في اليوم الثاني للمؤتمر الاقتصادي الذي عقد منتصف الأسبوع الماضي كشف محافظ البنك المركزي المصري أن البنك يدرس استحداث مؤشر للجنيه المصري. هذا المؤشر يقيس أداء العملة المحلية مقابل سلة عملات وعناصر أخرى مثل الذهب.

ورد محافظ البنك المركزي ذلك إلى تغيير ثقافة الدولة بشأن ارتباط سعر صرف الجنيه بالدولار. خاصة أن مصر ليست من الدول المصدرة للبترول.

وكان البنك المركزي أصدر الخميس الماضي حزمة قرارات استثنائية. تضمنت رفع سعر الفائدة 2% على الإيداع والإقراض في اجتماع استثنائي للجنة السياسة النقدية لأول مرة من 5 أشهر.

وارتفع متوسط سعر الفائدة لدى المركزي “كريدور” الى 13.25٪ للإيداع و14.25٪ للإقراض. كما تم رفع سعر الائتمان والخصم بواقع 200 نقطة أساس ليصل إلى 13.75٪.

 

البنك المركزي المصري
البنك المركزي المصري

سعر استرشادي

وتزامن ذلك مع انخفاض سعر صرف الجنيه ليتراجع أمام الدولار إلى مستوى 23 جنيها للبيع والشراء في بعض البنوك. بعد تأكيد البنك في بيان لجنة السياسة النقدية أن سعر الصرف سيعكس قيمة العملة المصري مقابل العملات الأجنبية الأخرى بواسطة قوى العرض والطلب. في إطار نظام سعر صرف مرن. مع إعطاء الأولوية للهدف الأساسي للبنك المركزي والمتمثل في تحقيق استقرار الأسعار.

ويُفسر رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب الدكتور فخري الفقي مقترح محافظ البنك المركزي بأن “الجنيه في الأصل ليس مربوطا بسعر صرف الدولار. لكن ما يحدث عبارة عن سعر استرشادي لقياس سعر صرف الجنيه”.

يشار إلى أن ربط سعر صرف الجنيه بالدولار بدأ عام 1962. حين تفاوضت مصر مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض لكنه لم يتم. وحينها قُدر سعر صرف الجنيه بنحو 2.3 دولار.

ويوجد نظامان رئيسيان لسعر صرف العملات. وهو سعر الصرف الثابت وسعر الصرف المرن أو العائم الذي تريد مصر تحقيقه وتسعى إليه -وفقًا لدراسة حول أنظمة الصرف في الدول العربية صادرة عن جامعة الشلف الجزائرية.

وسعر الصرف الثابت يتم فيه ربط سعر العملة المحلية بقيمة مقابل عملة قوية أو بسلة من العملات. حيث تعكس الأوزان النسبية للتجارة. أما سعر الصرف العائم أو المرن فيترك تحديد أسعار صرف العملة الوطنية لقوى السوق بالكامل. حيث العرض والطلب. ومع مرور الزمن يتغير سعر الصرف بين العملات تبعًا لتغيرات السوق والتجارة الخارجية. ويضمن ذلك النظام الحصول على سعر صرف متوازن -حسب الدراسة.

أزمة وجود سعرَين

موقف الجنيه أمام الدولار
موقف الجنيه أمام الدولار

رغم تأكيد البنك المركزي على اتباع سياسة تحرير سعر صرف الجنيه فإن ذلك لم يتحقق بشكل كامل. حيث كان يتم التعويم أو تحرير سعر الصرف بشكل مدار وليس بشكل كامل. وعانت مصر من تلك الإشكالية منذ عام 2015 و2016 حيث كان يوجد سعران للعملة المحلية أمام الدولار.

وفي 20 مارس/آذار 2019 قدمت شركة “لايت هاوس” لأبحاث السوق مذكرة كشفت فيها بشكل واضح أن الجنيه المصري ما زال خاضعا لإدارة محكمة ولا يعمل وفقا لنظام سعر صرف حر.

وفي 11 مارس/آذار 2021 غرد كبير الاقتصاديين في معهد التمويل الدولي -روبن بروكس- على تويتر بأن “تحديد سعر صرف الجنيه المصري عاد إلى ما كان عليه قبل 2016”. أي قبل تحرير سعر صرفه وتعويمه، وأكد أن ربط الجنيه بما وصفه “حكم الأمر الواقع” أمر مضر.

ترمومتر

ويُضيف “الفقي” لـ”مصر 360″ أن الجنيه لا يتحمل ربط سعر صرفه بالدولار أو بأي عملة أخرى. كون الاقتصاد المصري ضعيفا ولا يتمتع بأي فوائض مالية تُمكّنه من تحمل ربط عملته بالدولار.

ويُوضح أن مؤشر الجنيه المصري الذي اقترح محافظ البنك المركزي تنفيذه وتصميمه عبارة عن “ترمومتر” لقياس سعر صرف العملة المحلية فقط. وسيتكون ذلك المؤشر من سلة عملات لكن لن يتم ربط الجنيه بشكل صارم بها.

موقف العملة المحلية أمام عملات العالم
موقف العملة المحلية أمام عملات العالم

ويُشير رئيس لجنة الخطة والموازنة إلى أن المؤشر سيتكون من سلة عملات لم يتم الاستقرار عليها بعد. إضافة للذهب باعتباره يلعب دورًا مهما في تحديد بعض الأسعار. لافتًا إلى أن المؤشر عبارة عن سعر قياسي سيتم تصميمه حتى يكون معبرًا عن السعر الحقيقي للعملة.

