من المنتظر أن تواجه أوروبا أزمة حادة في إمدادات الطاقة خاصة الغاز الطبيعي مع حلول شتاء 2022/2023، بعد توقف إمدادات الغاز الروسي إثر الأزمة الناتجة عن الحرب في أكرانيا. بالإضافة إلى قرارات (أوبك+) -مجموعة الدول المصدرة للنفط- بخفض الإنتاج ورفع الأسعار.

تدفع تلك الأزمة جهود أوروبا للبحث عن حلول، كان منها محاولة التوصل إلى وضع سقف لتسعير الغاز مع الدول المنتجة. المحاولات الأوروبية لوضع سقف لأسعار الغاز قوبلت بالرفض من أعضاء منتدى الدول المصدرة للغاز، في اجتماعهم السنوي الذي عقد في القاهرة الأسبوع الماضي.

لم تكن أزمة سعر الغاز هي الجولة الوحيدة الخاسرة التي واجهتها أوروبا، حيث تعرضت إلى أزمة بعد قرارات “أوبك +” التي استهدفت منها الدول الأعضاء، الإبقاء على الأسعار مرتفعة عند 100 دولار للبرميل، وهو القرار الذي أشعل ردود أفعال وحرب تصريحات سياسة بين مجموعة الدول المصدرة والولايات المتحدة الأمريكية.

اقرأ أيضا.. مشروع “القاهرة-تل أبيب”.. هل يعوض أوروبا عن حصة روسيا من الغاز؟

أزمة الطاقة

الحرب الروسية الأوكرانية

أزمة الطاقة في أوروبا سبقت الحرب الأوكرانية الروسية. إذ كانت تتعلق بمستوى الاستيراد، والتي بلغت 40% من روسيا. بينما  بلغت الإمدادات في 2021 نحو 155 مليار متر مكعب، لكن كان هناك استقرارا نسبيا في الأسعار.

وأضافت الحرب الروسية الأوكرانية إلى الأزمة، خاصة عندما اتخذت دول الاتحاد الأوروبي إجراءات ضد موسكو والتي ردت على العقوبات بقرار وقف تصدير الغاز إلى أوروبا.

ضمن نتائج أزمة الطاقة، ارتفاع أسعار الغاز بأكثر من 400% منذ أغسطس/آب 2021، ما أدى بدوره إلى زيادة  تكلفة المعيشة للمستهلكين. بالإضافة إلى زيادة تكاليف الإنتاج. كما أجبرت أزمة الطاقة المتصاعدة الحكومات إلى زيادة إنفاقها لتخفيف العبء على المواطنين، وتقليل حدة الأزمة خلال الشتاء.

وبدأت روسيا في قطع الغاز كليا قبل أشهر من فصل الشتاء، والذي تزداد فيه معدلات استهلاك الطاقة، ما فاقم الأزمة بشدة داخل الاتحاد الأوروبي، بجانب الأزمات  الاقتصادية  في الناتجة عن أزمة فيروس كورونا.

مشتقات الطاقة

من ناحيته حذر البنك الدولي من تداعيات كبيرة في سوق الغاز في الاتحاد الأوروبي. إذ توقع تقرير صدر في  أكتوبر/تشرين أول الجاري أن يتضاعف سعر الفحم في أستراليا والغاز الطبيعي في الولايات المتحدة عن متوسط ​​السنوات الخمس الماضية. بالإضافة إلى أنه قد يتضاعف سعر الغاز الطبيعي في أوروبا أربع مرات.

ووفق بيانات منشورة ضمن النشرة الإحصائية السنوية لمنظمة “أوبك” فإن خريطة توزيع الاستهلاك العالمي من الغاز موزعة كالتالي: دول الاتحاد الأوروبي استهلكت عام 2021 نحو 550 مليار متر مكعب من الغاز. وتستحوذ ألمانيا منها على نحو 88 مليار متر مكعب. ومن بعدها تأتي بقية الدول الأوروبية.

