في 4 إبريل/نيسان 2022 انتابت حمى الحماس مشجعين من جميع أنحاء العالم لحجز مقاعد كأس العالم لكرة القدم 2022 في دولة قطر.
في اليوم نفسه أفادت وسائل الإعلام القطرية بتغيير. إذ لن يُسمح لأي شخص غير قادر على الحصول على تذكرة المباراة بالدخول إلى قطر خلال البطولة -بحسب موقع merib “ميربل”المعني بأبحاث الشرق الأوسط.
ويحتاج المشجعون الراغبون في دخول قطر الآن إلى بطاقة “الحياة” المعتمدة مسبقًا. وهي تأشيرة جديدة مرتبطة بشراء تذكرة FIFA التي تعامل أيضا كبطاقة مواصلات وتوفر الدخول إلى الملاعب. في حين خففت قطر لاحقا من هذه القيود وسمحت للمشجعين أصحاب التذاكر بإحضار 3 على الأكثر من رفاقهم طوال البطولة. فيما ستظل بطاقات “الحياة” هذه بمثابة تصريح الدخول الأجنبي الوحيد الذي تم إصداره.
استعداد بالمليارات
منذ فوزها باستضافة البطولة عام 2010 استثمرت قطر مليارات الدولارات في بنيتها التحتية السياحية. بالإضافة إلى إعادة بناء عدة أجزاء من الدوحة وتركيب نظام مترو. وتم تطوير مدينة لوسيل على مشارف العاصمة ليتم إقامة مباريات البطولة بها. ومع ذلك مع تباشير بداية كأس العالم التي طال انتظارها وفي خطوة غير مسبوقة بدأت الدولة فجأة في الحد من عدد الزوار عبر منع وصول مشجعين أقل قدرة من الناحية المالية.
كانت التبريرات الرسمية لهذا التغيير السريع في السياسة من قبل الحكومة القطرية ضئيلة. في إشارة إلى مخاوف تتعلق بالسلامة العامة و”القدرة” حول الإقامة السياحية. مع وجود نحو 300000 مواطن وتجاوز إجمالي مبيعات التذاكر 2.4 مليون شخص فمن المحتمل أن يكون هناك أساس لهذه المخاوف.
وبحسب تقرير ميربل فإنه ليس من قبيل المصادفة أن يجد مشجعو كرة القدم في كأس العالم أنفسهم الآن محاصرين. سواء من يملكون شراء التذاكر أو من لا يملكون.
إذ يعكس الحظر المفاجئ على مشجعي كرة القدم الذين لا يحملون تذاكر تقليدًا طويلاً لدولة قطر في استخدام تشريعات غامضة للتمييز بين المجموعات المقيمة وتقسيمها اجتماعياً من أجل الاحتفاظ بأكبر قدر ممكن من السيطرة على الرأي العام المحلي والعالمي. فضلاً عن الوضع السياسي الراهن داخل الدولة.
كونك قطريا
هذه السياسات البيروقراطية المهندسة عبر خطط للهجرة والمواطنة بشكل غامض لا تنظم فقط مجتمع العمال المهاجرين في قطر. ولكن أيضًا بشكل متزايد تنظم المواطنين المحليين. بحيث تصنع مفهوما جديدا لمعنى أن تكون قطريًا.
فالمناورات الغامضة وسياسة اللحظة الأخيرة في قطر. فيما يتعلق بمشجعي كرة القدم -سواء تتعلق بالمشجعين الذين لا يملكون تذاكر أو حقوق مجتمعية ليست عبثية. بل جزء من مشروع أكبر لبناء الدولة والأمة. حيث تشكل سياسات الهجرة والمواطنة عقدة مركزية في قطر.
في ديسمبر 2010 فازت قطر باستضافة كأس العالم لكرة القدم 2022 ، لتصبح أول دولة عربية تنظم البطولة.
ولم يكن هذا الفوز خاليًا من الجدل. حيث تركز معظمه على سجل قطر المثير للجدل في مجال حقوق العمال المهاجرين.
