حين أمر أمام أغلفة مكتبة ديوان لروايات الأديب نجيب محفوظ، أتذكر فورا أغلفة الفنان جمال قطب والفنان حلمي التوني، حيث تتصدر المرأة مشهد الغلاف، حتى ولو كان الأبطال رجالا وشبابا، حس الفنان الرسام بالنص الروائي جعله يُدرك الفاعل الرئيسي، الأم في “بين القصرين” الفتاة الطموحة في “زقاق المدق”، الفتاة الحزينة في “بداية ونهاية”، الزوجة المثيرة في “السراب”، الفلاحة المستنيرة في “ميرامار”.. كلهن المحرك الأساسي للأحداث ومِداد رجال الرواية في السعي والبحث والراحة والندم والسند، وحين فطن فناني الأغلفة لهذه الحقيقة قدموها كشخصية رئيسية وخلفها الرجال، وأحيانا هي وحدها فقط، ولعل الفتاة والسيدة المصرية تنفرد بشكل خاص وأحيانا بشكل موجع بـ”شيل الحمول” والهم في أي بيت، بين أفراد أسرتها سواء كانت أم أو أخت أو ابنة، فسعي الرجل لتدبير اللازم ينتهي مع انتهاء ساعات عمله، ولكن سعي المرأة لا ينتهي ويستمر في خلق الحلول والتدبير و”شقلبة” الأمور حتى تستمر الأيام بلا عثرات مادية وبتوفير إناء طعام كل يوم.

(1)
صباح أمس الخميس رفع البنك المركزي المصري معدلات الفائدة بمقدار 200 نقطة أساس، خلال اجتماع استثنائي، ليصبح سعر عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة 13.25% و14.25% على التوالي.

تضمن بيان المركزي فقرة مهمة قال فيها إنه “تم اتخاذ إجراءات إصلاحية لضمان استقرار الاقتصاد الكلي وتحقيق نمو مستدام وشامل، وتحقيقا لذلك سيعكس سعر الصرف قيمة الجنيه المصري مقابل العملات الأجنبية الأخرى، بواسطة العرض والطلب، في إطار سعر صرف مرن”.

وبمجرد صدور القرار أخذ الجنيه في التراجع أمام الدولار بمعدلات متسارعة حيث تخطى سعر الدولار في البنوك 22 جنيها بعدما كان مستقرا لفترة عند 19.65 جنيها، ويستمر الدولار في الزيادة كل لحظة.

اقتراب سعر الدولار من 23 جنيها، أثار الكثير من المخاوف والقلق من أرتفاع أسعار جديد وأقوى من المرات السابقة والذي لم يتوقف منذ مارس الماضي، بل صار طقسا أسبوعيا أن يزداد سعر المنتجات والسلع والخدمات ومع هذه الزيادة الكبيرة وتراجع سعر الجنيه أمام الدولار توقع الجميع المزيد من الزيادات التي تحدث بلا محاسبة ولا رقابة، وفي هذه اللحظات يتوجه جميع الرجال لزوجاتهم وبناتهم بنصيحة واحدة وربما هي رجاء أيضا مُلخصها: “حاولوا تظبطوا الأمور على قد ما تقدروا”.

(2)
مع هذا الارتفاع القوي للدولار فهمت كل السيدات العاملات وربات البيوت بأن الأيام المقبلة مرحلة أخرى من التحدي، وبنصائح الرجال أو بدونها فالمرأة المصرية معروفة بطرقها الخاصة في تدبير الأمور وخلق وجبات من أقل الموارد، واخترعت نظام “الجمعية” لتدبير فلوس للزواج أو قسط مصروفات مدرسة أو تجهيز البنت، طرق مثل حفظ الخضروات في مواسمها لتفادي زيادة سعرها في غير موسمها مثل التجميد والتخليل والتجفيف هي كلها طرق اقتصادية رائعة عرفتها المرأة المصرية بفطرتها وخبرتها في ظل ظروف غلاء وبطالة تعرضت لها على مر العقود الأخيرة، وورثتها البنات من الجدات ليستمر فتح البيوت وإطعام الصغار ورتق الملابس و”تدبيق” الأمور المادية.

