تسعى إسرائيل منذ عقود لتوطيد أركانها وتعزيز وجودها في إفريقيا ويأتي ضمن ذلك اتفاقيات التطبيع التي وقعتها مع المغرب والسودان.

وتحمل الخطوات الإسرائيلية في إفريقيا تحدياتٍ لمصر نظرا لما تتمتع به القاهرة من وزن جيوسياسي. فضلا عن قضايا تتعلق بمصالحها وأمنها. منها قضية سد النهضة التي تسعى القاهرة إلى الاستفادة من قمة الجزائر بشأنها. فقد تردد قبيل القمة أن هناك مشروع قرار يعرض أمام قمة الجزائر لنيل دعم عربي في مواجهة التعنت الإثيوبي.

وتحمل جولات التطبيع التي جرت مع الدول العربية بموجب اتفاق إبراهيم مخاطر عدة. بينها تأثيرات قوية في ملف سد النهضة.

المسار صفقة تطبيع بين السودان وإسرائيل

عبد الله حمدوك رئيس الوزراء السوداني السابق ومايك بومبيو وزير الخارجية الأمريكي السابق

 

صفقة تطبيع بين السودان وإسرائيل، وقع اتفاق التطبيع بين إسرائيل والسودان في 23 أكتوبر/تشرين الأول 2020. وجاء اتفاق التطبيع بين إسرائيل والمغرب خلال ديسمبر/كانون الأول 2020. وبالتزامن مع الاتفاق اعتراف الرئيس الأمريكي وقتها دونالد ترامب بـ”سيادة مغربية على الصحراء الغربية”.

كما شمل الاتفاق ضمن نتائجه تعزيز التعاون الاقتصادي والثقافي بين البلدين. بجانب استئناف العلاقات الدبلوماسية وإعادة فتح مكاتب اتصال في كل من تل أبيب والرباط. والذي أغلق عام 2000 بالتزامن مع الانتفاضة الفلسطينية الثانية. كما أعلنت المغرب عن رحلات جوية مباشرة من وإلى إسرائيل.

اهتم “ثيودور هرتزل” و”حاييم وايزمان” قديمًا بدول كينيا وأوغندا والسودان. ما يفسر الاهتمام الإسرائيلي بإفريقيا. كما تم مخاطبة اللورد كرومر لإقامة “وطن قومي لليهود في السودان” عام 1903 حين كان السودان مستعمرة بريطانية.

التطبيع استراتجية إسرائيلية

تطبيع السودان إسرائيل-مكاسب لدولة الاحتلال
تطبيع السودان إسرائيل-مكاسب لدولة الاحتلال

يرى الباحث المتخصص في الشأن الإفريقي الدكتور محمد فؤاد رشوان أن إسرائيل تسعى إلى استكمال الاستراتيجية الإسرائيلية في إفريقيا. والتي تتمثل في كسب تأييد الدول الإفريقية في المحافل الدولية. والتأثير في السلوك التصويتي ومواجهة الدور المصري في إفريقيا.

كذلك الاستفادة من فتح المجال الجوي السوداني أمام الطيران الإسرائيلي. وذلك من أجل تقصير الرحلات إلى أمريكا اللاتينية. وذلك يعزز العلاقات التجارية الإسرائيلية في إفريقيا. وسيسهم التطبيع مع الإمارات والمغرب والسودان في إنهاء العزلة الجغرافية لإسرائيل إلى حد كبير عن طريق رحلات جوية أقصر وأرخص ثمنًا.

 

تطبيع إسرائيلي مغربي وورقة شمال إفريقيا
تطبيع إسرائيلي مغربي وورقة شمال إفريقيا

يقول الباحث المتخصص في الشئون الإسرائيلية الدكتور أشرف شعبان إن تطبيع إسرائيل مع دول شمال إفريقيا -المغرب مثالا- بجوار السودان يستهدف جذب شركاء جدد يعززون نفوذ إسرائيل إفريقيا.

وأضاف “شعبان” أن العلاقات الإسرائيلية-الإفريقية ليست وليدة اليوم. فقد اعتبر “بن جوريون” -أحد مؤسسي دولة إسرائيل- أن “السلام يمر عبر إفريقيا وآسيا”. وقد بدأت رئيسة وزراء إسرائيل لاحقا -جولدامائير- تنفيذ مخطط دبلوماسي لتطوير علاقة إسرائيل بإفريقيا. ما زاد تحالفات إسرائيل مع دول القارة خلال ستينيات القرن العشرين. لكن هذه العلاقات اهتزت بعد هجوم إسرائيل على مصر عام 1967. فيما استعادت تل أبيب الزمام خلال حكم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عام 2009.

التطبيع وأمن مصر

وتخشى مصر من دور إسرائيلي في القارة الإفريقية يأتي على حساب أمنها القومي. خاصة فيما يتعلق بملف حوض النيل -شريان الحياة لمصر. وذكرت شلبي: “أن إسرائيل تعمل جاهدة على تقسيم إفريقيا، من خلال التلاعب بدول حوض النيل للضغط على مصر”.

ويقول محمد فؤاد رشوان لـ”مصر 360″ إن إسرائيل تسعى من خلال التطبيع مع السودان للسيطرة على البحر الأحمر ومنطقة القرن الإفريقي. وذلك باعتبارها مدخلا هاما لقناة السويس. والتي تعد مصدرا للدخل القومي المصري.

