرة وضمان تقديم خدمة جيدة للمستخدمين والمحافظة عليها، مع العمل على تعديل التشريعات والقوانين واللوائح المنظمة.
وكان من بين توصيات محور القطاعات الاقتصادية ذات الأولوية، التوسع في التصنيع المحلى للوحدات المتحركة للسكة الحديد والجر الكهربائى وقطع غيارها، لخلق قاعدة صناعية يمكن الاعتماد عليها وتوفير العملة الصعبة، لكن الملاحظ أن التوصيات لم تركز إلا في نطاق محدود على وثيقة ملكية الدولة رغم أنها اخذت من وقت المؤتمر اليوم الثاني كله تقريبًا.