تستضيف مصر أوائل شهر نوفمبر القادم أطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغيير المناخ “كوب 27″، والذي سيتم عقده بمدينة شرم الشيخ، وذلك لمحاولة الأطراف المنعقدة للوصول إلى أقرب صيغة لمواجهة ظواهر التغيرات المناخية، وكيفية التغلب على آثارها على المجتمع الدولي بشكل عام، وذلك وفق الأسس والمبادئ القانونية والاتفاقية الدولية في هذا الإطار، ويمکن القول بأن العدالة المناخية تعد مزيجًا بين حقوق الإنسان وتغير المناخ، حيث تهدف في المقام الأول إلى حماية حقوق الإنسان التي قد تتأثر من جراء التغيرات المناخية، ولذا فإن العدالة المناخية تعد أفضل وسيلة لتحقيق توزيع عادل في الأعباء والتکاليف بين الدول المتقدمة والصناعية والدول الفقيرة.

اقرأ أيضا.. على هامش مؤتمر المناخ

ومن ناحية الاتفاقيات الدولية، فهناك العديد من المعاهدات التي تناولت موضوع المناخ أو التغيرات المناخية، ويأتي على رأس الاتفاقيات اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ، والتي تم توقيعها عام 1992، والتي دخلت حيز النفاذ الفعلي عام 1994، وتشترط أن تتقدم الدول الأطراف بالإبلاغ عن الانبعاثات الغازية، وكيفية مواجهتها، كما يجب أن تتعهد الدول باتباع سياسات تحد من تلك الانبعاثات الغازية، كما يشکل بروتوکول کيتو لعام 1997 في اليابان إضافة مهمة في مجال حماية المناخ، کما أنه يُعد أول اتفاق ملزم لکل الدول بشأن تخفيض ترکيز غازات الدفيئة في الغلاف الجوي للحد من إلحاق الضرر بالنظام المناخي للأرض، ويميز البروتوکول بين الالتزامات التي تقع على عاتق جميع الدول الأطراف، وتلك التي تقع على عاتق الدول المتقدمة فقط، استنادًا إلى المبدأ الذي نصت عليه الاتفاقية، والذي يقضي بتنوع المسئولية تبعًا لظروف ودرجة تقدم الدولة، والذي حمل الدول المتقدمة المسئولية الأولى عن انبعاث هذه الغازات في الجو. كما عقد مؤتمر مناخ الأرض في باريس سنة 2015 وأعلنت الاتفاقية أنها تهدف إلى الحد من ارتفاع درجة الحرارة عند اثنين درجة مئوية عن عصر ما قبل التصنيع، مع تشجيع الأعضاء على استهداف ارتفاع 1.5 درجة مئوية فقط، ولا شک أن تطبيق هذه الاتفاقية سيعکس مبدأ العدالة ومبدأ المسئولية المشترکة لجميع الدول في مواجهة تغير المناخ مع مراعاة التباين بين الدول المرتبطة باختلاف الإمکانيات والمسئولية.

ويمكننا القول إنه قد أصبحت قضية العدالة المناخية من أهم القضايا بل وفي مقدمة القضايا التي تطرح بشدة على صعيد الأجندات الدولية لا سيما تلك التي تتعلق بقضايا تغير المناخ، ويسعى منهج العدالة المناخية إلى التوفيق بين اعتبارين أحدهما: ضرورة التخفيف والحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وثانيًا: الحاجة إلى تغيير الأنظمة الموروثة لاستخراج المواد، ونقلها، وتوزيعها، وتوليد الطاقة، وإنتاج السلع، وتقديم الخدمات، وطرق الاستهلاك، وطرق التخلص منها، والتمويل اللازم.

ولم يقف الأمر عند حد الاتفاقيات الدولية فقط، بل أكدت ذلك القوانين الداخلية في البلدان، ومن بينها مصر صاحبة مؤتمر هذا العام، وبها العديد من القوانين التي تدعم فكرة الحفاظ على المناخ والبيئة، وحمايتهما من أضرار التلوث أو المؤثرات النابعة عن الصناعات الحديثة، والتي تؤثر بشكل قطعي في التغيرات المناخية، بما يعود بالضرر على المناخ بشكل عام.

