حملت زيارة البابا فرنسيس الأول، بابا الفاتيكان إلى البحرين، عددا من الدلالات خاصة رسائله حول حقوق الإنسان. الزيارة التي يمكن وصفها بالتاريخية، أعرب فيها البابا عن تقديره لفرص اللقاء الذي نظمته المنامة. البابا ارتكز على 3 محاور رئيسية “الاحترام، التسامح، والأخوة الإنسانية” في كلمته التي ألقاها بقصر الصخير إبان لقائه بالملك حمد بن خليفة.

زيارة البابا للبحرين هي الثانية لشبه الجزيرة العربية، كمما تأتي بعد 3 سنوات من زيارته الأولى للإمارات العربية المتحدة، وتوقيعه وثيقة الأخوة الإنسانية مع الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف.

اقرأ أيضا.. بابا الفاتيكان في الخليج.. كيف نبني جسر تواصل بين أكبر ديانتين إبراهيميتين؟

رفض “الإعدام”

ملك البحرين وبابا الفاتيكان

زيارة البابا إلى المنامة تهدف بحسب ما هو معلن إلى تحسين العلاقات مع العالم الإسلامي عبر المشاركة في مؤتمر “الحوار بين الشرق والغرب” بدعوة من البحرين، والذي ينعقد خلال الثالث والرابع من نوفمبر الجاري. لكن البابا رغم ذلك انتقد “عقوبة الإعدام” في غضون ثوانٍ من بدء كلمته على هامش لقاء بالقصر الملكي.

قال البابا: “أفكر قبل كل شيء في الحق في الحياة، وضرورة ضمانه دائمًا حتى حين تطبق العقوبة على البعض لا يمكن القضاء على حياتهم. لنعد إلى شجرة الحياة فروع جديدة بأحجام مختلفة”.

وضمّن البابا كلمته بدعوة إلى وضع التزامات الدستور البحريني: “حرية الدين، وعدم المساس بالعبادات، موضع التنفيذ، وترجمتها باستمرار إلى عمل حتى تصبح الحرية الدينية كاملة، ولاتقتصر على حرية العبادة فقط. وحتى يتم الاعتراف لكل شخص، وكل جماعة بفرص متكافئة، وكرامة متساوية، وحتى لا تنتهك حقوق الإنسان الأساسية”.

بيان مشترك من 9 منظمات حقوقية بينها “هيومن رايتس ووتش” أشار إلى دعوة بابا الفاتيكان للسلطة البحرينية إلى وقف إصدار أحكام الإعدام، وإيقاف تنفيذها. لكن الأب رفيق جريش المستشار الصحفي للكنيسة الكاثوليكية في مصر، وصف رسائل البابا الحقوقية بأنها تنطلق من قيم مؤسسة الكنيسة أولًا، رغم تقارير مسبقة وصلته قبيل زيارته لـ”البحرين”.

مطالبة بالحرية

البابا الذي استقبل في قاعدة الصخير الجوية، ولم يجر كعادته جولة على الصحفيين المرافقين له بسبب معاناته من آلام الركبة. أشاد بالمملكة (البحرين) التي اعتبرها في كلمته ملتقى الشعوب نظير موقعها الجغرافي، كما تمتاز بتنوع من غير تسوية ساحقة، ولا تذويب للاختلاف.

ويرجع تاريخ العلاقات الدبلوماسية بين “المنامة”، والفاتيكان لعام 2000، وتضم على أغلبية سكانها المسلمين بنسبة 80%، ما يزيد عن 80 ألف مسيحي كاثوليكي من “العمالة الوافدة”، وينتمون إلى دول جنوب شرق آسيا وإفريقيا.

انطلق بابا الفاتيكان، البالغ من العمر 85 عاما، من وثيقة الأخوة الإنسانية الموقعة في الإمارات العربية المتحدة عام 2019، داعيًا إلى العيش المشترك بعد أن أصبح العالم منذ عشرات السنين قرية عالمية، حسب قوله. كما لفت إلى أنه عكس هذا التعايش: “نشهد بقلق، وعلى نطاق واسع ازدياد اللامبالاة، وتوسع الصراعات، والتي حسبنا يومًا أننا تغلبنا عليها، والشعبوية، والتطرف، والإمبريالية التي تهدد استقرار الجميع”.

وفي هذا السياق يقول جميل حليم عضو مجلس الشيوخ، والمستشار القانوني للكنيسة الكاثوليكية، إن بابا الفاتيكان انطلق في كلمته من محاور وثيقة الأخوة الإنسانية الموقعة عام 2019، كتأكيد للبناء عليها في زيارته للبحرين. ولم تخرج كلمته التي ألقاها بقصر الصخير الملكي عن محاور “الاحترام، التسامح، والحرية الدينية”، إلا تعريجًا على الحق في الحياة وفقًا لدرايته المسبقة بالدستور البحريني، وتضمينه مادة تجرم التمييز على أساس الدين، والجنس، والعرق.

