في تطور جديد كشفت جبهة البوليساريو الساعية لإقرار حق تقرير المصير للشعب الصحراواي في الصحراء الغربية حصولها على الطائرات الإيرانية المسيرة والمعروفة باسم كاميكازي”الانتحارية”. مما دعا بعض أعضاء البرلمان الأوروبي للتباحث بشأن الإجراءات التي يجب اتخاذها لمنع تسلل إيران إلى منطقتي الصحراء والساحل.
ويدفع استخدام الطائرات المسيّرة/الدرونز في اتجاه حسم بعض الحروب كما جرى استخدامها كمدخل لتعزيز العلاقات بين الدول.
ويرجع الدور الإيراني في إفريقيا إلى سبعينيات القرن الماضي مع انطلاق ثورة آية الله الخميني. وتنوعت أهداف إيران -لا سيما في الغرب الإفريقي- حيث ينتشر العدد الأكبر من المسلمين. وجرى تعميق العلاقات الإيرانية الإفريقية عبر سلسلة أدوات سياسية واقتصادية.
المصالح
استمرت العلاقات الإيرانية الإفريقية في الازدهار في ظل الرئيس الإيراني محمد خاتمي (1997-2005). وشكلت رئاسة خلفه محمود أحمدي نجاد (2005-2013) نقطة تحول في انخراط إيران في القارة. وعمقت طهران علاقاتها مع الدول الإفريقية -لا سيما دول جنوب الصحراء.
خلال أغسطس/آب 2021 أشار الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في زيارته إلى غينيا بيساو إلى أن “طهران ستواصل التنمية الشاملة للعلاقات مع الدول الإفريقية”. كذلك تأكدت استراتيجية طهران خلال جولة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان في أغسطس/آب الماضي. حيث تشكل ترجمة حقيقة للاستراتيجية الإيرانية المعلنة حديثا بشأن توجيه الاهتمام نحو آسيا ودول الجوار وإفريقيا. وشارك في الجولة وفد إيراني من مختلف المجالات. خاصة مسئولي الشركات التجارية الكبرى. ما يعكس الأهمية الاقتصادية للزيارة.
الالتفاف على العقوبات
شكلت الساحة الإفريقية مسرحا بديلا أمام طهران بهدف مقاومة الضغوط الدولية والإقليمية. فضلا عن الالتفاف على العقوبات الغربية.
ومع انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في 2018 وعدم استعداد الاتحاد الأوروبي لتعويض إيران عن خسائرها الاقتصادية حاولت إيران بناء شبكة نفوذ مع دول إفريقيا التي تبنت خطا سياسيا معاديا للغرب. ويبرز ذلك مع دول الساحل.
كما تنامى الحضور الإيراني في إفريقيا كمحاولة لتأمين موقفها حال فشل مفاوضات الاتفاق النووي مع الغرب. وتفعيل الشراكات القائمة خارج المعسكر الغربي وحشد قاعدة إفريقية داعمة لإيران في المنظمات الدولية.
التنافس الإقليمي
وتمثل ساحة غرب إفريقيا في الظرف الراهن نقطة تغيير توازنات وإعادة هيكلة للتحولات الاستراتيجية. في ظل التراجع الفرنسي لصالح النفوذ الروسي. وهو ما يعمل لصالح إيران كما حدث في سوريا.
وتعتبر إيران القارة الإفريقية ساحة مهمة لكسب النفوذ. كما يعتبر الغرب الإفريقي ملتقى القوى الإقليمية. حيث تم نقل المنافسة بين السعودية وإيران على زعامة العالم الإسلامي. كما تعتبر الكتلة المسلمة في المغرب وموريتانيا ونيجيريا والصراعات المنتشرة في القارة فرصة أمام تركيا لترسيخ حضورها على غرار دورها في شرق إفريقيا. لا سيما دورها في دعم حكومة آبي أحمد بإثيوبيا من خلال الدرونز التركية ضد جبهة تيجراي.
كذلك يلاحظ تنامي العلاقات المغربية الإسرائيلية عقب اتفاقية إبراهام. وسعت إيران لتعزيز وجودها في مالي ودعم علاقاتها مع الجزائر وجبهة البوليساريو. لما باتت تحمله المنطقة من دلالة خاصة في الصراع الإيراني الإسرائيلي.
دعم الحلفاء
وقد قطعت المغرب العلاقات الدبلوماسية مع إيران في عام 2018 بسبب تورط إيران السياسي مع جبهة البوليساريو في الصحراء الغربية، حيث ذهب الملحق الثقافي الإيراني إلى مخيمات اللاجئين الجزائرية في تندوف لتنظيم لقاءات بين أعضاء البوليساريو ومقاتلي “حزب الله”. وجرى تنسيق تزويد الحرس الثوري الإيراني للجبهة بصواريخ أرض جو SAM1 وSAM9 وStrela.
كما حافظت إيران على علاقات جيدة مع الجزائر لعقود من الزمن. إذ يدعم كلا البلدين محاولة البوليساريو للحصول على إقرار حق تقرير المصير للشعب الصحراواي في الصحراء الغربية. ما يضعهما على خلاف مع المغرب.
وفي 24 أغسطس/آب 2021 أعلن وزير الخارجية الجزائري “رمطان لعمامرة” قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب نتيجة تنامي العلاقات بين إسرائيل والمغرب ضد الجزائر. ما يتلاقى مع الموقف الإيراني من المغرب.
وقد برزت الأداة العسكرية مؤخرا كوسيلة لمد الحضور الإيراني في الغرب الإفريقي. ويسند هذا التوجه الاضطرابات السياسية والانقلابات العسكرية على طول الساحل. بالتوازي مع صعود الدرونز كسلاح حسم للنزاعات. وذلك إلى جانب مجموعة الأدوات التقليدية.
