أظهر تطبيق المرحلة الأولى من التأمين الصحي الشامل في بورسعيد قُبيل الموجة الأولى لكورونا في فبراير/شباط 2020 العيوب الهيكلية في نظام الحماية الاجتماعية والصحية في مصر.
جزء كبير من الإنفاق على نظام التأمين الصحي الشامل الجديد راح لتغطية شراء المعدات وإعداد المباني وتطويرها. دون توفير الكوادر البشرية الطبية اللازمة لعملية التشغيل.
وقد أدى انخفاض الإنفاق الحكومي على الصحة لارتفاع الإنفاق من جيوب المواطنين إلى 62% -ضعف المعدل العالمي- وفقا للباحث أحمد عزب.
وتشير بيانات منظمة الصحة العالمية إلى أن الإنفاق الخاص يمثل نحو 71% من إجمالي الإنفاق الجاري على الصحة في مصر. ولفت “عزب” في دراسة له تناولتها مؤسسة المرأة الجديدة بعنوان “اللا مساواة وغياب الإنصاف في الوصول إلى الخدمة الصحية قبل وخلال جائحة كورونا” إلى عدة عوامل مؤثرة في تدني الوضع الصحي في مصر. منها ضعف البيانات-جندرة التقارير الصحية-اللا مساواة في الحصول على الخدمة-نقص الأطباء والتمريض-ضعف المرتبات”.
ويتسم النظام الصحي الحالي بالتفتت وتعدد الجهات الفاعلة فيه. حيث إن هناك أربعة قطاعات رئيسية لها دور في تقديم الخدمة الصحية بيّنتها الدراسة. هي قطاع الدولة والقطاع الخاص والقطاع الخيري والتأمين الصحي.
ويعاني العاملون بالقطاع الصحي ضعفا شديدا في الأجور. ما أدى لهجرة الطواقم الطبية من مصر على مدى عقود ماضية بحثا عن ظروف عمل وفرص مهنية أفضل. وانخفض العاملون بالقطاع الطبي في مصر إلى 65% بينما تعمل المنظومة بكل قطاعاتها بـ35% من قوة العمل.
التأمين الصحي و”جندرة” التقارير
تنخفض نسبة النساء داخل مظلة التأمين الصحى إلى 20% من إجمالى عدد المؤمّن عليهم البالغ 58% من تعداد السكان. إضافة إلى وجود عوائق تحول دون حصول السيدات على الرعاية الصحة. منها نقص الأدوية وعدم توافر مقدم خدمة صحية بالوحدات العلاجية. وبعد المسافة عن أقرب وحدة صحية والاضطرار لأخذ وسيلة مواصلات.
وأوضحت أزمة كورونا حرمان النساء من فرص متساوية في العلاج بعدم تمكين الحوامل مثلا من الحصول على اللقاحات والتطعيمات. فقد تركتهن وزارة الصحة دون توصية صحية محددة. سواء بالحصول على اللقاح أو عدم أخذه لمدة طويلة. ولم تعطِ توصية صحية واضحة بفائدة اللقاح للحوامل إلا متأخرا -وفقا للدارسة.
وتشير خديجة الطاهر -استشاري النوع الاجتماعي بمؤسسة كير مصر الدولية- إلى أن النساء كانوا أكثر تضررا في القطاع الصحي خلال الجائحة. إذ امتد تأثير ذلك في أسرهم ولم تكن هناك شفافية في المعلومات لما تعرض له النساء خلال جائحة كورونا.
وتابعت أن “وحدات الرصد الآمنة للمرأة بالقطاع الصحي لم ترصد ما تعرضت له من عنف ولم تقيم الخدمات المقدمة هل ضمت كل النساء أم لا؟”. لافتة إلى أن هناك كثيرا من البطء في التطبيق وغياب للبعد “الجندري”/النوع الاجتماعي في تقديم الخدمة للنساء وذوي الإعاقة وكبار السن والمهاجرين. مبينة أنه تم حرمان مرضى السرطان من الحصول على الخدمة خلال الجائحة بحجة أن “الإمكانات البشرية تعاني”.
وأضافت أن 55% من النساء اللاتي لا يستخدمن وسائل منع الحمل قالوا إنهم لا يعرفون عنها معلومات ولا من أين يتم الحصول عليها. حيث يتم ربطها بالتسبب في العقم لغياب المعلومات عنها. مبينة أن عدالة النوع الاجتماعي ليست للنساء فقط. منتقدة انخفاض نسبة النساء داخل مظلة التأمين الصحي إلى 20%. فضلا عن حرمان النساء المعاقات من هذه الخدمات بالوحدات الصحية بسبب غياب وسائل التمكين.