أزمة التسعير

التضخم ارتفع في أوروبا إلى مستويات غير مسبوقة

الارتفاع المتزايد في أسعار الغاز دفع الاتحاد الأوروبي لمحاولة كبح الأزمة عبر اقتراح وضع سقف لأسعار الغاز الطبيعي عالميا. إذ قالت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، إن وضع سقف مؤقت لأسعار الغاز، بالإضافة إلى التفاوض مع الموردين، من شأنه أن يؤدي إلى تراجع أسعار الطاقة.

وأوضحت فون دير لاين، خلال تصريحات في البرلمان الأوروبي: “وضع سقف لأسعار الغاز حل مؤقت. يجب أن تتم صياغته بشكل صحيح لضمان أمن الإمدادات”.

يسري حسن رئيس شركة إيوس بترو يقول لـ “مصر 360″، إن محاولة تحديد سقف لأسعار الغاز يستهدف الحفاظ على اقتصاديات القارة العجوز. مشيرا إلى أن بلدان اليورو لا تتحمل أعباء مضاعفة جراء استيراد الغاز لتعويض “الغاز الروسي”.

المباحثات التي أجرتها الدول الأوروبية للحصول على الغاز كانت تسير في اتجاه كل من مصر وقطر والجزائر -بجانب الولايات المتحدة الداعم الأكبر لأوروبا- باعتبارهم الأقرب للأسواق الأوروبية. وتلك الدول لديها فائض يسمح بتصدير كميات متفاوتة من الغاز المسال إلى السوق الأوروبية. لكن لم يجر التباحث مع بداية الاجتماعات المشتركة حول تحديد سقف لأسعار الغاز .

أشار “حسن” إلى أن الاتحاد الأوروبي ربما يكون أمام خيار خفض استخدام الغاز طوعًا بداية من الشتاء المقبل؛ لتجاوز نقص الإمدادات، وتجنب المزيد من الخسائر نتيجة القفزات المتتالية في الأسعار.

ضغوط أوروبية

الغاز الروسي

رغم العلاقات الوطيدة بين أوروبا وبعض الدول المنتجة للغاز عالميا، إلا أن وزير الاقتصاد الألماني، روبرت هابيك، اتهم بعض تلك الدول برفع الأسعار لمستويات غير مسبوقة. وقال: “بعض البلدان؛ بما فيها بلدان صديقة، تسعى لأسعار باهظة وهذا يجلب بالطبع مشكلات يتعين التحدث بشأنها”. كما أضاف أنه يعوّل على المفوضية الأوروبية للتحدث عن هذا الأمر مع الدول الصديقة.

البعض اعتبر أن أحد البدائل الاستراتيجية المتاحة داخل أوروبا حاليًا هي النرويج. فهي ثاني أكبر مورد للغاز في أوروبا بعد روسيا. كما أنها تعمل على زيادة الإنتاج لإنهاء الاعتماد على روسيا بحلول عام 2027. وكبديل استراتيجي داخل القارة.

ورغم الإنتاج النرويجي الوفير، إلا أن الكميات الفائضة لن تُغطي احتياجات السوق الأوروبية، لذا ستبقى البدائل المتاحة خارج أوروبا، لكن بالتسعيرة التي تُحقق للدول المنتجة للغاز مكاسب اقتصادية.

عمرو مصطفى نائب رئيس هيئة البترول السابق يقول لـ”مصر 360″ إن محاولات الاتحاد الأوروبي، لإقرار سقف لسعر الغاز، لن يكون قابلا للتنفيذ. وأضاف أن السوق العالمية محكومة بقوى العرض والطلب.

وأوضح: “ما يحدث في تسعير خام نفط برنت على سبيل المثال، سيكون متبعا كذلك بالنسبة للغاز الطبيعي. كما أن الدول المنتجة للغاز لن تستغني عن مكاسبها الاقتصادية، التي تحققها الأسعار المرتفعة: “قد يؤدي مقترح سقف سعر الغاز إلى زيادة حدة نقص الإمدادات قبل الشتاء 2022/2023”.

