تنطلق، اليوم الثلاثاء، في الجزائر فعاليات القمة العربية، بنسختها الحادية والثلاثين، في ظل علاقات عربية -عربية متوترة، وأزمات إقليمية ودولية، من المنتظر أن تخيم بظلالها على التوصيات النهائية المتوقع صدورها.

هذه القمة التي يمكن وصفها بقمة المفارقات، تأتي بعد توقف نحو 3 سنوات. إذ كان مقررًا عقدها في مارس/ آذار 2020، إلا أنه تم تأجيلها لظرف جائحة كورونا. وهي القمة الرابعة التي تستضيفها الجزائر في تاريخها، بعدما استضافت أول قمة في نوفمبر/ تشرين الثاني 1973، وكانت الأخيرة في العام 2005.

عقدت آخر قمة عربية اعتيادية في تونس عام 2019، وشهدت مشاركة 13 زعيمًا، بينما ترأسها الرئيس التونسي الراحل الباجي قائد السبسي.

ورغم أن الجزائر أجلت القمة الحالية عدة مرات، في محاولة للخروج بـ”فعالية تليق بها” وبتاريخ استضافتها لقمم سابقة بدأتها بالأولى بعد حرب أكتوبر مباشرة، والثانية عقب الانتفاضة الفلسطينية 1988، والثالثة في 2005 بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري. إلا أن الظرف العربي هذه المرة ربما لن يسمح للجزائر بقمة تاريخية جديدة، في ظل غياب التوافق العربي حول القضايا الرئيسية الملحة على أجندتها. وكذا غياب عدد من القادة البارزين، وفي مقدمتهم قادة المجموعة الخليجية.

اقرأ أيضًا: حوار خاص| وزير الخارجية السابق: المناخ السياسي الراهن غير موات لحل قضية سد النهضة

ما تريده مصر من القمة

تتصدر أجندة القمة العربية قضيتان، تمثلان أهمية قصوى لمصر، لارتباطهما بمسألة الأمن القومي؛ إحداهما مرتبطة بالأمن المائي العربي، الذي تهدده إثيوبيا في الحالة المصرية السودانية، وتركيا في الحالة السورية العراقية، فيما الأخرى مرتبطة بالأزمة الليبية، وسحب القاهرة اعترافها بحكومة الوحدة الوطنية، التي يترأسها عبد الحميد الدبيبة. ذلك بعدما انتهت في الثاني والعشرين من يونيو/ حزيران الماضي صلاحية الاتفاق الذي جاءت بموجبه.

معضلة السد:

تسعى مصر، خلال القمة، لتضييق الخناق على أديس أبابا، في واحدة من المساحات الواسعة التي تلعب فيها على وتر التنافس بين القوى العربية والخليجية؛ تعزيزًا لنفوذها في منطقة القرن الإفريقي.

وتكثف مصر جهودها للحصول على دعم عربي وإفريقي لموقفها إزاء موقف الحكومة الإثيوبية، بشأن المخاوف المتعلقة بتشغيل وملء سد النهضة. خاصة قبل موعد الملء الرابع لخزان السد المقرر في يوليو/ تموز المقبل. حيث من المقرر أن تناقش القمة مشروع قرار قدّمته مصر والسودان بشأن السد، يؤكد البلدان خلاله على ضرورة التوافق مسبقًا مع إثيوبيا، على قواعد تنظيمية لتشغيل وملء السد بما يحدّ من الأضرار المتوقعة لكليهما.

إلا أن المساعي المصرية السودانية بشأن اللجوء للأشقاء تحت مظلة الجامعة العربية، تصطدم بعقبات متعددة.

أبرز هذه العقبات المصالح المشتركة لبعض الدول الأعضاء في الجامعة مع أديس أبابا، ما يثني تلك العواصم العربية عن إبداء مواقف متضامنة أو ضاغطة على إثيوبيا. وهو أمر حدث في يونيو/ حزيران 2020 عندما تحفظت كل من جيبوتي والصومال على أحد القرارات الصادرة عن اجتماع لوزراء الخارجية العرب، أكد – حينها – على “ضرورة امتناع الأطراف كافة عن اتخاذ أي إجراءات أحادية، بما في ذلك امتناع إثيوبيا عن البدء في ملء خزان سد النهضة دون التوصل إلى اتفاق مع دولتي المصب، لما يمثله هذا الإجراء من خرق صريح لاتفاق إعلان المبادئ المبرم بين الدول الثلاث في الخرطوم في 23 مارس/ آذار 2015.

اقرأ أيضًا: لماذا تصر السعودية على دعم إثيوبيا؟

ولم تكن هذه المرة الأولى التي ترفض فيها الدولتان الوقوف إلى جانب الحقوق المائية التاريخية لمصر والسودان. ففي مارس/ آذار من العام ذاته، رفضت وزارة الخارجية الصومالية مشروع قرار قدمته مصر لجامعة الدول العربية بشأن سد النهضة الإثيوبي، تؤكد فيه على حقوقها التاريخية في مياه النيل.

ولا تتوقف الأزمة بالنسبة لمصر والسودان داخل أروقة الجامعة العربية عند الموقفين الصومالي والجيبوتي فقط. ولكن تتسع لتشمل بعض الدولة الأخرى المنضوية تحت مظلة الجامعة. الأمر الذي عبر عنه الدكتور مصطفى الفقي، مدير مكتبة الإسكندرية السابق – في سبتمبر/ أيلول الماضي – بقوله: “إن الدول العربية خذلتنا في أزمة سد النهضة، وكان من السهل أن يكون هناك تأثير من الدول العربية التى لها استثمارات في أديس أبابا من أجل الشقيقة الكبرى مصر”.

