التشريعات الاقتصادية، يمكن تعريفها بأنها مجموعة القوانين والتشريعات التي تعمل على تنظيم جميع نواحي مباشرة النشاط الاقتصادي العام أو الخاص، أي سواء كان النشاط الاقتصادي يتم ممارسته من داخل الدولة، ومن خلالها أو في نطاقها، أو من خارج نطاق الدولة، وذلك يكون في القطاع الاقتصادي الخاص، مثل الشركات الخاصة أو الأنشطة الاقتصادية الفردية.

اقرأ أيضا.. على هامش مؤتمر المناخ

ويشمل القانون الاقتصادي كل تشريع يشمل جانبا من جوانب الاقتصاد، فالتشريع التجاري يعد اقتصاديا لارتباطه بالأشخاص والأعمال المتعلقة بالإنتاج والمشروعات الصناعية أو بالتوزيع للسلع والخدمات كما في الشركات. ويمكن القول بأن التشريعات الاقتصادية هي مجموعة من القوانين المتعلقة بالأنشطة الاقتصادية سواء من حيث إنتاج أو استهلاك أو توزيع السلع والخدمات.

ويجب أن نؤكد على أن علاقةُ الدستور والقوانين بالاقتصاد مهمة للغاية، فكيف يمكن للمشرع أن يضعَ ويصدر الأنظمة والقوانين الاقتصادية دون أن يكون لديه خلفية اقتصادية كافية؟! والمرحلة المقبلة تتطلب مواكبة المنظومة التشريعية والقانونية للمتطلبات والطموحات الاقتصادية، حَيثُ لا يمكن القيام بالنشاطات الاقتصادية إلا من خلال إطار قانوني يسمح بذلك، فالقانون ينظم العلاقات والعقود التجارية ويفض المنازعات بين الأفراد والجماعات والدول، وبالمقابل فَـإنَّ القانون يعكس الظروف الاقتصادية والاجتماعية في المجتمع، وعندما يضع المشرِّعُ المبادئَ القانونية يأخذ بالاعتبار الظروفَ والعلاقاتِ الاقتصادية القائمة وَإذَا كانت هناك مقولة بأن السياسة والاقتصاد وجهان لعملة واحدة فَـإنَّ التغيرات المذهلة عالميًّا ومحليًّا في الفترة الأخيرة أثبتت أنه لا يمكن الحديث عن القانون بمعزل عن الاقتصاد أَو العكس.

إذن فالتشريعات الاقتصادية تعد من أهم المجالات التشريعية التي يجب أن تتوخى الهيئات التشريعية الحذر حال قيامها بسن قوانين متعلقة بما يخص القطاعات الاقتصادية، وبما يجب من ناحية أولية أن يحافظ على الملكية العامة ولا يسمح بالتفريط في ثروات البلاد، ويضمن حسن استغلالها وإدارتها بما يضمن الانتفاع منها وتطويرها، ومن ناحية ثانية بما يكفل أو يحافظ على ضمان الحقوق للمواطنين المرتبطة بمجموعة الحقوق الاقتصادية، وأهمها الحق في الصحة والمسكن والتعليم والغذاء، كما وإن التطورات الاقتصادية والاجتماعية المتوالية تخلف حتما أعباء ثقيلة على عاتق الدول من جوانب مختلفة يلزم أن تكون الدولة مواكبة لها ومتطورة بتطورها، فتلجأ إلى التماس أفض الحلول نجاحا لمجابهة تلك التطورات والمستجدات بما يجلب لها منافعها ويدفع عنها مضارها، وبما يواكب التطورات الاقتصادية والاجتماعية المتسارعة، وأن عدم مجابهة التشريع وعدم مسايرته للتطورات التي تحدث في الدولة اقتصاديًا واجتماعيًا إنما يخلق فجوة عميقة بين نصوص التشريع القائم والواقع العملي الذي تعيشه الدولة الأمر الذي يعد بلا ريب أحد عيوب التشريع.