كما سيخضع الجنيه للعرض والطلب. وذلك حتى لا يتم تقويمه بأعلى من سعره الحقيقي. مثلما حدث في فترات سابقة -وفق الفقي. مضيفًا أن البنك المركزي سيعتمد على سياسات مالية تُساعد على عدم خفض سعر الجنيه مثل زيادة أسعار الفائدة أو غيرها.

وكشف عن عدم تصميم مؤشر الجنيه حتى الآن لكنه متوقع الانتهاء منه نهاية العام الجاري.

السلة المقترحة

من جهته يقول المحلل المالي بالبورصة المصرية محمد مهدي إن العملة المحلية المصرية مربوطة بسعر صرف الدولار. لذا تتأثر بالدولار بشكل كبير. فضلاً عن تأثرها بالاقتصاد العالمي نظرًا للعجز في ميزان المدفوعات المصري.

ويُضيف لـ”مصر 360″ أن الدولار كعملة لها مؤشر يتكون من 6 عملات رئيسية يقاس على أساسها سعره. وهي الدولار الكندي والجنيه الإسترليني والين الياباني واليورو واليوان الصيني والدولار الأسترالي. إضافة لحجم التجارة الخارجية للولايات المتحدة ومنها يتحدد سعر الدولار عالميا.

وتابع أن ما يسعى البنك المركزي لتنفيذه في مصر هو إنشاء سلة عملات يتم على أساسها تحديد سعر صرف الجنيه. متوقعًا أن تتكون سلة العملات من الدولار وكيانات كبرى مثل الين الياباني واليوان الصيني واليورو وعلى أساس شبكة تجارة مصر الخارجية.

يُذكر أن واردات مصر الخارجية ليست كلها بالدولار. لكن هناك واردات من منطقة اليورو وأخرى من الصين ثم اليابان وروسيا. وبالتالي يمكن الاستعانة بها في حال إتمام عملية إنشاء مؤشر العملة المحلية.

إجمالي واردات مصر مع العالم في العام المالي 2020/ 2021 (التصميم: مصر360)
إجمالي واردات مصر مع العالم في العام المالي 2020/ 2021 (التصميم: مصر360)

تداول المؤشر بالبورصة

ويتوقع المحلل المالي محمد مهدي أن يتم تداول “مؤشر الجنيه” بعد الانتهاء من تصميمه وربطه بسلة العملات في البورصة المصرية. كأنه أحد الأسهم وبالتالي سيمكّن ذلك المستثمرين وغيرهم من المتاجرة على سعر الجنيه في البورصة بدلا المضاربة على سعر الجنيه في السوق السوداء.

والمضاربة يقوم بإجرائها بعض التجار للاستفادة من فروق الأسعار بين الجنيه والدولار تحديدًا. ويطلق عليها اصطلاحًا “السوق السوداء للعملة”.

ويشرح “مهدي” طريقة عمل “مؤشر الجنيه” بأنه سيبدو كما لو أنه سهم لإحدى الشركات. وبالتالي سيكون له سعر ويتم تحديده من خلال آليات عمل البورصة. مشيرًا إلى أن المؤشر سيساعد المواطن على التعود على حركة الجنيه بين الصعود والهبوط. وعدم التأثر بالصدمات السعرية التي تحدث حال تعويم الجنيه.

وستجري المتاجرة أو المضاربة على سعر الجنيه في البورصة للاستفادة من فروق السعر بين الجنيه والعملات الأخرى -وفق “مهدي”. مضيفًا أن فكرة “المركزي” تدور حول تخفيف الضغط على الجنيه المصري بالاتجاه لشراكات أخرى مثل منطقة اليورو أو اليوان الصيني. وهما أكثر منطقتين ترتبط مصر معهما بعلاقات تجارية. فيما يلفت إلى أن ربط الجنيه بسلة عملات ليس فكرة مستحدثة. فدولة المغرب ربطت عملتها الرسمية “الدينار” بسلة عملات قبل أعوام. فضلاً عن ربط دول الخليج عملاتها بالدولار أو بسلة عملات.

فك الشراكة

سلة عملات وليس الدولار وحده
سلة عملات وليس الدولار وحده

في السياق نفسه ترى محلل أول الاقتصاد الكلي بإدارة البحوث بشركة “إتش سي” للأرواق المالية والاستثمار -سارة سعادة- أن الهدف من سلة العملات المقترحة من جانب البنك المركزي هو ربط الجنيه بعملات أخرى غير الدولار. وفك شراكته الطويلة معه.

وتُضيف لـ”مصر 360″ أن حديث رئيس البنك المركزي عن ربط الجنيه بـ”سلة عملات” لن يتم بشكل أحادي ودقيق مثلما يحدث بين الدينار الكويتي وسلة عملات يُقاس سعر صرفه على أساسها. أو ربط عملات دول الخليج بالدولار. لكن ستكون سلة العملات مجرد مؤشر لقياس سعر صرف الجنيه الحقيقي.

وتختتم قائلة: “يعني الجنيه لن يكون مقومًا بالدولار أو مقومًا بسعر سلة العملات فقط. لكنه مؤشر أو سعر استرشادي لحركة الجنيه”.

في النهاية تريد الحكومة المصرية عدم تكرار أزمة وجود سعرين للعملة المحلية أمام الدولار. والتي تسببت في أزمات كثيرة منذ بدء عملية تحرير سعر صرف الجنيه في 2016. كما تسعى للقضاء على فكرة دعم الجنيه أمام العملات الأخرى. وهي التي اضطرت البنك المركزي لإقرار سياسات نقدية أثرت في وضع الاحتياطات الدولية من العملة الأجنبية لمصر.