يكشف الصحفي محمد سرساوي في كتابه “مديحة كامل.. سنوات الظهور والاختفاء” جانبا هاما من حياة الفنانة الجميلة والموهوبة التي طالما كانت أيقونة للأنوثة، ذات جمال متفرد واستثنائي لم يمر مثله على السينما المصرية الزاخرة عبر تاريخها بالجميلات، ربما لأن جمال نجمات الشاشة المصرية كان أقرب دائما إلى الجمال هوليودي الطابع، وهو أمر طبيعي نظرا لتأثر هوليود الشرق بالسينما الأمريكية على مدار تاريخها، لكن جمال مديحة كامل في استثنائيته ووحشيته كان أقرب للسينما الإيطالية والفرنسية مع الاحتفاظ بالطابع الشرقي والسمرة الفاتنة وأفضل مثال على ذلك هو تشبيهها بالنجمة الإيطالية تونسية المنشأ كلوديا كاردينالي.

ربما طبيعة هذا الجمال واستثنائيته هو ما أخر نجوميتها وحصولها على أدوار البطولة المطلقة، وأدى إلى حصرها لفترة طويلة في الأدوار الثانوية وأدوار الإغراء، حتى أنها قالت ساخرة في أحد الحوارات عندما كانت تعد بنفسها لعدد من فساتين فيلم تنوي إنتاجه هربا من هذا الحصار: ” أصلي بقى لي كتير ما لبستش على الشاشة، ودي فرصتي أني أثبت أني بأعرف أمثل بالفساتين” حيث احتار المخرجون والمنتجون في طبيعة هذا الوجه غير الاعتيادي على السينما التي فضلت البراءة الملائكية لنجماته ( وهي عادة احتفظت بها السينما حتى جيل منى ذكي وحنان ترك) على الوجه الذي يفيض بغواية شيطانية، لذا إن لم توضع في دور إغراء كان الأسهل أن توضع في دور شريرة مكروهة، فتعريف مثل تلك المرأة في مجتمعنا هو دائما خطر وغير مطلوب، لأنه يشي أيضا بشخصية استقلالية، أقوى من الرجل في طموحها وأهدافها، وهو أمر يمكن حتى لمجتمعنا السينمائي التسامح معه.

رحلة مديحة كامل كما يكشفها لنا الكتاب، رحلة امرأة من هذا النوع، قوية، مستقلة، صاحبة قرار، متمردة، لكنها أيضا لم تكن الشيطان، فربما تكون النوازع العكسية كالخنوع والتبعية هي نوازع فساد، فمديحة كامل لم تكن مجرد جسد فاتن، كانت مثقفة وقارئة شغوفة وتجيد التحدث بالفرنسية والإنجليزية والإيطالية بطلاقة ، لها محاولات في كتابة القصص، وفي سنوات دراستها كانت طالبة متفوقة وكذلك رياضية متفوقة في ألعاب كالجمباز وتنس الطاولة وفازت بالمراكز الأولى في التمثيل، وأصرت على دراسة الفلسفة وعلم  النفس في الجامعة لتتمكن من فهم الشخصيات التي تمثلها، أو كما قالت لزوجها الأول قبل أن تنطلق في رحلة نجوميتها” أنا بتعلم عشان أكون نجمة سينمائية مثقفة”.

كان قرارها برفض أدوار الإغراء هو أيضا قرار جريء، كي تجبر الجميع على رؤيتها كممثلة، فكاد ذلك أن يكلفها انصراف المخرجين والمنتجين عنها، حتى أنها كادت في لحظات أن تيأس وتقرر الاعتزال لولا دور عرضه عليها الفنان فريد الأطرش.

بهذا الشعور بالتمرد والاختلاف، قبلت الدور الذي رفضته سعاد حسني ونجلاء فتحي وترددت في قبوله مرفت أمين، دور الجاسوسة هبة سليم في فيلم الصعود إلى الهاوية والذي كان بطاقة عبورها إلى أدوار البطولة المطلقة والأدوار المركبة كما حلمت دائما. لم تخش أن تلعب دورا مكروها، وسخرت من الفكرة الشائعة في سينما أن الجمهور المصري غير قادر على التمييز بين الدور الذي يؤديه ممثل ما على الشاشة وبين شخصيته الحقيقية.

حتى قرار الاعتزال وارتداء الحجاب كان مختلفا عن الكثير من زميلاتها، فلا يبدو انجرارا لفكر سائد أو وسوسة مشايخ، بل قرارا صاعدا من داخلها، فكرت فيه كثيرا ولا يبدو بعيدا عن طبيعتها بل يكشف جزء من تلك الطبيعة، وفي فيديوهات مسجلة لها، لم تتنكر لما قدمته من أفلام، بل كانت تفخر بها وتبرأت بشجاعة من اللذين حرموا الفن لا الفن. كان حجابها واعتزالها جزء من رحلة بحثها عن نفسها، أو بالأحرى ما اختبرته عبر عمرها كلها أن تكون صادقة مع تلك النفس.