ناقشت لجنة الإسكان في مجلس النواب الأسبوع الماضي مقترح تعديلات قانون البناء رقم 119 لسنة 2008. وأعلنت الحكومة أن التعديلات المقدمة منها تستهدف معالجة مشكلات. منها صعوبة استخراج رخصة البناء وطول المدة الزمنية للبت في الطلب.

وخلال 2021 فرضت الحكومة عدة اشتراطات للبناء تضمنت تحديد ارتفاعات العقارات ونسب البناء من إجمالي المساحة. فضلا عن تحديد عدد الأدوار. وكانت التعديلات محل شكاوى واسعة سواء في الريف أو المدن. وبسببها تتراجع حركة الإنشاء وضاعت آمال ملايين في القدرة على توفير سكن.

اشتراطات البناء الجديدة
اشتراطات البناء الجديدة

ينظم قانون البناء القواعد التي من شأنها تحديد الحد الأدنى الذي يمكن قبوله لمستوى السلامة للمنشآت. والهدف منها حماية الصحة العامة وضمان الأمان والمصلحة العامة.

وتتضمن المادة 78 من الدستور كفالة الحق في السكن الملائم بما يحفظ الكرامة الإنسانية ويحقق العدالة الاجتماعية. وذلك بوضع خطة وطنية للإسكان تراعي الخصوصية البيئية وتكفل وجود سكن سواء عبر المبادرات الذاتية أو التعاونية.

اشتراطات مجحفة

يقول الحقوقي المصري جورج إسحاق إن قانون البناء “مُجحف ولا يحترم الدستور” الذي تنص المادة 35 منه على أن الملكية الخاصة “مصونة ولا يجوز فرض الحراسة عليها ولا تنزع إلا للمنفعة العامة بمقابل تعويض”.

وللأسف الشديد لا يطبق الدستور كما جاء لحمايتنا وأطيح به وأصبح مجالا للاختراع والتفنن في مواده. بل وتعديل مواده بما يناسب الطبقة الثرية -حسب إسحاق.

جورج إسحاق متحدثا عن حق السكن دستوريا
جورج إسحاق متحدثا عن حق السكن دستوريا

وأضاف: “هناك مشكلة عامة في مسألة التراخيص. وكمثال دال في محافظة بورسعيد يشترط أن تكون نسبة البناء 70% على الأراضي التي تزيد مساحتها على 175 مترًا. هذا يُفقد صاحب الأرض 30% من مساحة أرضه”. مشيرا إلى أن هذا جزءا من كل يستحق التعديل التشريعي.

ويقول المهندس عمرو عاطف إن محافظات القاهرة الكبرى أكثر محافظات مصر معاناة نتيجة قرارات منع البناء وتحديد المباني بـ4 أدوار فقط. وبات المطلوب أن تكون الارتفاعات 6 أدوار على الأقل ما دامت هناك سلامة إنشائية للمبنى. ويضيف: “الناس لا تدري ماذا تفعل في ظل بنود قانون تهدر الوقت وتطيل فترة الحصول على التصاريح. وهي أيضا تفتح بابا كبيرا للرشاوى غير أن الاشتراطات تهدر قيمة الأرض”.

الحكومة تعاقبنا

توقف شبه تام تشهده حركة البناء في المدن منذ أن صدرت اشتراطات البناء الجديدة عام 2021 في ظل سلبيات كبيرة خلفها. وأيضًا تعديل بعض أحكام قانون البناء رقم 119 لسنة 2008 المنظور أمام البرلمان. ناهيك بقانون التصالح السابق رقم 17 لسنة 2019 والمعدل بالقانون رقم 1 لسنة 2020.

يقول سعد علي البجاوي -55 سنة من القاهرة- إن بعض الشوارع في منطقة الزاوية الحمراء لا يتعدى عرضها 5 أمتار. والاشتراطات المطبقة تمنع ارتفاعات أكثر من 4 أدوار وذلك يهدر قيمة الأرض.

