في 6 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، وبينما تتجه الأنظار إلى مدينة شرم الشيخ، حيث سيلتقي المئات من رؤساء الدول والوزراء والمسئولين وممثلو المنظمات البيئية والنشطاء من جميع أنحاء العالم، لمناقشة أزمة تغير المناخ، تأمل السلطات المصرية في تقديم البلاد بصورة إيجابية. إلا أنها في سبيل ذلك تعتمد سياسة “المنع من حضور المؤتمر” بحق المنظمات غير الحكومية والناشطين المستقلين، خاصة من داخل البلاد، والمرشحين لأن يتحدثوا عن حالة حقوق الإنسان في البلاد -بما في ذلك سياسات النظام البيئية، وفق تقرير حديث لموقع “Equal Times” الإخباري في عاصمة الاتحاد الأوروبي (بروكسل).
يدعم ما جاء بالتقرير بيان صدر في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، دعت فيه لجنة الخبراء التابعة للأمم المتحدة مصر إلى “رفع جميع القيود المفروضة على المنظمات غير الحكومية والنشطاء المستقلين قبل COP27″. إذ طالبتها بـ”ضمان السلامة والمشاركة الكاملة لجميع أعضاء المجتمع المدني”.
ووفقًا لخبراء الأمم المتحدة، فقد “أدت عمليات التوقيف والاحتجاز، وتجميد أصول المنظمات غير الحكومية وحلها، وقيود السفر المفروضة على المدافعين عن حقوق الإنسان، إلى خلق مناخ من الخوف على منظمات المجتمع المدني المصرية للمشاركة بشكل واضح في COP27”.
وهي دعوات يرى التقرير أن السلطات المصرية لم تستجب لها.
اقرأ أيضا: كارنيجي: مصر تتطلع لكوب 27 لصقل مكانتها الدولية وصدارتها بالعالم
“غسيل أخضر” لسمعة القاهرة
وقد نقلت صحيفة الجارديان البريطانية، عن الناشطة السويدية في مجال المناخ، جريتا ثونبرج، أنها لن تحضر محادثات قمة المناخ COP27 في مصر، منتقدة القمة العالمية باعتبارها منتدى “للغسيل الأخضر”، حسب وصفها [تقصد تحسين صورة مصر].
وأضافت ثونبرج، خلال حفل إطلاق كتابها الأخير في مركز ساوث بانك بالعاصمة البريطانية لندن: “لن أذهب إلى Cop27 لأسباب عديدة، لكن مساحة المجتمع المدني هذا العام محدودة للغاية”.
وكانت الناشطة البالغة من العمر 19 عامًا قد غردت سابقًا للتعبير عن تضامنها مع “سجناء الرأي” المحتجزين في مصر. وأضافت أن مؤتمرات Cop “لا تهدف في الواقع إلى تغيير النظام بأكمله ولكنها بدلًا من ذلك تشجع التقدم التدريجي نحو الأفضل”.
وثونبرج من بين عدد من النشطاء، وقعوا الأسبوع الماضي، على عريضة من قبل ائتلاف لحقوق الإنسان، تدعو السلطات المصرية إلى “فتح فضاء مدني والإفراج عن السجناء السياسيين”.
ووقع على العريضة ما يقرب من ألف منظم وفرد، بما في ذلك منظمة العفو الدولية، وشبكة العمل المناخي، وهي أكبر شبكة مناخية في العالم تتكون من أكثر من 1500 منظمة مجتمع مدني. كما تعرضت بعض المنظمات، بما في ذلك منظمة السلام الأخضر في بريطانيا/ Greenpeace UK، لانتقادات لعدم توقيعها على العريضة.