في السياق ذاته تقول هيام القزاز -الباحثة في الشأن الدولي- إن إسرائيل تنشد تعزيز قوتها في منطقة البحر الأحمر والقرن الإفريقي ودول منابع النيل لأسباب منها الضغط على (مصر). ولمواجهة عدوها الأول (إيران) ولتحقيق تفوق على منافستها اقتصاديا (تركيا) التي يتعاظم نفوذها في إفريقيا خلال الأعوام الأخيرة.

الأمن والطاقة

وتشير “القزاز” إلى قدرات إسرائيل في مجالات التكنولوجيا والخدمات الأمنية. ما يجعلها شريكًا لدول العالم الثالث التي تحتاج إلى بنية تحتية أساسية لتطوير اقتصادها.

فإسرائيل مثلا هي التي طوّرت جهازا يجمع المياه من خلال الرطوبة. والآن تعمل على تصديره لدول إفريقية، خاصة مع الحاجة إلى مياه الزراعة.

وأضافت هيام القزاز لـ”مصر 360″: “لم يكن لإثيوبيا أن تتمكن من مواجهة مصر دون دعم إسرائيلي. والذي يعتبر مفتاحًا للدعم الأمريكي. وهذا يُلقي الضوء على حرص إسرائيل على إقامة علاقات مع دول منابع وحوض النيل. وهو أمر يؤثر بالتأكيد في المصالح المصرية الاقتصادية والأمنية.

وأضافت أن مصر تواجه تحديا في الحفاظ على حقوقها في نهر النيل. وعبر آلية التطبيع ربما تسعى إسرائيل للتأثير في الموقف السودانى من أزمة سد النهضة بالتبشير باستثمارات واسعة بزعم توفير السد الطاقة الكهربية.

نشاط استخباراتي محتمل

توغل إسرائيلي على أرض إفريقيا
توغل إسرائيلي على أرض إفريقيا

المخاوف الأمنية المصرية يمكن النظر إليها عبر زاوية الصراع المخابراتي بين مصر وإسرائيل منذ ستينيات القرن الماضي أو ربما قبل ذلك. وتأتي اتفاقات التطبيع مع إسرائيل لتحمل نتائج تدفع بتصاعد نشاط إسرائيل في شمال إفريقيا. خاصة بعد تطبيع علاقاتها مع المملكة المغربية في الشمال الإفريقي.

ويرى الخبير والمحلل في الشؤون العسكرية بمصر اللواء سمير راغب أن الاتفاق العسكري بين إسرائيل والمغرب سيجعل المملكة محطة رئيسة لنشاط الاستخبارات الإسرائيلية. وقال إن العلاقات المغربية الإسرائيلية تجاوزت الحدود في العلاقات العربية الإسرائيلية ولم تشهدها علاقات دول “السلام البارد” التي خاضت صراعا عسكريا مع إسرائيل.

توتر العلاقات

أيضًا يمثل اتفاق التطبيع بين السودان والمغرب من جهة وإسرائيل من جهة أخرى قلقا ضمنيا لمصر. التي تمثل حجر الزاوية للأمن والاستقرار في الشمال الإفريقي. خاصة مع تضرر الجزائر من الاتفاق في ملف الصحراء المغربية. واعتبار الجزائر الأمر تصعيدا في الحرب الباردة مع جارتها المغرب.

كما ان الجزائر معروف بموقفه المعادي للصهيونية والرافض لكل أنواع التطبيع. ومتعاطف مع أجنحة المقاومة. مع زيادة حالة التقارب مع الجانب الإيراني التي تشهدها الفترة الراهنة وتزايد تعاقدات الأسلحة والمعدات العسكرية وخاصة من روسيا الاتحادية.

الإمارت وسيط التطبيع

تطبيع إسرائيلي مغربي وورقة شمال إفريقيا
تطبيع إسرائيلي مغربي وورقة شمال إفريقيا

وترى دول إفريقيا وبعض الدول العربية أن إسرائيل هي مفتاح أمريكا. وبالتالي فإنه عبر التطبيع يمكن التقارب مع الولايات المتحدة وتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية. وقد قاد هذه النظرة التطبيع الإماراتي الإسرائيلي.

 

ويذكر الخبير الاستراتيجي في جامعة إسطنبول أوصمان كاغال يوشال أن رغبة إسرائيل في تحقيق انفتاح على القارة الإفريقية يأتي عبر دولة وسيطة وهو “دور تلعبه الآن الإمارات”.

فراغ وتمدد

 

إسرائيل واختراق القارة السمراء
إسرائيل واختراق القارة السمراء

تحدث كثيرون عن تراجع الدور المصري في إفريقيا خلال آخر سنوات حكم مبارك. ما دفع عددًا من دول القارة للبحث عن بديل استراتيجي عن مصر. التي كانت داعمة لقطاعات كثيرة في دول القارة. ما ترك مساحة جديدة للتحرك الإسرائيلي.

وتلعب إسرائيل بورقة التكنولوجيا التي تطورت قطاعاتها فضلا عن الخدمات الأمنية. ما جعلها مرغوبة للتعاون الاقتصادي.

وفي فترة ما كان بمقدور مصر أن تهيمن على هذا السوق في القارة، ومع غيابها فإن قيام إسرائيل بسد هذه الفجوة، يجعل خسارة القاهرة الاقتصادية كبيرة فضلا عن ما تمثله الدولة الصهيونية من قلق للامتداد المصري الجيوسياسي في القارة السمراء – وإن غاب إلا إنه موجود – عبر تحالفات وتطبيع وإقامة علاقات تعزز أزمات مصر السياسية والوجودية كما في ملف سد النهضة الإثيوبي.