(3)
المرأة المعيلة ليست هي فقط التي بدون زوج أو أخ أو أب بل أحيانا كثيرة ما يكون هناك زوج يعمل أو لا يعمل، موجود أو مُطلق أو مسافر أو متزوج بأخرى ولا ينفق على بيته الأول، وتكون السيدة هي التي تُعيل أسرتها بالرغم من وجوده ككائن حي ليس له أي تأثير، وحسب تعريف جهاز التعبئة العامة والإحصاء للأسر التي تعيلها امرأة فهي: الأسر التي ترأسها (تدير شؤونها وتتخذ قرارتها) الإناث والذي يقدر بـ4.1 مليون أسرة، والنسبة مقسمة بواقع 2.3 مليون أسرة في الريف مقابل 1.8 أسرة في الحضر، و75% منهن هن أرامل، حسب كتيب “الخصائص الديموغرافية والاقتصادية للأسر التي ترأسها إناث” ويقدم إحصائيات حتى عام 2019.

لذا فنحن جميعا الآن في أشد الحاجة للتدبير والتفنن في صنع حلول لأمورنا المادية وهذا الأمر في يد النساء وحدهن.

(4)
بالرغم من أنني مستقرة ماديا، وصمدت كثيرا أمام قفزات الأسعار الأخيرة، إلا أنني صباح أمس أصابني خوفا وقلقا لم أعهده من قبل، ولكن مع مرو ساعات اليوم صرت أهدأ وأكثر تفكيرا في خطواتي جميعها، بدأت في التخطيط للشهر القادم وطرحت من أجندتي كل الكماليات والتي بالفعل يتساقط منها بندا كل مرة ترتفع فيها الأسعار، وأخذت أفكر في كيفية حفظ بعض الخضروات والفاكهة، وأشاهد فيديوهات لتصليح صنبور المطبخ وقفل الباب حتى لا ألجأ لفني سباكة أو نجار، خزنت بالفعل بعض الزيتون والليمون والفلفل والبصل في صورة مخللات، وصنعت أكياس الصلصة تحسبا لأوقات غلاء الطماطم التي تصل لـ20 جنيها للكيلو، بدأت أعود للأكلات البسيطة القديمة مثل الكشري الأصفر والبيض المسلوق ووجبة المفصصة المصنوعة من الفول المدشوش والصلصة والكزبرة، وربما أزيد عدد مرات صنع العدس في الشهر وتقليل كمية اللحوم وزيادة الخضروات والحبوب في الوجبات، وأحافظ على طريقتي في تكوين كمية الوجبة بحيث أنني مطلقا لا ألقي بأية بواقي من طعامي مطلقا منذ سنوات.. هكذا سأفعل مثلما كانت تفعل جدتي وتفعل جارتي وأخريات، يُدرنَ المطابخ والبيوت وساعات المذاكرة للأولاد وشراء الطلبات من الأسواق والفصال والجمعيات.

(5)
منذ أيام قال أب لابنه وكأنه يُعايره: “أنت تربية واحدة ست”، ومثلما علق عليه الإعلامي محمود سعد بأنه: “النساء تربي وحدها حين يختفي الرجل والأب ولا يؤدي دوره، وهذا فعل يُشرف وليس فيه ما يُسيء لابنك”، والحقيقة أننا جميعا بلا استثناء تربية ستات، سواء معنا رجال أو بدونهم، فمعظم، إن لم يكن جميع الرجال يعتقد أن دوره يقف عند العمل وإعطاء زوجته أو ابنته فلوس أو مصروف شهر، فلا يعرف ماذا يحدث بعد تسليم هذه النقود لـ”ست البيت” حتى لو كانت تعمل مثله فهي دورها مستمر في التربية والتوجيه للأولاد وفي تدبير النقود التي أخذتها من الأب/ الزوج، وأكملت عليها من راتبها، حتى يستمر الأولاد في تعلمهم وتغذيتهم ونظافتهم وسلوكهم الجيد.