رشاوى الأحياء وفسادها
رشاوى الأحياء وفسادها

ويضيف: “الشفافية التي تحدث عنها الرئيس عبد الفتاح السيسي تقتضي المصارحة بما تشهده المحليات والمحافظات والأحياء من مهازل ورشاوى وعمولات. وكمية أموال دفعت بغير وجه حق بحجة إنجاز التصالح. فلمصلحة من يتم تعطيل مصالح المواطنين وتحميلهم أكبر من طاقتهم؟”.

وقال “البجاوي” الحكومة “عاقبتنا على البُنا العشوائي وطبقت اشتراطات غير عادلة. فهناك شوارع ضيقة كما في أغلب الأحياء القديمة مثل عابدين والسيدة زينب والسيدة نفيسة والظاهر وتحديد الارتفاع حسب الشارع يهدر قيمة الأرض. أما في مناطق لها ظهير زراعي كما في المرج وحلوان والتبين فكان يمكن أن تكون هناك اشتراطات أكثر ملاءمة بدلا من المنع الذي تسبب في وقف حال الجميع حتى الصنايعية في مجال التشييد.

تعطيل زواج

أما أشرف محمود العجوز -35 سنة من المطرية- فقال إن طبيعة المنطقة في القفاصين عمارات 4 و5 أدوار فقط حاليًا. وتابع: “زواجي متعطل بعد خطوبة 5 سنوات. حاولت أبني شقة لنفسي صدمت بقرارات منع التعلية والارتفاع المحدد بعرض الشوارع التي صدرت في اشتراطات البناء”.

وتساءل: “هل المفروض أترك بيت أهلي وأروح أشتري شقة بمليون جنيه وأكثر في المدن الجديدة؟ لازم حل للاشتراطات الجائرة لقانون البناء”.

وتقول علية علي السعودي -45 سنة موظفة بأحد الأحياء: “ابني مهندس زراعي وحين حاول بناء الدور الخامس كشقة زوجية جاءت اشتراطات البناء في الوايلي لتمنعنا. أسلوب فرض الأمر الواقع على المواطنين باشتراطات بناء صعبة يخلق مشكلة. خاصة لا يستطيع المواطنين شراء شقق محدودة المساحة بأثمان مرتفعة حتى لو وفرت الدولة هذه الشقق بالتقسيط”.

دون حل

مشروعات إسكان الدولة بلا سكان
مشروعات إسكان الدولة بلا سكان

قال سيد فؤاد عباس -صاحب شركة مقاولات- إن منع البناء وأزمة التراخيص للمباني بلا حل. فأعمالي توقفت والعمالة سرحت وبعض الصنايعية أصبحت تعمل على تكاتك وميكروباصات في ظل وقف الحال بمشروعات البناء. أما الديون فقد حاصرتني في ظل مقدمات شقق وعرابين أصبحت ملزما بردها لأصحابها.

وأضاف: “لا نعرف حاليًا هل نحن مخالفون أم لا بعدما عاقبتنا الحكومة بعدم البناء وتعقد إجراءات التراخيص. أم أنها محاولة لتسويق مشروعات بلا مشترِ في المدن الجديدة والظهير الصحراوي للقاهرة والجيزة”.

البسطاء وشقق بالملايين

مراجعة قانون البناء واشتراطاته
مراجعة قانون البناء واشتراطاته

تقول حميدة عبد اللطيف -ربة منزل من فيصل بالجيزة: “وقف البناء شلل كبير وتعطيل مصالح. فين هاجوز ولادي الأربعة؟ جوزي اتوفى من سنين بعد أن رجع من فترة شقا في الخليج يجمع كل قرش عشان يشتري قطعة أرض لأولادنا قرب شارع اللبيني”.

وأضافت: “أولادي في عمر قريب من بعضه. نفسي أطمئن عليهم ويكون لهم مأوى بدل الإيجار اللي اتربوا فيه. ولادي مافرحوش بوجود أبوهم في طفولتهم ومش عارفين يستنفعوا بتعبه وشقاه في الغربة سنين بعد مات بسبب قانون منع البناء. وفي الوقت نفسه ما نقدرش نشتري شقق في المشروعات الجديدة”.

