عندما أصدرت الحكومة الشرعية اليمنية نهاية الشهر الماضي قرارا بتصنيف جماعة الحوثي منظمة «إرهابية»، ظنت أنها قادرة على إقناع دول الجوار العربي بتبني هذا القرار والموافقة عليه في اجتماع القمة العربية الذي عقد في الجزائر الأسبوع الماضي، إلا أن ممثلي الشرعية اليمنية أصيبوا بخيبة أمل إثر تجاهل أشقائهم العرب لمطلبهم رغم محاولات الوفد اليمني الحثيثة بالحصول على أغلبية تدعم موقفهم.

اقرأ أيضا.. اليمن والسعودية.. بشائر أزمة بين حلفاء الضرورة الألداء

بعد الهجوم الذي نفذته جماعة الحوثي على ميناء ضبة النفطي بمحافظة حضرموت جنوب شرقي اليمن يوم 21 أكتوبر/تشرين أول الماضي، وتبني الجماعة مسئولية العملية معلنة على لسان ناطقها العسكري، ومهددة بتكرار الهجمات في حال استمر علميات «نهب الثروة الوطنية»، اجتمع مجلس الدفاع الوطني وأصدر قرار بتصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية، وفي اليوم التالي أقرت الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا القرار.

مجلس الدفاع اليمني اعتمد في إصداره القرار المشار إليه على مواد ومعايير تصنيف المنظمات الإرهابية الواردة في اتفاقيات عربية ودولية خاصة بتصنيف الجماعات الإرهابية، واليمن إحدى الدول التي صادقت على تلك الاتفاقيات.

الزعماء العرب في قمة الجزائر

معظم الدول العربية أدانت الهجوم على الميناء النفطي، ووصفت البيانات الصادرة عن حكومات تلك الدول الهجمات الحوثية بـ«الإرهابية»، وهو ما جعل مجلس القيادة اليمني يستشرف أن بمقدوره انتزاع قرار من الجامعة العربية يدعم موقفهم.

وزير الخارجية اليمني أحمد عوض بن مبارك أشار في تصريحات له أدلى بها قبيل انعقاد القمة العربية في الجزائر إلى أن حكومته طالبت جامعة الدول العربية بتنفيذ توصية الاجتماع الذي عقد على مستوى المندوبين بإدراج جماعة الحوثي كمنظمة «إرهابية»، لافتا إلى أن كل المحاولات التي بذلها المبعوث الأممي ونظيره الأمريكي لتمديد وتوسيع الهدنة الإنسانية مطلع أكتوبر الماضي باءت بالفشل نتيجة تعنت الحوثيين ورفعه سقف مطالبهم للحد الذين اشترطوا فيه دفع الحكومة الشرعية رواتب العسكريين الذين يحاربون الشعب اليمني.

وأشار بن مبارك إلى المؤشرات تظهر أن جماعة الحوثي ماضية في غيها وفي رفعها للسقف وتحديها لإرادة اليمنين، «هذا الأمر ليس له ارتباط بالملف اليمني تحديدا، لكنه مرتبط بما تعانيه إيران حاليا من ضغوط داخلية، وله علاقة بإخفاق طهران في مسار المشاورات النووية مع الغرب، وهو ما ينعكس على تصرفات ميليشيا الحوثي».

ودعا بن مبارك من الدول العربية أن تدعم الحكومة الشرعية في استعادة الدولة، مؤكدا على أنه «لا حل في اليمن إلا على أساس المخرجات المتوافق عليها وطنيا وإقليميا ودوليا وهي المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار والقرار الدولي رقم 316».

تصنيف الحكومة الشرعية اليمنية للحوثيين كمنظمة «إرهابية» لم يكن القرار الأول من نوعه، ففي يناير 2021 صنفت الإدارة الأمريكية الحوثيين كمنظمة «إرهابية أجنبية»، وذلك في نهاية ولاية الرئيس السابق دونالد ترمب، رغم التحذيرات من تبعات التصنيف على الجانب الإنساني والاقتصادي على اليمنيين.

وما أن تولى الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن السلطة حتى تراجع عن قرار سلفه في 16 فبراير 2021، وبررت إدارته هذا التراجع بأنه يأتي لدواع وأسباب إنسانية، ولإتاحة الفرصة للمسار السياسي.

وفي مطلع العام الحالي أعيد طرح الملف مجددا، وذلك عقب الاعتداءات التي نفّذها الحوثيون بطائرات مسيّرة وصواريخ استهدفت منشآت وبنى تحتية مدنية في دولة الإمارات، كانت سبقتها ضربات تم توجيهها إلى نقاط داخل الحدود السعودية.