“هناك اتفاقيات بين الدول المنتجة والشركاء الأجانب أصحاب الاستثمارات ورؤوس الأموال، وهناك تكاليف مرتفعة في الإنتاج والنقل والشحن والإسالة والاستخراج من طبقات صخرية بعيدة في المياه العميقة. وبالتالي تحديد سقف سعري للغاز ربُما يكون حلًا غير مُجديًا على الإطلاق” بحسب نائب رئيس هيئة البترول السابق.

المصالح الاقتصادية

وبدوره أعرب وزراء الدول الأعضاء في منتدى الدول المصدرة للغاز الطبيعي، عن قلقهم البالغ بشأن محاولات تغيير آلية التسعير و”فرض حدود قصوى للأسعار بدوافع سياسية”. يأتي هذا بعدما طرح الاتحاد الأوروبي اقتراحات بوضع سقف سعري، للحد من تداعيات الصدمة في مجال الطاقة.

منتدى الغاز تطرق إلى زوية أخرى وهي لفت الانتباه إلى تخطيط مجموعة الدول السبع لفرض سقف سعري على النفط الروسي ردا على غزو أوكرانيا. إلا أن المنتدى – الذي من بين أعضاءه روسيا وقطر ومصر- حذر من تلك التحركات. كما قال إن هذه التدخلات يمكن أن تزيد من حدة اختناق السوق، وتحبط الاستثمارات. كما تضر بكل من المنتجين والمستهلكين على حد سواء.

رئيس شركة “إيوس بترو” يقول إن المنتدى يهدف في الأساس إلى الحفاظ على مصالح الدول الأعضاء وأوضاع السوق العالمية عبر الاتفاقيات المشتركة وتغطية حاجة أسواق العالم من احتياجاتها من الغاز. وبالتالي لن يتم التخلي عن أهداف المنتدى الذي يضم بين أعضائه كبار المنتجين.

خيارات أوروبا محدودة

منتدى الدول المصدرة للغاز الطبيعي

السوق الأوروبية أمام خيارات بعيدة عن مصالح منتدى سوق الغاز. أولها تقليص الاستهلاك أو البحث عن بدائل فيما يتعلق بالطاقات المتجددة والهيدروجين الأخضر. وكذلك تعويض أزمة أسعار الغاز بعقد شراكات بين الدول التي تتمتع بفائض من إنتاج الغاز داخل الاتحاد الأوروبي. بالإضافة إلى ترك تسعيرة الغاز للشحنات القادمة من الخارج كما هي وفق معطيات السوق العالمية.

لا “حل سريع”

خبراء الطاقة قالوا إن الدول المنتجة للغاز تُحاول حاليا إيجاد حلول سريعة على مستوى توفير بعض شحنات الغاز. الأمر يتطلب مزيدا من ضخ الاستثمارات في وقت ترتفع به تكاليف الشحن والنقل، ولكن على أوروبا بذل جهد أكبر لتنويع مصادر الطاقة في المستقبل.

الخبير البترولي رمضان أبوالعلا يقول لـ”مصر 360″ إن الوضع في أوروبا بات أكثر تعقيدا منذ اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا. فالعقوبات التي فرضت على روسيا خلقت مأزق حقيقي. خاصة مع عدم  توفير بديل ملائم وسريع لسد احتياجاتها من النفط والغاز دون تكلفة عالية.

كذلك لفت إلى أن أحد الحلول المتاحة أمام دول أوروبا الآن ما يسمى بـ”التحول الطاقي”. والاتجاه إلى مصادر بديلة عن الغاز. وهذا لا يمكن تحقيقه على المدى القصير. كما أن هذه المشروعات تكون باهظة الثمن وتأخذ مددا زمنية طويلة في التنفيذ.