ينعم الدستور المصري والقانون المصري بجميع النصوص التي تضمن حقوق وحريات المواطنين بشكل يكاد يكون كاملا. فعلي سبيل المثال لا الحصر تنص المادة 54 من الدستور المصري على أن “الحرية الشخصية حق طبيعي، وهي مصونة لا تُمس، وفيما عدا حالة التلبس، لا يجوز القبض على أحد، أو تفتيشه، أو حبسه، أو تقييد حريته بأى قيد إلا بأمر قضائي مسبب يستلزمه التحقيق”.

ويجب أن يُبلغ فورًا كل من تقيد حريته بأسباب ذلك، ويحاط بحقوقه كتابة، ويُمكّن من الاتصال بذويه وبمحاميه فورًا، وأن يقدم إلى سلطة التحقيق خلال أربع وعشرين ساعة من وقت تقييد حريته.

ولا يبدأ التحقيق معه إلا فى حضور محاميه، فإن لم يكن له محام، نُدب له محام، مع توفير المساعدة اللازمة لذوى الإعاقة، وفقًا للإجراءات المقررة في القانون. ولكل من تقيد حريته، ولغيره، حق التظلم أمام القضاء من ذلك الإجراء، والفصل فيه خلال أسبوع من ذلك الإجراء، وإلا وجب الإفراج عنه فورًا.

وينظم القانون أحكام الحبس الاحتياطي، ومدته، وأسبابه، وحالات استحقاق التعويض الذي تلتزم الدولة بأدائه عن الحبس الاحتياطي، أو عن تنفيذ عقوبة صدر حكم بات بإلغاء الحكم المنفذة بموجبه.

وفي جميع الأحوال لا يجوز محاكمة المتهم في الجرائم التي يجوز الحبس فيها إلا بحضور محام موكل أو مُنتدب.

القيمة القانونية للمادة 54 من الدستور هي أنها مادة قابلة للأعمال بذاتها دون الانتظار إلى تنظيم قانوني للحقوق والضمانات الواردة فيها.

والمادة تحتوي على بعض الضمانات الواردة في قانون الإجراءات الجنائية، وجرى وضع تلك الضمانات في الدستور من خلال تلك المادة لتصبح ضمانات دستورية لا يملك القانون الأدنى من الدستور مخالفة ما جاء بها من ضمانات.

ذلك إلى جانب أن المادة 280 من قانون العقوبات تنص على معاقبة “كل من قبض على أي شخص أو حبسه أو حجزه، بدون أمر أحد الحكام المختصين بذلك، وفي غير الأحوال التي تصرح فيها القوانين واللوائح بالقبض على ذوي الشبهة”.

هذا هو القانون وهذا هو الدستور، ولكن ما يحدث في الواقع لا يمت للقانون والدستور بصلة، ما بين احتجاز في أماكن غير معلومة، واختفاء لأيام قبل العرض على النيابة، والاستيلاء علي الممتلكات الشخصية أثناء القبض على المواطنين، وتتم التحقيقات أحيانا بدون حضور محامي.

فهل سيناقش الحوار الوطني إساءة استخدام القوانين من قبل السلطة التنفيذية التي أحيانا تصل إلى التجاهل التام لبنود القانون والدستور؟

أعتقد أن الأولوية القصوى الآن هو تغيير فوري للممارسات التي تطبق تجاه المواطنين، والتي تعد ضرب عرض الحائط بالقوانين والدستور المصري. وهذا التغيير يستلزم اعترافا ومواجهة وإرادة سياسية وسياسات ردع لمن ينتهكون القانون والدستور من السلطة التنفيذية. فالقانون والدستور ليسا إلزاميا فقط للشعب ولكنه إلزاميا للطرفين؛ السلطة قبل الشعب حتى تستقيم الأمور.

“إذا كـــان ربُ البيتِ بالدفِ ضاربٌ فشيمـةٌ أهلِ البيتِ الرقصُ”

ومن منظوري الشخصي بعد قراءة الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، وبعد مرور عام على إطلاقها، أستطيع أن أقول إن 70% من توصيات الاستراتيجية تنحصر بين التوعية والتدريب، أي أنها بشكل كبير تستهدف تغيير الشعب بالتوعية و30% تحديات تنحصر في تعديلات تشريعية. ولم تتطرق بشكل واضح إلى الانتهاك المتعمد الصريح للقانون والدستور من قبل منفذيه. وهو أمر إذا استقام ستنحصر التوعية والتشريع في أقل المساحات.

هل نحتاج إلى حوار وطني لإنهاء الممارسات المنتهكة للقانون والدستور؟

هل من المفيد أن تنعقد جلسات مصارحة ومواجهة بين المفرج عنهم وأهالي المحبوسين وأصحاب المواقع المحجوبة والممنوعين من السفر والمتحفظ على أموالهم والسلطات التنفيذية؟ أم أنها تحصيل حاصل والكل يعلم ماذا يفعل؟ أم نحتاج فقط وفقط إلى إرادة سياسية حقيقة تعترف بانتهاك القانون والدستور وتصدر قراراتها التنفيذية لوقف مثل تلك الانتهاكات فورا من الآن وصاعدا، ونحاول أن نبدأ صفحة جديدة؟ ذلك إذا كان هناك نية حقيقة لحوار وطني يثمر عن تغيير حقيقي نحو مبادئ الحرية والعدالة وسيادة القانون واحترام الدستور.