الأدوات السياسية
عملت إيران على مد أذرعها السياسية في غرب إفريقيا. على سبيل المثال في نيجيريا اقتربت طهران من زعيم الطريقة الصوفية التيجانية الشيخ ضاهر باوتشي. كما يشير الخبراء إلى وجود مزاعم تؤكد تلقي العديد من الجماعات الانفصالية في إفريقيا الأسلحة والتدريب من جانب فيلق القدس. بما في ذلك الحركة الإسلامية النيجيرية.
ويشار إلى الحركة بزعامة “إبراهيم الزكزاكي” باعتبارها ذات دور فعال في تحويل الأفارقة إلى الإسلام الشيعي. وهي تدير نحو 300 مدرسة محلية ولديها مليون عضو إضافي في النيجر والكاميرون وتشاد وبوركينا فاسو وغانا.
كذلك يعتقد الخبراء أن “حزب الله” اللبناني “ينظر إليه باعتباره ذراع إيراني”، يعمل على توظيف ظروف الهياكل السياسية الهشة في بعض الدول الإفريقية. وربما بدعم من الشتات اللبناني فهناك ما يقرب من 100 ألف لبناني في إفريقيا.
وفي جمهورية إفريقيا الوسطى (CAR) على سبيل المثال يعمل “حزب الله” جنبًا إلى جنب مع “وحدة فيلق القدس 400” لتجنيد وتدريب أعضاء جماعة سرايا الزهراء. وهذه الاستراتيجية هي النموذج الذي يهدف الإيرانيون من خلاله إلى إنشاء فروع مماثلة في الكاميرون وغانا والنيجر والكونغو الديمقراطية.
كما حرصت إيران على تقوية علاقاتها بمالي. خاصة مع رئيس المجلس العسكري الانتقالي “عاصمي جويتا” في مسار مخالف للاتجاه الغربي الذي وقع عقوبات على المجلس العسكري.
الأداة الاقتصادية
سجلت صادرات إيران إلى القارة الإفريقية في مارس/آذار 2022 نموًا بنسبة 120٪.
وتستهدف إيران زيادة التبادل التجاري السنوي مع الدول الإفريقية إلى 5 مليارات دولار بحلول عام 2025. كما تعد غانا وجنوب إفريقيا ونيجيريا أول وجهة تصدير لإيران في إفريقيا. وتستهدف إيران إنشاء منطقة اقتصادية بهدف توسيع التجارة مع الشركاء الاقتصاديين في القارة.
وفي ظل التنافس الاقتصادي إقليميا ودوليا على الفرص الإفريقية استقبلت إيران 400 وفد تجاري من إفريقيا منذ مارس/آذار الماضي. كما تستهدف إيران مد خط ملاحي جوي وخطوط بحرية مع جنوب إفريقيا في إطار صعود اقتصاد المواني واللوجستيات “عمليات النقل”.
كذلك تتطلع إيران إلى رفع مستوى التعاون الزراعي مع غانا إلى مليار دولار. إلى جانب طموحات بفتح 7 مراكز إيرانية تجارية جديدة في إفريقيا لأجل زيادة التبادل التجاري مع القارة إلى نحو 5-6 مليارات دولار بحلول عام 2026.
وشهدت زيارة “عبد اللهيان” الأخيرة عقد الدورة الأولى من “اللجنة المشتركة الإيرانية المالية”. وذلك بهدف تعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين.
كما تبين هدفها الرامي إلى إنشاء معرض للتكنولوجيا الفائقة في عاصمة دولة مالي باماكو. كذلك تعتبر مالي سوق أسلحة متنامية في ظل خضوعها لحكم المجلس العسكري. وهنا تحاول إيران عرض خدماتها العسكرية عبر إرسال خبراء عسكريين أو مسيّرات إيرانية.
القوة الناعمة
لقد أسس النظام السياسي الإيراني استراتيجيته الدبلوماسية على تعزيز الخطاب الديني.
ومنذ عام 1979 تحاول إيران تطوير شبكة من المساجد والمراكز الثقافية والخيرية لتعزيز الأيديولوجيا الثورية الإيرانية.
على سبيل المثال تُستخدم المنظمات الإيرانية مثل منظمة الثقافة والعلاقات الإسلامية (ICRO) كواجهات لفيلق القدس لتنفيذ عملياته في إفريقيا. وظهر ذلك خلال الفترة الأخيرة عبر القنوات الإعلامية الإيرانية التي ركزت على الترويج لمشاركة أفارقة في مناسبات شيعية لا سيما احتفالات عاشوراء.
ونشر منتدى الشرق الأوسط تقريرا بعنوان “تدخلات الشرق الأوسط في إفريقيا: القوة الناعمة الواسعة لطهران”. بهدف تحديد آفاق المشروع الإيراني.
وأشار التقرير إلى أن 5-10٪ من مسلمي إفريقيا ينتمون إلى الطائفة الشيعية. وتابع أن الجامعات جزء من مشروع إيران لتوظيف المنظمات الإفريقية في استراتيجيتها التوسعية طويلة المدى. كما أشار إلى أن جامعة المصطفى الدولية تعد إحدى ركائز المشروع الإيراني في القارة. وتمتلك 17 فرعا في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. وكذلك أكثر من 100 مدرسة ومركز إسلامي في 30 دولة إفريقية -لا سيما نيجيريا.
ويتبين أن إيران ترسم سياسة طويلة الأمد لتطوير علاقاتها مع الدول الإفريقية إلى أعلى مستوى. وذلك لتعظيم مكاسبها السياسية والاقتصادية،كمسار مواز لتغطية التوترات مع الدول الغربية والقوى الإقليمية.