ميليشيا الحوثي

الضربات التي طالت الإمارات حركت النقاشات الإقليمية والدولية في هذا الملف، وتمكن الإمارتيون من انتزاع القرار (2624) لعام 2022 من مجلس الأمن، والذي أدان الاعتداءات الحوثية، ووصفها بــ«الجماعة الإرهابية»، وأدرجت جماعة الحوثي بموجبه تحت قائمة العقوبات الأممية الخاصة وفقا لقراراته السابقة ذات الصلة.

وبعد صدور القرار بأيام أدرجت الجامعة العربية في اجتماع لوزراء الداخلية العرب جماعة الحوثي ضمن القائمة السوداء لممولي ومنفذي ومدبري الأعمال الإرهابية، وذلك بعد تبني عددا من الدول الإقليمية والخليجية المطلب الإماراتي بضرورة إدراج الجماعة ضمن قوائم الجماعات الإرهابية، بعد الهجمات التي اعتبرتها بعض الدول العربية بأنها ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب.

بعد تشكيل مجلس القيادة الرئاسة اليمني في إبريل الماضي بأيام نجحت الجهود الأممية في الوصول إلى اتفاق هدنة إنسانية امتدت لنحو 6 شهور، لكن تلك الجهود فشلت في تمديدها وتوسيعها مطلع أكتوبر الماضي بسبب تعنت الحوثي وفرض الجماعة شروط مبالغ فيها، وبعد انقضاء الهدنة بأيام وجيزة نفذت الجماعة أكثر من اعتداء طال منشآت اقتصادية ونفطية ومدنية.

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي حضر الكلمة التي سيلقيها على الزعماء العرب وظن أنه سيحصل على موافقة القمة بتصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية وهو ما سيرتب آثارا قد تضاعف الضغوط على الجماعة ومن يدعمها.

العليمي دعا القادة العرب في كملته أمام القمة إلى تصنيف جماعة الحوثي منظمة إرهابية دعما لقرار مجلس الدفاع الوطني اليمني، وقرار مجلس الجامعة العربية رقم 8725، ولفت نظرهم إلى أن «جماعة الحوثي اختارت التصعيد بنحو غير مسبوق مستعينة بالنظام الإيراني، وتهدد يوميا المنشآت الاقتصادية في عموم اليمن ودول الجوار».

وشدد على ضرورة القيام بعمل عربي جماعي في اليمن يتصدى للمشروع الحوثي، ومحاولات سلخ اليمن عن نسيجه الخليجي والعربي، وتحويله إلى نقطة انطلاق إيرانية لتهديد الأمن القومي العربي، وإمدادات الطاقة العالمية.

وذكر العليمي الحضور بأن حكومته التزمت ببنود الهدنة الأممية إلى اليوم، رغم رفض الحوثي تمديدها، ودعاهم إلى «ضرورة حرمان هؤلاء الإرهابيين (الحوثيين) من ملاذات آمنة ومنابر تعبوية، وتجفيف مصادر تمويلاتهم»، منوها إلى أن تفكيك أيديولوجياتهم الخادعة سيكون «بداية الطريق لهزيمتهم واستعادة مسار السلام الحقيقي والمستدام، على أن ذلك لن يكتمل دون مواجهة وعزل النظام الإيراني الذي يمنح الإرهابيين الملاذ، والسلاح، والمال، والإعلام».

التوازنات والموائمات في قمة «لم الشمل»، دفعت العديد من الدول الأعضاء بالجامعة العربية إلى تجاهل نداء المسئول اليمني، ما دعا الوفد اليمني إلى التعبير عن غضبهم خلال الاجتماعات المغلقة واللقاءات الثنائية التي عقدت على هامش القمة.

وقدم القادة الذين التقاهم العليمي أعذارا بسبب عدم تبني موقف الشرعية اليمنية، ترواحت بين التوزانات الإقليمية المختلة، وتحاشي تصعيد الخلافات السعودية الأمريكية على خلفية قرار خفض إنتاج النفط، فضلا عن استمرار الصراع في شرق أوروبا بين روسيا وأوكرونيا «العالم لا يحتمل إشعال صراعات أخرى والأفضل أن يتم تجميد الموقف في اليمن إلى حين الوصول إلى اتفاق أطراف الصراع على هدنة جديدة»، قال مسئول عربي رفيع للوفد اليمني.

