قبل عام بالضبط، وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، التقى زعماء العالم في قمة الأمم المتحدة للمناخ COP26 في مدينة جلاسكو الأسكتلندية، للاتفاق على الخطوات التالية لمعالجة تغير المناخ. من حيث خفض الانبعاثات الكربونية، والاعتماد على الطاقات النظيفة مع الابتعاد عن الفحم صاحب الآثار المدمرة.

جلس القادة، وتحدثوا، وتبادلوا الخطابات طيلة أيام. وفي النهاية عاد كل منهم إلى بلاده، مع وعد للقاء بعد عام في مدينة شرم الشيخ المصرية لمناقشة ما حققوه من كل هذا الحديث. في مؤتمرهم الجديد Cop 27، الذي ينعقد وسط ظروف عالمية بالغة الخطورة.

استعدادات Cop 27 في شرم الشيخ/ رويترز
استعدادات Cop 27 في شرم الشيخ/ رويترز

وفق حديث عدد من خبراء المناخ لـ BBC، فإن التقدم بشأن تعهدات المناخ في عام 2022 كان بطيئًا. حيث تشتت انتباه الحكومات في جميع أنحاء العالم، بسبب أزمات الطاقة العالمية والأزمات المالية. حتى أن الأمم المتحدة حذرت الأسبوع الماضي من أن “العالم يتجه نحو كارثة”.

وبينما يتمسك البعض ببصيص أمل. بما في ذلك تشريعات أمريكية جديدة، والتغيير الذي جرى للحكومة في البرازيل، والذي يمكن أن يعكس أفعال تدمير غابات الأمازون المطيرة. يتناول تقرير المحطة البريطانية سبعة لاعبين رئيسيين في قضايا المناخ، طارحا تساؤلات حول من يقود الطريق ومن يتباطأ.

اقرأ أيضا: جون كيري: قمة شرم الشيخ “مؤتمرا للتنفيذ” ونعمل مع مصر لإنجاحها.. ومساعدات للدول النامية للتعامل مع قضية المناخ

الولايات المتحدة: زعيم المناخ مرة أخرى؟

يشير التقرير إلى أن الولايات المتحدة “حققت قفزة هائلة إلى الأمام هذا العام، عندما أقرت قوانين جديدة كاسحة لمواجهة تغير المناخ”. حيث يمكن للتدابير الواردة في قانون الحد من التضخم، أن تقلل من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري -تلك الغازات التي تسخن الغلاف الجو – في البلاد بنسبة 40% بحلول عام 2030.

وبنقل التقرير عن دان لاشوف، المدير الأمريكي في معهد الموارد العالمية، قوله: هذا هو أكبر استثمار في حلول المناخ في تاريخ الولايات المتحدة. إنه مؤشر كبير على التقدم.

يهدف مشروع القانون إلى جعل الطاقة الخضراء هي الأساس الافتراضي في القطاعات الرئيسية، مثل الكهرباء والنقل والصناعة. والنتيجة الأكثر وضوحًا للمستهلكين، هي الحصول على ائتمان ضريبي يبلغ حوالي 7500 دولار لأولئك الذين يشترون سيارة كهربائية.

في الوقت نفسه، يشير التقرير إلى توقف التعاون الصيني- الأمريكي بشأن المناخ. في أعقاب زيارة نانسي بيلوسي، رئيس مجلس النواب الأمريكي، تايوان، وهي الزيارة التي أثارت الجدل مع غضب كبير في بكين. وهو ما قد يؤثر بشكل خطير على مفاوضات المناخ الدولية.

أيضا، استجابة لأزمة الطاقة، أطلق الرئيس الأمريكي جو بايدن 15 مليون برميل من النفط من الاحتياطيات إلى السوق. ووافق على عقود إيجار جديدة للتنقيب عن النفط والغاز. بينما لم تقدم الولايات المتحدة أيضًا نصيبها العادل من التمويل لدعم البلدان النامية -التي تعاني أكثر من غيرها من تغير المناخ- مما قد يضر بالعلاقات في COP27.

بريطانيا: القيادة والتردد”

كانت المملكة المتحدة هي من استضافت COP26، وحصلت فيه على تعهدات عالمية كبرى، وأظهرت نفسها كقائد دولي واضح للمناخ. بل، الملك تشارلز الثالث نفسه يُعّد ناشطا مناخيا. ورغم الاضطرابات الأخيرة في السياسة البريطانية، تراجع رئيس الوزراء الجديد، ريشي سوناك، عن قراره السابق بعدم الذهاب إلى مصر بسبب أولويات أخرى.