الانبعاثات الملوثة للبيئة

وإن كان لنا أن نؤکد على أن للدول الصناعية السبق التاريخي في التصنيع، وبالتالي الإضرار بالغلاف الجوي، وتتحمل معظم المسئولية عن توليد الانبعاثات، في حين تعتبر الدول النامية الأکبر عرضة لتبعات ارتفاع درجة حرارة الأرض والأقل قدرة على الوصول إلى الموارد والتکنولوجيا للتکيف مع عواقب التغيرات المناخية، ومن ثم ينبغي أن تتحمل الدول المتقدمة عبئا أکبر من الفقيرة في التصدي لتغير المناخ، وهو ما يُعرف بمبدأ المسئولية المشترکة لکن المتباينة، ولا يوجد اتفاق دولي حتى الآن على کيفية ترجمة هذا المبدأ لتوزيع المنافع والأعباء المرتبطة بتغير المناخ بشکل عادل ومنصف، وتطرح العدالة المناخية بعض المقاربات والرؤى بشأن کيفية الاستجابة لتغير المناخ سواء عن طريق خفض الانبعاث “التخفيف” أو عن طريق التکيف معه بطريقة منصفة مما يتطلب معرفة کيف تتحقق العدالة المناخية، فإن ذلك يحمل المسؤولية الأساسية على تلك الدول، ولكنه لا يخل بمسؤولية كافة الدول على الحفاظ على المناخ من أية مؤثرات قد تؤثر على طبيعة الأحوال المناخية، أو درجات الحرارة، أو يزيد من درجات التلوث بشكل أو بآخر، وهو الأمر الذي نجده ملحوظا بشكل رئيسي في استخدام الدول الصناعية لأراضي الدول النامية أو دول العالم المسمى بالثالث في دفن نفايتها النوويو أو التخلص من مخلفاتها المضرة بالبيئة والمناخ، كما يظهر ذلك أيضا بشكل واضح في إقامة مصانع تلك الدول في أراضي خارج نطاق حدودها الجغرافية هروبا من الانبعاثات أو العوادم التي تصاحب تلك الصناعات أن تصيب قطاعاتها الجغرافية المناخية، وبالتالي تصيب أو تصب أضرارها في البلدان الأخرى، والتي تبحث عن أي مكسب مادي يساعدها أو يدفع بقاطرة التطور والنمو في البلدان النامية.

وإذ إن التغيرات المناخية المصاحبة لانبعاثات غازية أو تلوثات بيئية أيا ما كان نوعها أو مصدرها، فإنها جميعها تؤثر بشكل قاطع على مجموعة من حقوق الإنسان، المرتبطة بحقه في الحياة، أهمها الحق في الصحة والبيئة النظيفة، وحق الغذاء، والحق في السكن المناسب، إذ إن زيادة معدلات الانبعاثات وعدم الحفاظ على البيئة يقلل من مساحة تمتع الأفراد بتلك المجموعة من الحقوق.

وعلى الرغم من وجود هذه الاتفاقيات الدولية أو القوانين الداخلية، فإن الأمر لم يزل خطرا بل يزداد خطورة كلما ازدادت الدول الصناعية في استخدام التكنولوجيا غير الصديقة للبيئة، أو في عدم احترامها لحقوق الدول الفقيرة، أو استخدام أراضي تلك الدول كمدافن للنفايات، أو كأماكن للصناعات المصاحبة للانبعاثات، دونما أي حرص أو أحترام لأي مبدأ حقوقي، أو قانوني.

وبالتالي فإن الأمر هنا يقف عند حد السياسات الداخلية لكل بلدان العالم ومدى احترام تلك السياسات للحقوق البيئية، أو عدم استخدام الصناعات المؤثرة مناخيا، دون أي اعتبار لحقوق الأفراد في الحياة، وبالتالي يجد هنا السلطة السياسية الحاكمة ودورها في محاربة هذه الأزمات التي تودي بحياة المواطنين، ويكون ذلك بعدم السماح للدول الصناعية في استخدام أراضيها كمدافن للنفايات، أو كأماكن للصناعات غير البيئية، كما يجب كذلك على البلدان الفقيرة الحفاظ على البيئة بشكل مستمر من خلال سياساتها، وليس فقط بمجرد النصوص القانونية، وهذا جميعه لا يخل بالدور الموكل بالدول الصناعية الكبرى في تحمل مسؤوليتها تجاه ما تحدثه من انباعاثات، ويأتي ذلك الدور في دعم سبل مكافة ومعالجة هذه الانباعاثات، وهذه التلوثات، وتحمل مسؤوليتها المالية في دعم دول العالم الثالث، ذلك حتى ينعم جميع الأفراد بحقهم في الحياة.