أما علي عبد الودود سمعان -موظف بشركة خاصة من القناطر الخيرية- فيقول: “قرارات وقف البناء خلت أسعار العقارات والإيجارات مرتفعة للغاية ولا نعرف ما الحل في وقت بيدوسنا فيه قطر الزمن والأسعار”.

قيمة الأرض

ويرى الخبير الاقتصادي فاروق الهلباوي أن تحديد عدد الأدوار بـ4 طوابق يمثل إضاعة للقيمة المادية للأرض. خاصةً في مناطق مثمنة بسعر عالٍ كما في القاهرة الكبرى. والتي لا يقل سعر أقل متر فيها عن 10 آلاف جنيه”.

يقول الهلباوي: “الفترة الماضية شهدت حملات موسعة لعمليات الإزالات في القرى والمدن. وهذا أفقد الدولة مليارات من الأموال كان يمكن أن تدخل خزينتها ضمن إجراءات التصالح بدلًا من اللجوء للإزالة وتغريم المخالفين بالإزالة على نفقتهم”.

وتابع: “كان يمكن دراسة أفضل لأي نقص في أوجه القانون والتعديل عليه -كما يحدث حاليًا- والاستفادة بأموال تدخل للدولة تنفق على التنمية والتطوير والخدمات ودعم الحماية الاجتماعية أو منظومتي الصحة والتعليم بدلًا من الهدر في الإزالات. فالأرض لن تعود للزراعة مرة أخرى ولا لأي نشاط نافع. ناهيك بآلاف الأطنان من الحديد الذي سيهدر بعد أن وصل سعر طنه إلى 19 ألف جنيه والأسمنت يتعدى 1500 جنيه إضافة لمواد البناء الأخرى المهدرة من رمل وزلط وأموال أنفقت على العمالة. الحل كان سهلا وبسيطًا بدل الشدة واللجوء إلى العقاب”.

أزمات قانون البناء

مجلس النواب المصري
مجلس النواب المصري

انتقد عدد من أعضاء مجلس النواب مسألة تحديد البناء على 70% من إجمالي مساحة الأرض. وهو أمر يظلم ملاك المساحات الصغيرة -حسب رأيهم. مطالبين بإعادة النظر في مسألة الارتفاع والتي يصل حدها الأقصى إلى 16 مترًا.

وقال الدكتور محمد عبد الحميد -وكيل أول لجنة الشؤون الاقتصادية بمجلس النواب- إنه من الضروري أن تتضمن التعديلات الجديدة على نصوص قانون البناء معالجة مشكلة صعوبات إصدار التراخيص واللفة الكبيرة على وزارات التنمية المحلية والإسكان والمرافق ونقابة المهندسين والتعليم العالي والبحث العلمي والتخطيط والتنمية الاقتصادية.

ويقول الناشط الحقوقي جورج إسحاق إن هناك الكثير من علامات الاستفهام تتعلق بقانون البناء واشتراطات الترخيص. وأضاف أن أصحاب الملكيات الصغيرة يتمنون بناء بيوت لهم ولذويهم ولا بد ألا يكون هناك اشتراطات مجحفة وتتطلب وقتًا ونزيفًا ماديًا كبيرًا فيما يخص الإجراءات.

وتساءل: أين الشباك الواحد أو المنفذ الواحد لتخليص كل الموافقات؟ ولماذا لا يكون الترخيص إلكترونيًا؟ كل هذه أسئلة بحاجة إلى إجابات وأن يتضمنها التعديل على قانون اشتراطات البناء المطبق.

تأخير التصالح

 

ويظل قانون البناء يمنع التعليات ويضع عراقيل أمام إصدار تراخيص المباني خادمًا لتسويق مشاريع الكومباوند ولصالح الشقق في المدن الجديدة التي تباع بملايين الجنيهات. ولا قدرة لأغلب الشباب والمواطنين على شرائها. في حين يشكل تأخير إنجاز المصالحات على البناء واستخراج الرخص رغم سداد الغرامات والمديونيات وتعثير إجراءات استخراج تصاريح البناء “غصة في حلق” المواطن البسيط.