“السلام الأخضر” تكف عن الانتقاد
تقرير آخر للجارديان أشار إلى اتهامات لمنظمة السلام الأخضر بـ “غسيل صورة مصر” قبل Cop27، وثني النشطاء الآخرين عن الحديث عن سجل حقوق الإنسان السيئ في البلاد. في الوقت الذي حذر فيه مدافعون عن البيئة من أن “دعاة حماية البيئة لا ينبغي أن يقللوا من شأن المخاوف بشأن سجل حقوق الإنسان في مصر، خوفًا من أن يؤدي ذلك إلى تقييد وصولهم إلى القمة العالمية. أو قد يؤدي ذلك إلى إبعاد الانتباه عن تحقيق أهداف المناخ”.
في المقابل، يجادل المدافعون بأن “العمل المناخي الهادف لا يمكن أن يتحقق إلا إذا كان للعلماء والنشطاء والصحفيين الحرية في الضغط على الحكومات للانتقال بعيدًا عن الوقود الأحفوري”.
وقد نقلت الصحيفة البريطانية عن بعض نشطاء حقوق الإنسان – الذين تحدث بعضهم شريطة عدم الكشف عن هويتهم جزئيًا بسبب مخاوف بشأن سلامتهم – إن منظمة السلام الأخضر “برزت بسبب إحجامها عن انتقاد انتهاكات حكومة السيسي لحقوق الإنسان قبل القمة”.
تقول الصحيفة: في إحدى الحالات، قال نشطاء مطلعون بشكل مباشر على الأمر، إن مطلبًا يدعو إلى إطلاق سراح جميع السجناء السياسيين -الذين اقترحهم نشطاء حقوق الإنسان المصريون في ائتلاف Cop27- عارضته “السلام الأخضر” وجماعات حماية البيئة المصرية التي كانت في التحالف.
وقال النشطاء إن موقف المجموعات الخضراء “يتطلب من المنظمات الدولية التدخل في المعركة والعمل كوسطاء”.
في نهاية المطاف، تم الاتفاق على لغة وسط، حيث تمت الإشارة إلى السجناء السياسيين في نص الديباجة، قبل قائمة كاملة بالمطالب المتعلقة بالمناخ. لكن، انسحبت منظمة السلام الأخضر في نهاية المطاف من التحالف، كما فعلت بعض الجماعات المصرية، بما في ذلك واحدة على الأقل برعاية وزارة البيئة المصرية، حسب الصحيفة.
اقرأ أيضا: هل تخصم قرارات الجهات الأمنية من رصيد العفو الرئاسي؟
سابقة خطيرة
تنقل الجارديان عن أحد النشطاء قوله: ما يقلقني هو أنه إذا قمت بتطبيع تلك المجموعات البيئية، أو المنظمات الدولية بشكل عام. فيجب السماح لها بعدم اتخاذ موقف مبدئي، وتقويض دعوات الحقوق من الجماعات المحلية، من أجل وصولها الخاص، أو من أجل أهدافها الخاصة، أعتقد أن هذه سابقة خطيرة للغاية”.
ونقلت عن آخرون، على دراية مباشرة بالموضوع، قولهم إن الجماعات البيئية المصرية “شعرت أنه ليس لديها خيار سوى الانسحاب من ائتلاف Cop27 بسبب مخاوف من أن النظام سيحد من عملهم بشكل أكبر”.
وقال أحد الناشطين البيئيين المصريين: “نتفق جميعًا على التقاطع بين حقوق الإنسان والعدالة المناخية. ويجب أن نحارب النظام الاستبدادي معًا، وليس التشاجر فيما بيننا. لكن المخاوف بشأن سلامتنا حقيقية”.
في الواقع، ليس الجدل الدائر حول التحالف هو الخلاف الوحيد. ففي يوليو / تموز، كتبت مجموعة من دعاة حماية البيئة والنشطاء رسالة مفتوحة، أعربت فيها عن انزعاجهم من قدرة مصر على استضافة الحدث بنجاح، بسبب سجلها السيئ في مجال حقوق الإنسان. خاصة وأن الآلاف من سجناء الرأي ما زالوا رهن الاعتقال.