سياسات رصد كاشفة
وأشارت نيفين عبيد -مقرر الصحة والسكان بالحوار الوطني- إلى أبرز النقاط الإيجابية بالقطاع الصحي في مصر. كخفض نسب وفيات الأطفال والأمهات. لكن المنظومة -حسب قولها- تحتاج إلى وضع سياسات رصد حول أعداد المسنين وذوي الاحتياجات الخاصة في المسح الصحي للسكان. وبيان الخصائص السكانية من منظور “جندري” يتعلق بالصحة والتعليم والعمل وفرص الحصول على الخدمات.
وقالت: “هناك غياب للشفافية في البيانات. حيث يتم توظيف الإحصاءات الرسمية لمصلحة الإحصائي. فهناك غياب للحياد لذا مطلوب مزيد من المسوح الصحية لها علاقة بقضايا نوعية. مثل الـ10 أعوام التي شهدت فيها مصر نزاعا اجتماعيا. أيضا نحتاج إلى كشف كيف يتم توزيع مخصصات التنمية وتوزيع عوائد التنمية”. وأكدت أن “الدولة بدأت في سحب يدها من الخدمات ولم تطرح بدائل”.
أزمة العلاج الاقتصادي
تعرض القطاع الصحي للتجريف لما لحقه من عملية خصخصة -وفقا للباحث الاقتصادى إلهامي المرغني. فقد انخفض عدد المستشفيات الحكومية بهيئاتها المختلفة من 1183 مستشفى بطاقة 79 ألف سرير سنة 2006 إلى 390 مستشفى حاليا تضم 1000 سرير فقط. فيما ارتفعت ملكية القطاع الخاص للمستشفيات إلى 60%.
وانخفاض أعداد مستشفيات الحميات والصدر من 106 في 2007 بطاقة 10 آلاف سرير. إلى 26 مستشفى بطاقة 4 آلاف سرير حاليا -بحسب “الميرغني”.
وقال إن نظام التأمين الصحي حدثت له بعض “الترقيعات” لتحسينه بإصدار عدة قوانين. مثل رقم 23 لسنة 2012 وقانون المرأة المعيلة والقانون 86 لسنة 2012 الخاص بالتأمين على طلاب دون السن المدرسي. والذين كان يتم علاجهم بقرار من وزير الصحة. ثم صدر قانون التأمين على الفلاحين وعمال الزراعة رقم 127 لسنة 2014.
وقال الميرغني: “65% من الطاقم الطبي استقالوا أو حصلوا على إجازة دون مرتب. وتعمل المنظومة حاليا بــ35% فقط من طاقتها. في حين تراجعت نسبة الإنفاق الصحي في مصر بالمخالفة لما يقره الدستور في الموازنة.
نقص الأطباء
تبلغ القوى البشرية في عدد الأطباء بالنسبة لكل 10 آلاف مواطن في مصر 8.2 طبيب من النسبة العالمية البالغة 32 طبيبا -أقل من الثلث. بينما تبلغ في بعض الدول العربية مثل الأردن 23 وفي لبنان 31 وفلسطين وعُمان 21 والسودان 2.3 وفي تونس 13 والبحرين 22.
وفي قطاع التمريض تبلغ النسب في مصر 15.5 ممرضة لكل 10 آلاف مواطن. فيما هي في العراق 22 والكويت 67 وعُمان 44 والسعودية 55 والسودان 35 والبحرين 33. فضلا عن أزمة عدد الأسرة والقوى البشرية والمستشفيات.
ويبين “الميرغني” أن أمراض الفقر من سمنة وسكر وضغط وتقزم وأنيميا حادة اعتبرتها اليونيسيف من مقاييس الجوع. وهو ما رصده المسح الصحي لعام 2020 والذي أجراه الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء وأوضح أن نسبة الفقر بلغت 32%. أي ثلث الشعب تحت خط الفقر.
ووصف “الميرغني” نظام التأمين الصحي الشامل بأنه “غير شامل وفقا للممارسة والتطبيق أفقيا على سكان بورسعيد. حيث يشترط أن يقوم الفرد بالتسجيل “اختياري”. بينما القانون ينص على إدارج جميع الفئات دون استثناء ببطاقة الرقم القومي. كما يلقي النظام بحمل عبء التأمين للزوجة والأبناء على عائل الأسرة. ما يمثل ضغطا ماديا على العمالة غير المنتظمة. التي تمثل 56% من سوق العمل طول المدة الزمنية في تطبيق المنظومة -15 سنة. إضافة إلى طول فترة الإحالة إلى الاستشاري للحصول على الخدمة الصحية.