سد النهضة في إثيوبيا (وكالات)
سد النهضة في إثيوبيا (وكالات)

تحتل السعودية المرتبة الثالثة بين المستثمرين الأجانب في إثيوبيا، بنحو 294 مشروعًا، بقيمة 5.2 مليار دولار، تتركز بشكل خاص في الزراعة والإنتاج الحيواني. كما تحتل الإمارات مرتبة متقدمة في الاستثمار بإثيوبيا. ورغم قدرة البلدين – بفعل الاستثمار الكبير – على التأثير على أديس أبابا، جاءت مواقفهما مخيبة للآمال المصرية في أزمة السد. بل أن مواقف الإمارات – على سبيل المثال – وصلت حد العمل على تقوية موقف الحكومة الإثيوبية بشكل دعم موقفها في مواجهة القاهرة والخرطوم، كما حدث في الدعم الإماراتي لرئيس الوزراء آبي أحمد بالطائرات المسيرة والأسلحة في مواجهة مسلحي إقليم تيجراي، كما ورد بالعديد من التقارير الدولية.

اقرأ أيضًا: الإمارات وآخرون: طائرات آبي أحمد المُسيّرة تقتل المدنيين في إثيوبيا

الموقف العربي الآخر الذي ربما يصطدم به مشروع القرار المقدم من مصر والسودان بشأن أزمة السد، هو موقف الجزائر التي تستضيف القمة. خاصة بعدما تطورت علاقتها مع إثيوبيا بشكل متسارع منذ بداية العام الجاري.

ففي فبراير/ شباط من العام الجاري، أعلنت الجزائر، ونيجيريا، وإثيوبيا، وجنوب إفريقيا تحالفًا عٌرف باسم “G4” للتشاور والتنسيق حول قضايا القارة الإفريقية مستقبلًا، في خطوة كانت مفاجئة بالنسبة لمصر. وذلك بخلاف توقيع كل من أديس أبابا والجزائر مجموعة من اتفاقيات التعاون والتنسيق رفيع المستوى الشهر الماضي. ذلك في وقت كانت إثيوبيا تصر على موقفها الرافض للتجاوب مع دعوات حل الأزمة بين وبين مصر والسودان على مائدة التفاوض.

الأزمة الليبية المزمنة:

الملف الثاني الذي يحظى باهتمام مصري خاص، نظرًا لارتباطه بشكل مباشر بمسألة الأمن القومي المصري، هو ما يتعلق بالأزمة الليبية.

فعقب الاجتماعات التحضيرية التي سبقت انعقاد القمة بمشاركة وزراء الخارجية، خرج عدد من وسائل الإعلام والنشطاء المقربين من حكومة الوحدة الوطنية الليبية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، ليروجوا لما وصفوه بـ”الانتصار”، زاعمين أن الفقرة الخاصة بليبيا في الإعلان النهائي الصادر عن الاجتماعات التحضيرية جاءت كما رغبت وزيرة الخارجية في الحكومة منتهية الصلاحية، نجلاء المنقوش، بتأكيد مسئولية حكومتها عن إدارة المرحلة الانتقالية التي تنتهي بإجراء الانتخابات.

في مقابل ذلك، نفى السفير أحمد أبو زيد، المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية، دقة هذه المعلومات. وأكد أن ما تم التوافق عليه بشأن ليبيا – خلال الاجتماع الوزاري في الجزائر – ستتم إحالته إلى القمة، و”هو يتسق تمامًا مع محددات الموقف المصري”.

اقرأ أيضًا: 3 سيناريوهات تنتظر ليبيا وسط صراع كيانات منتهية الصلاحية

وقد أوضح أنه تم التوافق على أهمية عقد الانتخابات في أقرب وقت. وكذا ضرورة خروج القوات الأجنبية والمرتزقة والمقاتلين الأجانب. ومن ثم دعم الوصول لحل ليبي – ليبي وفقًا لقرارات الأمم المتحدة والاتفاقيات ذات الصلة، بما يحفظ وحدة ليبيا وسيادتها. بينما أضاف المتحدث باسم الخارجية المصرية أن موقف الوزير سامح شكري كان قويًا وواضحًا خلال هذه المناقشات، في مواجهة محاولات منح حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها دور في إدارة المرحلة الانتقالية تحت أي مسمى أو تبرير.

تكمن الأزمة الرئيسية في هذا الملف في تقاطع الموقف المصري مع نظيره الجزائري. ففيما تدعم مصر وتعترف بشرعية وأحقية الحكومة المكلفة من مجلس النواب برئاسة فتحي باشاغا، تتمسك الجزائر بشرعية ودعم حكومة الوحدة الوطنية برئاسة الدبيبة، وترفض المساس بها.

في الخلاصة، يمكن القول إن حجم التباين في مواقف الدول العربية، وبالتحديد في بعض القضايا التي تمس الأمن القومي لواحدة من أهم البلدان العربية؛ مصر، لا ينبئ بالوصول لقرارات جوهرية وحقيقية من شانها إحداث تغيير حقيقي على أرض الواقع.