تسود حالة من القلق حاليا الدول المستوردة للقمح مع إعلان روسيا تعليق مشاركتها في اتفاق الحبوب مع أوكرانيا. بعد هجوم بطائرات مسيّرة استهدف قطعا بحرية حربية تؤمن سفن نقل الغذاء في البحر الأسود. ليعود ملف أزمة الغذاء العالمي لنقطة الصفر مجددًا.

وأسهم اتفاق الحبوب في نقل 9.1 مليون طن من البضائع وأغلبها قمح وشعير من مواني أوكرانيا على البحر الأسود منذ أن أبحرت أول سفينة في أغسطس/آب الماضي. ما قلل مستوى تضخم أسعار المواد الغذائية. خاصة في الدول الأكثر فقرا التي تواجه خطر المجاعة.

ويحمل توقف شحن الحبوب من البحر الأسود مشكلة للدول المستوردة. إذ حذر برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة من أن نحو 47 مليون شخص انتقلوا إلى “الجوع الحاد” منذ الحرب الروسية الأوكرانية. بينما يوجد نحو 3 مليارات شخص غير قادرين على توفير نظام غذائي صحي.

وتمثل روسيا وأوكرانيا معًا نحو 29% من صادرات القمح العالمية و19% من صادرات الذرة. فضلا عن 80% من صادرات زيت دوار الشمس. وتوقف صادرات أي منهما يضع الكثير من البلدان على المحك.

حبوب روسيا وأوكرانيا وأزمة الغذاء العالمي
حبوب روسيا وأوكرانيا وأزمة الغذاء العالمي

48 دولة مهددة

وبحسب مديرة صندوق النقد الدولي -كريستينا جورجييفا- فإن 48 دولة مهددة بتداعيات أزمة الغذاء العالمية. من بينها دول عربية يصل عدد سكانها إلى 141 مليونًا. ما اضطر الصندوق للإعلان عن برنامج للصدمات الغذائية لمدة عام واحد عبر برنامجي (التسهيل الائتماني السريع) و(أداة التمويل السريع) للدول التي تعاني نقصا حادا في الأمن الغذائي. أو أزمة حادة في الواردات الغذائية -خصوصا الحبوب.

ولم تحدد جورجيفا الدول المعنية بالاسم. لكن التقارير السابقة تشير إلى أن الأردن ولبنان والمغرب وتونس من بين الدول الأكثر تضررا من التداعيات الاقتصادية للحرب الروسية الأوكرانية. لأن صافي وارداتها من الغذاء والطاقة تتراوح بين 4% و17% من ناتجها المحلي الإجمالي.

لكن تأثير تعليق روسيا -التي تتهمها أوروبا بممارسة “لعبة الجوع” ضد الملايين من الفقراء في العالم- سيمتد للدول الغنية أيضًا. فموسكو تقول إن “اتفاق الحبوب لم تستفد منه الدول الأشد فقرًا. إذ تحصل فقط على 3% من صادرات الغذاء التي تتم في إطار الاتفاق. بينما تذهب نصف الشحنات للدول الغربية”.

هل تتأثر مصر؟

مصر ومحاولة تعويض القمح الروسي
مصر ومحاولة تعويض القمح الروسي

بالنسبة لمصر فهي تعاني منذ بداية الأزمة “الروسية-الأوكرانية” من ارتفاع سعر طن القمح الذي قفز من 340 دولارا لمستوى يتراوح بين 520 و540 دولارا في أغلب فترات العام الحالي. قبل أن يتراجع مع استئناف الإمدادات.

لكن مصدر بوزارة التموين أكد أن وقف اتفاق التسهيل في البحر الأسود لن يحمل تأثيًرا كبيرا على مصر. فنحو 80% من إجمالي واردات مصر تأتي من روسيا والنسبة المتبقية من باقي الدول بما فيها أوكرانيا، فمبوجب الإعلان الروسي هو أن موسكو انسحبت من الاتفاق الذي ينصب على تسهيل صادرات الحبوب الأوكرانية. كما أن مصر لديها احتياطي قمح يقترب من 7 أشهر بفضل الصوامع الجديدة. فمبوجب الإعلان الروسي هو أن موسكو انسحبت من الاتفاق الذي ينصب على تسهيل صادررات الحبوب الأكرانية.

مصر تكثف الاستيراد

خلال الأسابيع الأخيرة كثفت مصر من واردات القمح من مقاصد مختلفة استغلالا لتراجع السعر العالمي لمستويات تتراوح بين 374 و378 دولارًا للطن.

ففي 4 أكتوبر/تشرين الأول الحالي استقبلت القاهرة 181 ألف طن خلال 24 ساعة فقط. بينها 112.5 ألف طن من روسيا و63 ألف طن من فرنسا و58 ألف طن من رومانيا و6.2 ألف طن فقط من أوكرانيا.

بحسب الحجر الزراعي فإن مصر استوردت 3 ملايين طن قمح خلال الشهور الماضية جاءت أغلبها من روسيا. بينما تتوزع النسبة المتبقية على عدة دول بينها أوكرانيا ورومانيا وفرنسا وبلغاريا.