ونقل التقرير عن بعض الخبراء رؤيتهم أن هذا قد أضر بالمملكة المتحدة. تقول أليسا جيلبرت، مديرة السياسات في معهد جرانثام في إمبريال كوليدج بلندن، إن المملكة المتحدة تتجه نحو مؤتمر COP27 “الأضعف” بقيادة “مخيبة للآمال”.

وتشرح: أحد الأشياء الرئيسية المتعلقة بمؤتمر الأطراف هو القيادة السياسية من الأعلى. والتردد من رئيس الوزراء كان أسوأ في العام الذي كنا فيه رؤساء لمؤتمر الأطراف.

في الواقع، لم تزيد المملكة المتحدة من طموحها لمعالجة دورها في تغير المناخ. وذلك وفقًا لتحليل برنامج تعقب العمل المناخي للخطط المقدمة إلى الأمم المتحدة. حيث تسمى هذه “المساهمات المحددة وطنياً”، وهي جزء من اتفاقية باريس التاريخية، التي وعدت فيها البلدان بزيادة الطموح بانتظام لمواجهة تغير المناخ.

أيضًا، أدت أزمة الطاقة العالمية إلى تراجع لندن عن التزاماتها بإنهاء استخراج النفط والغاز الجديد في بحر الشمال. وإغلاق المحطات التي تعمل بالفحم.

يقول التقرير: قد لا تغير هذه التغييرات بشكل أساسي توازن الطاقة في البلاد. لكنها “ترسل إشارة خاطئة”، كما يوضح روبرت فولكنر، أستاذ العلاقات الدولية في كلية لندن للاقتصاد.

الاتحاد الأوروبي: الحصار من قبل روسيا

يعتبر الاتحاد الأوروبي هو الأكثر هرولة نحو معالجة تغير المناخ. لكن الغزو الروسي لأوكرانيا، وتأثير ذلك على إمدادات الطاقة إلى أوروبا، قوض تلك الخطوات السريعة.

يقول فولكنر: مد القادة شريان الحياة لمحطات الطاقة التي تعمل بالفحم. ونقدر أن الانبعاثات الأوروبية زادت فعليًا بنحو 2% في الأشهر الستة الأولى من هذا العام.

ويصنف متعقب العمل المناخي الآن أهداف الاتحاد الأوروبي المتعلقة بالمناخ وسياساته وتمويله على أنها “غير كافية”. كما لم يقم الاتحاد الأوروبي بإبلاغ الأمم المتحدة بتحديث خطط المساهمات المحددة وطنيا الجديدة.

لكن الدكتور فولكنر يعتبر العودة إلى الاستثمار في الوقود الأحفوري “نكسة مؤقتة”. ويقترح أن الاتحاد الأوروبي “يمكن أن ينتهز هذه الفرصة لجعل نفسه آمنًا للطاقة من خلال الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة”. مثلما تهدف خطة جديدة إلى زيادة حصة الاتحاد الأوروبي من الطاقة المتجددة في عام 2030 من 40% إلى 45%.

اقرأ أيضا: كارنيجي: مصر تتطلع لكوب 27 لصقل مكانتها الدولية وصدارتها بالعالم

الهند: طموحات كبيرة يعيقها الفحم

تعتبر الهند هي واحدة من الدول القليلة التي نشرت أهدافًا مناخية محدثة في عام 2022. حيث تتعهد بخفض كثافة الانبعاثات بنسبة 45% بحلول عام 2030. كما تريد أن تكون 50% من الطاقة متجددة. أو كما تقول كاميا شودري من كلية لندن للاقتصاد: “يكاد يكون من المستحيل التحدث عن الهند دون الحديث عن التقدم”.

لكن، خطة الهند لإعادة فتح 100 محطة لتوليد الطاقة بالفحم -وهو الوقود الأحفوري الأكثر تلويثًا- يمكن أن يكون عائقا أمام تلك الطموحات.

ينقل التقرير عن البروفيسور نافروز دوباش من مركز السياسة العامة ومستشار المناخ في الأمم المتحدة قوله إن “الرسوم الجمركية على الفحم تساعد في دفع تكاليف البنية التحتية الرئيسية، ويجب سد خسارة هذا الدخل”. ومع ذلك -كما هو الحال في البلدان الأخرى- يقترح شوداري أن هذا “مجرد إجراء قصير المدى مع أزمة الطاقة”.

ويقول متعقب العمل المناخي: تعهدات الهند ليست طموحة للغاية ويمكن تحقيقها من خلال إجراءات حكومية محدودة.

تمتلك البرازيل أحد مفاتيح مكافحة تغير المناخ. وهي غابات الأمازون المطيرة الضخمة. والتي تُعّد “رئتي الكوكب” كما يصفها البعض، حيث أنها تمتص كميات هائلة من الكربون.