“حليم” يضيف لـ”مصر360″ أن دعوة البابا للحرية الدينية الكاملة تنبثق عن ضرورة اهتمام الفرد بجوهر دينه، بعيدا عن التدخل في شئون الآخرين. حيث إن الأخوة التي يدعو لها البابا تعني أن الدين لا يمكن أن يكون سببا للتباعد.

بيئة عمل آمنة

العمالة الأجنبية في إحدى دول الخليج

في خطابه أمام العاهل البحريني الملك حمد بن عيسى آل خليفة عن قضايا التسامح، والحرية الدينية التي أقرها دستور البحرين، حض البابا في أول خطاب له قبيل بدء مؤتمر “الحوار بين الشرق، والغرب” على ضرورة عمل الإنسان في ظروف آمنة.

وقال: “في هذا البلد كانت مساهمة أشخاص كثيرين من شعوب مختلفة، هي التي سمحت بتنمية إنتاجية ملحوظة. تفتخر مملكة البحرين بأعلى المعدلات في العالم، حوالي نصف السكان المقيمين من الأغراب، ويعملون بشكل واضح لتنمية بلد يشعرون فيه أنه وطنهم. مع ذلك لا يمكن أن ننسى في عصرنا هذا لا يزال هناك نقص كبير في العمل، وعمل لاإنساني كثير، وهذا يعد انتهاكا لكرامة الإنسان. ومن هذا البلد الجذاب لفرص العمل التي يوفرها، أود أن أذكر حالة طوارئ في أزمة العمل العالمية، العمل الثمين مثل الخبز ينقص غالبا، وفي كثير من الأحيان هو خبز مسموم لأن فيه عبودية، في كلتا الحالتين لم يعد الإنسان هو المحور. لذلك يجب ضمان ظروف عمل آمن للإنسان في كل مكان، لا تمنع بل تشجع الحياة الثقافية والروحية، وتعزز التماسك الاجتماعي لصالح الحياة المشتركة، وتنمية البلدان”.

منظمات حقوقية أصدرت عددا من البيانات قبيل زيارة بابا الفاتيكان للمملكة تندد بممارسات ضد العمالة الوافدة، وتطالب بوقفها. سكان البحرين يبلغ 1.4 مليون نسمة، في حين أن أضعاف هذا العدد من العمالة الوافدة. وتتعرض دول الخليج بشكل عام لانتقادات حول معاملة العمال الأجانب الذين يبلغ تعدادهم 22 مليونا من مجموع القوى العاملة في المنطقة.

واعتبر النائب البطريركي للكنيسة الكاثوليكية الأنبا باخوم دعوة البابا لظروف عمل آمنة انعكاسا لدرايته الكاملة بواقع البحرين وظروفها. كما لفت إلى أن خطابه تشجيع للواقع الذي يجمع أجناسا مختلفة وتأكيدا على الانفتاح.

كذلك أضاف لـ”مصر360″ أن البابا فرنسيس أراد في أكثر من موضع الدفع بإعلاء قيمة الإنسان، من منطلق أن ما يجمعنا أكبر بكثير مما يفرقنا.

وعقب العاهل البحريني حمد بن عيسى آل خليفة على مضمون كلمة البابا بعد ساعات من اللقاء الذي جمعهما بالقصر الملكي قائلًا: إن المملكة وفقًا لمبادئها حريصة على تأكيد حقوق الإنسان، وصيانتها، والالتزام بها، وممارسة، ووضع الأطر الكفيلة بصيانتها.

زيارة لتعزيز السلام

كلمة البابا في زيارته الثامنة والخمسين للخارج منذ انتخابه عام 2013 لم تخل من تأكيده أنه “زارع سلام”. إذ قال نصا: “أنا هنا في أرض شجرة الحياة زارع سلام للمشاركة في منتدى الحوار بين الشرق والغرب، من أجل عيش الناس معًا في سلام. هذه الأيام تمثل مرحلة مهمة في مسار الصداقة الذي تكثف في السنوات الأخيرة، مع مختلف القادة الدينين المسلمين، فهي مسيرة أخوية تريد تعزيز السلام على الأرض، تعزز الأخوة”.

وعلى مدار أربعة أيام هي عمر الزيارة بدأها بخطاب شمل “الحرية الدينية، وحقوق الإنسان” سيرأس البابا فرنسيس مع شيخ الأزهر الشريف ملتقى “حوار الشرق، والغرب” على خلفية وثيقة الحرية الإنسانية”.