رشاد العليمي رئيس المجلس الرئاسي اليمني

وفيما عبرت الصحافة اليمنية المحسوبة على الحكومة الشرعية عن الغضب اليمني من الموقف العربي، جهر مسئول يمني بما يدور في الجلسات المغلقة لمسئولي الحكومة الشرعية، «يبدو أن حقيقة ميليشيات الحوثي الانقلابية الموالية لنظام الفقيه لم تصل الى الدول العربية المتحفظة على تصنيف الحوثي منظمة إرهابية»، قال فيصل المجيدي وقال وكيل وزارة العدل اليمنية.

وكتب المجيدي تغريدة له على موقع تويتر أوضح فيها أن «الدول العربية التي تتحفظ على إدراج الحوثي كجماعة إرهابية يبدو أن الحقيقة لم تصلها كما ينبغي عن دور ذيل إيران في اليمن»، مضيفا «يكفي أن تعلم تلك الدول أنها هجرت 5 ملايين يمني، وزرعت 2 مليون لغم، ودمرت البنية التحيتة لما بناه اليمنيون في 6 عقود، وحولت المدارس إلى معسكرات تدريب للحرس الثوري الإيراني».

وفي الصحف والمواقع الإخبارية طغت عناوين تحمل النظام العربي مسئولية استمرار الأزمة من عينة «قمة الجزائر لم تلبي تطلعات اليمنيين»، و«القمة العربية تتجاهل مطالب الشرعية اليمنية»، وغيرها من التقارير والتحليلات التي ترى أن العرب تخلوا عن اليمن.

مشاعر خيبة الأمل اليمنية تعمقت، عندما خلا البيان الختامي للقمة من تحميل إيران مسئولية ما يجري في اليمن من صراع وتهديدها ليس للأمن اليمني فحسب بل لأمن الخليج العربي.

وقال مسئول يمني إن اكتفاء البيان الختامي للقمة بالإعلان عن رفض كافة أشكال التدخلات الخارجية في شئون اليمن الداخلية، وعدم اتهام القمة لإيران بالعبث بالأمن اليمني أصاب الأوساط السياسية وكل الأطراف المنضوية تحت لواء الشرعية بصدمة شديدة، «اليمن للأسف تحت الوصاية الإقليمية والدولية، والتحالف العربي أنشئ بناء على طلب الشرعية اليمنية، ولأن التدخل قد سمح به من قبل مجلس الأمن، ولأن أمن اليمن هو جزء لا يتجزأ من الأمن القومي العربي فكان لزاما على الدول العربية اتخاذ موقف أكثر قوة».

ويضيف المسئول اليمني أن «رئيس مجلس القيادة الرئاسي تفهم الموقف المصري الداعم لجهود التسوية السياسية، فالقاهرة ترغب منذ فترة في أن تلعب دور الوسيط الذي لم يتورط في الصراع، وسبق لها أن استضافة وفود حوثية في محاولة للوصول إلى طرح سياسي للأزمة، لكنها لم تنجح في إقناعهم بالجلوس إلى مائدة التفاوض».

لكن ذات المسئول كان يرى أن على القيادة المصرية أن تدعم توجه الحكومة الشرعية الرامي إلى حصار جماعة الحوثي خاصة بعدما أصرت الأخيرة على تهديد خطوط الملاحة واستهدفت ناقلات نفط كانت في طريقها إلى البحر الأحمر ومنها إلى قناة السويس، وهو ما يعني أن التهديد الحوثي طال مصر بشكل مباشر.

ووصف المسئول اللقاء الذي جمع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي برئيس مجلس القيادة اليمني على هامش القمة بالإيجابي، لكنه لام على القيادة المصرية عدم دعم المطالب اليمنية، والتمسك بخيار التسوية السياسية بحسب ما جاء في بيان الرئاسة المصرية عن اللقاء.

ويقول مراقبون إن تحركات المبعوث الأمريكي تيموثي ليندركينج والأممي هانس جروندبرج، والتي ستبدأ الأيام القادمة وتشمل دولا خليجية وعربية في إطار جهوده الرامية للعودة إلى مسار التهدئة وتمديد الهدنة في اليمن، قد تصطدم بتصنيف الحكومة الشرعية للحوثي منظمة إرهابية، وهو القرار الذي لم يلق أي ترحيب دولي وإقليمي.

ودعا سياسيون الحكومة الشرعية إلى عدم التعاطي مع تحركات المبعوثين الأمريكي والأممي إلا بعد حل معضلة التصنيف، «حتى لا يضعف موقفها التفاوضي أكثر مما هو ضعيف على المستوى العسكري» وهو ما تستغله المليشيات في مهاجمتها للقوات الحكومية في أكثر من جبهة.