النخبة القطرية
ويشكل القطريون نخبة ديموجرافية “سكانية” داخل الدولة. إذ يشكلون نحو 12 في المائة من إجمالي السكان. والغالبية العظمى من المقيمين في قطر هم من العمال ذوي الأجور المنخفضة من شبه القارة الهندية وجنوب شرق آسيا. فيما ينظم وجودهم بشكل صارم عبر نظام الكفالة سيئ السمعة في البلاد.
حتى مع الخلافات الكثيرة حول حقوق العمال نجح كأس العالم في وضع قطر على الخريطة الدولية. حيث حشدت السلطات القطرية لهذا الحدث الضخم باعتباره دفعة التنمية المستقبلية المعروفة باسم مشروع رؤية 2030 الذي يهدف إلى إحداث تحول هائل. وجعل التصنيع في قطر على قدم المساواة مع دولة الإمارات العربية المتحدة.
بالإضافة إلى ذلك فإن مسابقة كأس العالم تخدم قطر في جعل نفسها معروفة للعالم كدولة منفصلة عن جيرانها الخليجيين الأقوياء والأكبر بكثير.
في الواقع لا تعزز بطولة FIFA شرعية الدولة داخل البلاد فحسب. بل تؤكد أيضًا وحدة أراضيها بين الدول في شبه الجزيرة العربية. لا سيما في مواجهة طموحات المملكة العربية السعودية التوسعية تاريخيا.
مثل هذه المخاوف من النخبة السياسية القطرية طالما شاركها نظراؤها في أبوظبي وعمان. واكتسبت إلحاحًا جديدًا في مواجهة حصار عام 2017 الذي فرضته المملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين ومصر على قطر.
ويبدو أن العديد ممن يطلق عليهم “الجيل الثاني من المغتربين” -غالبًا يكونون أبناء أو أحفاد الأطباء أو المهندسين أو العائلات التجارية- يعانون من هشاشة متزايدة فيما يتعلق بتوظيفهم وتوقعات إقامتهم.
بعد الحصار
وفي أعقاب حصار 2017 تلقى عدد من المصريين المقيمين منذ فترة طويلة في قطر أوامر ترحيل ليلية. أو تم ببساطة إلغاء تأشيرات عملهم وإلغاء تصاريح الإقامة. وتم التخلص بشكل تعسفي من العائلات التي اعتبرت الدوحة وطنًا لها منذ أجيال. وكثير منها ليس لها انتماء سياسي معين في مواجهة سياسة متبادلة بين الدول.
ويختتم التقرير بأن حاملي بطاقات FIFA الذين يصلون إلى قطر للمشاركة في البطولة سيتمكنون من زيارة منزل “بن جلمود” الذي تم تشييده مؤخرًا. وهو متحف مخصص لتاريخ العبودية في سياق الماضي البحري للمنطقة. ويقع المتحف في قلب الدوحة الجديدة. ويضم أقسامًا كاملة حول “العبودية في صيد اللؤلؤ الحديث وزراعة التمور” و”وجوه العبودية الحديثة”.
وأثناء التجول في المعرض الأخير ستجد صورًا للعمال المهاجرين مع تسميات توضيحية تصف نظام الكفالة جنبًا إلى جنب معلومات حول “السخرة والعمل الجبري”.
إن التراجع المفاجئ في عدد مشجعي كرة القدم خلال الفترة التي تسبق نهائيات كأس العالم هو شهادة على نظام الهجرة والمواطنة القطري. وهو نظام تم وضعه منذ فترة طويلة للحفاظ على الوضع السياسي الراهن في الدوحة.
ومع ذلك ففي قطر كما هو الحال في دول الخليج الأخرى مثل الإمارات العربية المتحدة أو المملكة العربية السعودية هناك كثير من التحركات على الأرض أكثر مما تراه العين. لذلك من الضروري تقييم مدى استمرار التحول الاجتماعي المعقد في التأثير على الأجيال الشابة في منطقة الخليج في أعقاب بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022.