كما يجدر التنويه إلى أن دور التشريع الهام في تحقيق التنمية لا يعني أن هناك قالبا ثابتا للتشريع وتحقيقه للتنمية الاجتماعية والاقتصادية، بل يجب أن تكون التشريعات بحسبها من أهم العلوم الاجتماعية متطورة مع تطور المجتمع، ومع ما يتناسب من احتياجاته.

ومن زاوية المواطنين فإن التشريعات الاقتصادية يجب أن تحافظ على حقوق المواطنين في التعايش والتعامل بما يضمن لهم الحياة والوجود، بكل مشتملات الحق في الحياة من مقتضيات، ولا يدع الأمر كله دونما حماية أو تنظيم، ويجد هذا الأمر صورته المثلى فيما يخص التعاملات اليومية بين المواطنين في السلع والخدمات الحياتية، حيث يجب أن تضمن التشريعات على الأقل الحدود الدنيا التي تجعل المواطنين في حالة من الارتياح بين متطلباتهم وبين اشتراطات الأسواق، حيث يجب أن تتدخل الدولة بسلطتها التشريعية لتنظيم العديد من الأمور المتعلقة بالأسواق والسلع والتسعير، ولا يجب بشكل مطلق أن يتم إطلاق تلك الأمور إلى سياسة السوق المفتوح أو الحر، وهو الأمر الذي قد يعجز المواطنين عن الوفاء بالعديد من احتياجاتهم ومتطلباتهم، ذلك خصوصا في حالات الارتفاع المضطرد للأسعار أو حالات اختفاء بعض السلع، بما يسمح بوجود حالة من الاحتكار بين التجار بحثا عن المزيد من الربح، دونما مراعاة لأية ظروف يمر بها المواطنون، أو تمر بها الدولة.
كما تشكل البنية القانونية في حدها الاقتصادي مفتتحا ذا أهمية واضحة في مجالات الاستثمار، وجذب رؤوس الأموال، إذ إنه كلما كانت البنية التشريعية والمناخ القانوني جيدا كلما كان هناك إقبال على الاستثمار داخل البلد، وذلك بما يضمن عدم التفريط في الممتلكات العامة أو السماح بما يضر بالثروات الطبيعية للبلاد.

ولما كانت أشكال التشريعات الاقتصادية كثيرة ومتداخلة ومتشعبة بين حقوق الوطن وحقوق المواطنين، ومتداخلة في مجموعة من الحقوق ذات الأهمية للمواطنين، فإنه يجب أن تكون السياسات التشريعية نابعة من داخل السلطة التشريعية بحسبها صاحبة الاختصاص الأصلي في التشريع، وبما يضمن أن تكون تلك التشريعات متناسبة مع احتياجات المواطنين دون الميل نحو السلطة التنفيذية بحسبها السلطة الحاكمة او المسيرة لأمور المواطنين، إذ إنه في حالة سيطرة السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية وتبعية الأخيرة لها، فإن ذلك لا يضمن وجود أية تشريعات تتناسب واحتياجات المواطنين، بل إنه يدعم فقط ما تمليه متطلبات السلطة التنفيذية حتى ولو كان لا يقع في خانة الحقوق، أو كان لا يضمن حقوق المواطنين أو يقلل منها أو يضيق من نطاقها.

وإذا كانت الظروف الاقتصادية التي تمر بها مصر ويتحملها المواطن المصري باتت تضيق أكثر وأكثر، وبات وضع الفقر المالي يتقافز للأعلى بما يزيد من مساحة الفقراء بشكل متزايد، فإن الأمر هنا يجب معه مراجعة شاملة لكافة القوانين المرتبطة بالاقتصاد، سواء ما كان منه متعلقا بالحقوق المالية العامة، أو كان متعلقا بالتعاملات المالية اليومية بين الأفراد، بما يضمن الوفاء باحتياجات المواطنين اليومية، أو بصيغة عامة ما يضمن حصولهم على حقوقهم الاقتصادية بشكل متوازن وعادل، ولا يجعل المواطنين عرضة للمزيد من الفقر والاحتياج، أو للمزيد من الانتقاص من الحقوق الاقتصادية، إذ إن ذلك هو العامل الأهم لبقاء السلطات بأنواعها في البلاد، لكونها لابد وأن تكون داعمة للحقوق وحامية لها.