مخزون مصري من القمح يكفي 7 أشهر
مخزون مصري من القمح يكفي 7 أشهر

يقول مسئول التموين إن الفضل في تخطي مصر المشكلة الحالية يرجع للمشروع القومي للصوامع الذي تكلف 7.4 مليار جنيه. فحتى عام 2014 كانت السعة التخزينية تصل إلى 1.2 مليون طن فقط. لكنها وصلت حاليًا إلى 3.5 مليون طن.

يقول الدكتور أحمد العطار -رئيس الحجر الزراعي- إن مصر تعتمد 22 منشأ لاستيراد القمح من عدة دول كخطوة استباقية قبل حدوث أي مشكلة تتعلق بالغذاء. فيما رجح احتمال ارتفاع أسعار الحبوب عالميا مرة أخرى.

وعززت السلع التموينية مخزوناتها لصالح إنتاج رغيف الخبز. لكن القطاع الخاص يشكو من تأخر الجمارك في الإفراج عن شحناته التي تصل إلى نحو 700 ألف طن تعتمد عليها 80% من المطاحن ومصانع المكرونة الخاصة التي تقدر احتياجاتها الشهرية بنحو 450 ألف طن.

احتياطي السلع الاستراتيجية

وحاولت “التموين” تدارك الأزمة بإصدار توجيهات للهيئة العامة للسلع التموينية لتوفير القمح لمن يرغب من القطاع الخاص وقطاع الصناعات الغذائية بسعر 8700 جنيه للطن لمدة شهر. على أن يتم البت في الطلب خلال 72 ساعة فقط لزيادة المعروض من القمح للقطاع الخاص في الأسواق.

وسعت الوزارة لامتصاص ارتفاع الأسعار في السوق المحلية. فكل من القمح الروسي والأوكراني بروتين 11.5% يُباع بنحو 11200 جنيه للطن. وبروتين 12.5% يباع بـ11400 جنيه للطن الواحد.

وأعلن الحجر الزراعي تشكيل لجان مصرية في بلد المنشأ لفحص صومعة القمح قبل توريدها للمركب ووصولها إلى مصر. التي استوردت الأقماح من رومانيا وفرنسا وأمريكا والهند وروسيا وبلغاريا. ولم يتم رفض أي شحنات قمح من أي دولة.

 

أسعار القمح بعد انسحاب روسيا من اتفاقية الحبوب
أسعار القمح بعد انسحاب روسيا من اتفاقية الحبوب

ويقول الخبير الاقتصادي -خالد الشافعي- إن مصر وفرت احتياطيا من السلع الاستراتيجية مع زيادة القدرات التخزينية والصوامع الجديدة التي وفرت مليون طن قمح. كان يتم إهدارها في الشون الترابية.

ووصل الإنتاج المحلي من القمح إلى 10 ملايين طن وتم توريد 4 ملايين طن منها لوزارة التموين. التي تبنت إجراءات لزيادة قيمة توريد القمح للفلاحين بقيمة وصلت إلى 36 مليار جنيه.

ويضيف “الشافعي” أن التطورات المتلاحقة في أوكرانيا لا تؤثر في خيارات السلع التموينية التي عملت على التحرر من واردات روسيا وأوكرانيا بفتح مجال التوريد من مقاصد جديدة في مقدمتها الهند.

وخلال الأسابيع الأولى من الحرب الأوكرانية توقعت وزارة المالية ارتفاع تكاليف أسعار القمح بأكثر من 12 مليار جنيه خلال الموازنة الحالية. كفارق أسعار حينها بين المحلي والمستورد. وبدأت الحكومة في البحث عن بدائل لمنتجات أوكرانيا وروسيا.

مباشر أم مناقصات

يقول وليد دياب -عضو غرفة الحبوب في اتحاد الصناعات المصرية- إن مصر تعتمد على الحبوب الروسية أكثر من الأوكرانية. كما لجأت الحكومة أخيرًا لاستيراد القمح بالأمر المباشر وليس عبر المناقصات ومن مصادر متباينة حتى لا تقع تحت ضغط فقد القدرة على الاستيراد من مصدر بعينه.

وقرر مجلس الوزراء المصري في مايو/أيار الماضي نظامًا جديدًا لشراء إمدادات قمح عالمية عبر عروض مباشرة من الشركات أو الحكومات لهيئة السلع. ولم تطرح مناقصات شراء دولية منذ أن ألغت مناقصة في منتصف يوليو/تموز الماضي.

ويوضح “دياب” أن القرار الروسي بالانسحاب من اتفاقية الحبوب لن يحمل تأثيرا في مستوى وحجم الإمدادات ولكن في الأسعار. وهو أمر سيتضح مع فتح البورصات العالمية اليوم الاثنين. لكن توقع في الوقت ذاته ألا يحدث ارتفاع كبير في الأسعار مع تكيف الأسواق العالمية مع أجواء الحرب في الشهور السبعة الماضية.