ويترأس البابا قداسا في ملعب البحرين الوطني صباح غد السبت، ومن المتوقع حضور قرابة 28 ألف كاثوليكي، بينهم 20 ألف من المقيمين في البحرين. بينما يشارك مسيحيون مقيمون في دول الخليج المجاور حسب تصريحات كاهن الكنيسة الكاثوليكية الأب شربل فياض.

وتضم البحرين أول كنيسة كاثوليكية بنيت بمنطقة الخليج في العصر الحديث، والتي افتتحت عام 1939، بجانب كاتدرائية سيدة العرب، أكبر كنيسة كاثوليكية في شبه الجزيرة العربية، والتي أهداها الملك للكنيسة الكاثوليكية.

وثيقة الأخوة الإنسانية

البابا فرنسيس وشيخ الأزهر

بابا الفاتيكان لفت إلى أن إعلان مملكة البحرين يعترف بأن المعتقد الديني هو بركة للبشرية جمعاء، وأساس للسلام في العالم، وأردف قائلًا:”أنا هنا مؤمن ومسيحي وإنسان وحاج سلام، لأننا اليوم أكثر من ذي قبل مدعوون لأن نلتزم بجدية من أجل السلام”.

وفي السياق ذاته وصف الأب رفيق جريش المستشار الصحفي للكنيسة الكاثوليكية دعوة البابا للسلام بأنها من صميم الأخوة الإنسانية، مؤكدًا أن شعار البحرين صاحبة الدعوة للملتقى “حوار الشرق والغرب للتعايش المشترك” يعكس علمها التام بأن ثمة رسائل واضحة باتجاه المساواة، والأخوة، والحرية الدينية.

أمنية لمؤتمر المناخ

رسائل البابا الذي يعد أول رمز ديني يزور البحرين امتدت خلال كلمته الأولى بالمملكة فور وصوله إلى التركيز على البيئة. كما عرج على مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي المزمع عقده في شرم الشيخ بعد أيام. كما أعرب عن أمله أن يكون خطوة للأمام في الحفاظ على البيئة.

وقال-فيما لا يعد انفصالًا عن مضمون خطابه: “شجرة الحياة التي تقف وحيدة في مشهد الصحراء تذكرني، بمجالين حاسمين للجميع. ويخاطبان خصوصًا من يتحملون مسئولية الخير العام، أولهما “البيئة” التي تأثرت سلبًا على مستوى الأشجار، والبحار بجشع الإنسان الذي لا يشبع”. كما لفت إلى أنها قضية ملحة ومأساوية، ولا بد من اتخاذ خيارات عملية، وبعيدة النظر من أجل الأجيال الشابة قبل فوات الأوان.

البابا أشار إلى قضية المياه كأولوية لاحقة مستشهدا بـ”الشجرة” التي تنقل المياه من باطن الأرض إلى الجذع ثم الأغصان والأوراق، وتعطي الأكسجين للخليقة.

خفض الإنفاق العسكري

مثال الشجرة الناقلة للمياه حسب خطابه- دفعه للتفكير في دعوة الإنسان لحياة مزدهرة، لقاء ما يشهده العالم من التهديدات بالقتل. على وجه الخصوص، وبنص كلمته: “نفكر في واقع الحرب الوحشي الذي لا معنى له الذي يزرع الدمار. لنرفض منطق السلاح، وتحول الإنفاق العسكري الضخم إلى استثمارات لمحاربة الجوع ونقص الرعاية الصحية، والتعليم”.

واختتم بقوله: “في قلبي يوجد ألم لحالات الصراع العديدة، أنظر إلى شبه الجزيرة العربية، وأحيي بلدانها، وأتوجه بتفكير صادق لليمن المعذب بالحرب المنسية، ومثل كل حرب لا تؤدي إلى أي نصر، وإنما إلى هزائم مريرة للجميع، وبشكل خاص أحمل بصلاتي المدنيين، والأطفال، والمرضى، لتسكت الأسلحة، ولنلتزم في كل مكان من أجل السلام”.

يشار إلى أن ملتقى “حوار الشرق والغرب لأجل التعايش” سينطلق في العاصمة البحرينية “المنامة” اليوم برئاسة الإمام الأكبر أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، والبابا فرنسيس الأول بابا الفاتيكان بحضور نحو 200 شخصية من قيادات الأديان، والمفكرين حول العالم لتعزيز التعايش المشترك، وتفعيل وثيقة الأخوة الإنسانية الموقعة في الإمارات العربية المتحدة عام 2019.