وبلفت التقرير إلى أن جون سوفين، المدير التنفيذي السابق لمنظمة السلام الأخضر في المملكة المتحدة، كان من بين الموقعين. لكن فرع المنظمة في المملكة المتحدة رفض التوقيع. كما عارضت من قبل توقيع عريضة للإفراج عن علاء عبد الفتاح، المدون المصري البريطاني الذي أمضى معظم العقد الماضي خلف القضبان، كما أنه مضرب عن الطعام منذ حوالي 200 يوم.
ونقلت الجارديان عن مايك تاونسلي، من منظمة السلام الأخضر الدولية، قوله: نحن قلقون للغاية بشأن الوضع المزرى لحقوق الإنسان في مصر، ونعتقد أنه لا يمكن تحقيق العدالة المناخية بدون العدالة الاجتماعية”.
وأضاف: يأتي عملنا في مصر مع مخاطر كبيرة على سلامة الموظفين الذين سيستمرون في العمل هناك لفترة طويلة بعد انتهاء Cop27. من واجبنا ليس فقط مراعاة سلامتهم، ولكن أيضًا لتجنب زيادة المخاطر التي تواجهها الحركة البيئية المتنامية في مصر. إن تحقيق التوازن بين السلامة والحاجة إلى التحدث علانية ليس بالأمر السهل.
منظمات ونشطاء غير مرحب بهم
نقلت الجارديان كذلك عن سناء سيف -شقيقة علاء وهي أيضًا مدافعة عن حقوق الإنسان- انتقاداتها لمنظمة السلام الأخضر. تقول: موقفهم مخيب للآمال حقًا، ويجب أن يعرفوا بشكل أفضل.
وأضافت: يشعر الكثير منا بالقلق من تعريض النشطاء الأفارقة والمصريين للخطر. لكن المنظمات الغربية الكبيرة لديها مجال أكبر ونفوذ أكبر للتحدث، وجعل حقوق الإنسان أولوية في مؤتمر المناخ. لو كانت كيانات مثل السلام الأخضر تتحدث بصوت عالٍ، لكان هناك الكثير من الضغط على جون كيري للتواصل مع الحكومة المصرية بشأن حقوق الإنسان والمناخ في نفس الوقت”.
في الأسبوع الماضي، أصدر المديران التنفيذيان الجديدان لمنظمة السلام الأخضر في المملكة المتحدة، أريبا حامد وويل ماكالوم، بيانًا دعا فيه إلى الإفراج الآمن عن علاء عبد الفتاح والعودة إلى المملكة المتحدة، ليكون أولوية عبر جميع القنوات الدبلوماسية في البلاد.
رداً على ذلك، قالت سناء إنها رحبت بقرار المنظمة لتسليط الضوء على محنة شقيقها. وحثت المنظمات الدولية الأخرى المشاركة في Cop27 على الدعوة إلى انتهاكات حقوق الإنسان.
كما نقل تقرير Equal Times عن عزة سليمان، مدير مركز المساعدة القانونية للمرأة المصرية (CEWLA)، رفض طلبها وفريقها المكون من سبعة محامين للمشاركة في المؤتمر.
وقالت عزة: قالوا لا، لا أكثر. لم يقدموا حتى مبررًا لرفضهم. فقط لا. هذه هي الطريقة التي تتعامل بها الدولة مع المنظمات غير الحكومية قبل COP27 “.
أيضا، ينقل التقرير عن مالك عدلي، مدير المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (ECESR)، قوله: لم نتلق دعوة. كما لم نتقدم بطلب لأننا علمنا أنه سيتم رفضنا، كما هو الحال مع المنظمات غير الحكومية الأخرى في مصر.
وأضاف: يجب أن يكون لكل منظمة غير حكومية وناشط يعمل في القضايا البيئية الحرية في الحضور. كما كان الحال في كل مؤتمر سابق.
ونقل التقرير عن ناشط بيئي مستقل، طلب عدم الكشف عن هويته، قوله: سيتظاهر فقط المصريون الذين اختارتهم الأجهزة الأمنية. سوف يرددون شعارات مؤيدة للنظام لجعل الحكومة تبدو جيدة.