انخفاض الإنفاق على قطاع الصحة
كانت تجربة وزير الصحة الأسبق النبوي المهندس في الستينيات ثورة وفقا لمنظمة الصحة العالمية.
وتعتبر أروع تجربة لخدمات العلاج المجاني في مصر خارج مظلة التأمين في رأى الدكتور محمد حسن خليل -مقرر مساعد لجنة الصحة في الحوار الوطني. حيث خطط لإنشاء 3 آلاف وحدة صحية بالقرى. وأنشأ 1200 منها بالفعل. فضلا عن 300 وحدة صحية تتوسط كل 10 قرى. أنجز منها 273 وخطط لإنشاء 125 مستشفى في كل مركز وعاصمة محافظة عمل 100% منها.
وأشار “حسن” إلى أن تدهور القطاع الصحي بدأ منذ فترة الثمانينيات. فبينما كانت الحكومة تنفق في الستينيات 5% من الناتج القومي الإجمالي على قطاع الصحة انخفض بعد عصر الانفتاح في عهد الرئيس الراحل محمد أنور السادات إلى 1.7%. ما يعادل 1.5%. وتحسنت قليلا ما بين عام 1997 و2002 زمن الوزير الأسبق إسماعيل سلام لكنها عادت للانحدار.
وقال: “نسير حاليا وفقا لمنظومة التأمين الصحي الشامل في خطة تهدف لبيع المستشفيات الحكومية. ومشاركة القطاع الخاص في الإدارة”. معتبرا أن أكبر خطر يواجه القطاع الصحي حاليا تنصُّل الدولة من المسؤولية عن الصحة وتحويلها على القطاع الخاص. في بلد ثلثه تحت خط الفقر. لافتا إلى أن الإحصاءات الرسمية للبنك الدولي عن مصر تعد خط الفقر الثاني بـ72.5% قبل عملية الإصلاح الاقتصادي. ما يعنى أننا “داخلين على أزمة في الخدمات”.
وبعد التوسع في قطاع التأمين الصحي من سنة 1992 إلى 1997 ليضم طلاب المدارس بلغت نسبة المؤمن عليهم 10 ملايين. ثم من 1997 إلى 2002 تمت إضافة فئة جديدة هم الأطفال من سن الولادة حتى دخول المدارس ليغطي التأمين 58% من السكان.
ووفقا لـ”حسن” فإننا بحاجة -طبقا لتوصية منظمة الصحة العالمية- إلى 3 أطباء لكل ألف مواطن. بينما واقع الحال لا يتجاوز 09.% طبيب بما فيهم أطباء القطاع الخاص والحاصلون على إجازة دون مرتب للعمل بالخارج -أقل من 40% من الحد الأمثل عالميا.
أزمة الأطقم الطبية خلال جائحة كورونا
لم يعلن رسميا عن عدد الوفيات بالأطقم الطبية والعاملين داخل قطاعات العمل الصحي وهيئة الإسعاف. وحتى الآن لا يوجد حصر دقيق بالإصابات. فالأرقام بين 500 و700 فرد. ما دفع الدكتور رأفت حسين -أستاذ تشريعات العمل- لرفع قضية للمساواة بين الأطباء وبين شهداء الجيش والشرطة في المعاش الاستثنائي في فترة الجوائح.
الدكتورة منى حبيب -الأمين العام للنقابة العامة للعلوم الصحية- قالت إن فني الأشعة والتحاليل “منسي” في الإحصائيات. ولا توجد أرقام توضح أعداد المصابين ولا الوفيات منهم خلال الجائحة خاصة في المراكز الخاصة. حتى إنهم لم تتم مكافأتهم ماديا. بل تم خصم 5% منهم لصالح صندوق بدل المخاطر الذي لم يتكون حتى الآن رغم صدور قانون المهن الطبية منذ سنة 2020.
ويشير عبد الرؤوف حسين -نائب النقابة العامة للإسعاف- إلى أن مشكلة الخدمات الصحية تنحصر في سوء توزيع الخدمات المتاحة بالقطاع الصحي. ومنها التفاوت في الأجور بين الهيئات الصحية. ففي الوقت الذي يحصل طبيب على 30 ألف جنيه يحصل آخر في مستشفى مركزي على 1500 جنيه. إضافة لغياب التوعية والتدريب لعناصر القوة الموجودة بمرفق الإسعاف البالغة 120 ألف عامل. فضلا عن عدم استغلال الكوادر العلمية التي حصلت على درجات علمية من حملة الماجستير والدكتوراه والاستفادة منهم في هيكلة الهيئة وتطويرها.