وفي انتخابات مثيرة الأسبوع الماضي، أطاح الرئيس السابق لولا دا سيلفا، بمنافسه الرئيس جايير بولسونارو. وهو ما قد يغير مستقبل الأمازون بين عشية وضحاها. حيث كانت من بين أولى تصريحات الرئيس الفائز: “البرازيل مستعدة لاستعادة قيادتها في مكافحة أزمة المناخ”.

يشير التقرير إلى أن عودة دي سيلفا لرئاسة البرازيل، هي “تصويت على مصير الأمازون”. ففي عام 2021 وحده، زادت إزالة الغابات بنسبة 48%. ويعزو ريناتا بيازون، المدير التنفيذي في معهد أرابيو، هذا التآكل إلى الرئيس المنتهي حكمه بولسونارو، والذي دافع عن المزيد من التعدين في منطقة الأمازون.

يقول التقرير: منذ غلاسكو، تعرضت أهداف البرازيل لانتقادات باعتبارها “أقل طموحًا” من التعهدات التي تم التعهد بها في عام 2016. ولإخفاقها في الوفاء بالوعود.

وأضاف: تاريخيًا، استخدمت البرازيل الطاقة الكهرومائية لتوفير كميات كبيرة من الطاقة الخضراء. لكن الجفاف في عام 2021 أدى إلى تجفيف سدودها. رداً على ذلك، استثمرت في النفط والغاز، مع توقعات بأن استخدامها للنفط سيزداد بنسبة 70% بحلول عام 2030.

ومع ذلك، تتوقع وكالة الطاقة الدولية أن الطاقة الشمسية ستعوض خسارة الطاقة الكهرومائية في البلاد.

أستراليا: تعويض الخسارة

بينما أعادت السياسة بعض الآمال المناخية في البرازيل، شهدت السياسة تغيرًا في وجه أستراليا أيضًا. حيث انتخب رئيس الوزراء الجديد أنتوني ألبانيز في مايو/ أيار، وقام بتسريع خطط المناخ، منهيا عقدا من التراجع.

على عكس العديد من الدول، قدمت الحكومة الأسترالية أهدافًا جديدة إلى الأمم المتحدة. ووعدت بخفض الانبعاثات بنسبة 43% بحلول عام 2030، في قفزة كبيرة إلى الأمام عن هدفها السابق، البالغ 26%.

لكن بيل هير، الرئيس التنفيذي لشركة كلايمت أناليتيكس، يقول إنه “يبدو تقدمًا كبيرًا فقط، بسبب مدى تأخر أستراليا عن الركب”، موضحا في حديثه لكاتب التقرير البريطاني أنه “كان هناك تغيير طفيف في السياسة حتى الآن، وبالتأكيد ليس في مجال الوقود الأحفوري”.

ولفت إلى أن ولايات أستراليا قادت الطريق في زيادة الطاقة المتجددة. لكن البلاد لا تزال من بين أكبر خمسة منتجين للفحم في العالم.

وعلى الرغم من أن أستراليا وعدت في COP26 بإنهاء إزالة الغابات، فقد تم تصنيفها في عام 2021 على أنها الدولة المتقدمة الوحيدة التي تعد “نقطة ساخنة” لفقدان الأشجار. حيث تم تدمير ما يقرب من نصف الغابات في شرق القارة الصغيرة.

الصين: ملوث “رائع” يستثمر في مصادر الطاقة المتجددة

تلعب الصين دورًا معقدًا في العمل المناخي العالمي. وعلى عكس البلدان في العالم المتقدم، فهي ليست مسؤولة عن انبعاثات غازات الاحتباس الحراري التاريخية التي يقول العلماء إنها تسببت في تغير المناخ حتى الآن.

لكن، وفق BBC، فهي الآن “ملوث رائع”، بسبب نموها الاقتصادي السريع للغاية.

وكما يوضح نيل هيرست، زميل السياسة الأول للطاقة والتخفيف في معهد جرانثام. إن بكين “تحرق نصف الفحم في العالم، وتحجم عن تقليصه بسبب نقص الطاقة”.

ومع ذلك، تعد الصين أيضًا أكبر مستثمر في الطاقة المتجددة. حيث أن ربع السيارات المسجلة حديثًا في الصين تعمل بالكهرباء.

ويوضح هيرست: “إنهم يبذلون جهودًا كبيرة ويضعون أهدافًا متطلبة. بما في ذلك زيادة انبعاثات الكربون إلى ذروتها بحلول عام 2030”. كما ان البلاد لديها طموحات كبيرة لمعالجة انبعاثات الكربون من خلال غرس الأشجار.

وفي مايو/ أيار، تعهد الرئيس شي جين بينج بزراعة 70 مليار شجرة بحلول عام 2030.